خاص الاجتهاد: لقد زار العلامة المجلسي المشهد المقدّس الغروی( النجف) مرّتين؛ مرّة فی زمن والده، ومرّة بعد وفاته عند مجيئه إلی المکّة المعظّمة، وصنّف فيه مجلّد المزار من بحار الأنوار وترجمة فرحة الغری. وتوطّن فی الغری قريباً من سنتين، وراح المکّة والمدينة. وزار مشهد الرضا “عليه السلام” وتوطّن فيه أيضاً قريباً من سنتين. وکان يدرس ويصنّف فيه، حتّی صنّف کتاب الأربعين فيه، وکتاب الرجال فی طريقه.
شيخ الإسلام العلامة المجلسي رحمة الله عليه: فهو المولى محمد باقر ولد سنة 1037 وتوفي سنة 1110 هـ ق والده العلامة محمد تقي المجلسي ولد سنة 1002 وتوفي سنة 1070 هـ ق وكان من الفقهاء والمحدثين الأعلام،
له مؤلفات قيمة منها: (روضة المتقين) في شرح من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق كما شرحه باللغة الفارسية أيضاً بعنوان (لوامع صاحبقراني) كما اهتم غاية الاهتمام بنشر الصحيفة السّجادية فنشأ العلامة محمد باقر المجلسي رحمة الله عليه في بيت العلم والفضيلة والزعامة الدينية معه أخوان فاضلان عالمان: ملا عزيز وملّا عبد الله،
وقد هاجر إلى الهند لنشر علوم أهل البيت وبقي فيها، وله أخوات أربع كلهن من الفاضلات المتقيات لهن مؤلفات كشرح الكافي، والمشتركات في الرّجال وشرح شرايع الإسلام وشرح المطالع وشرح قصيدة دعبل الخزاعي وغيره. وجدّهم العلامة الحافظ أبو نعيم الإصفهاني، له مؤلفات منها: تاريخ أصفهان وحلية الأولياء.
مؤلفاته: قد امتاز بكثرة التأليف والتصنيف باللغتين العربية والفارسية.
ومن الأول: 1 ـ بحار الأنوار في 110 مجلدات ومرآة العقول في شرح الكافي الثقة الإسلام الشيخ الكليني رحمة الله عليه في 26 مجلداً و 2 ـ وملاذ الأخيار في شرح التهذيب لشيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمة الله عليه في 16 مجلداً، 3 ـ والفرائد الطريفة في شرح الصحيفة السجادية 4 ـ وشرح الأربعين حديثاً 5 ـ وصراط النجاة.
وأمّا الفارسية: 1 ـ حقّ اليقين في الإعتقادات 2 ـ وزاد المعاد في الأدعية. 3 ـ وعين الحياة في المواعظ. 4 ـ وحلية المتّقين في الآداب والسنّن. 5 ـ حياة القلوب في ثلاث مجلدات في تاريخ الأنبياء والأئمة الأطهار . 6 ـ ومشكاة الانوار مختصر حياة القلوب. 7 ـ وجلاء العيون في مصائب أهل البيت عليهم السلام. 8 ـ وتوقيعات صاحب الزمان عليه السلام.
أساتذته: منهم والده الشيخ محمد تقي المجلسي رحمة الله عليه توفي سنة 1070 هـ ق. 2 ـ آقا حسين الخونساري توفي سنة 1098 هـ ق.
هذا التقرير الذي يحوي على المطالب الفريدة عن العلامة محمد باقر المجلسي أعلى الله مقامه الشريف، كتبه كاتب نسخة من بحار الأنوار على هامش نسخته. وفي ما يلي نقدم هذا النص وفقا للنسخة الخطية لمكتبة الإمام الصادق عليه السلام في مدينة أردكان:
توفّی الفاضل الکامل العلاّمة، علاّمة العلماء فی جميع الأعصار والأمصار، خاتم المجتهدين، وآية الله فی العالمين، المولی محمد باقر – طيّب الله مضجعه الشريف – طلوع الفجر يوم الاثنين السابع والعشرين من شهر الله الأعظم المتبرّك شهر رمضان المبارك من شهور سنة عشر ومائة وألف من الهجرة المقدسة النبوية، علی هاجرها ألف ألف صلاة وتحية.
ومن الغرائب أن اتّفق مولده الشريف أيضاً فی مثل هذه الساعة من مثل هذا اليوم من الشهر العظيم، ووافق تاريخ تولّده: جامع کتاب بحار الأنوار.
وکان سنّه الشريف ثلاثاً وسبعين سنة بلا زيادة ونقيصة. وقد عاش فی زمن والده السعيد الزاهد المتورّع، ملاذ الفضلاء والمحدّثين، النحرير التقی النقی ثلاثة وثلاثين سنة، وبقی بعد وفاته قدّس الله روحه أربعين سنة، کما عاش والده بعد وفاة شيخنا البهائی طاب ثراه أربعين سنة.
وکان رحمه الله صلّی صلاة الجمعة فی المسجد الجامع العبّاسی عشرين سنة بعد وفاة الفاضل الکامل النحرير إلی رحمة الله الباری مولانا محمد باقر السبزواری.
وکان قد ارتکب شيخ الإسلام والمسلمين، وکان ارتکابه لهذا الأمر مع وجوبه عليه مع إصرار شديد عند تکليف عنيف من السلطان المرحوم المبرور السلطان سليمان، وکان زمن ارتکابه لهذا الأمر اثنی عشر سنة.
وکان بعد أن صلّی الجمعة يفسّر القرآن علی المنبر.
وکان فی شهر الله الأعظم يصلّی فی المسجد الجامع العتيق فی الاصفهان کلّ يوم، ويصلّی الظهرين مع نوافلهما، ثمّ يفسّر القرآن المجيد، وبعده يقابل الصحيفة السجادية – صلوات الله علی من ألهمها – ويترجمه ويبيّن معانيه ونکاته وأسراره بأحسن تبيين.
ومن الغرائب أيضاً أنّ آخر يوم وعظه کان يفسّر سورة الرحمان وختم علی هذه الآية: <کلّ من عليها فان ويبقی وجه ربّك ذو الجلال والإکرام>. وختم من أدعية الصحيفة الکاملة علی دعاء التوبة.
وکان آخر مجلس درسه يوماً راح الايلچی من الروم… القيصر، وعرض علی السلطان أن يری مجلس درسه، فرخّصه السلطان، فجاء إلی المسجد العتيق وشرع فی المباحثة، إلی أن جاء الايلچی حين الدرس وسلم عليه وجلس علی جنبه، فقال: سمعت أوصافکم فی بلاد الروم ومشتاقون إلی لقائکم غاية الاشتياق. فلمّا راح قال إنّی حسبته کان هذا نوراً مجسّماً قد جهل فی هذه البلاد قدره. ثمّ أهدی إليه بعض الأجناس.
وکان آخر ما کلّمه مع سلطان المرحوم المبرور الشاه سلطان حسين يوم التحويل، وکان شايعاً فی زمن السلطان ضرب العود والطنبور يوم التحويل، فسأل السلطان عن حلّيّته، فأجاب بأنّه حرام. ثمّ قال السلطان: هذا علی سبيل الميمنة والبرکة. فأجاب بأن لا برکة فی المحرّم. قال: إنّه هل يضرّ بالصوم أو لا؟ فأجاب إنّه ينقص ثوابه وأجره. فعند ذلك أمر السلطان بترك هذه السنة القبيحة الغير المشروعة.
ولقد زار المشهد المقدّس الغروی مرّتين؛ مرّة فی زمن والده، ومرّة بعد وفاته عند مجيئه إلی المکّة المعظّمة، وصنّف فيه مجلّد المزار من بحار الأنوار وترجمة فرحة الغری. وتوطّن فی الغری قريباً من سنتين، وراح المکّة والمدينة.
وزار مشهد الرضا عليه السلام وتوطّن فيه أيضاً قريباً من سنتين. وکان يدرس ويصنّف فيه، حتّی صنّف کتاب الأربعين فيه، وکتاب الرجال فی طريقه.
وبعد أن مات طاب ثراه صلّی عليه فی المسجد الجامع العتيق الفاضل المحقّق والعالم المدقّق، وحيد عصره وفريد دهره، السابق فی مضمار الفضل والکمال جميع الأقران والأمثال، المولی جمال الدين محمد الخوانساری.
وکان کثرة الناس بحيث يخافوا من الهلاك والبوار، حتی جزّوا اللباس الذی هو من سريره قطعات متفرّقات، وکذا الجنازة کسروها وأخذوا قطعاتها علی سبيل الميمنة والبرکة.
ودفن بقرب المسجد الجامع العتيق فی قبّة معروفة مشهورة بجنب والده طيّب الله مضجعهما. وقد دفن فی تلك القبّة وذلك الموضع الشريف جمع کثير من السادات والفضلاء المتورّعين؛
منهم: السيد الفاضل والنحرير الکامل، أسوة الزهّاد والعبّاد، وقدوة الفضلاء والسادات فی جميع البلاد، النائل رحمة الکريم وغفرانه السيد علاء الدين محمد المسمّی بگلستانه، وله تصنيفات وتعليقات وفوائد متفرّقات، منها: شرحا نهج البلاغة الصغير والکبير بالعربية، ولقد بالغ جهده فی توضيح أسراره وتبيين نکاته وإبانة أنواره، وکتاب منهج اليقين فی الکبائر والصغائر.
ومنهم: الفاضل الکامل العلاّمة الفهّامة، زين العلماء والمحدّثين، المغمور فی بحار ألطاف السبحانی المولی محمد صالح المازندرانی، وله تأليفات وشروح وتعليقات، منها: شرح الأصول من الکافی، فلقد أحسن فی حلّ مشکلات أخباره، وأوضح دقائق نکات أسراره بما لا مزيد عليه، وشرح المعالم، فقد حلّ فيه مشکلاته، وأوضح سرائره ومعضلاته. ومنهم: الفقيه البارع الورع والخبير المتورّع مولانا محمد علی الاسترآبادی.
ومنهم: الفاضل الکامل العالم العامل الحبر الزاهد المولی محمد هادی المازندرانی ابن المولی محمد صالح السابق ذکره طاب ثراهما ابن أخت العلاّمة المجلسی المذکور ألقابه الشريفة – شکر الله مساعيهم الجميلة – الماهر فی أکثر الفنون من التفسير والفقه والحديث وأصول الفقه والمعانی والبيان والصرف والنحو، وقد ألّف فی جلّها بل کلّها تأليفاً وافياً محتوياً علی فوائد شريفة ودقائق منيفة، منها: تفسير القرآن وترجمته ومعانيه، وشرح بعض فروع الکافی والقواعد وشرح الشافية والصمدية وشرح المعالم. وغيرهم من العلماء والصلحاء والسادات وغيرهم طيّب الله مضجعهم.
وکان [العلاّمة المجلسی] رحمه الله فی أيّام اشتغاله بأمور الشرع يباحث فی کلّ أسبوع يومين فی المسجد العتيق.
وکان فی أوائل شغله يأمر بالمعروف وينهی عن المنکر، حتی اطّلع أنّ جماعة من أهل السند کانوا فی الاصبهان يعبدون الأصنام؛ ولمّا کان هذا مخالفاً لشرائط الذمّة توجّه إلی رفعها وکسرها. فتوصّلوا إلی جماعة من الأمراء، وتعهّدوا أنّه لو رفع منهم هذا الأمر وترکوا يعبدون الأصنام أن أعطوا إلی السلطان عشرة آلاف تومان.
وکان رحمه الله اشتدّ الأمر عليهم، حتی عرض إلی السلطان، وقام بهذا الأمر حتی أمر السلطان بکسر الأصنام؛ فأمر رحمه الله إلی إحضار الأصنام إلی باب السلطان، وجلس هناك وکسرها.
وأمر أن يرمی کلّما کان من الأصنام من الحجر إلی الخلاء، وما کان منها من … أمر أن يصاغ منه ظرف متعارف فی هذه الأزمنة يوضعها فی المجالس لإدخال البصاق إليها؛ فصيغ منها ثلاث وأرسل واحدة منها إلی السلطان، وأرسل واحد منها إلی الدستور الأعظم شيخ علی خان، وکان الآخر وضع عنده. وهکذا کانت سنّته إلی انقضاء نحبه.
وکان رحمه الله يصلّی المغرب والعشاء والفجر فی المسجد، ويصلّی الظهرين فی بيته.وکان زمن اشتغاله بأمور الشرع يرافع من طلوع الشمس إلی وقت الظهر فی کلّ أسبوع أربعة أيّام.
وکان فی يوم الاثنين والثلثاء يباحث فی المسجد إلی قريب الظهر ومدرسه معروف. وقد کان فی مدرسه کثرة الناس بحيث لا يسع له مکان، فلقد عدّ فی مدارسة کتاب الأصول من الکافی أربعمائة رجل، کان أکثرهم من الفضلاء.
المصدر : كتاب عرفان مجلسي للكاتب : رحيم قاسمي