موسوعة الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) للعلامة شريف القرشي + تحميل

الاجتهاد: موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌ السلام من مؤلفات العلامة الشيخ باقر شريف القرشي هي دائرة معارف في الكلمات والرسائل والأدعية الصادرة عن الإمام علي (ع) والمنشورة في أحد عشر مجلداً باللغة العربية.

نمط المؤلف في كل مجلد من الموسوعة هو أنه يقدم تمهيدا بحثيا المتربط بمواضيع هذا المجلد. يتكون نص كل مجلد من عدة أقسام عامة تحتوي على عناوين فرعية. ذكر في ذيل العنوان الفرعية رواية أو اكثر منها مع شرح موجز لواحد.

عددّ المؤلف في مقدمة المجلدات سمات شخصية الإمام علي (ع). ذكر انسابه، مأثره و القابه و نشئاته و … في المجلد الاول و في الثاني ذكر غزواته و مافيها و بيعة الناس معه و حوادث حوله.

بين المصنف في المجلد الثاني بيان الامام (ع) في فضل القرآن و تفسيره والمجلد الرابع الكلام دائر مدار الادعية الصادرة عنها. في الخامس ذكر المسند الامام الذي ما رواه عن النبي (ص)

أشار بعد المقدمة الی أنساب أمي المؤمنین علي. في عالم النسب، ليس نسب أكثر إشراقًا من أميرالمؤمنين (ع) لأنه يمتلك جميع عناصر الشرف والكرامة ، وهو من بني هاشم المعروفة بالشجاعة والضيافة ومساعدة الجار والصفات المميزة. ذِكر أسماء هاشم وعبدالمطلب وأبوطالب وفاطمة بنت أسد عنوانا لأربعة أكارم من بني هاشم هي قضية تظهر في المجلد الأول. تشمل الموضوعات الأخرى المذكورة في المجلد الأول اللاي تكون تعريف بمولد الكعبة وكيفية تسميته وعناوينه وخصائصه الأخلاقية والآيات التي صدر لشأنه.

في المجلد الثاني ، أدخلت لأول مرة الحروب والغزوات التي رافق فيها علي (ع) النبي (ص) واحدة بعد واحدة. بعد ذلك، تمت دراسة الأحداث التي سبقت وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) وهي الحجة الوداع، وقضية غدير خم ونزول آية اكمال الدين. ثم دراسة موضوع السقيفة وأحداث خلافة في زمن أبي بكر وعمر حتى وفاة عثمان.

يحتوي المجلد الثالث من الكتاب على جزئين. في الفصل الأول ، ملاحظات الإمام قي القرآن الكريم ، بالإضافة إلى الفضائل المختلفة. في الجزء الثاني ، يبدأ تفسير الإمام على آيات القرآن الكريم بفصل سورة الحمد الي سورة الفلق.

في المجلد الرابع ، يتم ذكر فوائد الصلاة وأهميتها من كلمات الإمام أولاً، ثم يتم ذكر أدعيته وصلواته في الموضوعات والأمكنة والأوقات المتنوعة. في نهاية هذا الفصل ، هناك الدعوات الخامسة تعلم النبي(ص) للإمام (ع).

في المجلد الخامس ، ذكر 208 رواية التي نقلها الإمام عن النبي (ص) تحت عنوان المسند الإمام. في بداية هذه الروايات نقرأ أن دور الإمام أميرالمؤمنين (ع) له أهمية خاصة في المحافل الإسلامية وغيرها لأنه يكشف مدى الارتباط الفكري والروحي بين الإمام (ع) والنبي (ص). كما أنه يكشف عن الميراث النبي (ص) العظيم، الذي نقله الإمام و هو مشتمل جميع زوايا الحياة.

في المجلد السادس ، يتم عرض وصايا ووعظاته وحكماته بشكل منفصل. إن وصية الإمام علي (ع) الى الحسنين وأبنائه الآخر ، وكذلك وصايا الى بعض الصحابة ، مثل كميل بن زيد ، هي واحدة من مبادئ التربوي الإسلامي الذي يبني الأسس الرفيعة لتعالي النفس و التهذيب.

في بداية المجلد السابع من الكتاب توجد آيات من القرآن الكريم. كان أحد البرامج السياسية في حكومة الإمام نشر التعليم و المعرفة بين الناس؛ لذلك ، وضع مسجد الكوفة مدرسة لإلقاء خطبه الفكرية العلمية والقيمة، كالدعوة إلى الله والكشف عن فلسفة التوحيد والتفكير في الإيمان بالله اللتي على أساس أدلة قطعية وعلمية. خرجت من هذه المدرسة مجموعة من الأعاظم مثل الصحابي و التابعين الكبار، عمار بن ياسر ، وحجر بن عدي ، وكميل بن زياد ، وغيرهم. في هذا المجلد من الكتاب، تم ذكر عدد من كلماته في فضيلة العلم وذم الجهل وتكريم العلماء.

في الجزء الثامن من الموسوعة، حياة الإمام أميرالمؤمنين (ع) باحتجاجاته ومناظراته ، وهي تحمل طابعا فكريا وعلميا وتعدّ في طليعة البحوث الكلامية خصوصا في مناظراته مع علماء النصارى واليهود ، فقد تجلّى فيها الإبداع والأصالة وعمق المناهج العلمية التي استدلّ بها الإمام ، والتي اقتبس منها بعض علماء المسلمين الذين قصدوا للردّ على علماء النصارى واليهود وبيان فساد معتقداتهم.

وموضوع المجلد التاسع التحدّث عن قضاء الإمام أميرالمؤمنين (ع) ، وإنّما ذكر المؤلف الفصول المتقدّمة تمهيدا أو استطرادا ـ كما يقول علماء الاصول ـ للبحث عن قضاء الإمام (ع)، فقد برز على مسرح القضاء الإسلامي كألمع شخصية علمية موهوبة عرفها التاريخ الإسلامي في فنّ القضاء وغيره من البحوث الفقهية. ان شروط وأهمية الحكم وأحكامه في زمن النبي (ص) والخلفاء وعهودهم هي محتويات هذا المجلد.

يعرض المجلد العاشر من الكتاب إلى :

ـ البحوث التمهيدية التي ألقت الأضواء على شئون الموظّفين من ولاة وعمّال وجباة.

ـ وما قنّنه الإمام (ع)لهم من الواجبات والمسئوليات التي حفلت بها رسائله التي زوّدهم بها، وهي جزء لا يتجزّأ من أنظمته السياسية التي صاغها لتكون دستورا للحكم الإسلامي في جميع العصور والأزمان.

ـ كما يعرض هذا الكتاب إلى شئون ولاته وعمّاله على الأقاليم الإسلامية الذين كانوا أمثلة للتقوى والنزاهة والعدالة والتحرّج في الدين.

المؤلف قال في تقديم المجلد العاشر:

هذا الكتاب جزء من موسوعة الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهي على سعتها وكثرة بحوثها وتنوّع مواضيعها ، إنّما تلقي الأضواء على بعض معالم حياته من دون أن تلمّ بجميع شئونها ، فإنّ ذلك أمر بعيد المنال ؛ لأنّ جميع ما خلق الله تعالى من صنوف الفضائل وضروب الكمال والآداب كانت من عناصره ومقوّماته. ومن المؤكّد أنّه ليس في هذا القول مغالاة أو بعد عن الحقّ ، فإنّ من يتصفّح سيرته يؤمن ويذهب إلى ما أقول.

يتناول حروب الإمام الثلاثة ضد انحرافات الحق والتمرد على الزعيم الإسلامي. يصف المؤلف في هذا المجلد مدى محنته العظيمة.

ويعرض المجلد الأخير من الموسوعة إلى الحروب الثلاث التي خاضها الإمام ضدّ المنحرفين عن الحقّ ، والمتمرّدين على القيم الإسلامية ، وهي تصوّر مدى محنته الكبرى ، وما لاقاه فيها من جهد شاق وعناء عسير ، حتّى تركته في أرباض الكوفة قد طافت به المحن والخطوب حتّى لاقى مصيره المشرق بالجهاد والكفاح.

مقدمة الكتاب

كلمة النّاشر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ )

إذا أراد إنسان كامل الحجى متتامّ النّهية كالنبي 9 ، بيان ما يتمتّع به شخص من المنزلة لديه ، والمكانة عنده ، فقد يستخدم لأداء ذلك تعابير شتّى ، فإذا أراد بلوغ الغاية في الإطراء والمديح ، فليس أقصى من أن يقرنه بنفسه ، ولا أبلغ في بيان مكانته عنده ، من أن يقول : هو نفسي ، او بمنزلتي ، وما شاكل ذلك من التعابير.

ولشدّ ما نتساءل هل كان بإمكانه 9 في بيانه لمكانة أمير المؤمنين وسيّد العابدين عليّ بن أبي طالب 7 من نفسه ، أن يزيد على ما قاله ممّا اتّفقت عليه كلمة أهل الإسلام ، من أمثال قوله :

« عليّ أخي ، وصيّي ، حربك حربي ، سلمك سلمي ، أنا المنذر وعليّ الهادي ، لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو عليّ ، رفيقي في الجنّة ، من أطاع عليّا فقد أطاعني ، من عصى عليّا فقد عصاني ، عليّ منّي بمنزلتي من ربّي ، بمنزلة رأسي من بدني ، خير من أترك بعدي ، خير أمّتي ، وزيري ، عيبة علمي ، باب علمي ، من أحبّه أحبّني ، من أبغضه أبغضني ، وارثي ، إنّ عليّا منّي وأنا منه ، وليّ كلّ مؤمن بعدي ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاده ، من كنت مولاه فهذا وليّه ، خير البريّة ، وغير ذلك ممّا يضيق عن ذكره المجال.

هذا بعد قوله تعالى في آية المباهلة مع نصارى نجران : ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) يعني عليّا ، فلعمر الحقّ ، ما هذا بجزاف من القول ، بل فيه آيات بيّنات.

وأمّا هذا السّفر الذي بين يديك ، الجليل بجلالة موضوعه ، والكريم بكريم محتواه ، فهو ممّا حبّرته يراعة الكاتب الفذّ ، والعالم الملهم ، صاحب التآليف القيّمة ، والقلم السمح بسهولة اللفظ ، وجودة البيان ، وحسن التنسيق ، الذي أثرى مكتبة التراث بمؤلّفاته المعطاءة ، سماحة الشيخ باقر شريف القرشي حفظه الله وأطال عمره المبارك في خدمة معارف الإسلام.

وإنّه لمن دواعي السرور لدى مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلامية التي تعنى بفرائد الكتب ، أن تتصدّى لطبع ونشر هذا السّفر الشريف.

مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة

الخامس من ذي القعدة ١٤٢٢ هـ

 

 

كلمة شكر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

عند ما يسعى المرء في إبراز فضائل سيّد الأوصياء 7 وتتظافر اهتماماته على رصف الكلم ، وتحرير الصفحات للتعريف بمناقب الآية الكبرى والنبأ العظيم ، فإنّ ذلك من دواعي الشرف الوفير ، والافتخار والاعتزاز ، حين يوفّق المرء لهذا العمل ، لما فيه من التقرّب إلى الله تعالى ، وإلى رسوله 9 ، الذي شرّف الدنيا بوجوده وبآله الطيّبين الطاهرين ، وفي طليعتهم أمير المؤمنين 7 الذي كان هو نفس النبيّ 9 بنصّ القرآن ، وباب مدينة علمه.

وهذه الموسوعة تبحث عن تلك الصورة المشرقة من سيرة مولى الموحّدين والآفاق المضيئة من حياته المباركة التي تعبق منها المثل الكريمة ، والخصال الجميلة ، والأبعاد الإنسانية بما للكلمة من معنى. ونحن نحمد الله عزّ وجلّ على ما وفّقنا إليه من المتابعة والإشراف وتقويم النصوص لهذه الموسوعة لتخرج بحلّتها القشيبة ولتكون بين يدي القارئ الكريم ، الذي كان ينتظرها بشوق ليتعرّف على تلك السيرة العطرة.

ولا يسعني وأنا اشاهد هذا الأثر النافع يرى النور ، إلاّ أن أتقدّم بالشكر والتقدير للإخوة الذين ساهموا في مساعدتي في إخراج هذه الموسوعة.

وكذلك أرفع آيات الشكر والتقدير لمؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة لتحمّلها مسئولية نشر هذا التراث الكبير.

وأخيرا نسأله تعالى أن يتقبّل منّا هذا الجهد ، إنّه سميع مجيب.

والحمد لله أوّلا وآخرا

مهدي باقر القرشي

١١ ذي الحجّة ١٤٢٢ هـ

 

تقديم

من جهاد الرسول الأعظم محمّد 9 ، وكفاح أخيه ووصيّه الإمام أمير المؤمنين 7 انطلقت أشعة النور التي أضاء سناها في سماء الجزيرة العربية ، وامتدّت موجاتها المشرقة إلى امم العالم وشعوب الأرض ، وهي تحمل التحرير الكامل لفكر الإنسان وإرادته وسلوكه ، وتقدّم له منهجا متطوّرا وإصلاحا شاملا لجميع مناحي حياته ، التي منها إشاعة العلم وإقصاء الجهل وتنمية العقل ورفع مستوى الإنسان من مساوئ الحياة إلى حياة تزدهر بالوعي والنور.

من فم الرسول 9 ارتفعت أسمى كلمة في دنيا الوجود إنّها كلمة التوحيد التي تحمل جميع ألوان التحرّر للإنسان ، وتحسم جميع ألوان العبودية لغير الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة. وتبنّى الرسول 9 بصورة إيجابية كلمة التوحيد وأعلنها في مكّة ، وحمل لواءها وصيّه وباب مدينة علمه ، وهو يلوّح بها في فضاء مكّة التي كانت موئلا للأصنام والأوثان ، ومركزا لجهل الإنسان وخرافاته.

وهبّت في وجه الرسول 9 الاسر العاتية من قريش مجمعة على إخماد نور الرسالة ، ولفّ لواء القرآن ، وإعادة الجاهلية إلى مجتمعها ، فانبرى إليهم بطل الإسلام الخالد الإمام أمير المؤمنين بشجاعته النادرة محاميا عن النبيّ 9 ومدافعا عنه فكان القوّة الضاربة التي وقفت إلى جانب الرسول 9 وحمته من شرّ اولئك الوحوش.

وليس في دنيا الإسلام وغيره شخصية تضارع شخصية أبي الحسن في مواهبه وعبقرياته وسائر ملكاته التي استوعبت ـ بشرف وفخر ـ جميع لغات الأرض ، وتحدّث عنها العلماء بإكبار وإعجاب ، وكان من جملة مواهبه إحاطته الكاملة بأسرار الشريعة وأحكام الدين فكان فيها العلم البارز. ولم تقتصر مواهبه وطاقاته العلمية على فقه الشريعة وأحكام الدين وإنّما كانت شاملة لجميع شئون الكون في فضائه وكواكبه ومجرّاته ، وهو القائل : « سلوني عن طرق السماء فإنّي أعلم بها من طرق الأرض … ».

إنّ هذا العملاق العظيم قد بهر العالم بعلومه ومواهبه التي لا تخضع للحصر …

وقد أراد أن يقيم في هذا الشرق العربي صروحا للعلم بجميع صوره وأنواعه ، ويؤسّس مراكز للتطوّر والتقدّم التكنولوجي ، ويشيع العلم والمعرفة في العالم الإسلامي ، ولكنّ العتاة الظلمة وقفوا أمام تطلّعاته ورغباته كما وقفوا من قبل أمام أخيه وابن عمّه الرسول 9 ، فسعوا مجمعين جاهدين إلى إفشال مخطّطاته ووضعوا أمامه الحواجز والسدود.

وكان من أهمّ ما يتطلّع إليه الإمام ويصبو إليه أن يؤسّس في دنيا الإسلام حكومة قائمة على العدل الخالص والحقّ المحض ، ويوزّع خيرات الله تعالى على عباده ، فلا يختصّ بها فريق دون فريق ولا قوم دون آخرين ، وأن ينعم الإنسان في ظلّ حكومته ، ولا يبقى في البلاد أي شبح للبؤس والحرمان ، فالكفر والفقر في شريعة الإمام سواء ، فكما يجب مكافحة الكفر كذلك يجب مكافحة الفقر.

إنّ الإمام أخو الفقراء وأبو البؤساء وأمل المحرومين والمعذّبين في الأرض ، وقد جهد على إسعادهم وإشاعة الرفاهية والسعة بينهم ، ولكنّ القوى الباغية التي يمثّلها الأمويّون قد خاصموه وحاربوه وصدّوه عن سياسته وأهدافه ، ولو أنّ الامور استقامت له لرأى الناس من صنوف العدل في ميادين الحكم والإدارة ما لم يروه في جميع فترات التاريخ.

إنّ هذا الإمام الملهم العظيم أوّل مظلوم في دنيا الإسلام ، فقد طافت به المحن والأزمات يتبع بعضها بعضا بعد وفاة أخيه وابن عمّه الرسول 9 ، وراحت القوى الحاقدة عليه تهتف بقوى محمومة : « لا تجتمع النبوّة والخلافة في بيت واحد … ».

واقصي الإمام عن الخلافة وقيادة الامّة ، وقبع في أرباض بيته يسامر الهموم ويبارح الأحزان ويصعّد آهات آلامه ، فقد عامله القوم كمواطن عادي ، والغيت في حقّه جميع وصايا الرسول.

ولمّا آلت إليه الخلافة بعد مقتل عثمان عميد الاسرة الأموية قامت قيامة القرشيّين وورمت آنافهم ، فقد خافوا على مصالحهم وعلى امتيازاتهم وما نهبوه من الثراء العريض في أيام حكومة عثمان ، فجنّدوا جميع ما يملكونه من طاقات مادية وسياسية للاطاحة بحكومته. لقد أبغضوه ونقموا عليه لأنّه لم يتجاوب مع مصالحهم ، لقد أخلص للحقّ وجهد في إقامة العدل ، وتبنّى قضايا المحرومين والبائسين ، وآثر رضا الله تعالى على كلّ شيء.

إنّ القوى الحاقدة على الإمام كانت على يقين لا يخامره شكّ أنّ الإمام لا يقيم أي وزن لمصالحهم ورغباتهم التي هي أبعد ما تكون عن منهج الإسلام ومصلحة المسلمين ، فقد صحبوه طفلا وشابا وكهلا ، وعرفوا شدّة وطأته وتنمّره في ذات الله تعالى ، وشاهدوا ضرباته القاصمة في فجر الدعوة الإسلامية حينما حصد رءوس أعلامهم ، وما أشاعه في بيوتهم من الثكل والحزن والحداد. فإذا هم خصومه وأعداؤه قبل أن يكون خليفة ، وبعد أن صار حاكما وخليفة عليهم.

إنّ الأحداث الجسام التي ألمّت بالإمام 7 بعد وفاة أخيه الرسول الأعظم 9 يجب أن تدرس بعمق وشمول وينظر في محتوياتها وأبعادها حسب الدراسات العلمية البعيدة عن الأهواء والعواطف ، فقد تركت تلك الأحداث بصماتها على مجريات الأحداث في العالم الإسلامي وأغرقته بالمحن والخطوب.

من المؤسف أنّ التاريخ الإسلامي في عصوره الاولى لم يكتب له أن يدرس دراسة واعية مستوعبة ، بعيدة عن التيارات المذهبية ، وإنّ من الحقّ أن ينظر إلى تلك الحقبة الخاصّة من الزمن التي أعقبت وفاة الرسول 9 فتدرس دراسة ملمّة بشئونها وملابساتها ، فقد احيطت بالقيود والأغلال وظلّت قابعة بالتعتيم والغموض والإبهام.

إنّ كلّ شيء في عصر النهضة الفكرية خاضع للدراسة العلمية ، فقد خضع الفضاء والمجرّات للدراسة سوى التاريخ الإسلامي الذي ظلّ مكبّلا بقيود الطائفية ورواسب التقاليد الموروثة ، وابتعد عن التحقيق والتدقيق.

إنّ من أهمّ الأحداث التي جرت في العصر الإسلامي الأوّل مؤتمر السقيفة والشورى ، فلم يقرّر فيهما مصير الامّة الإسلامية وقضاياها المصيرية ، فقد قدّمت فيهما المصالح الشخصية والرغبات الخاصّة واستهدفت فيها إقصاء الإمام عن الحكم وإبعاده عن كلّ ما يتعلّق بالدولة الإسلامية ، وما يرتبط بشئونها السياسية والعسكرية … وقد تمّ ذلك بوضوح فقد عزل الإمام وابعد ، وحرمت الامّة من مواهبه وعبقرياته ، وما أراده لها من التطوّر والتقدّم والسيادة العامّة على جميع امم العالم وشعوب الأرض.

ومني العالم الإسلامي بأحداث رهيبة من جرّاء إقصاء الإمام 7 عن قيادة الامّة ، كان من أفجعها محنة وأقساها بلاء أن آلت الخلافة الإسلامية التي هي ظلّ الله تعالى في الأرض إلى بني اميّة الذين هم من ألدّ أعداء الرسول 9 ومن أكثرهم حقدا عليه ومن أشدّ الناقمين على قيمه ومبادئه ، فأنزلوا الضربات القاصمة على آله الذين هم وديعته وخزنة علومه ، وطاردوا شيعتهم ، وأشاعوا المنكر والفساد في الأرض.

وبعد أن طويت حكومة الأمويّين واستولى العباسيّون على الحكم نشروا الجور والظلم ، وسخّروا اقتصاد الامّة صوب شهواتهم ولياليهم الحمراء ، وصبّوا جام غضبهم على السادة العلويّين دعاة الاصلاح الاجتماعي ، وعلى شيعتهم بصورة أكثر بشاعة ، وأقسى عنفا ممّا اقترفه الأمويّون تجاههم.

وعلى أي حال فإنّ جميع ما عاناه المسلمون من الكوارث والأزمات أيام الحكم الأموي والعباسي كان ناجما ـ من دون شكّ ـ من مؤتمر السقيفة والشورى ، وسندلل على ذلك في بحوث هذا الكتاب.

أمّا الإمام  فهو من مغارس النبوّة ، ومن مشارق أضوائها ، إنّه من الشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي اكلها كلّ حين بإذن ربّها.

إنّ تاريخ الإمام يرتبط ارتباطا وثيقا بسيرة الرسول فهو جزء لا يتجزّأ من سيرته ونضاله ، فهو المثل الأعلى له ، والقوّة الضاربة التي وقفت إلى جانبه أيام محنة الإسلام وغربته ، فقد جاهد معه كأعظم ما يكون الجهاد حتى قام الإسلام على سوقه عبل الذراع ينشر الوعي ، ويفتح آفاق الفكر ويضيء جوانب الحياة ويدمّر الجهل ، ويحطّم الشرك.

واستوعبت شخصية هذا الإمام الملهم العظيم أفكار العلماء وروّاد الفكر من مسلمين وغيرهم في جميع الأعصار والأمصار ، فقد أذهلهم ما أثر عنه من العلوم والمعارف التي لم يعرفها الشرق العربي وغيره ، وتحدّثوا ـ بإعجاب ـ عن روعة قضائه ، وسموّ بلاغته ، وإعجاز فصاحته وما خلّفه من ثروات تعدّ من مناجم الأدب وذخائر الفكر والبيان ، يقول ابن أبي الحديد : « ما أقول في رجل تعزى إليه كلّ فضيلة ، وتنتهي إليه كلّ فرقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وسابق مضمارها ، ومجلّي حلبتها ».

وقد تناول العلماء والادباء البحث عن شخصيّته ، وكتبوا عشرات الكتب عن سيرته ، ومئات المقالات عن حياته ومآثره ، ومن المؤكّد أنّهم لم يلمّوا بجميع مناحي شخصيّته وإنمّا ألقوا الأضواء عليها.

إنّ معالم شخصية الإمام وما خلّفه من الثروات الفكرية والعلمية قد حفل بها الكثير من المخطوطات العربية التي ضمّتها خزائن المخطوطات في مكتبات العالم.

وعلى أي حال فإنّي على يقين لا يخامرني شكّ أنّه لا يستطيع أي عالم مهما بذل من جهد شاق أن يلمّ بشخصية هذا العملاق العظيم ويحيط بمكوّناته النفسية والعلمية فإنّ الإحاطة بذلك أمر بعيد المنال.

لا أعتقد أنّ شخصية في التاريخ الإنساني اختلفت فيها آراء الناس كشخصية الإمام ، فقد تباينت فيها آراء محبّيه ومبغضيه واختلفوا فيه كأشدّ ما يكون الاختلاف ، فقد غالى فيه بعض محبّيه غلوّا فاحشا ، وأسرفوا إسرافا مقيتا ، فزعموا أنّه المدبّر لهذا الكون والموجد للحياة دفعهم ـ فيما أحسب ـ إلى هذا الغلوّ الفاحش ما رأوه من سموّ ذاته وسعة علومه وشجاعته النادرة وبسالته في الحروب واندفاعه نحو الحقّ ، فاعتقدوا جازمين بإلهيّته.

وأفرط آخرون في بغضه وكراهته ، فذهبوا إلى كفره ومروقه من الدين لأنّ الإمام قد وترهم وأباد آباءهم في سبيل الإسلام ، وهؤلاء هم النواصب … وتبعهم الخوارج في بغض الإمام وهم الذين أرغموه على قبول التحكيم حينما أحرزت جيوشه النصر الحاسم على معاوية وصار في متناول أيديهم ، فرفع أصحابه المصاحف ففتنوا بها ، ودعوه إلى تحكيمها ، فيما شجر بينه وبين معاوية من خلاف ، وعرّفهم الإمام أنّهم إنّما رفعوا المصاحف غيلة ومكرا ، وأنّهم لا يؤمنون بالقرآن ولا يدينون بأحكامه فلم يستجيبوا له ، وشهروا سيوفهم ورماحهم في وجهه ، وأرغموه على التحكيم ، ولمّا استبان لهم ضلال ما ذهبوا إليه حكموا بكفره لأنّه استجاب لهم أوّلا ، وقد امتحن الإمام 7 بهم كأشدّ ما يكون الامتحان ، فقد جرّعوه نغب التهمام ـ على حدّ تعبيره ـ ، ومنذ ذلك الوقت أيقن بافول دولة الحقّ واستعلاء كلمة الباطل لأنّه لم تكن له قوّة يركن إليها. وبقي في أرباض الكوفة يصعّد آهاته وأحزانه حتى وافته المنيّة على يد مجرم باغ أثيم من الخوارج.

وعلى أي حال فالغلاة والنواصب والخوارج خارجون عن هدي الإسلام ومارقون من الدين ولا نصيب لهم من هدي القرآن.

وليس من الوفاء ، ولا من الانصاف في شيء أن لا اشيد بإجلال وتعظيم ما أسداه عليّ من الطاف سماحة المغفور له حجّة الإسلام والمسلمين أخي الشيخ هادي شريف القرشي نضّر الله مثواه ، فقد تتابعت عليّ أياديه منذ فجر صباي حتى بلغت سن الشيخوخة ، وواساني في السرّاء والضرّاء ، ولم يبق أي لون من ألوان البرّ والإحسان إلاّ تكرّم به عليّ ، ففي ذرى عطفه واصلت مسيرتي في الدراسة والتأليف ، و إنّي أتضرّع إلى الله تعالى أن يجازيه عنّي خير ما يجازي عباده الصالحين ، وأن يجزل له المزيد من الرحمة والغفران.

ومن الحقّ عليّ أن أذكر بكل خير سماحة استاذنا المعظّم حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ حسين الخليفة على ألطافه المتواصلة وتشجيعه لي في خدمة أهل البيت : ، شكر الله مساعيه وأعزّ به الدين.

كما أنّ من الواجب أن اشيد بألطاف أخي في الله سماحة حجّة الإسلام والمسلمين سيّدنا المعظّم السيّد الجواد الوداعي دامت بركاته ، فقد كان له الفضل الوافر على مكتبة الإمام الحسن ، فقد أمدّها بالكثير من شئونها ، وإنّي أسأل من الله تعالى أن يجزل له المزيد من الأجر ويحفظه ذخرا لأهل العلم والتوفيق بيد الله تعالى يهبه للصالحين من عباده.

إنّه ولي التوفيق

النّجف الأشرف

باقر شريف القريشى

١٨ / محرّم الحرام / ١٤١٨ هـ

فهرس بعض المحتويات

الإهداء

4

كلمة النّاشر

5

كلمة شكر

6

تقديم

9

النّسب الوضّاح

17

المآثر الكريمة :

19

1 ـ عبادة الله :

19

2 ـ حلف الفضول :

20

3 ـ إخراج ماء زمزم :

21

4 ـ سقاية الحاج :

22

5 ـ إطعام الطعام :

22

أعمدة الشرف من الهاشميّين :

23

1 ـ هاشم :

23

2 ـ عبد المطّلب :

24

3 ـ أبو طالب :

25

رعايته للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

25

حمايته للإسلام :

26

تبنّي أبي طالب الدعوة الإسلامية :

31

وصيّته الخالدة :

32

في ذمّة الخلود :

33

تأبين النبيّ له :

34

4 ـ فاطمة بنت أسد أمّ الإمام عليه‌السلام :

36

سبقها إلى الإسلام :

36

مبايعتها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

36

رعايتها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

36

روايتها للحديث :

36

إقامتها في بيت الإمام :

37

وفاتها :

37

وليد الكعبة

39

كيفيّة ولادته :

42

مشرق النور :

42

مع الشعراء :

43

1 ـ السيّد الحميري :

43

2 ـ بولس سلامة :

44

3 ـ منعم الفرطوسي :

44

تسمية امّه له :

45

تسمية أبي طالب له :

46

سنة ولادته :

47

ألقابه :

47

1 ـ الصدّيق :

47

2 ـ الوصي :

47

مع الشعراء :

48

1 ـ خزيمة بن ثابت :

48

2 ـ عبد الرحمن الجمحي :

49

3 ـ جرير بن عبد الله البجليّ :

49

4 ـ سعيد بن قيس :

49

5 ـ حجر بن عدي :

50

6 ـ النعمان بن عجلان :

50

7 ـ أبو الأسود الدؤلي :

50

8 ـ الفضل بن العباس :

51

9 ـ حسّان بن ثابت :

51

10 ـ الكميت :

51

11 ـ المتنبّي :

51

12 ـ أبو تمام الطائي :

51

13 ـ دعبل الخزاعي :

52

3 ـ الفاروق :

52

4 ـ يعسوب الدين :

53

5 ـ الوليّ :

54

6 ـ أمير المؤمنين :

55

7 ـ الأمين :

56

8 ـ الهادي :

56

9 ـ الاذن الواعية :

56

10 ـ المرتضى :

57

11 ـ الأنزع البطين :

57

12 ـ الشريف :

57

13 ـ بيضة البلد :

58

14 ـ خير البشر :

58

15 ـ سيّد العرب :

59

16 ـ حجّة الله :

59

كناه :

60

1 ـ أبو الريحانتين :

60

2 ـ أبو السبطين :

60

3 ـ أبو الحسن :

60

4 ـ أبو الحسين :

61

5 ـ أبو تراب :

61

مع الأمويّين :

64

ملامحه وصفاته :

65

1 ـ وصف النبيّ له :

65

2 ـ وصف ضرار للإمام :

66

3 ـ وصف ابنه محمّد له :

67

4 ـ وصف المغيرة له :

67

5 ـ وصف بعض المعاصرين له :

68

نشأته

69

احتضان النبيّ للإمام :

71

التربية النبوية للإمام :

72

1 ـ نكران الذات :

73

2 ـ التحلّي بالصفات الكريمة :

74

3 ـ الاجتناب عن الصفات المذمومة :

76

سبقه للإسلام :

80

حبّه للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

82

قيامه بخدمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

82

نماذج من أدعيته للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

83

تمجيده للنبيّ :

86

كتابته للوحي :

87

كتابته لعهود الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

88

تحطيمه للأصنام :

88

1 ـ مناة :

89

2 ـ صنم طيّ :

89

3 ـ أصنام مكّة :

89

نقش خاتم الإمام عليه‌السلام :

90

اجتنابه للخضاب :

90

دار سكناه :

91

عناصره النّفسيّة

93

إيمانه الوثيق بالله :

95

إنابته لله تعالى :

96

العصمة من الذنوب :

100

زهده :

103

صور مذهلة من زهده :

103

1 ـ لباسه :

104

2 ـ طعامه :

106

بطولته النادرة :

109

قوّته الهائلة :

111

حلمه :

112

بوادر من حلمه :

112

صبره :

115

تواضعه :

116

شذرات من تواضعه :

117

عيادته المرضى :

118

كراهته للمدح :

119

إجابته لدعوة من دعاه لتناول الطعام :

120

سخاؤه :

120

شذرات من جوده :

121

الرأفة بالفقراء :

123

عدله

126

بوادر من عدله :

126

سعة علومه :

130

سرعة الجواب :

131

الإمام عليه‌السلام في رحاب القرآن الكريم

133

الآيات النازلة في حقّه

135

الآيات النازلة في أهل البيت عليهم‌السلام

142

احتجاج العترة بالآية :

144

1 ـ الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام :

144

الآيات النازلة في حقّه وذمّ مخالفيه

155

الإمام عليه‌السلام في ظلال السّنّة

159

الكوكبة الاولى

161

مكانته عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

161

4 ـ الإمام عليه‌السلام وزير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

166

احتجاج الإمام بالحديث :

171

14 ـ من أحبّ عليّا فقد أحبّ الله :

175

15 ـ حبّ عليّ إيمان ، وبغضه نفاق :

177

16 ـ عنوان صحيفة المؤمن حبّ عليّ عليه‌السلام :

178

الكوكبة الثانية

180

4 ـ الاجتياز على الصراط بإجازة من الإمام عليه‌السلام :

183

الأخبار النبوية في فضل العترة

185

حديث الثقلين :

185

سند الحديث :

188

دلالة الحديث :

188

حديث السفينة :

188

السؤال عن محبّة أهل البيت عليهم‌السلام :

191

الاقتداء بأهل البيت عليهم‌السلام :

191

 

 

عنوان: موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

المؤلف: باقر شريف القرشي.

المحقق: مهدي باقر القرشي.

الناشر: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية.

الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع).

تاريخ النشر : ١٤٢٩ هـ.ق.

 

رابط قراءة وتحميل الموسوعة

http://ar.lib.eshia.ir/27213/1/1

https://shiabooks.net/library.php?id=7865

 

رابط بديل

http://alfeker.net/library.php?id=4851

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky