ويأتي كتاب “تنظيم الدولة الإسلامية: النشأة والتأثير والمستقبل”، الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات في مايو/أيار 2016، ليُفكِّك الكثير من المقولات والأساطير التي أحاطت بـتنظيم الدولة الإسلامية؛ مُقَدِّمًا تفسيرًا عميقًا للظاهرة، ساعيًا إلى تحقيق عدد من الأهداف، أهمها: معرفة خلفيات وأسباب صعود هذه الظاهرة.
الاجتهاد: منذ ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتمدُّده، لا تتوقَّف المحاولات المتعجِّلة عن تفسير هذه الظاهرة دون دراسة متأنِّية، وفهمٍ عميق للخلفيات والأرضيات التي أسهمت في نشوء هذه الظاهرة. ولم يَحْظَ تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، الذي أعلن الخلافة،إلى اليوم بدراسة بحثية رصينة يمكنها أن تقرأ بشكل جيد أسباب الظهور، ومستقبل هذه الظاهرة.
تقديم قراءة مُعمَّقة تُمَحِّص الصحيح والسقيم بشأن أصول هذا التنظيم، ومصادر دعمه وتمويله، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار السرعة الهائلة التي أسقط التنظيم بها الجيش العراقي في الموصل، وبات يسيطر على ما يقرب من 25% من أراضي سوريا وأكثر من 40% من أراضي العراق.
معرفة التأثيرات التي تركتها الظاهرة على صعيد المجتمعات، والدول والعلاقات الدولية. تقديم نظرة استشرافية لمستقبل هذا التنظيم. توفير معلومات ذات مصداقية عالية، وتحليلات معمَّقة عن تنظيم “الدولة الإسلامية”. ويقترح الكتاب، الذي أشرفت على تحرير فصوله الأربعة الدكتورة فاطمة الصمادي باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات ، مقاربةً تفسيريةً للظاهرة، التي بات يُطلق عليها إعلاميًّا (داعش)، تقوم على تجاوز فكرة “تَفَرُّد” التنظيم، والتحرُّر من قَيد كونه “تهمةً” يتم إلصاقها بفكر أو جهة دون سواها، وهذا يتجسَّد في تحليل البِنية الفكرية للتنظيم (جذورها وتطوراتها وأصولها وفروعها) من جهة، وفي تحليل الواقع المعقَّد الذي ظهرت فيه تلك الأفكار من جهة أخرى.
ويتضمن الكتاب عددًا من المحاور تم بحثها من قِبَل عدد من الباحثين المختصين بهذا الموضوع.
ففي الفصل الأول، الذي حمل عنوان “الجذور الأيديولوجية والفكرية لتنظيم الدولة الإسلامية”، جرى تناول محاوره في ورقتين أولاهما: للدكتور معتز الخطيب بعنوان “”تنظيم الدولة الإسلامية”: البنية الفكرية وتعقيدات الواقع”، وثانيتهما: للباحث شفيق شقير بعنوان “الجذور الأيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية أو تيار ما بعد الجهادية”.
وحاول الباحثان من خلال هاتين الدراستين الإجابة عن الحقل الاستفهامي الآتي:
ما الجذور الأيديولوجية للدولة الإسلامية؟ما العلاقة بين تنظيم “الدولة الإسلامية” و”تنظيم القاعدة”: أين يلتقيان وأين يختلفان؟ما العلاقة بين تنظيم “الدولة الإسلامية” والسلفية و”السلفية الجهادية”؟
وهل التنظيم هو ابن شرعي لها؟ ما المقاربات التفسيرية التي تناولت هذه القضية؟ما علاقة تنظيم “الدولة الإسلامية” بمنظومة “الجهاد العالمي”؟
وفي الفصل الثاني، وهو بعنوان “بنية تنظيم الدولة الإسلامية وحضوره إقليميًّا ودوليًّا”، تُقدِّم ورقة الباحث حسن أبو هنية، والمعنونة بـ”البناء الهيكلي لتنظيم “الدولة الإسلامية” (الإدارة والحكم)”، إجابات كثيرة عن أسئلة تتعلق بهويَّة هذا التنظيم ومؤسَّساته المختلفة: هل من خصوصية لهذا الهيكل التنظيمي؟كم يبلغ عدد مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية”؟ مَنْ هم قيادات تنظيم “الدولة الإسلامية” وخلفياتهم (فترة السجن، الإثنية، المهنة، المعرفة الإسلامية…إلخ)؟ ما المؤسسات التابعة لـ”تنظيم الدولة الإسلامية”: التمويل، والإعلام…إلخ؟
وفي الورقة المعنونة بـ”أبعاد أيديولوجيا الخطاب الإعلامي لتنظيم الدولة الإسلامية”، يناقش الدكتور محمد الراجي الخطاب الإعلامي لتنظيم الدولة: وسيلةً ونصًّا ولغةً وصورةً.
وترتبط مقاربة هذا السؤال بقضايا فرعية يمكن إجمالها في الأسئلة الآتية: ما النظام القيمي والتمثيلات المدركة في الرسالة الإعلامية لتنظيم الدولة؟ ما رؤية القائم بالاتصال إلى محيطه والعالم؟ هل تتوافق هذه الرؤية مع المحدِّدات الفكرية والثقافية للمتلقي أم تتناقض معها؟ ما ثيمات السرد البصري للرسالة الإعلامية؟ كيف يتشكَّل بناؤه؟ ما وظيفته؟ وما أهدافه؟
أمَّا الفصل الثالث، وهو بعنوان “تنظيم “الدولة الإسلامية”: التداعيات والآثار”، فيناقش فيه الباحث طارق عثمان تأثير ظهور التنظيم في سياسات الدول الخارجية والعلاقات بين-الدولية من خلال ورقته المعنونة بـ”مفارقات (داعش): الآمال السياسية التي خابت”؛
مجيبًا عن الأسئلة الآتية: كيف أثَّر بزوغ تنظيم “الدولة الإسلامية” على الثورات العربية؟ ما التأثير الذي سيتركه على مستقبل الدولة القُطرية؟ ما التأثير الذي تركه ويتركه على العلاقات بين الدول في الشرق الأوسط؟
وفي محور “الامتداد والحضور الدولي لتنظيم الدولة الإسلامية”، يتناول الباحث كمال القصير في ورقته بعنوان “تنظيم الدولة في ليبيا: تمدُّد عبر خيوط الأزمة السياسية” حضورَ التنظيم في ليبيا بوصفها ثالث أكبر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية بعد سوريا والعراق؛ حيث يُعتبر وجوده هنالك بغضِّ النظر عن حجمه الحقيقي خادمًا أساسيًّا لفكرة “الخلافة”؛ التي لا يمكن أن يقتصر وجودها وشرعيتها على المشرق. وتبحث الورقة في المعادلة التي يجدها التنظيم مناسبة لنشاطه وتمدُّده والمتمثلة بالاضطرابات الأمنية وحالة غياب الدولة، وتصارع شرعيتين على السلطة.
أمَّا دراسة الباحث تامر بدوي المعنونة بـ”(داعش) في المجال الأوراسي: الأبعاد والتداعيات الإقليمية”، فتحاول الإجابة عن الأسئلة الآتية: هل يمتد حضور تنظيم الدولة إلى القوقاز ووسط آسيا؟ ما احتمالات حضور تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة الأوراسية وخاصة القوقاز وآسيا الوسطى؟ وما الدول التي قد تصبح أهدافًا لعمليات التنظيم؟ وما المخاطر التي تواجه منطقتي القوقاز وآسيا الوسطى؟ وكيف سيتعامل كلٌّ من روسيا وإيران مع هذه المخاطر والاحتمالات؟
أما الفصل الرابع، وهو بعنوان “التحالف الدولي ومستقبل تنظيم الدولة”، فيناقش فيه الدكتور عمر عاشور “لغز البقاء والتمدُّد: كيف يصمد ويقاتل تنظيم الدولة؟”، موضحًا أن هزيمة “تنظيم الدولة” عسكريًّا قد تعالج مؤقتًا عارضًا من عوارض الأزمة السياسية في المنطقة، ولكن جذور الأزمة تبقى قائمة، وستولد عارضًا آخر قد يكون أكثر تطرفًا وأشد عنفًا وصلابًا.
كما تناول الدكتور محمد أبو رمان مآلات الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية ومستقبله من خلال ورقته: “الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية: اختلال الفرضيات وتناقض الاستراتيجيات”، معتبرًا أن القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية عسكريًّا لن يخلق حالة من الاستقرار الإقليمي ولن ينقذ الدولة القُطرية العربية؛ إذ تؤشر المعطيات الواقعية إلى “أننا أمام مرحلة انهيار للتوازنات القديمة من دون خلق آفاق سلمية بديلة، وهي التي كان يمكن أن توفرها الثورات الديمقراطية العربية”، لكن الطريق أمامها أصبحت متعرجة ومعقدة؛ ما يجعل من سيناريو الفوضى والعنف والتفتيت السياسي والجغرافي على أُسس بدائية هو السيناريو المتوقع في المدى المنظور، طالما أن البديل الديمقراطي الوطني التوافقي ليس ناجزًا بعد في كثير من الدول والمجتمعات العربية؛ وذلك يعني أننا ندور في حلقة مفرغة من الصراعات والأزمات الداخلية والإقليمية الطاحنة.
كتاب: تنظيم ” الدولة الإسلامية “: النشأة والتأثير والمستقبل
المترجم / المصحح : مجموعة من الباحثين
الناشر : مركز الجزيرة للدراسات-الدار العربية للعلوم ناشرون
سنة النشر : 2016