تعدّ ذكرى ولادة نبي الرحمة محمد “ص” من أعظم المحطّات التي يحييها المسلمون كل عام. وفي حين يحيي أهل السنّة والجماعة ميلاد نبيّ الرحمة في 12 ربيع الأول، يقوم الشيعة بإحياء هذه المناسبة في 17 ربيع الأوّل.
موقع الاجتهاد: البعض حاول تحويل هذا الاختلاف التاريخي إلى خلاف مذهبي فتهديد، إلاّ أن الإمام الخميني “قدس” مفجّر الثورة الإسلاميّة في إيران، حوّل هذا الاختلاف إلى نقطة التقاء للعالم الإسلامي حيث بات يحيي المسلمون أسبوع الوحدة الإسلاميّة بين الولادتين.
كثير هي المحطّات الخالدة في تاريخ الإمام الخميني المشرق، إلا أن لأسبوع الوحدة الإسلامية ويوم القدس العالمي، نكهة أخرى تلامس الهواجس والتحديات التي تعصف بالعالم الإسلامي. لكن البعض اشتبه في فهم معنى الوحدة حيث اعتبرها اتفاق المسلمين في كل شؤونهم العقائدية والعبادية وفي كل العادات والتقاليد، لتصبح بالتالي ضرباً من الخيال في نظره. هذا الاعتقاد هو إلغائي بامتياز، بخلاف الوحدة، خاصّة أنّه يجعل مفهومها أمراً مستحيلاً، فإذا كان أبناء البيت الواحد يختلفون، فكيف بأكثر من مليار مسلم، إذا كان صحابة الرسول يختلفون فيما بينهم فكيف بأتباعهم؟
أسبوع الوحدة
قد يختلف البعض في الأسباب التي تحول دون تحقيق الوحدة بشكل أوسع، إلا أن ما هو مؤكّد أنّه لا اختلاف بين كافّة المسلمين على ضرورتها، عدا “شذّاذ الآفاق” من الجماعات التكفيرية التي تفتك بالإسلام سنّةً وشيعة.
اليوم، انطلقت في العاصمة الإيرانية طهران فعاليات المؤتمر الدولي للوحدة الإسلامية في دورته الثلاثين بمشاركة مئتين وثمانين شخصية من 60 بلدا، ما يجعلها فرصةً مناسبة لتجديد النظر إلى عناصر القوّة في الوحدة الإسلاميّة والتحدّيات التي تعترضها.
عناصر القوّة
كثيرة هي عناصر القوّة لدى المجتمع الإسلامي، بدءاً من الأصول الاعتقاديّة الواحدة، وليس انتهاءً بسيل من التعاليم والعبادات المشتركة بين كافّة المسلمين.
ولعل وحدة الهدف تعدّ من أبرز مصاديق ونقاط القوّة، يقول سبحانه: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، لتشكّل هذه النقطة مدخلاً جديداً إلى العديد من مكامن القوّة في العالم الإسلامي بدءاً من انقاذ المستضعفين والمحرومين: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان)، والقضيّة الفلسطينية أبرز نموذج على ذلك، وصولاً إلى إحلال روح الاخوّة الإسلامية بين المسلمين (إنما المؤمنون إخوة).
أبرز التحدّيات
رغم كثرة نقاط القوّة، إلاّ أن هناك من التحدّيات ونقاط الضعف ما يكفي لإسقاطها، نذكر منها:
أوّلاً: هناك سعي دولي للقضاء على القضيّة الفلسطينيّة، وللأسف فقد تورّطت بعض الدول العربية والإسلاميّة في هذا المشروع، لكن قضية فلسطين هي رأس قضايا الأمة وتحتل الأولوية في الأزمات التي تعانيها الأمة. اليوم، أسبوع الوحدة الإسلامية هو منارة للمسلمين أجمع بغية الإضاءة على القضية المركزية فلسطين العربية، وتعدّ هذه القضية أحد المحاور الرئيسيّة في المؤتمر الحالي.
ثانياً: هناك سعي غربي للعمل على إضعاف المسلمين، وللأسف قد تورّط البعض، من حيث يدري أو لا يدري، في هذا المشروع، وقد بدا واضحاً هجوم المواقف المعادية لإذاعة الـ (بي.بي.سي) البريطانية وبعض وسائل الاعلام المسايرة لها، تجاه مؤتمر الوحدة الإسلامية، وهي مواقف تعكس سياسةً معادية ضد المجتمعات الإسلامية .يتفاخرون بالديمقراطيّة ويدعمون الإرهاب، ليس ذلك فحسب، بل يتباهى الجنرال الأمريكي، ستانلي ماكريستال، بأن الديمقراطية يجري إخراجها من مغلفاتها بعد إنزالها من مروحية من طراز تشينوك.
ثالثاً: نجح الغرب في زرع بعض شذّاذ الآفاق الذين يستغلّهم اليوم، لتكريس مشروعه الاستعماري الجديد تحت شعار “الفوضى الخلّاقة”. هنا لابد من الإشارة إلى نقطة قد يغفل عنها الكثيرون وهي دور الاستعمار السابق في نشوء مثل هذه الجماعات على نطاق ضيّق منذ مئات السنين، إلا أن هذا الوباء قد انتشر بشكل واسع اليوم تحت مسمّيات مختلفة كطالبان والقاعدة والنصرة وداعش.
رابعاً: إن التقاء الخطاب التكفيري مع وسائل الإعلام أوجد مساحة فراغ استغلّها الطامعون لتحقيق أهدافهم ضد الإسلام. ولعل الوهابيّة من الناحية، والشيرازيّة الممثلة بشيعة لندن أمثال ياسر الحبيب من ناحية أخرى شكّلت مادّة دسمة لهم، الأمر الذي يفرض علينا التعاطي مع هذه الفئات الضالّة بحذر ودقّة كبيرين.
خامساً: إن غياب دور بعض المؤسسات الدينية الفاعلة، كالأزهر الشريف، لصالح مؤسسات دينية متطرفّة، كالوهابيّة السعودية، عزّزت من الشرخ القائم في الأمة “الوسط”.
إن الارتكاز إلى مكامن القوّة، والعمل على معالجة الضعف عبر وضع استراتيجيات إقتصادية وأمنية إسلاميّة بامتياز، يعد المدخل الأول لتحقيق أهداف الوحدة الإسلاميّة، والخروج من نفق التفرقة. لا بد للدول الإسلامية من العمل على دعم بعضها البعض خلافا لإرادة الأعداء، وأن يكرّس مبدأ الوحدة الإسلاميّة كعنوان رسمي لسياستها الخارجيّة. هنا نقترح إيجاد هيكيلة دبلوماسيّة جديدة تختص بالوحدة الإسلاميّة عبر إيجاد قنصليات “إسلاميّة” فاعلة في كافّة الدول تعمل على مواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة، فـ” إنّ أمتكم أمّة واحدة”.
المصدر: الوقت