الاجتهاد: إنّ كل حركة رسالية ـ وحيانية كانت أو غير وحيانية ـ لا بدّ أن تمتلك مجموعة من الوسائل الإعلامية التي تمكّنها من إيصال مضامينها التي تؤمن بها إلى الناس، كما أنّها تسعى دائماً إلى تهذيب هذه الوسائل، وجعلها تدور حول هدفها أو أهدافها التي كانت سبباً في وجودها.
وبما أنّ الدين الإسلامي ليس بمعزل عن هذه السنّة الاجتماعية، فقد امتلك بدوره وسائل إعلامية عدّة، كان من أهمّها المنبر التبليغي الذي منحه القرآن الكريم لأعظم شخصية إسلامية، أَلا وهي شخصية الرسول الكريم محمد(صلى الله عليه واله)، حيث يقول(عزوجل): (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، ويقول أيضاً: (…وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).
ثمّ توالت ـ بعد ذلك ـ المراحل التي مرّت بها هذه الوسيلة الإعلامية، وصولاً إلى سنة (61هـ) التي تحرّك فيها سيّد الشهداء(عليه السلام)، صادحاً بدعوة الحقّ، وداعياً إلى إحياء سنّة جدّه محمد(صلى الله عليه واله)، بعد محاولات طمسها وتشويهها من قبل الحكّام الجائرين من بني أُميّة، فإنّه بعد استشهاده (عليه السلام) في واقعة الطفّ المروّعة أصبح للمنبر التبليغي ـ الذي أُطلق عليه أيضاً المنبر الحسيني ـ حضور واسع ودور كبير في إيصال المفاهيم الإسلامية الصحيحة، ومظلومية أهل البيت(عليهم السلام). ولأهمّية هذه الوسيلة الإعلامية في حياة الناس، وصيرورتها جزءاً لا يتجزّأ من الواقع الإسلامي الشيعي؛ فقد انبرى مجموعة من المحقّقين إلى الحديث عنها، كلٌّ بحسب زاويته الخاصّة، وبحسب الفراغ الذي يرى ضرورة ملئه من خلال ما يقوم به من دراسة.
هذا، ونحن في المقام نودّ الخوض في حديث مهمّ نسعى من خلاله إلى حفظ كيان هذه الوسيلة الإعلامية، وإلى جعلها ذات فعّالية كبيرة في إرساء التعاليم الإسلامية في المجتمع الإنساني؛ وذلك من خلال تشخيص جملة من العوامل التي تؤدّي إلى تضييع أو تشويه الهدف المفترض ترتُّبه على هذه الوسيلة الإعلامية، مع إبداء بعض المعالجات في المقام.
ولكي نتمكّن من إيصال فكرة هذا المقال إلى القارئ الكريم بشكل جيّد، سوف نقسّم الحديث في المقام على تمهيد نقف فيه على بيان المراد من المنبر، والمراحل التاريخية التي مرّ بها، والأركان الرئيسة التي يتألّف منها، ثمّ نجعله في ثلاثة محاور رئيسة نقف فيها على دور كل من: المبلِّغ، والمادة التبليغية، والجمهور، والأوضاع التي تحيط بالمنبر، في تضييع أو تشويه الهدف الرسالي لهذه الوسيلة الإعلامية المهمّة.
بقلم: د. الشيخ أسعد علي السلمان
تحميل المقالة:
العوامل المؤثرة في تشويه الهدف الرسالي للمنبر الحسيني
تحميل العدد الـ26 من مجلة الإصلاح الحسيني