الاجتهاد: كثيرات لا يستطعن الاحتفاظ بالجنين طوال مدة الحمل، إما لضعف الرحم أو لوفاة الجنين بشكل متكرر، أو لوجود خطورة على الحياة في حالة الحمل. وهنا تبرز فكرة «الرحم البديلة»، سواء كان لإحدى النسيبات أو حتى عن طريق الإيجار، لكن تلك الفكرة تثير جدلاً دينياً وطبياً ساخناً، ما بين مؤيد ومعارض.
عن التعريف الطبي لعملية تأجير الأرحام قال الدكتور جمال أبو السرور، أستاذ النساء والتوليد والعميد الأسبق لطب الأزهر، إنها إحدى الوسائل التي تلجأ إليها الدول المتقدمة طبياً كعلاج للمرأة التي تعاني من ضعف الرحم وعدم قدرتها على الاحتفاظ بالجنين مدة الحمل، أو كمخرج للزوجة التي تعاني أمراضاً تؤدي إلى وفاة الجنين بشكل متكرر قبل إتمام مدة الحمل، وكذلك لمن تعاني من الإجهاض المتكرر أو من ينصحها الأطباء بعدم الحمل بسبب الخطر على حياتها.
وأوضح أنه يتم تلقيح بويضة المرأة التي يراد علاجها بحيوان منوي من زوجها، حتى تصير مضغة مخلقة، ثم يتم نقلها أو زراعتها في رحم امرأة أخرى لتكون حاضنة أو حاملة لهذه المضغة المخلقة، حتى تكمل مدة حملها.
وعن الأسباب الطبية للجوء بعض الأسر إلى إجراء عملية «الرحم البديلة» أكد الدكتور جمال أبو السرور، أن السبب الرئيسي يعود إلى وجود مشكلات خلقية يشخصها الأطباء في رحم الزوجة، كأن يكون حجمه صغيراً أو فيه تشوه، وهذا يجعلها غير قادرة على حمل الجنين بشكل طبيعي، مما يجعلها تفكر في البحث عن حل عملي للمشكلة من خلال رحم بديلة لدى امرأة أخرى.
الدكتور أحمد محسن
ويؤكد الدكتور أحمد محسن، أستاذ الأوردة والشرايين بطب الزقازيق، أن الرحم في الإنجاب ليس وعاء أصم، كما يظن البعض، حتى لو كانت لا تحمل تأثيرات وراثية على الجنين، الذي يكون قد تخلق فعلاً واكتمل وراثياً بتلقيح البويضة بالحيوان المنوي، ويستبعد تماماً أي فرصة لحدوث حمل للمرأة صاحبة الرحم المؤجرة من زوجها في أثناء حملها للنطفة المخلقة، لأن هرمونات الحمل توقف التبويض تمامًا حتى الوضع.
وأوضح أن الرحم يقوم بتغذية الجنين بالدم، ويتأثر الجنين بالحالة الصحية للأم سلباً وإيجاباً، لأنه يصبح جزءاً منها ومرتبطاً بها من خلال التغذية والحبل السري، حتى ولو كانت مكوناته الوراثية من الأم صاحبة البويضة، ومن ثم فإن الجنين جزء من صاحبة الرحم البديلة، بل إنه يتأثر بها صحياً أكثر من صاحبة البويضة.
الدكتور أسامة العبد
يعارض الدكتور أسامة العبد، رئيس جامعة الأزهر، مبدأ تأجير الأرحام تمامًا، لأنه سيؤدي إلى الخلاف حول النسب بين الأم صاحبة البويضة والأم صاحبة الرحم، وهو ما ترفضه الشريعة وتحرم كل ما من شأنه إثارة مشكلات حول النسب، لهذا حدد القرآن المفهوم القاطع للأم التي ينسب الولد إليها، فقال تعالى: «…إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ….» آية 2 سورة المجادلة. وبالتالي إذا حدث خلاف أمام القضاء يستطيع القاضي الحكم دون أي مشكلات.
وأوضح الدكتور العبد، أن ما يتم في قضية الرحم البديلة هو نوع من العبث الطبي المخالف للأخلاق والأديان، التي تحدثت عن الحمل والوضع الطبيعي، فمثلاً قال الله تعالى: «يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ» الآية 6 سورة الزمر.
وقال الله تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» الآيات 12-14 سورة المؤمنون، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك»، فهذا هو الحمل والولادة المعترف بها شرعاً.
الدكتورة سعاد صالح
وأشارت الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى اختلاف العلماء المعاصرين في حُكْمِ تأجير الأرْحام، لكن الرأي الأقوى هو عدم الجواز مطلقًا، وهو رأي الجمهور من خلال المجامع الفقهية، وقد استدلُّوا بأدلة منها قوله تعالى:» وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ العَادُونَ» الآيات 5-7 سورة المؤمنون. وقوله تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً» الآية 72 سورة النحل.
وأضافت أن هذا الاستئجار، أو حتى التبرّع بالحمل في الرحم البديلة، يترتب عليه مفاسد كثيرة، مثل شبهة اختِلاط الأنساب إذا كانت المستأجَرة متزوِّجة، وحتى إن لم تكن متزوِّجة فلن تسلم من الاتِّهام وسوء الظَّنِّ بِها، والإسلام في الأنساب تحديداً يأمر بالبعد عن كل ما فيه شبهة، وكذلك لعدم وجود علاقة شرعيَّة بين صاحبة الرَّحِم وصاحب المني، ممَّا يقتضي القولَ بعدم مشروعيَّة هذا الحمل، لأن الحمل الشَّرعي لا بدَّ أن يكون من زوْجين، كما أنه في الأمور الطبيعية، فإنه لصاحب الحيوان المنوي الحقُّ في الاستِمْتاع بصاحبة الرَّحِم، وفي كثير من الأحيان سيؤدي لنشوب خلافات ونزاعات حول أحقِّيَّة المرأتين بالأمومة: صاحبة البويضة وصاحبة الرَّحِم، مما يفسد معنى الأُمومة الحقيقيَّة التي فطَرها الله عليْها، لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مَشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشْتَبِهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الْمُشَبَّهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَي حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكَ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ».
الدكتورة مهجة غالب
تعجبت الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية، ممن يبيحون الحمل والولادة عن طريق الرحم البديلة، مع أن صاحبة البويضة أصبحت أمًّا بمجرد وضع البويضة بدون عناء ولا مشقة، بينما التي حملتها عانت آلام الحمل وتغذَّى الجنين بغذائِها حتَّى أصبح قطعة منها مقابل المال، فهذا اتجار رخيص ويفتح الباب لكل من أرادت أن تُحافظ على صحتها ورشاقة جسدها بقليل أو كثير من المال، وهذا يتنافى مع التكريم الذي جعله الإسلام للأم لمعاناتها، فقال تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا…» الآية 15 سورة الأحقاف.
وأوضحت الدكتورة مهجة، أن رحم المرأة ليست من الأشياء التي تقبل البذل والإباحة بأي صورة كانت، إلا في الصورة الشرعيَّة التي شرعها الله تعالى، وهي الزواج، ولا تجوز إجارة الأرْحام مطلقًا، سواء كانت صاحبة الرَّحِم زوجةً أُخْرى لنفس الزوج أم لا، ولنتأمل قول الرسول عندما جاء إليه رجل فأخبره أنه حج بأمه وهو يحملها على كتفيه، وكانت قد بلغت من الكبر حداً جعلها لا تستطيع أن تتمالك نفسها. فتبولت عليه.
وعندئذ سأل الرسول قائلاً: هل أكون بذلك قد وفيتها حقها؟ فرد صلى الله عليه وسلم قائلاً: «ولا بطلقة واحدة من طلقات الولادة»، ولما تعجب الرجل واندهش، قال صلى الله عليه وسلم ما معناه «لأنك كنت تفعل هذا وأنت تتمنى موتها وكانت هي تتعب وتجاهد في خدمتك والسهر على راحتك وهي تتمنى حياتك». فسر التكريم للأم الحمل والولادة والتعب فيهما، فمن الأم في الرحم البديلة التي تستحق هذا التكريم الرباني؟
الشيخ هاشم إسلام
رفض الشيخ هاشم إسلام، عضو لجنة الفتوى بالأزهر، ما ذهب إليه البعض بتحليل الرحم البديلة قياساً على الرضاعة قائلاً: «هذا قياسٌ مع الفارق، لأن هناك فرقًا واضحًا بين المقيس والمقيس عليه، حيثُ إنَّ الرضاع يثبت لطفل ثابت النسب بيقين، وبالتالي لا إشكال في إرضاعه، ولهذا ذكر في القرآن الكريم والسنة النبوية «الأم بالرضاعة»، وأن أبناءها إخوة لمن أرضعته ولا يجوز الزواج بينهم، أمَّا استئجار الرَّحم فهو فيه تداخل بين الأمهات وشبهة اختلاط الأنساب موجودة، وبالتالي لا تجيزه أي ضرورة مهما كانت، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
ورفض الشيخ هاشم ما يستدل به المبيحون للرحم البديلة بالقاعدة الفقهيَّة: «الأصلُ في الأشياء الإباحة»، وأن استئجار الأرْحام لَم يرد دليل على تحريمه، فهذا استدلال خاطئ لأنَّ الأصل في الأبْضاع التَّحريم، وقضية استِئْجار الأرحام أو الرحم البديلة من أخطر ما يمس الأبْضاع.
الدكتور عبد الله النجار
رفض الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، التَّفريق بين أن تكون المرأة صاحبة الرَّحم زوجة أُخْرى للرجل صاحب الحيوان المنوي أو لا تكون زوجة له، وبالتالي يحرم الرحم البديلة حتى لو كانت صاحبة الرحم زوجة أُخرى لنفس الزوج، بدليل أن المجمع الفِقْهي الذي يضم خيرة علماء العالم الإسلامي كان قد أجاز هذه الصورة في دوْرَته السَّابعة 1404هـ، واشترط الحيطة الكاملة في عدم اختلاط النطف، وألاَّ يتم ذلك إلا عند قيام الحاجة، لكن المجمع عاد وألْغى هذا القرار في دوْرَتِه الثَّامنة 1405هـجرية أي بعد عام واحد فقط، لأنه ثبت الخطأ الشرعي فيه، وأدرك أعضاء المجمع أن الرجوع إلى الحق فضيلة، والحق أحق أن يتبع، وأن قضية الرحم البديلة أمر مبتدع ومنكر ومفاسده كثيرة لهذا فهو محرّم شرعاً.
واستنكر الدكتور النجار، قول المجيزين بأنه إذا كانت صاحبة الرحم البديلة زوجة أخرى لصاحب النطفة كان هو الأب الشرعي للمولود قطعًا، لأن النطفة المستخدمة في التلقيح هي نطفته والولد من صلبه، لأن الأحكام الشرعية لا تتجزأ بدليل أن مجمع الفقه الإسلامي، الذي استند إلى هذا المبرر، تراجع عنه في الدورة التالية لما فيه من جدل وعدم وضوح للأمومة التي حددها الشرع، بأن الأم هي من تحمل وتلد.
المستشار عبد الله فتحي
عن المشكلات القانونية، التي يمكن حدوثها بسبب هذا النوع من الحمل، يقول المستشار عبد الله فتحي وكيل نادي القضاة: «ستكون هناك اختلافات حول كيفية تحديد عقد إيجار الرحم، وأطراف هذا العقد، ومدى شرعية امتناع المرأة صاحبة الرحم المؤجرة عن زوجها في أثناء الحمل، وهل يعد استجابتها لطلب زوجها إخلالاً بشرط عقد الإيجار الذي وقعته، أم أنه شرط يحرّم حلالاً لا يجب الوفاء به؟.
وهل يجوز للمرأة المؤجرة لرحمها إذا توفي زوجها وانقضت العدة أن تتزوج ورحمها مشغول بحمل بموجب عقد استئجار رحمها؟، أم عليها الانتظار إلى وقت وضع هذا الحمل؟ وهل من حق هذه المرأة التنقل والسفر بعيداً عن صاحبي البويضة والنطفة، أم من حقهما استصدار أمر بمنعها من السفر والتنقل دون الرجوع إليهما في حال خوفهما من هروبها بالجنين؟
وما هو الوضع القانوني للمولود إذا أنكرت المرأة صاحبة الرحم عملية الاستئجار وقيدت المولود باسمها واسم زوجها؟ وماذا يمكن أن يفعل الأبوان صاحبا البويضة والنطفة لإثبات أبوتهما للمولود؟ وما هي الكيفية التي يمكن التوفيق بها بين حقهما في المولود وبين القاعدة الشرعية «الولد للفراش»، خاصة أن لصاحبة الرحم فراش زوجية صحيحاً وشرعياً؟».
وواصل المستشار عبد الله فتحي تساؤلاته: «في حال إسقاط صاحبة الرحم للجنين عامدة هل تعاقب قانوناً؟ وإذا افترضنا طبيًّا إمكانية حمل المرأة مؤجرة رحمها من زوجها في أثناء حضانتها للنطفة، فكيف يمكن تحديد مولود كل طرف؟ وكيف يمكن أن تبرر المرأة المطلقة أو الأرمل إذا أجرت رحمها حمله لأهلها؟ وكيف يمكن التمييز بينها وبين الزانية؟ كلها مشاكل لا توجد إجابات قانونية حاسمة لها.
فتوى وقرار
في سنة 1980، أفتى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بحرمة تأجير الأرحام مطلقاً، لكن مجلس الفتوى بمكة المكرمة خالفه وأفتى بإباحته داخل الأسرة الواحدة، «أي بين الأم وابنتها أو زوجات الرجل الواحد». لكنه عاد وتراجع بعد ثلاث سنوات.
كما جاء قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في يناير 1985، بحرمة اللجوء للرحم البديلة، سواء كان بالتبرع أو بالأجرة، وقد استند القرار على أدلة، منها أن التلقيح بهذه الطريقة يلزم له انكشاف عورة المرأة، والنظر إليها، ولمسها، والأصل في ذلك أنه محرم شرعًا، لا يجوز إلا لضرورة أو حاجة شرعيتين، ولو سلمنا بقيام حالة الضرورة أو الحاجة في حق صاحبة البويضة، لم نسلمها في حق صاحبة الرحم البديلة، لأنها ليست هي الزوجة المحتاجة للأمومة، ولهذا يحرم بذل المرأة رحمها بالحمل للغير للضرر الذي سيقع عليها، سواء كانت متزوجة أم لا، فإن كانت متزوجة جاءت شبهة اختلاط الأنساب، وإن كانت غير متزوجة عرضت نفسها للقذف وظن السوء، كما أن القول بإجازة الحمل لحساب الغير فيه إزالة لضرر امرأة محرومة من الحمل بضرر امرأة أخرى تحمل وتلد، ثم لا تتمتع بثمرة حملها وولادتها وعنائها، والقاعدة المقَرَّرة «الضرر لا يزال بالضرر».
في السعودية
لا تخلو ساحة الأطباء المتخصصين في علم الإخصاب وعلاج العقم في السعودية من النقاشات الحادة مع الفقهاء الشرعيين في ما يخص شرعية التطورات التي توصلت إليها التقنيات في علاج أمراض العقم وطرق الإنجاب الحديثة، ويبقى المتابع كحبل ينشدّ إلى طرف تارة والى آخر تارة أخرى.
«الرحم الظئر» أو كما يطلق عليها «الرحم البديلة» قضية حديثة في السعودية، شائكة، وذات حساسية عاليها وشديدة، إذ تلجأ أسر سعودية تعاني عدم القدرة على الإنجاب، لعلّة في رحم الزوجة، إلى السفر خارج البلاد بعيداً عن الأنظار بهدف اللجوء إلى «رحم بديلة»… في هذا التحقيق تناقش «لها» الأطباء والشرعيين، وتسأل النساء عن «الرحم البديلة» كوسيلة للإنجاب…
عباس
يقول العضو المؤسس للجمعية السعودية لأمراض النساء والولادة الدكتور سمير عباس إن الأسر السعودية التي تسافر خارج المملكة لإتمام هذه العمليات تعود بصحبة طفل يحمل شهادة ميلاد لا تبين طريقة حمله وإنجابه.
وأكد سفر أسر سعودية إلى خارج البلاد لتنفيذ عمليات حمل عبر الرحم البديلة أو ما يطلق عليه «الرحم الظئر» الممنوعة في السعودية بسبب عدم إجازة المجمع الفقهي الإسلامي لها.
وقال «إن كثيراً من الأسر السعودية تسافر إلى دول أوروبية وشرق آسيوية، لإجراء عمليات رحم الظئر، والتي من خلالها تؤخذ الحيوانات المنوية من الزوج والبويضات من الزوجة وتوضع في الحضانات ليتكوّن الجنين، وبعد ذلك يوضع الجنين في رحم المرأة صاحبة الرحم وهو يبلغ من العمر خمسة أيام، لتعمل على حمله وإنجابه، وتسليمه إليهما، وذلك لقاء مقابل مادي، أو بشكل تطوعي».
وعن أسباب لجوء النساء إلى تنفيذ عمليات الرحم البديلة أفاد بأن ذلك يكون لعدم قدرة رحم المرأة المتزوجة على حمل طفل لأسباب مرضية، لذلك تتفاهم مع امرأة أخرى يوضع الجنين في رحمها لتعمل على تغذيته وحمله، وبعد إنجابه تسلّمه للأسرة، مشيراً إلى أن الجنين الذي تحمله المرأة لا يتصف بصفاتها، بل يحمل صفات والده ووالدته، إذ إن المرأة تعمل على حمله فقط.
وأضاف أن على الأسرة التي ستنفذ هذه العملية أن تسافر إلى البلد الذي ستنفذها فيه، وذلك للإجراءات الطويلة والتي تتطلب وجود محامٍ يوثق العقد المبرم بين الطرفين، وتسجيل المبلغ المتفق عليه، وبعد ذلك تنجب المرأة الطفل وتسلّمه إلى والديه مع شهادة ميلاد المستشفى الذي أجريت فيه العملية دون ذكر طريقة الإنجاب.
لم يقبل عباس تسمية مجمع الفقه الإسلامي الدولي لعمليات الرحم البديلة «الاتجار بالأرحام»، واعترض بشدة على تشبيه المجمع عملية الرحم البديلة بالاتجار بالفروج والأبضاع.
ويرى أن عمليات الرحم البديلة هي أحد أنواع التكافل الإنساني في العالم. وعن مدى استغلال النساء الذين يعانين من الفقر لإجراء عمليات الحمل أجاب: «المرأة المحتاجة لسد كفايتها من المال تقبل بمعاناة الحمل وآثار التعب».
وحول إطلاق تسمية الاتجار بالأرحام على عمليات الرحم البديلة أفاد قائلا:» لا يتفق مسمى الاتجار بالأرحام مع من يتطوع بحمل الجنين في رحمه دون مقابل، إذ قد تكون أخت الزوجة أو قريبتها تنفذ العملية دون مقابل، ولا يوجد في ذلك أي عملية تجارة».
ولفت إلى وجود سوء فهم في عملية الرحم البديلة لدى بعض الفقهاء الشرعيين، إذ يعتقد البعض منهم أنه يوضع حيوان منوي في رحم المرأة صاحبة الرحم البديلة، لكن الصحيح أنه تؤخذ بويضة من الزوجة وحيوان منوي من زوجها، ويوضعان في الحضانة حتى يتكون الجنين الذي لا يرى بالعين المجردة، وبعد ذلك يحقن في رحم المرأة صاحبة الرحم البديلة، وهو يبلغ من العمر خمسة أيام.
مجمع الفقه يحرّم خمس طرق للتلقيح الصناعي ويجيز طريقتين لـ«الضرورة»
يرى أمين مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور أحمد بابكر أن «الرحم الظئر» مصطلح غير صحيح لغوياً، بل يجب استعمال مسمى «الاتجار بالأرحام»، وقال إن تحريم الاتجار بالأرحام جاء بسبب الحفاظ على الأنساب والأصل في الفروج الحظر.
وأوضح أن المجمع درس موضوع أطفال الأنابيب في الدورة الثالثة التي عقدت في عمّان عام 1986، وبعد التداول في الموضوع وإجراء مناقشات مستفيضة حول طرق التلقيح الصناعي السبع، اتفق أعضاء المجمع على تحريم 5 منها، وإجازة طريقتين للضرورة.
وأوضح بابكر أن الطرق الخمس التي حرّمها المجمع هي أن يجري التلقيح بين نطفة مأخوذة من زوج وبويضة مأخوذة من امرأة ليست زوجته ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم زوجته، وأن يجري التلقيح بين نطفة رجل غير الزوج وبويضة الزوجة ثم تزرع تلك اللقيحة في رحم الزوجة، وأن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متطوعة بحملها، وأن يجري تلقيح خارجي بين بذرتي رجل أجنبي وبويضة امرأة أجنبية وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة، وأن يجرى تلقيح خارجي بين بذرتي زوجين ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى.
وأفاد أن سبب تحريم الطرق الخمس هو ما يترتب على تنفيذها من اختلاط الأنساب وضياع الأمومة وغيرهما من المحاذير الشرعية.
وبين أن المجمع أجاز طريقتين لعمليات التلقيح الصناعي، إذ لم يجد حرجاً من اللجوء إليهما عند الحاجة مع ضرورة أخذ كل الاحتياطات اللازمة، موضحاً أن الطريقتين هما أخذ نطفة من زوج وبويضة من زوجته ويتم التلقيح خارجياً ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة، والثانية هي أن تؤخذ بذرة الزوج وتحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحاً داخلياً.
الزايدي
قال الاختصاصي النفسي سليمان الزايدي إن المرأة التي تؤجر رحمها ستستقبل في بداية الأمر جسماً غريباً داخل جسدها بدافع الفقر والحاجة الماسة إلى المال، مما يجعلها معرّضة بشكل كبير للإصابة بمرض الاكتئاب إذا كان لديها استعداد لهذا المرض، إضافة إلى الشعور بعدم الرضا.
وأضاف أن حالة الاكتئاب التي تصاب بها المرأة المؤجرة لرحمها ستتطور، وقد تصل إلى تنفيذها عملية انتحار، خصوصاً اللواتي يعشن في مجتمع محافظ، مضيفاً أن التفكير في الانتحار يكون بعد إنجابها للطفل، إذ ستبدأ مشاعر الحزن والضيق السيطرة على حالتها المزاجية.
واستطرد أن المرأة العادية التي لا ترغب في الحمل، وفجأة وجدت نفسها تحمل في بطنها جنيناً، ستعمل على معاقبته بعد وضعه من بطنها، وذلك من خلال عدم الاهتمام به، والإكثار من انتقاده، وتسميته بأي اسم، وهذا كله ينفذ عبر اللاوعي. ويُستنتج من ذلك الاضطراب النفسي الهائل الذي ستصاب به المرأة المؤجرة لرحمها.
ورأى أن شعوراً بارداً سيراود الأم تجاه طفلها الذي لم تحمله، وسيكون حبها لولدها مشروطاً وهو أسوأ أنواع الحب، لأن المحبة قائمة على تحقيق الطفل أهدافاً معينة مثل صدّ زوجها عن الزواج من امرأة أخرى.
وهذا الحب لا يكون عميقاً، وستحتاج المرأة إلى فترة طويلة حتى تتقبله بشكل كامل، منوهاً إلى أن عملية القبول تختلف من امرأة لأخرى.
وحول علاقة الأب بابنه الذي أنجبه من خلال عملية الرحم البديلة، أوضح أن الثقافة تلعب دوراً رئيساً فيها، وبحكم الثقافة العربية البدوية فإن الآباء يخشون كثيراً من انكشاف طريقة إنجاب الطفل، لافتاً إلى أن الحب لدى الأب يختلف عن الحب لدى الأم، فالأخيرة تعتبر الحب كياناً تستند إليه، أما الرجل فالحب لديه كالمؤشر الذي يرتفع تارة وينخفض تارة
المصدر : لها