أقيمت الورشة الثانية حول التقنين الثقافي برعاية مركز الدراسات الإسلامية التابع لمجلس الشورى الإسلامي وبمشاركة حشد غفير من الأساتذة والطلاب الجامعيين وطلاب العلوم الدينية في قم المقدسة.
عقد ورشة ثانية في مركز الدراسات الإسلامية
(التابع لمجلس الشورى الإسلامي)
بعنوان: التقنين الثقافي
موقع الاجتهاد: أفاد قسم العلاقات العامة في مركز البحوث أن السيد مسعود إمامي، عضو الهيئة العلمية في مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، قال: الهدف من خلق الإنسان هو التسامي والتكامل المعنوي، وهذا التكامل المعنوي (خلافاً للنمو الجسدي) متوقف على فعل الإنسان الاختياري؛ ولذا فالقوانين الإلزامية مخالفة للأصل الأولي لنمو الإنسان، بيد أنّ الحياة الاجتماعية الضرورية لتكامل الإنسان لا تتسنى دون وجود قوانين إلزامية، فلا مناص من وجود مثل هذه القوانين في المجتمع بغية رقي الإنسان وتكامله. وفي الوقت ذاته، ولأجل التقليل من مضار هذه القوانين وتأثيرها على حرية الإنسان وإرادته، يجب أن تكون القوانين الإلزامية باختيار الناس أنفسهم وبأقل قدر ممكن وبمقدار الضرورة فقط.
وأضاف السيد إمامي، مدير اللجنة الفقهية في مركز الدراسات الإسلامية في مجلس الشورى الإسلامي، قائلاً: إن الحكومة الإسلامية- شأنها شأن جميع أفراد المجتمع- مسؤولة إزاء التقدم الثقافي للشعب، والتكاليف الفقهية من قبيل الدعوة إلى الخير وإرشاد الجاهل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكرِ) تشمل الحكومة الإسلامية أيضاً. ومن هنا، لا يمكن القبول بكلام من يدعي أنّ الدخول في المسرح الثقافي خارج عن دائرة مسؤولية الحكومة.
وقال السيد إمامي أيضاً: أهم الأدلة الفقهية على فرض بعض القوانين الشرعية في المجتمع كموضوع الحجاب عبارة عن أدلة مشروعية المرحلة العملية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقاعدة “التعزير لكل محرّم”.
وختاماً قال: ذكر الفقهاء أنّ العمل بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متوقف على عدم ترتب مفسدة، وقاعدة التعزير أيضاً قد فُوضت إلى المصلحة التي يشخصها الحاكم الإسلامي. وعليه، فمن يريد تبديل الأحكام الشرعية إلى قوانين إلزامية لا بد له من رعاية نقطتين: الأولى- أن يكون لديه إدراك صحيح لمدى أهمية كل واحد من الأحكام الشرعية، والثانية- أن تكون لديه إحاطة تامة بأوضاع المجتمع؛ ليحدد متى يفضي الإلزام بالأحكام الشرعية إلى مفسدة ولا ينطوي على مصلحة.
من جانبه أشار مدير دائرة القوانين في مجلس الشورى الإسلامي إلى وضع القوانين في البلاد، قائلاً: مضى على التقنين في إيران أكثر من 110 سنوات، لكن الذي كان يحظى بالاهتمام والتركيز أكثر من سواه في غضون هذه الفترة هو المصادقة على القوانين فقط.
وقال أبوالفضل الموتيان: إذا ما قسمنا عملية التقنين إلى خمس مراحل: التدوين والمصادقة والتفسير والتنقيح والإشراف، فهناك الكثير من العمل متبقي في مرحلتي التدوين والتنقيح.
ومضى في القول: لو تناولنا الثقافة باعتبارها موضوعاً للتقنين بشكل مستعجل ومن دون مقدمات فمن الممكن الإساءة الى الثقافة نفسها أيضاً. ولا يخفى أن تدوين القوانين وتنقيحها خلال المائة عام الماضية لم يجرِ بالشكل المطلوب، كما أن هناك مشاكل فيما يتصل بتفسير القوانين أيضاً لم يتم التوصل الى حلول بشأنها.
وأضاف: ينبغي أن نصل الى الحالة المنشودة في مجال ثقافة التقنين، فمن الممكن أن تشكل الثقافة موضوعاً لعملية التقنين لكن المهم هو لزوم أن يتصف نظام التقنين في بلدنا بثقافة خاصة.
وأردف قائلاً: لا بد أن تكون القوانين المصادق عليها قد قطعت المراحل القانونية وتستند إلى ضمانات منسجمة للتنفيذ، فعلى الرغم من التدابير الجيدة التي اتخذها مجلس الشورى الإسلامي بعد انتصار الثورة الإسلامية لا زالت هناك ثغرات تتطلب المعالجة.
وقال أيضاً: يجدر أن تكون طباعة القوانين واستنساخها بيد مؤسسة مثل مجلس الشورى الإسلامي حصراً للحد من بروز بعض المشاكل والإشكالات.
الى ذلك دعا مدير قسم البحث العلمي في مركز الدراسات الإسلامية التابع لمجلس الشورى الإسلامي إلى ضرورة الاهتمام بثقافة التقنين، قائلاً: لا ينبغي أن نقتصر على الموضوعات الثقافية المباشرة في دائرة ثقافة التقنين، بل ثمة تأثيرات ثقافية كبيرة لكثير من المشاريع واللوائح الاقتصادية والقانونية أيضاً.
وأضاف السيد أحمد حبيب نجاد قائلاً: إنّ عدم الاهتمام بالموضوعات المذكورة قد يسفر عن تداعيات سلبية عديدة على عملية التقنين.
واستطرد: إن النظام الثقافي للمجتمع بحاجة ملحّة إلى إعادة الدراسة والتقييم، والحوزة العلمية والجامعة هما المكان المناسب لدراسة عناصر النظام الثقافي.
وتابع: من الموضوعات الأخرى التي أرغب بالإشارة لها هي لزوم تقصي الهواجس والهموم الثقافية للأساتذة وأهل الرأي من الحوزة العلمية والجامعات ومتابعتها عن طريق مراكز الدراسات والمشاورة ومراكز البحوث العلمية من قبيل مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي.
بدوره قال السيد حسين شرف الدين، عضو الهيئة العلمية في مؤسسة الإمام الخميني (قده) للدراسات والبحوث: إن الإنفاق على الثقافة بمثابة دفاع عن حقوق المستهلك بنحو ما؛ ومن هنا يجب العمل على وضع أفضل القوانين في مجال السلع الثقافية.
وأردف: المرجعية الأخلاقية والقانونية في الجمهورية الإسلامية في إيران هي الدين الإسلامي؛ ولذا لا بد أن يكون الإسلام معياراً لتطوير الثقافة وتعزيزها.
ومضى قائلاً: ينبغي إخضاع ما يتم استيراده من الثقافة الأجنبية إلى معايير الدين الإسلامي؛ وعلى هذا الأساس ينبغي حذف بعض العناصر من تلك الثقافات.
وقال السيد شرف الدين، الأستاذ في علم الاجتماع أيضاً: يتعين على الدولة الإسلامية أن تؤسس للحياة الطيبة في المجتمع الإنساني وتوفر الأرضية اللازمة للتنشئة على أساس الثقافة والقيم الدينية؛ ذلك أنها مسؤولة في مجال ثقافة المجتمع.
ومضى في القول: في ضوء الغزو الثقافي المتواصل من الأعداء، لا مناص من تحديد الإشكاليات في الساحة الثقافية ووضع الحلول المناسبة لها، وفيما يتعلق بالقوانين الثقافية لا بد من إيلاء اهتمام خاص للأدلة المستمدة من الشريعة الإسلامية وصياغة القوانين وفقاً لها.
وقال كذلك: لا يمكن اللجوء إلى القوة والإجبار في مجال الثقافة بل لا بد من إقناع المجتمع بقبول تلك القوانين وإيصاله إلى درجة عالية من التصديق بها عن طريق التعليم والتثقيف المستمر.
وأشار إلى أن أهم متطلبات التقنين عبارة عن تحديد الموضوعات وتشخيص المشاكل والثغرات والاحتياجات والغموض الذي يكتنف وضع القوانين الموجودة أو إصلاحها، مضافاً إلى تحديد مقدار الوفرة أو درجة الوقوع (من الناحية الكمية)، وعمق النفوذ والتأثير، ومعرفة العوامل المؤثرة في إيجاد الوضع المطلوب، خصوصاً إذا ما ضممنا إلى ذلك الالتفات إلى مدى فاعلية القواعد السلوكية المذكورة أو عدم فاعليتها.
وشدد على أنّ الوقوف على الإشكاليات والمعوقات، وتحديد مستوى التوقعات عن طريق دراسة نسبة الكمال فيما يُطلب، والضرورات الأخلاقية، ومعرفة الاحتياجات والتوقعات والمتغيرات والمصالح والقيود، وتعيين المسؤوليات وردود الأفعال المختلفة للمخاطبين، وتشريع النمط السلوكي المطلوب والتمهيدات اللازمة والمناسبة لضمان التنفيذ، هي أهم المتطلبات الأخرى لعملية التقنين.