خاص الاجتهاد: قال عضو الهيئة العلمية في مركز أبحاث القرآن والحديث: يؤكد آية الله البروجردي على ركنين مهمين: الأول هو دور القضايا والمواضيع المطروحة في عصر المعصوم وأثرها في فهم الروايات؛ والآخر هو تطبيق الروايات أهل السنة في استعادة أجواء الصدور والخطاب المشترك، الذي هو الأساس لفهم المسائل والموضوعات المطروحة في عصر المعصومين.
وفقاً للاجتهاد، انعقدت الندوة العلمية تحت عنوان “الأجواء الصدورية لحديث أهل البيت “عليهم السلام” بين أطروحة السيد البروجردي وكتاب مدارك فقه أهل السنة” في “جامعة آل البيت عليهم السلام العالمية” في مدينة قم المشرفة. وفي هذه الندوة قام حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد حسن الحكيم بتقديم بحث عن موضوع الندوة وتولى حجة الإسلام والمسلمين هاشم أبو خمسين إدارة الجلسة.
محاور الندوة البحثية:
– رؤية السيد البروجردي في تحليل مداليل النصوص التاريخية
– دور روايات أهل سنة في تمهيد القرائن الصدورية
– كتاب مدارك فقه اهل السنة
تمهيدا لتعريف كتاب «مدارك فقه أهل السنة علی نهج وسائل الشيعة إلی تحصيل مسائل الشريعة» من تأليف السيد محمد كاظم الطباطبائي واللجنة العلمية في مركز أبحاث القرآن والحديث، عنونت البحث بـ: «الأجواء الصدورية لحديث أهل البيت “عليهم السلام” بين أطروحة السيد البروجردي وكتاب مدارك فقه أهل السنة» ليبدو أولا منشأ الفكرة ومبدأ الحركة في هذا المشروع، وليبدو ثانياً أهم النقاط الأساسية ذات الأثر الواقعي في المشروع ـ أعنی الأجواء الصدورية لروايات أهل البيت “عليهم السلام”.
يعتبر آية الله السيد حسين الطباطبائي البروجردي “رحمه الله تعالی” من رواد الإمامية وأعظم الفقهاء والمفكرين عندنا، له العديد من الثمار العلمي في مختلف مجالات الفكر الدينی والأهم منها ساحات الفقه والأصول والحديث الشريف.
للسيد البروجردي فكرة في تحليل النصوص الحديثية: فهو “ره” يؤكد أن هذه النصوص، نصوص تاريخية ذات واقع في قديم الزمن وعند المواجهة معها وتحليلها نحتاج إلی مقدمات عديدة لجبران الفاصل الزمني بيننا وبين عصر الصدور؛ لأن اللسان سيال ويتطور من حين إلی آخر ولأنه مقام الكلام يختلف عن المقام ولأنه ….، نجد الكثير من الاحتمالات تسبب الشكوك في الجانب الصدوري وفي جانب كيفية التلقي من النص الشرعي. نحتاج إلی مقدمات لرفع هذه المشاكل.
السيد البروجردي بعد التأكيد علی الجانب التاريخي للنص الشرعي في الدرس الأصولي يؤكد علی لزوم الإطلاع القرائن المتصلة والمنفصلة والأجواء الصدورية للنصوص الشرعية. مفهوم أعم من القرائن الحالية والمقالية، ويعني جميع القرائن العصرية للنص مثل المواصفات الاجتماعية والسياسية العامة والبيئة وجميع المواصافت التاريخية حول النص بما لها أثر في تحليل النص والتلقي منه.
يجب أن أذكر أن هذه الفكرة يعني التأكيد علی الجانب التاريخی للنص ولزوم التوجه والتمهيد للقرائن العصرية وإن اشتهرت بإسم السيد البروجردي، لكنه ليست من إبداعات السيد بل هي ديدن الفقهاء منذ العصور الماضية في تحليل النص الشرعي واستنباط الأحكام منها. يكفي لاثبات هذه المهمة مراجعة وتحليل مناهج الفقهاء في الدراسات الفقهية من القدماء حتی اليوم؛ بل نفس هذا المعنی من الأمور المصرحة في لسان الفقهاء من الوحيد البهبهاني حتی اليوم.
رغم انتشار الفكرة بين الفقهاء من قديم الزمن، اشتهرت بإسم السيد البروجري للملاحظة الهامة من قبل السيد التي أدت دور أساسي في تفعيل القاعدة وتقريرها بشكل تصلح للتطبيق والنقد العلمي.
السيد البروجردی يخص الفكرة من جميع القرائن التاريخية بالتركيز علی الجانب الفكر الفقهي من خلال المحاولات الفكرية والخطابات الرائجة ونظارة الكلمات بعضها علی البعض لا بما هي هي ! بل بما هي دلالات وعلامات فهم المسائل المطروحة في عصر المعصوم لما فيه الأثر الحقيقي في فهم المراد لأنه حسب الموضوع يختلف المعنی ويصح التلقي والاستنتاج أم يكون الخطأ.
ويؤكد البروجردي علی أنه تحصيل هذه المصاديق يتحقق من خلال التركيز علی أقرب الطرق إليه وهي النصوص والروايات موجودة من القرن الأولی في المصادر المعتبرة لأهل السنة، لدورها الجاد في فهم الأجواء العصرية ويؤكد أنه لا بد منها في فهم نصوص أهل البيت عليهم السلام. وفي الحقيقة عامة القرائن العصرية موجودة في مثل هذه المصاديق لما فيها من نظارة الكلمات بعضها علی البعض ومن خلالها توضح الصورة العامة للمسائل والموضوعات المطروحة للباحث.
السيد البروجردي يفعل القاعدة من خلال التركيز علی مهمتين: الأول التركيز علی المسائل المطروحة في عصر المعصوم والثاني دور روايات أهل السنة في تدارك وتحصيل الإطلاع علی تلك المسائل. لهذا اشتهرت الفكرة بإسم السيد البروجردي لأنه أعطى القاعدة أرضية واقعية والمجال الواسع لتطبيقها وتحليلها العلمي بمعايير ومصاديق متوفرة.
رغم جهود السيد البروجردي، الفكرة تعاني من مشكلة أخری وهي تغاير الفكر الثقافي بين المذاهب لما فيه التأثير علی المدونات الحديثية من حيث تبويب المسائل والفروع وكيفية تلقيها، وهذه المشكلة تمنع الباحث عن الوصول إلی القرائن المتناظرة وتمهيدها لفهم النص الشرعي. رفع هذه المشكلة من خلال تجميع النصوص وتمهيد القرائن من مصادر أهل السنة بشكل يسهل للفقيه الإمامي المراجعة حسب الأجواء الفكر الفقهي في الإمامية هو الفكر الأساس في تدوين كتاب «مدارك فقه أهل السنة علی نهج وسائل الشيعة».
فإذن كتاب «المدارك» موسوعة مشتملة علی جميع الاحاديث والآثار الموجودة عند أهل السنة المتناظرة إلی نصوص اهل البيت “عليهم السلام”. في هذا الكتاب اقتصرنا علی المصادر المعتبرة وما تطرقنا الی الشواذ والنوادر والمطرود؛ وما تطرقنا إلی الأبحاث المعنية بدراسة الأسانيد حسب الاختلافات المبنائية بين العلماء حتی علماء المذهب دون المذاهب. ورتبنا كتاب «المدارك» علی ترتيب كتاب «وسائل الشيعة للشيخ الحر العاملي رحمه الله»، بما أنه كتاب «وسائل الشيعة» إضافة إلی تداولها في الأوساط الشيعي وإهتمام الفقهاء به هي أكبر موسوعة في العالم الإسلامي ـ حتی اليوم ـ في حقل الأحاديث الفقهية؛ موسوعة ذات عشرة آلاف مدخل ومشتمل علی أكثر من خمسة وثلاثين الف حديث.
في التدوين كتاب «المدارك» اقتصرنا علی نفس عناوين كتاب «وسائل الشيعة» لتسهيل إستخدام الكتابين في مقام التطبيق، تطبيق المفاد الواردة في كل من الأبواب مع روايات أهل البيت عليهم السلام المستجمعة في الوسائل. اهتمنا بتفكيك الأحاديث أيضاً، يعني دققنا في تمييز ما ينقل أهل السنة عن النبي الكريم “صلی الله عليه وآله وسلم” وبين ما ينقلون من آثار الصحابة والتابعين؛ وقدمنا الأحاديث علی الآثار.
كما قدمنا الموافقات وأخرنا المختلفات والمخالفات في كل من الأبواب. وهذا يعني كتاب «مدارك فقه أهل السنة» يفيد للقارئ للوسائل الشريف، كمستدرك ذات القرائن الحافة للنص بشكل يرسم له الأجواء الصدورية، حتي يستخرج منها المسائل المطروحة في عصر المعصوم ويفهم المعنی ومراد للمعصوم عليه السلام علی أساسها.
وآخر الكلام الإشارة إلی بعض النتاج والفوائد والآثار، من النتاج الحاصل من هذا العمل : بلورة الاعجاز الالهي في الحفاظ علی السنة النبوية الشريفة رغم جميع المشاكل والإختلافات بين المسلمين؛ ورغم كيد الأعداء في إمحاء السنة الشريفة؛ أعني منهذه الإشارة «الاشتراك اللفظي والمعنوي» في مفاد الحديث الشريف بين المذاهب الإسلامية؛ إشتراك يبالغ السبعين بالمأة! وهذا الاشتراك يرد بالقوة إتهامات الأعداء والمستشرقين حول الحديث الشريف؛ كما يشكل الثوابت من السنة الشريفة في جانب الكتاب العزيز ويؤثر علی فهم الكتاب ويؤثر علی تقييم الحديث من خلال العرض علی الكتاب والسنة الثابتة؛ وأيضاً يشكل أرضية مشتركة لتقارب الأفكار والنتاج العلمي بين الفقهاء من جميع المذاهب الإسلامية في قبال التركيز علی نتاج الإستنباطي التي دائما ـ حسب مداخلة الفكر البشري ـ تسبب الإختلاف.
ومن ثمار هذا العمل: تقرير و تبيين ريادة أئمة أهل البيت عليهم السلام في الحفاظ علی السنة الشريفة ؛ ومحورية علوم آل البيت عليهم السلام في الوسط الإسلامي وبلورة دقائق الفقه الإمامي وغناه ومدی تأثر الصحابة والتابعين وفقهاء العامة عن معارف أهل البيت عليم السلام.
ومن فوائد هذا المشروع: الثمار العقدي بما أنه تمييز أتباع أهل البيت عليهم السلام عن عامّة المسلمين في بعض مظاهر السلوك العبادي قد حصل في وقت متأخّر، فإنّ آراء وسيرة جملة من الصحابة والتابعين كانت تتطابق مع ما عليه جمهور أتباع أهل البيت عليهم السلام، وقد عرفنا من خلال تتبّع آراء الصحابة والتابعين وعلماء أهل السنّة أنّ هناك توافقاً ملفتاً للنظر بين ما عليه جمهور مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وجملة من الصحابة والتابعين والعلماء غير التابعين لمدرسة أهل البيت عليهم السلام.