تكشف الكتب الدراسية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» داعش ومنشوراته الأخرى عن وجود أسلوب منهجي لكيفية عرض المواد من أجل التبرير بوسائل عقائدية مجموعة أهداف التنظيم الرباعية وهي: تشجيع العنف، وتسيير أحداث تنبؤية، وإنشاء دولة “إسلامية” خالصة وتصنيفها بالخلافة.
الاجتهاد: بعد مرور عامين على إعلان تنظيم «الدولة الإسلامية» «داعش» قيام الخلافة، أصبح العالم على معرفة جيّدة بالأساليب الوحشية لهذه الجماعة وبتوسّعها الإقليمي وتمويلها وقدرتها على توجيه وإلهام هجمات إرهابية على نطاق واسع داخل الشرق الأوسط وخارجه
ولكن الأمر الّذي لا يُناقش كثيراً هو الكتب الدراسية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» وأنشطته المتعلقة بنشر الكتب. فمعرفتنا بطموحات الجماعة وأفكارها مبنيّة على نصوصٍ تعالج عدّة مواضيع تصل إلى حين إعلان الخلافة، وتشمل التواصل عبر وسائل الإعلام الإجتماعي (ولا سيما مجلتها الدعائية باللغة الإنجليزية، “دابق”، وأشرطة الفيديو)، والمقابلات مع المنشقين، والوثاق البيروقراطية المسرّبة التي تكشف عن سير العمل في التنظيم ومع ذلك، لم تُجرَ حتّى الآن أي دراسة منهجيّة عن الكتب التي تنشرها الجماعة باللغة العربية منذ /يونيو 2014؛ ولذلك قام الباحث الدكتور يعقوب أوليدورت، المؤرخ المتخصص في دراسة “الإسلام والشرق الأوسط الحديث”، بدراسة مهمة صدرت تحت عنوان (داخل صف الخلافة: الكتب الدراسية والأدب التوجيهي وطرق التلقين الخاصة بتنظيم «الدولة الإسلامية»)
وأُجريت الدراسة عن كتب تنظيم «الدولة الإسلامية» وكتيباته باللغة العربية؛ حيث توصل الباحث إلى أنه من الواضح أنّنا لا يمكننا قول أي شيء بشكلٍ حتمي عن جماعةٍ تقدّر بلاغة اللغة العربية الكلاسيكية وتخلّد أحداث مذهبية وتنبؤية مبنية على نصوصٍ إسلامية، إلى أن نقرأ ونفهم كتابتها عن هذه المواضيع. لكن علينا أن ندرك رغم ذلك أنّ هذه الكتب مهمّة لكنها غير كافية لفهم كيف تعمل الجماعة كمنظمةٍ إرهابية.
يكشف النظر في هذه الإصدارات للمرة الأولى عدداً من الدروس لمجتمع السياسة حول طريقة مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» على المسرح السوري- العراقي، فضلاً عن المسألة الحرجة المتعلقة بطريقة تحوّل الأفراد بأنفسهم إلى متطرفين يحاربون من أجل قضيته.
وفي حين أنّ الكثير من هذه الأعمال تفصّل في الظاهر نوع المجتمع “الإسلامي” الذي ترغب قيادة التنظيم أن تفرضه على الشرق الأوسط، إلا أن قدرة الجماعة في تحقيق هذا الوعد في الواقع هي التي تستمر في إلهام أولئك الذين يعيشون خارج المنطقة. وحتى في الوقت الذي يخسر فيه تنظيم «الدولة الإسلامية» بعض الأراضي في ساحة المعركة،
قد تكون هذه الخسائر ذاتها هي التي تلهم آخرين [اختيار] طريق الكفاح المسلح نيابة عنه. وقد تجلّى هذا الأمر، على سبيل المثال، بقسم الولاء الذي عهده عمر متين خلال اتصالٍ إلى خدمة الطوارئ الأمريكية 911 في 12 حزيران/يونيو 2016، وذلك قبل أن يقتل تسعة وأربعين شخصاً ويصيب ثلاثة وخمسين آخرين بجروح في ملهى ليلي لمثليي الجنس في أورلاندو، فلوريدا.
وعلى الرغم من أنّ متين أعلن بكل وضوحٍ أنه يقف إلى جانب تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أن الحكومة الأمريكية أوصت صراحةً بفصل إيديولوجية التنظيم عن أفعال “ذئاب منفردة” ودوافعهم، أو الذين تطرّفوا ذاتياً في الولايات المتّحدة. وفي أعقاب الهجوم الذي قام به متين، أفاد مسئول من “مكتب التحقيقات الفدرالي” بأنهّ ليس هناك شك في وجود “عدد كبير من القضايا” التي يمكن أن تسبب لشخص ما في القيام بعمل إرهابي غير موجّه. ومع ذلك، فبينما نراهم كـ “ذئاب منفردة” يدفعهم الاضطراب العقلي والعزلة الاجتماعية إلى العنف، من الواضح أنهم يرون أنفسهم كقطيع أسودٍ على صلة بمجتمعات خيالية مؤلفة من أفراد يشاركونهم العقيدة نفسها ولم يلتقوا بهم أبداً غير أنّهم يشعرون أن أواصر الأخوة تربطهم مع هؤلاء من خلال نظرتهم المشتركة للعالم.
الهيكلة الداخلية
وفيما يتخطى تفسير أيديولوجية الجماعة، تستطيع منشوراتها أيضاً أن تلقي الضوء على الهيكلية الداخلية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» واستراتيجيته. على سبيل المثال، من الواضحٌ أنّ الجماعة تملك دار نشر واحدة (على الأقل) مع أقسام متعدّدة يبدو أنّها تعمل وتنتج الإصدارات في الوقت الّذي يحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» [في عدة دول] ويحكم أراضيه، مما يعزّز المفهوم القائل إنّ الأفكار مهمّة إلى حدّ ما نظراً لما تضيفه من شرعية للتنظيم، فضلاً عن مساعدته على البقاء. بالإضافة إلى ذلك، تظهر طريقة تصريح التنظيم بطبع هذه المنشورات التي تتراوح من كتيبات صغيرة إلى مجلدات كبيرة، على أنّ المضمون، مع جمع وتنقيح المعلومات فيه، يخضع إلى عملية تحريرية من المحتمل أن تكون تحت إشراف القيادة العليا للجماعة. وقد يشير التعمّق في تواريخ منشورات التنظيم إلى سبب ظهور هذه الأعمال في وقت ظهورها، وفي كثير من الحالات، يكشف مضمونها معلومات مهمة عن المكان الذي قد يأتي منه المؤلفون أو قد سافروا إليه.
على سبيل المثال، تشير عبارات مثل “تعتبر مدينة سان فرانسيسكو عاصمة اللواط وربع دائرة المدينة الإنتخابية يتكوّن من مثليي الجنس” إلى نوعٍ من معرفة ثقافية لا يمكن اكتسابها إلا بقضاء بعض الوقت في الولايات المتحدة أو بمعرفة مواطنين أمريكيين.
وأخيراً، يكشف مضمون هذه الأعمال وحجمها الشئ الكثير عن شخصية قُرائها أو ما يأمل الكتاب أن يتحوّل إليه قُرائهم، مستعينين بالأدب الّذي تتراوح أنواعه من كتبٍ مدرسية لصفوف إبتدائية إلى كتيبات موجهة إلى مقاتلين وإلى مطبوعات عن أطروحات من القرون الوسطى.
وتنقسم المنشورات قيد المراجعة هنا إلى فئتين. وتضمّ الفئة الأولى الكتب الدراسية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» للفصل الدراسي الأول، التي نُشرت في تشرين الأوّل/أكتوبر 2015.
أمّا الفئة الثانية فهي مصنّفة بوجه عام بـ “الأدب التوجيهي”، وتضم كتيبات تهدف إلى توجيه عامة المسلمين حول مواضيع تتعلق بممارسة الطقوس أو الأخلاق الإسلامية أو القضايا المعاصرة. وبالإضافة إلى هذه الأعمال، المعروفة أيضاً بـ”الدعوة”، تشمل فئة “الأدب التوجيهي” سلسة من الكتيبات للمقاتلين، وكتيبات إرشادية أطول منها عن الإرشاد الديني والحوكمة السياسية، فضلاً عن مطبوعات عن نصوصٍ من القرون الوسطى.
وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة أقسام.
ويصف القسم الأول دار نشر تنظيم «الدولة الإسلامية»، “مكتبة الهمّة”، وأنشطته، كما يقدّم تسلسلاً زمنياً تقريبياً عن الأوقات التّي نَشرت فيها الجماعة أعمال مختلفة.
ويبحث القسم الثاني الكتب المدرسية للجماعة، ويقارنها مع المنهج الديني السعودي، مسلطاً الضوء على البرنامج الفريد المحفّز لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي يجعله فتاكاً على نحو خاص.
أمّا القسم الثالث من الدراسة، فيتعمّق في أعمال أخرى أنتجتها الجماعة، من بينها مطبوعات بحجم كتب، وكتيبات إرشادية عن الالتزام بالفروض، وتعليمات للمقاتلين، فضلاً عن كتيبات أصغر منها. وتُختتم الدراسة من خلال سلسلة ملاحظات استنتاجية وتوصيات متعلقة بالسياسة العامة، فضلاً عن ملاحق تضم لائحة الأعمال التي شملتها الدراسة، وترجماتٍ من قبل الكاتب لمقتطفاتٍ من الكتب المدرسية، وصور عن أغلفة هذه الكتب وأيضاً معجم مصطلحات يستعمله تنظيم «الدولة الإسلامية» في منشوراته. وتسرد الفقرات التالية بعض النتائج الرئيسية للدراسة.
منهجيّة تلقين العقيدة
تكشف الكتب الدراسية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» ومنشوراته الأخرى عن وجود أسلوب منهجي لكيفية عرض المواد من أجل التبرير بوسائل عقائدية مجموعة أهداف التنظيم الرباعية وهي: تشجيع العنف، وتسيير أحداث تنبؤية، وإنشاء دولة “إسلامية” خالصة وتصنيفها بالخلافة. مع ذلك، فإن الطبيعة غير المسبوقة لهذا المشروع تؤدي إلى مواجهة الجماعة مخاطر إيديولوجية عديدة، أبرزها إدراج مصادر من التقاليد [الدينية]، التي قد يعتبرها الأتباع الأكثر التزاماً بالطابع الفقهي بأنها “تدنيساً” أيديولوجياً.
الكتب الدراسية
تنقسم الكتب الدراسية إلى نوعين، الكتب التي تعالج مواضيع دينية (القرآن، العقيدة، القانون، الشريعة) والكتب التي تعلّم المعرفة العامة والمهارات (على سبيل المثال، الاستعداد البدني والرياضيات والنحو). وبالنسبة إلى النوع الأول، يعمل تنظيم «الدولة الإسلامية» على إضافة “طابعاً سلفياً” إليها عبر تقديمه حصرياً النسخة السنّية ذات النظرة الأصولية للإيمان الذي تدعو إليه السلفية. ولكن فيما يتعلّق بالمواضيع الأخرى، يقوم التنظيم بـ “تدعيشها”، واضعاً الموضوع في إطارٍ يدعم مجموعة أهدافه الرباعية المذكورة أعلاه ومدرباً التلاميذ للمساهمة في «الدولة الإسلامية» من خلال تعميق معرفتهم بالمواد.
وفي ما يخص الاستعانة بمراجع إسلامية لدعم المشروع “الداعشي” (على سبيل المثال، آداب القرون الوسطى حول الخلافة أو الاعتماد على المدارس الفقهية الإسلامية في القيام بالشعائر الدينية)، تساوم الجماعة حول الصفاء الإيديولوجي باستشهادها بكتّاب مسلمين من القرون الوسطى الذين تخالف رؤيتهم الدينية رؤية السلفيين.
الأدب التوجيهي.
يُنشر “الأدب التوجيهي” (الذي يشمل مطبوعات وكتيبات إرشادية عن الإلتزام بالفروض والكتيبات الصغيرة) بهدف استنساب مختلف الكتاب المسلمين إلى تنظيم «داعش» من أجل الادعاء بالتمتع بالتراث التقليدي ولإعادة تعريف الإسلام وفقاً للنظرة السلفية للعالم التي يعتمدها تنظيم «الدولة الإسلامية»، بالإضافة إلى معالجة مواضيع معيّنة تثير قلق أو مخاوف الجماعة في الوقت الحالي.
إعادة تعريف الإسلام وتطبيقه
يمزج “الإسلام” الّذي يدعو إليه تنظيم «الدولة الإسلامية» في منشوراته بين الصفاء السلفي وبين تمكين تنظيم «داعش» باعتباره الجهة المطبّقة للإسلام. ويبرر التنظيم ذلك بأنّه يحكم المنطقة الوحيدة التي يُطبّق فيها الإسلام الأصلي النقي وبأنه كخلافة، لديه السلطة في تحديد ماهمية الإسلام. وبالتالي، وفقاً لرؤية تنظيم «الدولة الإسلامية»، كل من يعيش خارج أراضي تنظيم «داعش» أو يرفض الدفاع عن قضيته ليس مسلماً حقيقياً. ويتمّ تصييغ المبادئ الإسلامية لتشمل الرضوخ لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» كواجب ملزم من الناحية القانونية. على سبيل المثال، تعرّف الجماعة “الهجرة” بأنها الهروب من بلد الاضطهاد والقمع إلى بلد تنظيم «الدولة الإسلامية» (عوضاً عن مجرد تعريفها بالهروب من الاضطهاد والقمع) .
الوعي بالأحوال السائدة والقدرة على الاستجابة لها
إنّ الأنواع الأدبية التي تنشرها الجماعة (الكتب الدراسية، المطبوعات العلمية، النشرات القصيرة، طبعات خاصة للمقاتلين)، ونطاق المواضيع التي تغطيها تعكس إدراكاً عميقاً بمختلف الجماهير والظروف والقدرة على الاستجابة لها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقدّم الأمثلة التي يستعملها التنظيم في كتاباته نظرات متعمقة عن شخصيات المحررين والقراء المستهدفين. وتنشر الجماعة في معظم الأحيان، ولكن ليس دائماً، كتيبات أصغر [حجماً من الأنواع الأدبية السابقة الذكر] ومنشورات أكبر [حجماً]
منها حول موضوعٍ معيّن – مما قد يعزز أهميته ويفسره لمختلف الجماهير على حد سواء. وفي الواقع، وكما هو مبيّن في التسلسل الزمني، فإن تواريخ إصدار بعض الأعمال قد تسلّط الضوء على طموحات الجماعة وقلقها. على سبيل المثال، قد تدلّ الكتب التي أُعيد نشرها مؤخراً حول “جهاد الإعلام” وحول دروس مستقاة من معارك النبي على الحاجة إلى تقوية معنويات الجماعة وتوجيهها في وجه الخسائر الأخيرة في ساحة المعركة، كما تدل الأعمال التي أُعيد نشرها مؤخراً والتي دُعيت فيها الدول العربية بالكافرة على أنها استجابة إلى تحالف الدول العربية ضدّ التنظيم.