ضمن سلسلة ملتقيات يعقدها المركز الحسيني للدراسات بانتظام، والذي يستضيف فيها مجموعة من الأعلام العرب والمسلمين في المجتمع البريطاني كل حسب اختصاصه؛ احتضن المركز الحسيني للدراسات بلندن عصر السبت 2/4/2016م ثلة من الأطباء والصيادلة العاملين في المستشفيات البريطانية، في ملتقى طبي عام تحت شعار (الأطباء فيض معطاء في معالجة الأدواء)
موقع الاجتهاد: في إطار فعالياته ونشاطاته المتنوعة الأغراض، احتضن المركز الحسيني للدراسات بلندن عصر السبت 2/4/2016م ثلة من الأطباء والصيادلة العاملين في المستشفيات البريطانية، في ملتقى طبي عام تحت شعار (الأطباء فيض معطاء في معالجة الأدواء)، تحدث فيها ثلاثة من الأطباء العراقيين ورابع باكستاني رابع من لاهور عبر نظام السكايب، في محورين هما: (الطب والدين بين المحظور والمشروع)، و(الآثار الجانبية في تناول الأدوية الشعبية والكيمياوية)، وقصيدة من وحي الملتقى للشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز شبين، فيما شفّع الفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي فقرات الملتقى بعدد من المداخلات الغنية أظهر فيها رأي الشرع الحنيف في المسائل الطبية، إلى جانب عدد من المداخلات والأسئلة الموجهة الى المحاضرين.
الملتقى الطبي افتتح فقراته الأديب الدكتور حسين رشيد الطائي بتلاوة آيات من الذكر الحكيم منسجمة مع فحوى الملتقى، أعقبتها كلمة لمدير الملتقى، الإستشاري الطبي الدكتور سليمان جواد الخطيب العوادي القادم من مدينة برمنجهام، ذكر فيها عدداً من المرويات عن النبي الأكرم(ص) وأهل بيته الكرام(ع) داخلة في صلب الموضوع، من قبيل الحديث الشريف: (ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطنه) وفيه إشارة الى الإعتدال في تناول الطعام، أو من قبيل القول المنسوب الى الإمام علي(ع): (دواؤك فيك وما تُبصر وداؤك منك وما تَشعر وَتزعم أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ) الذي ربما فيه إشارة الى المناعة الطبيعية وحتى الأمراض السرطانية، إذ أن الله سبحانه وتعالى فرض قوانين طبيعية لصيانة جسم الإنسان، وللحواس وكيفية الاستفادة منها دور رئيس في صحة الجسم ومرضه، وحتى يومنا هذا فإن خريطة جسم الإنسان مستعصية على فك طلاسمها الكثيرة والمتشعبة، كما أن الدواء والكميات المستخدمة تختلف من مريض إلى آخر وإن اتحدا في نوع المرض، مؤكداً أن التجانس بين المأثور ومكتشفات العلم الحديث والتناغم بين الشريعة والطب يعكسان واقعية الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين ودواءً للأرواح والأبدان، وبتعبير الأخصائيين كما يؤكد الدكتور العوادي أن الإسلام اختصر الطب بنصف آية (كلوا واشربوا ولا تسرفوا).
الإستشاري المختص في طب الأطفال الدكتور عبد الصاحب الراضي، تناول في محور (الطب والدين بين المحظور والمشروع) مجموعة من المسائل الحساسة في عالم الطب من قبيل: كشف الطبيب الأجنبي على جسد المسلمة أو الأجنبية على جسد المسلم وبالعكس، الموت الرحيم (الانتحار الطبي)، الموت السريري، التشوه الخلقي الجنيني، الإسقاط والإجهاض، نجاسة الدم ونقله وتبادله، الأطفال الخدج، ختان المرأة، الاستنساخ، نقل الأعضاء البشرية وزرعها، أطفال الأنابيب، تغيير الجنس، ومؤثرات الصيام، وغيرها من الموضوعات الطبية التي يدخل الشرع في جزئياتها.
الدكتور الراضي أكد أن الطب هي مهنة شريفة ونبيلة ولا تزاحمها مهن أخرى، حيث تستقبل الأسرة الحكيم برحابة صدر إذا ما أصاب أحد أفرادها عارض صحي، وعند الضرورات لا ينظر المريض أو أسرته الى جنس الطبيب، بقدر أهمية صحة المريض وشفائه، والدين الإسلامي يبيح ذلك عند الضرورات، على أن الأولى أن يتم فحص المريضة من قبل طبيب وبالعكس، وإذا تعذر ذلك فإن على الطبيب أن يفحص المسلمة بالقدر الممكن وأن يظهر عن بدنها أو يلمسه، إذا استوجب ذلك بالحد الأدنى الذي يتيح له الكشف عن العلة، والعكس صحيح.
وتناول الدكتور الراضي مفهوم القتل الرحيم (Euthanasia) وبتعبير آخر تسريع موت المريض الميؤس من شفائه، ورأى أن معظم الأديان السماوية والأرضية لا تبيحه لانه قتل نفس، وهو مباح في دول مثل سويسرا وبلجيكا وهولندا ضمن شروط، ويُعاقب عليه القانون في كثير من الدول مثل بريطانيا الذي يُحاكم فيها الطبيب بالسجن المؤبد، ومثل هذا الموت يحظره الدين الإسلامي فالإنسان مخلوق لخالقه فلا يملك من نفسه شيئا وخالق الروح أولى بسلبها من البدن في حينها ولكل أجل كتاب.
وشرح الدكتور الراضي المهتم بالإعجاز الطبي في القرآن تفاصيل نمو الجنين وتكونه وموقف العرف والدين من الإجهاض والإسقاط، واعتبر أن خلقة الإنسان هي بحد ذاتها معجزة من معاجز القرآن، وقد حيرت الأطباء وبخاصة قوله تعالى في الآيات 12 و13 و14 من سورة “المؤمنون”: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، فهذه الآية حملت الدكتور كيث ليون مور (Keith Leon Moore) أستاذ علم التشريح بجامعة تورونتو في كندا على إعلان إسلامه، فالآية الكريمة صححت عدداً مما كان يُعتقد أنها من المسلمات الطبية في نشأة الجنين.
وتناول الدكتور الراضي مسألة الدم ونجاسته الشرعية، مؤكداً وفق تصورات الطب والشرع أن نقل الدم الى إنسان آخر بحاجة إليه يدخل في صلب الآية 32 من سورة المائدة: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)، فهو إحياء للنفس والروح وبمثابة إحياء للناس جميعا، معترضا على موقف بعض المذاهب الدينية المسيحية مثل (شهود يهوه) الذين يحرمون الكثير من الأمور الطبية ومنها نقل الدم.
وانتقد الدكتور الراضي مسألة ختان النساء، مبيناً الكثير من أضرارها الجسدية والنفسية على المرأة، واعتبرها من مخلفات العادات الأفريقية حاول البعض لصقها بالإسلام والمواءمة بين الدين والعرف الإجتماعي.
ودخل الدكتور الراضي في صلب مواضيع حديثة أخرى مثل الاستنساخ البشري وتغيير الجنس وأطفال الأنابيب، مستعرضاً الموقف الطبي والشرعي والقانوني منها، وخلص في نهاية محاضرته الى التأكيد بأنه في الأمور التي يتداخل فيها الطب بالشرع وبالعكس، يقدم الفقيه رأي الشرع ويُرجع المريض الى الطبيب المختص، ففي مثل هذه المسائل الحساسة لا يمكن أن يكون الطبيب مقرراً من غير معرفة رأي الشرع إلى جانب قرار المريض نفسه أو أسرته، فلا يستغني الطبيب عن الفقيه ورأي الشرع ولا الفقيه عن مشورة الطبيب وتشخيصه.
الإخصائي في علم الصيدلة الدكتور غازي الحدراوي تحدث في محور (الآثار الجانبية في تناول الأدوية الشعبية والكيمياوية) عن الطب الشعبي أو الطبابة بالأعشاب أو ما يُعرف بالطب البديل، ورأى أن معظم الأدوية الكيمياوية هي في واقعها مستخلصة من الأعشاب والنباتات ويصح وصفها بالأدوية العشبية والنباتية وإن صُنفت بالأدوية الكيمياوية ودخولها المعامل الكيمياوية والمختبرات الطبية، وكل الأدوية لها نظير نباتي وإن غلب عليها التقسم الأولي الى أدوية بيولوجية وأخرى كيمياوية.
واعتبر أن الطب البديل أمر حسن له أن يحل عدداً من الأمراض التي تفتقد الى علاج طبي ناجز، ولكن المشكلة هو في استخدامها، وهي الأخرى بحاجة الى خبير في الطب البديل، صحيح أن الأعشاب ليست لها آثار جانبية بشكل عام، ولكن الاستفادة منها، قلة أو كثرة، تسبب آثاراً على باقي أعضاء بدن الإنسان، كما اعتبر أنَّ قلة رقابة الجهات المختصة على المنتوجات العشبية على خلاف ما هو قائم في المنتوجات الطبية، ساعد في رداءة بعض المنتوجات العشبية والنباتية ودخول العامل الاقتصادي في التلاعب بموادها وكمياتها.
وفصّل الدكتور الحدراوي القول في بيان تأثير الأدوية على الوظائف الفسيولوجية لجسم الإنسان وتأثير كميات الأدوية أو المضادات المستعملة في إرجاع أعضاء البدن الى سابق عهدها في ممارسة وظائفها الطبيعية ودورها في بنية جسم الإنسان، كما شرح العلاقة بين الأمراض وأنواع الأعشاب والمستحضرات الطبية مستشهداً بعدد من الأعشاب والنباتات التي تعتبر أصل الأدوية الطبية الحديثة، مستعرضاً عدداً من الآثار الجانبية السلبية الناتجة من استخدامات الأدوية وأنواعها أو الآثار السلبية الضمنية لأصل الدواء.
وخلص الدكتور غازي الحدراوي الى قاعدة طبية مهمة جداً في التعامل مع الغذاء والدواء، فالغذاء هو بحد ذاته دواء لكل حي سليم يتناوله بقدر معلوم، والدواء علاج للمريض إذا تناوله بقدر معلوم، ويتحول الغذاء والدواء الى سم إذا تم تناولهما خارج حدود المعقول، فالغذاء دواء والدواء علاج والإفراط والتفريط مجلبة للأمراض.
الفقيه آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي، مؤلف دائرة المعارف الحسينية وراعي الملتقى الطبي، كانت له مداخلات فقهية في محلها أضفت على الملتقى جوّا من المعرفة الفقهية الى جانب المعرفة الطبية، حيث أشار إلى عدد من المسائل الشرعية الداخلة في دقائق الطب الحديث، من قبيل تأكيد الإسلام على الاستبراء والاستنجاء في بيت الخلاء وأثرهما على تحصين الجسم من الكثير من الأمراض البولية والتناسلية إلى جانب أصل الصحة البدنية في ظاهرها وباطنها، وبيان مراحل نمو جسم الجنين وولوج الروح فيه وفق معطيات الشريعة كما أثبتها العلم الحديث وقيّدها الفقيه الكرباسي في كتابه (شريعة الجنين) وهو واحد من ألف كراس في الشريعة يوالف فيها بين الشرع والعلم وتطورات الحياة.
كما تطرق الفقيه الكرباسي الى مسألة الاستنساخ ورأي الشرع كما أثبته في كتابه (شريعة الاستنساخ)، كما تناول الفقيه الكرباسي مسألة تغيير جنس الإنسان من ذكر الى أنثى وبالعكس معتبراً أن الشرع يوافق الطب فيما لو أيد ذلك وفقا لمعطيات جسمانية وهرمونية ومرضية تثبت دلالة نوع الجنس الذي يحمله الشخص المريض. كما أشار الفقيه الكرباسي الى عدد من الشواهد التاريخية في عهدي الرسول الأكرم محمد(ص) والإمام علي(ع) تثبت معرفة الطب العربي قبل خمسة عشر قرنًا بالعمليات الجراحية وبالتحاليل الطبية للبول والدم وحليب الأم، والفرق بين بول الرضيع الذكر من الأنثى، وتمييز الذكر من الأثنى من خلال معرفة حليب الأم المرضعة، مؤكدًا أن الفقيه في الأزمان الأولى وإلى وقت متأخر كان يجمع بين علم الأديان وعلم الأبدان، وعدد غير قليل من الفقهاء والعلماء كانت عندهم معرفة كافية بالطبابة بالأعشاب والنباتات فضلا عن تصنيع الأدوية والمراهم.
واجتمع عدد من المتداخلين والمتداخلات على التأكيد بأن المال والإقتصاد دخل كعامل سلبي في الدواء وتصنيعه واستعماله ووصفه للمريض، فالأدوية المصنعة تختلف من بلد الى آخر من حيث الكميات الداخلة حتى في الدواء الواحد، كما أن بعض المستشفيات العامة تمتنع عن إعطاء الدواء الغالي الثمن، بل وأصبح للدواء سوقه السوداء حاله حال بقية السلع الأخرى التي يتخللها ميزان العرض والطلب.
ولأن الملتقى الطبي احتضنه المركز الحسيني للدراسات، فكان للتربة الحسينية حضورها، حيث استمع الحاضرون الى كلمة مباشرة من مدينة لاهور الباكستانية تناول فيها الاخصائي الدكتور خليفة سيد عباس إقبال النقوي رئيس معهد العلوم الطبية في باكستان (PIAMS) (Pakistani Institute of Advance Midical Sciences) الآثار الاستشفائية للتربة الحسينية، حيث حصل من الجهات الطبية المختصة على براءة اختراع لأكثر من أربعين دواءً للأمراض العارضة والمستعصية دخلت فيها التربة الحسينية في نسب محتوياتها، مستوحيا اختراعاته من الأثر الشريف المروي عن الإمامين محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق عليهما السلام: (إنَّ الله عوّض الحسين من قتله أن الامامة من ذريته والشفاء من تربته وإجابة الدعاء تحت قبته).
وربط الدكتور النقوي، الذي عمل ومارس التدريس لنحو عشر سنوات في جامعات ومستشفيات العراق قبل عام 2003م، بين الدواء والآثار النفسية والجسدية لاستخدامات أسماء الله الحسنى وترديدها بما يناسب نوع المرض.
وكما بدأ الملتقى الطبي بكلمة طبية للشاعر العراقي بالسليقة والطبيب بالمهنة الدكتور سليمان جواد الخطيب العوادي، ختمه الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز مختار شبين بقصيدة من وحي الملتقى بعنوان “شفاء القلوب” ، ومطلعها:
طالما طوّحَتْ بقلبي الدروبُ … ليس يَشفي هواكَ الّا الحبيبُ
ثم يواصل مناجاته فيقول:
فاشتياقُ الفراقِ يُطفيه وصلٌ … مثلما يُبرئُ الكُلومَ الطبيبُ
وعن الطب البديل يتساءل:
أيُّ عُشبٍ يُعيدُني لشبابي … لاحَ في مفرقِ المساء المشيبُ
والمفيد ذكره أن الملتقى الطبي يأتي ضمن سلسلة ملتقيات يعقدها المركز الحسيني للدراسات بانتظام، يستضيف فيها مجموعة من الأعلام العرب والمسلمين في المجتمع البريطاني كل حسب اختصاصه، سبقته من قبل ملتقيات للمستبصرين وآخر للإعلاميين وثالث للشعراء، كما أن قناة كربلاء الفضائية كانت حاضرة وأجرت حواراً مع الدكتور عباس جعفر الإمامي تحدث عن الملتقى وفقراته ودور المركز الحسيني للدراسات بلندن في تجسير العلاقة بين الجاليات العربية والمسلمة وأعلامها في الإختصاصات المختلفة.