الاجتهاد: نُعيَ إلينا يوم الاثنين الخامس من شعبان عام 1441 الموافق 30/3/2020 العلامة المحقق السيد عبد الستار الحسني الذي كان جامعاً لكثيرٍ من الفضائل العلمية والادبية ومتبحراً في علوم اللغة العربية وآدابها ومجيداً في نظم الشعر وتاريخ الحوادث به،
وكان شغوفاً بمطالعة الكتب وتسجيل الملاحظات عليها منذ صباه حتى وفاته رحمه الله، وله تدقيقات في علمي الفقه والأصول، وشهد له أحد الأعلام المعاصرين(1) في قم المقدسة ببلوغ درجة الاجتهاد بعد ان أثنى على طول باعه وتوقّد ذهنه.
استطاع بقوة حافظته وذهنه الوقّاد أن يستقصي الأنساب وأصبحت له خبرة بتمييز الصريح من اللصيق في الانساب العلوية، وكان العلماء يركنون اليه في ضبط الأنساب وتحقيقها.
نشأ يتيماً معدماً يعيل أمه وأخواته لكنه كان أبيّ النفس عفيفها يجود بما تحت يده ويؤثر على نفسه، ونَبَغَ مبكراً في أول صباه وكان محباً للقاء العلماء والاستفادة منهم وهم وجدوا فيه الاذن الواعية والحافظة القوية والفطنة فمنحوه مودتهم وثقتهم،
ولعل أهم محطة في حياته في تلك الفترة مصاحبته للعلامة المصلح المرحوم السيد هبة الدين الشهرستاني (توفي 1967) الذي كان موسوعة من العلوم والمعارف في شتى مجالات الحياة و وجد فيه العلامة ضالته ليطالع له الكتب (لفقدانه البصر)
فاستفاد المرحوم الحسني من مطالعة الكتب ومما كان يفيض عليه العلامة، كما استفاد من علماء الكاظمية ثم النجف الاشرف وغيرها من حواضر العلم واتصل بعدد كبير من العلماء من الشيعة والسنة، تعرف اسمائهم من قائمة شيوخه في الاجازة بالرواية حتى أصبح شيخِّاً مميزاً فيها.
كان رحمه الله متواضعاً لا يحب الظهور ومنعزلاً يسكن في مدرسة آل كاشف الغطاء أو في مقبرة الأسرة، ولم يكن يعتني بمظهره الخارجي ولا يأبه بالموضع الذي يجلس فيه، وكان ينبذ إضفاء الألقاب العلمية عليه ويسخر منها مع انه حري بها ولا يتحدث عن نفسه وكتب بنفسه أنه يكره ان يترجم حياته أحد ويتأذى من ذلك،
لكن العلماء والمحققين كانوا يعرفون مقامه ويستفيدون من تحقيقاته وملاحظاته ويطلبون منه المساعدة وهو يبذلها بسخاء وتشهد بذلك المقدمات الكثيرة التي كتبها للأعلام والبحوث والتعليقات التي سجّلها على أمهات المصادر التاريخية والرجالية، والتحقيقات التي نشرت له هنا وهناك،
واستفاد من أفكاره وملاحظاته طلاب الدراسات العليا في الجامعات، لكنه أهمل جمع كتاباته وشعره الذي حفظ كثير منه في الكتب والمجاميع المطبوعة والمخطوطة، وله نوادر وطرائف محفوظة في صدور اخوانه ونأمل ان يتصدى لجمعها أهل الفضل لينتفع بها أهل العلم والفضيلة والادب.
كان السيد عبدالستار الحسني فطناً يحسن معاريض الكلام ولحن القول وشاعراً مجيداً سريع البديهية ينظم ارتجالاً ويُبدعُ في تضمين المناسبة ويتفنن في استخدام الاساليب البديعة وذكرت عدة شواهد على ما تقدّم من كلماتي في مذكّراتي عن المرحوم الحسني.
أجد نفسي بمقتضى علاقتي معه التي استمرّت أكثر من خمسة عقود مديناً بالشكر لكل السادة العلماء والفضلاء والاساتذة الذين شاركوا في تشييع المرحوم والصلاة عليه رغم الحظر المشدد على الحركة وقاية من انشار وباء كورونا، كما أشكر الذين أبّنوه بكلماتهم ورثوه بقصائدهم، فقد عرّفوا فضل الفقيد الراحل الذي خفي على الكثير.
تغّمده الله تعالى برحمته الواسعة واسكنه فسيح جناته وعوّض الأمة بموسوعيين من أمثاله.
محمد اليعقوبي – النجف الاشرف
ـــــــــــــــــــــــ
[1] – سماحة آية الله الشيخ جعفر السبحاني والاجازة منشورة في كتاب (رسائل