الاجتهاد: إن خطاب الإمام الحسين(ع)، ومواقف أصحابه المشرفة، ومسيرة السبايا وخطب الإمام السجاد(ع) وعمته الحوراء زينب في مجلس ابن زياد ويزيد وكل الصور المشرفة التي وصلتنا من هذه الحادثة الكبرى، تثبت وبكل جدارة واستحقاق كونها ملحمة عظمى في تاريح البشرية.
ظهرت عاشوراء في البدء على صورة ملحمة، ومن ثم تجلّت في شكل تلك الواقعة المؤلمة، ممزوجة بالآهات والدموع. وفي القرن الأخير استعادت مكانتها الأولى، وهو ما يعني أن الحماس الحسيني استرجع موقعه وظهر إلى الساحة مجددا يحرّك الجماهير المسلمة في اوساط دموع المحبين وآهات العاشقين.
فالشعار الجهادي [هيهات من الذلة] و[أن الحياة عقيدة وجهاد] والتي اخذت من تأريخ الواقعة في كربلاء، سارت جنبا وامتزجت مع الاشعار التي تحرك العاطفة وتذرف الدموع المحتشمة:
فحتى السماء التي لا مكان فيها للغم والحزن *** جثت على ركبتيها وبمقدستها لمصرع الحسين
تبكي الارض والسماء والجن والملائكة لمصاب ابن شرف خلق الله
اخذت تدور في فوالج وافكار الشعراء والقراء، وتتداول في مجالس العزاء، المستورثة من السلف الصالح والتي لا ينبغي تركها بحال، وشرحت ايضا ابعاد الملحمة الحسينية. اثرت هذه الملحمة وكان لها دور هام ومؤثر في ايام الثورة الاسلامية، ومشاريع حزب الله في لبنان، ومجالس العزاء التي تقام في العراق ايام عاشوراء واربعينية امام الحسين ع، واصبح نداء [كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء] يرن في آفاق وفضاء البلاد الاسلامية.
نعم: بحق أن عاشوراء كانت ملحمة، لان الامام الحسين (ع) في اليوم الذي قرر ترك مكة قاصدا العراق قال:
[من كان فينا باذلا مهجته مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا][1].
وعند وصوله قرب كربلاء، أكد مرة أخرى على هذا الامر قائلا: [ الا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة][2].
وقد أمضوا صحابة الحسين ع في ليلة عاشوراء هذا السند فقالوا: [إذا قتلنا مرة لا بل سبعون قتلة من ثم حيينا لا نقصر في نصرتك ونحن على ما انت عليه][3].
والابن الشجاع والبار لابي عبد الله ع علي الاكبر ع في مسيره إلى كربلاء، كان يردد هذه الجملة: [اذن لا نبالي بالموت]، [لاننا على الحق][4] فهذا تأكيد آخر على صحة أن عاشوراء كانت ملحمة عظمية.
واما اصحابه عليه السلام كانوا يرتجزون في ميدان القتال امام العدو بعبارات تحكي ولاءهم ونصرتهم وصمودهم في سبيل سبط النبي ص الامام الحسين ع والذي سبب دهشة وصدمة كبيرة للعدو.
وأخته العقلية زينب الكبرى عليها السلام لما وقفت على جثمان أخيها المرمل بالدماء، رفعت الجسد الطاهر إلى السماء وقالت: [اللهم تقبل منّا هذا القربان][5].
وفي خطبة رائدة لبطلة كربلاء، عقلية العرب بأهل الكوفة قالت بكل صراحة: [أتبكون وتنتحبون، اي والله فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها ابداً، وأنى ترحضون، قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة ومدرة حجتكم، ومنار محجتكم، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم. وسيد شباب أهل الجنة الا ساء ما تزرون][6].
وفي جوابها لإبن زياد، الرجل الطاغية والسفاح الذي لا يمتلك ذرة من الرحمة، قالت له وبكل شجاعة وبسالة: [ما رأيت إلاّ جميلا]، لم أرى في كربلاء سوى الجميل والشجاعة والعظمة [هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم…] هؤلاء جماعة دعوا إلى الشهادة فلبوا وسيجمع الله بينك وبينهم يوم القيامة فتحاج وتخاصم[7] .
وفي خطبتها الجهادية الاخرى في الشام عند وقوفها امام الطاغية يزيد قالت: [ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك، انّي لأستصغر قدرك، واستعظم تقريعك، استكثر توبيخك،…، فكد كيدك، واسع سعيك وناصب جهدك، فو الله لا تمحون ذكرنا، ولا تميت وحينا][8].
والكلمات الخالدة التي جاءت في خطب الامام السجاد ع في الشام عند وصولهم قرب المدينة، هي ايضا تبين مدى عظمة هذه الواقعة التأريخية الكبرى[9].
الهوامش:
[1] بحار الانوار، ج44، ص 367.
[2] احتجاج الطبرسي، ج2، ص24.
[3] انظرناسخ التواريخ، ج2، ص 180.
[4] بحار الانوار، ج44، ص 367.
[5] مقتل الحسين للمقرم، ص 307.
[6] انظر بحار الانوار، ج 40، ص 109 و165.
[7] المصدر السابق، ص 116.
[8] المصدر السابق، ص 133- 135.
[9] ملخص من كتاب: عاشوراء الجذور، الدوافع، الوقائع، التداعيات، تحت اشراف آية الله مكارم الشيرازي.
قراءة الكتاب في موقع سماحته