سهم-الإمام

مشاكل القول بعدم ثبوت الولاية على سهم الإمام (ع) ولزوم إحراز رضاه (ع) في صرفه

الاجتهاد: لا ينبغي الإشكال في أن سهم الإمام (عليه السلام) ليس ملكاً شخصياً له (عليه السلام)، بل هو ملك لمنصبه الشريف، والفرق بينهما أن ما هو ملك للمنصب ينتقل بوفاة الإمام (عليه السلام) إلى الإمام الذي من بعده، وأما ما هو ملك لشخص الإمام (عليه السلام) فينتقل بوفاته إلى ورثته عامة،

كما ورد في صحيح أبي علي ابن راشد (١) عن صاحب العسكر (عليه السلام) ــ أي الإمام الهادي (عليه السلام) وكان وكيلاً له ــ قال: قلت له: جعلت فداك نؤتى بالشيء فيقال: هذا ما كان لأبي جعفر (عليه السلام) ــ أي الإمام الجواد (عليه السلام) ــ عندنا فكيف نصنع؟ فقال: (ما كان لأبي جعفر (عليه السلام) بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ).

والرواية واضحة الدلالة على الفرق بين القسمين، ومن الظاهر أن عدم انتقال ما كان للإمام (عليه السلام) بحسب منصبه إلى ورثته بعد وفاته ليس من جهة تخصيص أدلة الإرث، بل لأن الإرث إنما هو في مال الميت، وما هو ملك للمنصب يبقى ملكاً له ولا يصبح ملكاً للذي يكون له المنصب بل تكون له الولاية على التصرف فيه، فإذا مات تكون الولاية لمن يكون له المنصب من بعده وهكذا.

وليس حال ما يكون ملكاً للمنصب حال البستان الموقوف على عالم البلد ــ مثلاً ــ بهذا العنوان، فإن وارد البستان يصبح ملكاً شخصياً لعالم البلد فإذا مات ينتقل إلى ورثته، وأما ما يتجدد من الوارد بعد وفاته فيكون لعالم البلد الذي يأتي من بعده. وهذا بخلاف الحال في ما يكون ملكاً للمنصب فإن نماءه يكون ملكاً للمنصب أيضاً، ولا يصير إرثاً إذا مات من تسنّم المنصب فانتقل منصبه إلى شخص آخر.

وبالجملة: لا ريب في أن ما يكون ملكاً للمنصب لا يكون ملكاً لصاحب المنصب حقيقة بل مع الواسطة في العروض، فإذا مات لم ينتقل إلى ورثته بل يبقى ملكاً للمنصب فتعود الولاية عليه لمن يتسنم المنصب من بعده.

وسهم الإمام (عليه السلام) من الخمس من هذا القبيل، وليس ملكاً شخصياً للإمام (عليه السلام) كما قد يتوهم.

وهذا المعنى ــ مضافاً إلى أنه هو المستفاد من أدلة تشريع الخمس، وتقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ــ مما ينبغي القطع به، بالنظر إلى أن لازم كونه ملكاً لشخص الإمام (عليه السلام) هو الانتقال إلى ورثته بوفاته ــ كما مرّ ــ وكيف يمكن الالتزام بأن خمس الغنائم والمعادن وأرباح المكاسب وغيرها مما يجب فيه الخمس ــ الذي لو أخرج يكون ثروة طائلة جداً ــ يكون ملكاً لشخص الإمام (عليه السلام) ، فإذا مات يجب تقسيمه على ورثته من زوجاته وأولاده ذكوراً وإناثاً فيصير كل واحد منهم أغنى من كل أغنياء العالم! إن هذا شيء غير محتمل. فلا مناص من الالتزام بأن سهم الإمام (عليه السلام) من الخمس ملك للمنصب وليس للشخص.

ثم إن الإمام (عليه السلام) يصرف سهمه المبارك في ما يرتأيه من الموارد، وليس مقيداً بصرفه في الجهات العامة. وفي بعض النصوص (2) ((أن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا))، وفي نص آخر (3) (ولكن عليهم نوائب تنوبهم من وجوه كثيرة) في الإشارة إلى ما ينبغي للأئمة (عليهم السلام) صرف الخمس فيه.

وعن علي بن إبراهيم القمي (4) : ((إنما صارت للإمام وحده من الخمس ثلاثة أسهم، لأن الله قد ألزمه ما ألزم النبي من تربية الأيتام ومؤن المسلمين وقضاء ديونهم وحملهم في الحج والجهاد)) وهذه جهات عامة ولكن لا يختص صرف السهم المبارك بها، فيمكنه (عليه السلام) أن يصرفه في ما يرتأيه ويجده مناسباً من الجهات الخاصة أيضاً حتى ما لا تتعلق بنفسه وعائلته وسائر متعلقيه، فهو حرّ التصرف فيه، ويختلف بذلك عن بيت مال المسلمين الذي لا بد من تقسيم ما فيه على جميع المسلمين بالسوية.

ويمكن تشبيه السهم المبارك ــ من وجه ــ بمخصصات الرئاسة في النظم الحديثة، فإن الذي يكون في موقع الرئيس يواجه مراجعات وطلبات كثيرة من الناس، ولا يسعه عدم الاعتناء بها كما ليس له تأمينها من الخزينة العامة ــ خلافاً للقانون ــ فلا بد أن تخصص له نسبة في الميزانية العامة للدولة تكون تحت يده ويتمكن بها من قضاء حوائج مراجعيه حسب ما يرتأيه ويجده مناسباً.

ثم إنه بناءً على كون سهم الإمام (عليه السلام) ملكاً لمنصب الإمامة، وبناءً أيضاً على عدم سقوطه في زمن الغيبة ــ كما هو المحقق في محله ــ فالسؤال المطروح هنا هو أنه ماذا يصنع به في هذا الزمن؟

وهنا مسالك أبرزها وأشهرها عند المتأخرين اثنان ..

المسلك الأول: أن أمره راجع إلى من له الولاية في الأمور العامة بالنيابة عن الإمام (عليه السلام)، وهو الفقيه العادل المستجمع لبعض الشروط الأخرى أيضاً على ما يراه جمع من القائلين بولاية الفقيه.

فعلى هذا المسلك يكون على المالك مراجعة من له الولاية العامة بشأن ما يجب في أمواله من سهم الإمام (عليه السلام) ، فإن أذن له في صرفه صرفه وفق ما يأذن له، وإن طلب إيصاله إليه لزمه ذلك، وعندئذٍ يصرفه في ما يرتأيه، كما كان للإمام (عليه السلام) أن يصنعه في زمن الحضور ولا يتعين أن يصرفه في الجهات العامة.

وهذا المسلك ــ كما يلاحظ ــ يبتني على وجود من تثبت له الولاية في الأمور العامة في عصر الغيبة، وأما مع عدم البناء على ذلك فلا محل للالتزام بهذا المسلك.

المسلك الثاني: أن يُصرف في ما يحرز رضا الإمام (عليه السلام) بصرفه فيه، ويكون ذلك في مجالين ..

الأول: تأمين ضرورات المؤمنين المتدينين.

الثاني: ترويج الدين والمذهب.

ولا بد من مراعاة الأولويات ــ أي الأهم فالأهم ــ في كليهما، فإن الإمام (عليه السلام) وإن كان يصرف سهمه الشريف من الخمس في ما يشاء في زمن حضوره ولكن ما يمكن أن يحرز رضاه بصرفه فيه في زمن الغيبة هو ما ذكر من المجالين مع مراعاة الأولويات.

وقد اختار هذا المسلك جمع ــ منهم السيد الأستاذ (الإمام الخوئي قدس سره) (5) ــ بناءً منهم على عدم تمامية المسلك الأول، لعدم ثبوت النيابة عن الإمام (عليه السلام) في الأمور العامة في عصر الغيبة.

وعلى هذا الأساس قالوا بلزوم مراجعة الحاكم الشرعي والاستئذان منه في صرف السهم المبارك، لاحتمال دخل إذنه في جواز التصرف فيه ولو من جهة احتمال كونه ولياً عليه، وإن لم تكن له الولاية في الأمور العامة، أي أن احتمال أن يكون الحاكم الشرعي ولياً على سهم الإمام (عليه السلام) بخصوصه احتمال قائم لا يمكن نفيه وجداناً، ولا سيما مع ذهاب كثير من الفقهاء إليه، ومعه لا يجوز التصرف في السهم المبارك تكليفاً، ولا ينفذ وضعاً إلا بمراجعته.

وبالجملة: إنه بعد فرض عدم ثبوت الولاية العامة لأحد في زمن الغيبة، وفرض عدم سقوط سهم الإمام (عليه السلام) من الخمس ــ خلافاً لبعض الفقهاء السابقين ــ يتعين الأخذ بالقدر المتيقن بشأنه من جانبين ..

الأول: مصرفه، فلا يصرف إلا في ما يحرز أن الإمام (عليه السلام) لو كان حاضراً لصرفه فيه، وهو ما مرّ من تأمين ضرورات المؤمنين المتدينين، وترويج الدين والمذهب مع مراعاة الأولويات.

الثاني: المتصدي لصرفه، فإن المحتمل ثبوت الولاية له في ذلك شخصان ..

أحدهما: المالك، بأن يكون الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) قد أذن للمالكين أن يصرفوا ما يجب في أموالهم من سهمه (عليه السلام) في موارده، فيكون حاله حال الزكاة التي مرَّ أن أمرها بيد الإمام (عليه السلام) ولكن الأئمة (عليهم السلام) قد أذنوا لشيعتهم صرفها في جملة من مصارفها في زمن عدم بسط اليد.

ثانيهما: الفقيه الجامع للشرائط، بأن يكون الإمام (عجل الله فرجه الشريف) قد جعل الولاية له في صرف سهمه المبارك ولو للحفاظ على منصب الزعامة الدينية ــ كما ورد في بعض تعابير السيد الأستاذ (قدس سره) (6) ــ وعلى هذا بنى الكثير من الفقهاء ممن لم يلتزموا بولاية الفقيه في الأمور العامة.

إذاً من يحتمل ثبوت الولاية له في صرف سهم الإمام (عليه السلام) هو كل من المالك والفقيه الجامع للشرائط، فلا بد ــ أخذاً بالقدر المتيقن ــ من أن يراجع الأول الثاني في صرف ما عليه من السهم المبارك ليكون الصرف بإذنه حتى يتيقن بالخروج عن عهدة التكليف.

ولكن هذا المسلك لا يخلو من بعض المشاكل ..

المشكل الأول: أن مقتضاه عدم كفاية استحصال الإذن من مطلق الفقيه الجامع للشرائط، بل لا بد من استحصال الإذن من الفقيه الأعلم، بل من المرجع الأعلى أو العام، بل من الفقيه الأقدر على تشخيص ما يرضى به الإمام (عليه السلام) في صرف سهمه فيه من الجهات العامة ولو بلحاظ رعاية الأهم فالأهم.

والوجه في ذلك: أنه كما يحتمل ثبوت الولاية على السهم المبارك لكل فقيه جامع للشرائط يحتمل ثبوتها لخصوص الفقيه الأعلم، ولذلك احتاط السيد الأستاذ (قدس سره) (7) بالاستئذان منه. وأيضاً يحتمل ثبوتها لخصوص المرجع العام أو المرجع الأعلى أي الأكثر تقليداً من غيره، ولذلك احتاط السيد الحكيم (قدس سره) (8) بالاستئذان منه.

بل لعل احتمال ثبوت الولاية له على سهم الإمام (عليه السلام) أقوى من احتمال ثبوتها للأعلم وإن لم يكن في موقع المرجعية العليا أو العامة كما لا يخفى. ومن المعلوم أنه أحياناً لا يكون المرجع الأعلى أو العام هو الأعلم في نظر المكلف بل يكون الأعلم غيره، وربما لا يكون متصدياً للمرجعية أصلاً.

وكذلك الفقيه الأقدر على تشخيص ما ينبغي صرف السهم المبارك فيه من الجهات العامة ممن يحتمل ثبوت الولاية له في صرفه، ولذلك احتاط العلمان السيد الحكيم والسيد الأستاذ (قُدِّس سرُّهما) بكون من يُستأذن منه في صرفه هو المرجع المطلع على الجهات العامة.

ومن المعلوم أنه ربما لا يكون الفقيه الأعلم أو المرجع العام أو الأعلى كذلك، بل يكون غيره هو الأقدر على تشخيص ما ينبغي أن يصرف فيه سهم الإمام (عليه السلام) من الجهات العامة مع مراعاة الأولويات.

والحاصل: أن من يحتمل ثبوت الولاية له في صرف سهم الإمام (عليه السلام) ليس هو كل فقيه جامع لشرائط الفتيا فقط بل يحتمل أن يعتبر فيه بعض الخصوصيات الأخرى كأن يكون متصدياً للمرجعية أو أن يكون أعلم من غيره أو أن يكون مرجعاً أعلى للطائفة الإمامية أو المرجع العام فيهم أو كونه مطلعاً على الجهات العامة بحيث يتمكن من تشخيص ما هو الأولى بصرف السهم المبارك فيه.

وعلى ذلك فإن انطبقت العناوين المذكورة على شخص واحد فلا إشكال، وأما مع التعدد فالأمر لا يخلو من صعوبة، للزوم الاستئذان من أكثر من واحد، ويزداد الأمر صعوبة مع تردد الأعلم بين أكثر من فقيه، وكذا المرجع الأعلى أو المرجع الأقدر على تشخيص ما ينبغي أن يصرف فيه السهم المبارك، فيكون على المكلف أن يستحصل الإذن من عدة فقهاء، وهذا في غاية الصعوبة في غالب الحالات.

المشكل الثاني: أن مقتضى هذا المسلك عدم تمكن المكلف من دفع ما ثبت في ماله من سهم الإمام (عليه السلام) إلى المرجع الأعلى ــ مثلاً ــ أو وكيله إلا إذا أحرز أنه لا يصرفه إلا في ما يرى فيه رضا الإمام (عليه السلام) مع مطابقة رأيه له في ذلك. وهذا أمر يصعب إحرازه للكثيرين، إذ الملاحظ أحياناً أن المرجع الأعلى يرى ولاية الفقيه في الأمور العامة فيصرف السهم المبارك في ما يرتأيه غير مقيد بإحراز رضا الإمام (عليه السلام) ، وإذا كان مقيداً بذلك فإنه في موارد غير قليلة لا يتطابق نظر من عليه الحق الشرعي مع نظره في تشخيص المصاديق.

وعلى ذلك إذا استأذن المكلف من المرجع الأعلى ــ مثلاً ــ في صرف ما عليه من السهم المبارك فلم يأذن ــ كما هو المتعارف ــ إلا بنسبة منه كالثلث أو النصف مع إيصال الباقي إليه يشكل الأمر على المكلف إذا لم يكن يحرز أن المرجع يصرفه في ما يراه هو أيضاً مورداً لرضا الإمام (عليه السلام) .

المشكل الثالث: أن اعتبار إذن المرجع الأعلم ــ مثلاً ــ إذا كان مبنياً على احتمال دخله في رضا الإمام (عليه السلام) من جهة جعله ولياً على سهمه من الخمس ليصرفه في دفع ضروريات المؤمنين المتدينين وفي ترويج الدين والمذهب فإن مقتضاه أن يكون المعتبر هو إذنه المبني على إعمال نظره في كون المورد مندرجاً تحت أحد العنوانين المذكورين، فليس هو كالإذن المعتبر في بعض المجالات من جهة رعاية الأدب ونحو ذلك ليكتفى به كيف ما صدر.

وبعبارة أخرى: المفروض أن الإذن المحتمل اعتباره هنا هو الإذن الصادر من الولي، وشأن الولي هو إعمال النظر لرعاية مصلحة المولى عليه، فمن كان ولياً على مال فلا بد أن يلاحظ في ما يأذن فيه مصلحة صاحب المال. ومن هنا لو استأذن السفيه وليه في تصرف مالي فأذن فيه من دون أن يتحقق من كونه في مصلحته لم يعتد بإذنه وكان لغواً.

بل لعل الحال كذلك في إذن الأب المعتبر في زواج البكر الرشيدة ــ على القول بذلك ــ فإنه يمكن أن يقال: إنه لا بد أن يكون مبنياً على إعمال نظره في ما تقتضيه مصلحتها، ولذلك ورد في بعض النصوص (9) : ((هو أنظر لها)) أي أعرف بمصلحتها، فليتأمل.

وبالجملة: إنه لو بني على اعتبار إذن المرجع الأعلم ــ مثلاً ــ في صرف سهم الإمام (عليه السلام) من حيث احتمال كونه ولياً عليه ليصرف في ما يكون موضع رضا الإمام (عليه السلام) فلا بد أن يكون الإذن مبنياً على إعمال نظره في كون المورد الذي يزمع المكلف صرف السهم المبارك فيه مما يحرز رضاه (عليه السلام) بصرفه فيه، وهذا ما لا يتسنى للمرجع تشخيصه في كثير من الحالات، ولذلك يضع المسؤولية على عاتق من عليه الحق إذا استأذنه في مساعدة أخيه مثلاً أو في طبع بعض الكتب مثلاً فيقول: إن كان أخوك مؤمناً متديناً وفي حاجة ملحة فلا مانع من أن تساعده من السهم المبارك، وكذلك إذا كان الكتاب نافعاً في ترويج الدين أو المذهب فلا مانع من أن تطبعه من السهم الشريف .. وهكذا.

ولكن هذا المقدار لا يجدي، فإنه نظير أن يقول الولي للسفيه إن كانت المعاملة في مصلحتك فقد أذنت لك فيها، ومن المعلوم أنه لا أثر للإذن كذلك.

وهذا بخلاف ما لو بني على ثبوت ولاية الفقيه في الأمور العامة وأنه يحق له التصرف في سهم الإمام (عليه السلام) كيف ما يجد فيه المصلحة كما يتصرف الإمام (عليه السلام) كذلك.

المشكل الرابع: أنه يصعب في حالات كثيرة حصول الاطمئنان بما يكون محلاً لرضا الإمام (عليه السلام) من أنواع التصرف في سهمه الشريف، لأنه لا بد فيه من رعاية الأهم فالأهم كما سبق، ويشك المكلف في وجود الأهم وعدمه، كما إذا شك في أن صرفه في تأمين حاجة ضرورية لمؤمن معين أهم أو المساهمة في بناء مسجد ضروري للمنطقة، فتارة تلوح له أهمية الأول وأخرى أهمية الثاني، فيصعب عليه البناء على أحدهما.

اللهم إلا أن يقال بالتخيير في مثله، ويبنى على أنه مع عدم إحراز الأهمية بوضوح يكون الصرف في أحدهما محلاً لرضا الإمام (عليه السلام) فلا بأس به عندئذٍ، فليتأمل.

المشكل الخامس: أن هذا المسلك لا يقتضي صلاحية المرجع للإذن في تعيين الخمس بالعزل أو في نقله إلى الذمة بالمداورة أو المصالحة أو في الترخيص في أدائه تدريجاً أو في المصالحة في المشكوكات ونحو هذه الأمور. وهذا بخلاف الحال على المسلك الآخر المبني على ثبوت ولاية الفقيه في الأمور العامة، فإن له صلاحية كل ما تقدم كما هو واضح.

ودعوى أنه يمكن إحراز الإذن من الإمام (عليه السلام) للمرجع في ممارسة الأمور المذكورة من جهة أنه لولاها يتعقد الأمر على المكلفين غير مقبولة، فإنه لم يظهر أنه يترتب على عدم ممارستها وقوع المؤمنين في مشقة بالغة بحيث يحرز عدم رضا الشارع المقدس بذلك لتكون ممارستها مما تسمى بالأمور الحسبية.

ولذلك يلاحظ أن الفقهاء السابقين (قدّس الله أسرارهم) لم يكونوا يمارسون تلك الأمور من دون أن يترتب على ذلك الكثير من الإشكال.

المشكل السادس: أن مقتضى هذا المسلك هو عدم جواز اكتفاء المكلف في تصرفه في السهم المبارك بإحراز المالك والمرجع رضا الإمام (عليه السلام) بصرفه عليه، بل لا بد أن يحرز هو أيضاً رضاه (عليه السلام) بذلك.

فلو دفع المالك بإذن من المرجع الأعلى ــ مثلاً ــ مقداراً من السهم المبارك إلى طالب علم اعتقاداً منه بكون تأمين حوائجه مورداً لرضا الإمام (عليه السلام) ، من جهة كونه ممن يسعى في تهذيب نفسه وتكميلها بالعلوم الشرعية، ليفيد لاحقاً في تعليم الجاهلين وإرشاد الضالين ونصح المؤمنين وإصلاح ذات بينهم ونحو ذلك، ولكن فرض أن الطالب لا يعرف من نفسه أنه كذلك، بل يحتمل أنه مقصر إما في تهذيب نفسه أو في تحصيل العلم، فإنه في هذه الصورة لا يجوز له التصرف في السهم المبارك.

وهذا بخلاف الحال على المسلك الأول فإنه بناءً على ثبوت ولاية الفقيه في الأمور العامة في عصر الغيبة الكبرى وكون أمر السهم المبارك راجعاً إليه يتصرف فيه كما يتصرف الإمام الأصل (عليه السلام) فلا حاجة إلى أن يتأكد طالب العلم ــ في المثال ــ من عدم تقصيره في تهذيب النفس وتحصيل العلم، بل يكفي إذن ولي الأمر له بالتصرف في السهم الشريف.

نعم إذا فرض أن الآخذ للسهم أغفل ولي الأمر وأوقعه في خلاف الواقع في ما يتعلق بحاله لم يجز له التصرف في المال المأخوذ، وهذا أمر آخر.

وبالجملة: يكفي بناءً على المسلك الأول وصول السهم المبارك من جهة ولي الأمر في جواز التصرف فيه، ولا يلزم الآخذ معرفة العلة التي من أجلها بعث به إليه، نعم لا بد أن لا يكون قد سعى في إغفاله وإخفاء حاله عنه.

وأما بناءً على المسلك الثاني فلا بد من أن يتحقق من الأمر ويتأكد من كون صرف السهم المبارك عليه مورداً لرضا الإمام (عليه السلام) وإلا لم يجز له التصرف فيه.

المشكل السابع: أنه بناءً على المسلك الأول إذا دفع ولي الأمر سهم الإمام (عليه السلام) إلى شخص باعتقاد كونه مستحقاً ثم ظهر بعد تصرفه فيه وتلفه أنه لم يكن كذلك فلا ضمان على ولي الأمر، كما أنه يكون قد برأت ذمة المالك بالدفع إلى ولي الأمر.

وأما بناءً على المسلك الثاني فيختلف الحال عما ذكر، فإنه إذا ظهر للمالك بعد تصرف الآخذ في ما أعطي إليه بعنوان السهم المبارك أنه ليس ممن يحرز رضا الإمام (عليه السلام) بصرف سهمه عليه فمقتضى القاعدة عدم الاجتزاء به، بل إن كان ما دفعه قد تعيّن كونه من السهم الشريف يضمن بدله للإمام (عليه السلام) وإن لم يكن متعيناً ــ كما هو كذلك غالباً لعدم ثبوت حق العزل للمالك في باب الخمس بخلاف باب الزكاة ــ يكون تلف أربعة أخماسه من مال نفسه وتلف خمسه من مال الإمام (عليه السلام) فيضمن بدل التالف من ماله (عليه السلام) وعليه إخراج أربعة أخماس سهمه (عليه السلام) من الباقي،

مثلاً: إذا كان ربحه مائة دينار فكان سهم الإمام (عليه السلام) منه عشرة دنانير فأخرج بهذا المقدار منه ودفعه إلى من ظهر لاحقاً أنه لا يستحق السهم الشريف ولم يمكن استرجاعه منه، يكون قد تلف من ماله ثمانية دنانير ومن مال الإمام (عليه السلام) ديناران، فعليه ضمانهما مع لزوم إخراج سهم الإمام (عليه السلام) من الباقي وهو ثمانية دنانير.

وإنما يحكم بضمان العشرة دنانير أو الدينارين في المثال من جهة قاعدة الضمان بالإتلاف (من أتلف مال غيره فهو له ضامن)، فإن المالك وإن كان أميناً ــ أي يكون السهم المبارك عنده على وجه الأمانة ــ ولكن ما ينفى من الضمان عن الأمين هو ضمان التلف مع عدم التعدي والتفريط،وأما الإتلاف فهو موجب للضمان حتى بالنسبة إليه.

مثلاً: إذا كان كوز شخص وديعة عند آخر فحفظه في المكان الذي ينبغي حفظه فيه ولكن اتفق أن مرّ حيوان وكسر الكوزلم يحكم بضمانه لأن الأمين لا يضمن التلف من دون تعدٍّ أو تفريط. وأما إذا فرض أنه نام فصدم الكوز برجله ــ وهو في حال النوم ــ فكسر الكوز وأتلفه حكم بضمانه بقاعدة (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) غير المختصة بالغاصب ومن بحكمه.

ومن الواضح أن دفع السهم المبارك إلى من لا يمكن استرجاعه منه لتلفه في يده أو لغير ذلك يعدّ بحكم الإتلاف فهو يوجب الضمان بمقتضى القاعدة، إلا أن تثبت كبرى عدم ضمان الولي في ما يُعمل فيه ولايته ولو مع ظهور خطئه واشتباهه من دون تقصير منه في المقدمات. فإنه إذا ثبتت هذه الكلية أمكن الحكم هنا بعدم ضمان المالك لما دفعه من السهم المبارك، لأن المفروض أنه كان بإذن المرجع والولاية على سهم الإمام (عليه السلام) لا يتعداهما في عصر الغيبة.

ويظهر من السيد الأستاذ (قدس سره) في كتاب الزكاة (10) الالتزام بالكبرى المذكورة وبناؤه عليها قائلاً: (لا ينبغي التأمل في أن الولي الغير المقصّر في أداء وظيفته أمين لا يضمن بشيء، كما هو الحال في الأولياء على الأيتام والصغار والمجانين والقاصرين والغائبين أو على الأوقاف).

أي أنه لا ضمان على وليّ القاصر إذا قامت البيّنة على كونه مديناً لزيد ــ مثلاً ــ بمبلغ فدفعه إليه من ماله، ثم تبين خطأ البيّنة، ولم يمكن استرجاع المال. وكذا الوصي على الثلث المقرّر صرفه في زواج الهاشميين إذا دفع منه لزواج شخص ثبت بطريق شرعي أنه هاشمي ثم ظهر بعد تلف المال أنه لم يكن هاشمياً.

وكذلك ولي الوقف إذا دفع حصة من وارد ما يكون وقفاً على العلماء إلى شخص باطمئنان أنه عالم ثم ظهر أنه ليس كذلك ولم يمكن استرجاعها، وهكذا في سائر الموارد.

ففي جميع ذلك يقال: إن الولي لما اعتمد على طريق معتبر يعوّل عليه ثم تبين خطأ الطريق وتعذر استرجاع المال لم يحكم عليه بالضمان وإلا لم يستقر حجر على حجر.

فإذا بني على ثبوت هذه الكلية أمكن الحكم في المقام بعدم ضمان المالك لما دفعه من السهم المبارك إلى من ظهر أنه غير مستحق له مع عدم إمكان استرجاعه منه، وعليه فلا يبرز المشكل السابع المتقدم بيانه.

ولكن الكلية المذكورة ليست بذاك الوضوح، ولا بد للبناء عليها من حشد الشواهد العقلائية لها إن كان المدعى كونها عقلائية، وحشد الشواهد الشرعية إن كان المدعى كونها ثابتة من جهة الشارع المقدس.

وربما يشهد على خلافها خبر ابن أبي عمير عن الحسين بن عثمان عمن ذكره (11) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل يعطي زكاة ماله رجلاً وهو يرى أنه معسر، فوجده موسراً. قال: ((لا يجزي عنه)).

حيث يلاحظ أن الإمام (عليه السلام) حكم في مورد خطأ المالك في تشخيص فقر من دفع إليه زكاته بعدم الإجزاء، مع كونه مخولاً من قِبل وليِّ الأمر في توزيع زكاة ماله، ولا سيما على الفقراء والمساكين.

ولكن الرواية مرسلة، ولذلك قد يناقش في الاعتماد عليها، إلا أنه يمكن تصحيح سندها من جهة أن الملاحظ بالتتبع أن روايات الحسين بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) بواسطة واحدة كثيرة في جوامع الحديث، والواسطة في كلها إلا في مورد واحد إنما هـي من الـثقات، كأبي ولاد حفص بن سالم (12) وذريح (13) وسماعة (14) وعمرو بن أبي نصر (15) وإسحاق بن عمار (16) وأبي بصير (17) وأبي عمرو الطبيب (18) وغيرهم. نعم ورد في موضع روايته عن سليمان بن عمرو (19) وهو مجهول. وعلى ذلك يمكن تحصيل الاطمئنان بحساب الاحتمالات بأن الواسطة المبهمة في السند المذكور ليس إلا من الثقات، فليتدبر.

هذا وقد يقال: إن ظاهر قوله في السند: (عمن ذكره) أن الإرسال لم يكن من الحسين بن عثمان بل من ابن أبي عمير، أي أن الرواية من مراسيله، فيمكن الاعتماد عليها من هذه الجهة.

ولكن هذا الكلام مبني على حجية مراسيل ابن أبي عمير مع الواسطة، وهي غير ثابتة، كما أوضحته في موضع آخر (20) .

المشكل الثامن: أن أقصى ما يقتضيه المسلك الثاني المذكور هو جواز التصرف الخارجي في السهم المبارك بما يحرز فيه رضا الإمام (عليه السلام) إما على سبيل الانتفاع به كالجلوس على الفراش أو على سبيل الاستهلاك كأكل الطعام، وأما التصرف الاعتباري من قبيل الهبة أو البيع أو الشراء أو الإجارة أو الصلح ونحو ذلك فلا يمكن تصحيحه حتى مع العلم برضا الإمام (عليه السلام) به، أي أنه لا يحكم بصحة تمليك سهمه (عليه السلام) للغير بهبة أو بيع أو غيرهما وإن علم رضاه (عليه السلام) بذلك.

والوجه فيه ما ذكر في كتاب المكاسب من أن الرضا بالتصرف يكفي في حلية التصرف الخارجي انتفاعياً كان أو استهلاكياً من جهة قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (21) : ( لايحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه))، وأما التصرف الاعتباري من العقود والإيقاعات فلا يحكم بصحته بمجرد الرضا به بل لا بد من الإذن المحقق للانتساب، لأن الأمر بالوفاء منوط بذلك، فإن المذكور في الآية الكريمة قوله تعالى: ((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)) أي بعقودكم، ولا تتحقق هذه الإضافة عرفاً إلا مع صدور الإذن، فلو باع مال زيد ــ مثلاً ــ مع تحقق رضاه بالبيع ولكن من دون صدور الإذن منه بذلك لم يحكم بصحة البيع بل عُدَّ فضولياً يحتاج إلى الإجازة، لأنه لا يصدق أن زيداً باع ماله وإنما يصدق ذلك مع صدور الإذن سابقاً أو صدور الإجازة لاحقاً.

وبالجملة: لا يحكم بصحة التصرفات الاعتبارية بمجرد إحراز الرضا بها، ويستثنى منها على المعروف أداء الدين، فلو أدى زيد دينه من مال عمرو مع رضاه بذلك صح، فإنه وإن كان مقتضاه هو صيرورة مال عمرو ملكاً للدائن إلا أنه لما كان من جهة تطبيق المملوك الذمي على ما يطابقه في الخارج عُدَّ بمنزلة التصرف الخارجي، فليتأمل.

وعلى ذلك يمكن صرف السهم المبارك في أداء الدين كأن يشتري بضاعة بثمن كلي في الذمة ثم يؤديه من سهم الإمام (عليه السلام) ، وأما تمليكه للغير بهبة أو بيع أو مصالحة ونحو ذلك فلا يحكم بصحته وفق المسلك المذكور ــ حتى لو كان المتصدي له هو المرجع الأعلى ــ لعدم إحراز صدور الإذن منه (عليه السلام) بذلك بل أقصاه هو إحراز رضاه، وهو كما مرَّ لا ينفع في نفوذ التصرفات الاعتبارية إلا في أداء الدين.

وهذا بخلاف الحال وفق المسلك الأول المبني على ولاية الفقيه في الأمور العامة، فإن مقتضاه أن له القيام بكافة التصرفات الاعتبارية في السهم المبارك وفق ما يرتأيه من المصلحة، فيجوز له أن يملّكه بهبة أو بيع أو غيرهما، لأن المفروض أن له من الولاية عليه لكل ما ثبت للإمام (عليه السلام) .

هذه جملة من المشاكل التي تعقّد الأمور على المكلفين وعلى المستحقين بل وعلى الفقهاء المتصدين للإذن في صرف السهم المبارك بناءً على المسلك الثاني المذكور.

ولا أعلم أن السيد الأستاذ (قدس سره) وأمثاله ــ ممن تبنى هذا المسلك ــ كيف تخلصوا من هذه المشاكل؟! ولا سيما في ما يتعلق بالتصرفات الاعتبارية في السهم الشريف كإجراء المداورة المبنية على إقراضه للمكلف بعد قبضه منه، وإجراء المصالحة في المقدار المشكوك منه بنسبة الاحتمال، وكذلك مبادلته بغيره ببيع أو شراء أو نحوهما.

 

الهوامش

(١) الكافي ج:٧ ص:٥٩.
(2) الكافي ج:١ ص:٥٤٨.
(3) تهذيب الأحكام ج:٤ ص:١٣١.
(4) تفسير القمي ج:١ ص:٢٧٨.
(5) مستند العروة الوثقى (كتاب الخمس) ص:٣٢٦ ط:نجف
(6) مستند العروة الوثقى (كتاب الخمس) ص:٣٢٧ ط:نجف
(7) منهاج الصالحين ج:١ ص:٣٤٩.
(8) منهاج الصالحين ج:١ ص:٣٠٤.
(9) الكافي ج:٥ ص:٣٩٤.
(10) مستند العروة الوثقى (كتاب الزكاة) ج:٢ ص:٤٩ (ط:إيران).
(11) الكافي ج:٣ ص:٥٤٥.
(12) لاحظ المحاسن ج:٢ ص:٣٢٥.
(13) لاحظ الكافي ج:٣ ص:١٢٥.
(14) لاحظ الكافي ج:٣ ص:١٥٨.
(15) لاحظ الكافي ج:٣ ص:٣١٧.
(16) لاحظ الكافي ج:٥ ص:٢٣٨.
(17) لاحظ الكافي ج:٨ ص:٢٣١.
(18) لاحظ تهذيب الأحكام ج:١٠ ص:٢٦٢.
(19) لاحظ الكافي ج:٤ ص:١١٩.
(20) لاحظ بحوث فقهية ص:٢٩٢.
(21) الكافي ج:٧ ص:٢٧٣.

 

المصدر: كتاب بحوث في شرح مناسك الحج الجزء الرابع الصفحة 370 لسماحة السيد محمد رضا السيستاني دامت توفيقاته

 

رابط تحميل وقراءة الكتاب

الرابط الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky