ما أن تنطفئ جذوةٌ لها؛ حتى تشتعل جذوةٌ أخرى، إنّها الصحوة الإسلامیة أو كما يُسميها البعض الربيع العربي، وبغض النظر عن التسمية، فإنّ تلك الصحوة ترفض أن تنتهي قبل أن تنتزع أسس الطغاة من جذورهم، وها هي اليوم تعود من جديد لتضرب في الجزائر والسودان، شبكة «الاجتهاد» التقت بالباحث والمفكر المصري أحمد سعد زايد الذي حدثنا عن مُستلزمات وشروط نجاح هذه الثورات ومستقبلها ومآلاتهما.
بغض النظر عن نتیجة احتجاجاتهم، إنّ حركة الشباب الجزائري اليوم تُعتبر إحياءً للأمل بين الشباب من جميع الدول العربية والإسلامية، الذين ما زالوا ملتزمين وبقوّة بمنهج التغيير، رغم أن الربيع العربي كان مصحوبًا بالعديد من الإخفاقات، برأيكم ما هو دور المثقفين والمفكرين العرب والمسلمين في تغيير وبناء المستقبل؟
أ. أحمد سعد زاید: من أجل مستقبل أفضل للشعوب العربية لابدّ من زيادة في الوعي ولابدّ من الاستفادة من الدروس التي قام بها من قبلهم، فالإخوة الجزائريين يرون ماذا حصل في مصر وماذا حصل في ليبيا واليمن، لأننا دول متشابهة إلى حدٍ ما، ودول منطلقة من نفس الاشكاليات والتخلفات، ومن نفس الاستبداد ومن نفس توازن القوى تقريباً، وإلى حدٍ كبير سواء الإسلام السياسي أو المؤسسة العسكرية، بالإضافة لعدم وجود منظومة تعليميّة كما ينبغي، بالإضافة للاشكالات الاقتصادية، إذاً فالمسائل متشابهة، ونطالب بالدراسة ثم الدراسة وثم الدراسة وذلك للتجربة في العالم العربي أو المتحدث باللغة العربية حتى ولم يكن عربياً.
أعلم بوجود مشكلة في دول شمال إفريقيا فمِنّا من هو عربي ومن هو ليس عربياً، لكن جميعنا يتكلم باللغة العربية، علينا أن نُشاهد التجارب التي تُحيط بنا ومن ناحية أخرى لا شك أنّ الأساس في هذا سيكون المثقفين الذين يمتلكون قدرة على الدراسة النقدية الواعية للحوادث الجارية في المنطقة، كما أنّ هذه الثوراة المسماة بالربيع العربي هي موجة من موجات الانسان على كوكب الانسان من اجل التحرر، وقد حصلت منذ زمن طويل وقد بدأت من عند الفرانسين وحصلت الثورة الفرنسية والإنجليزية وبعدها الروسية ومن ثم دول أوربا الشرقية وبعدها أمريكا اللاتينية، إذاً فنحن لسنا إبداعًأ جديداً من البشر، نعم التجارب التي حصلت في العالم العربي سوف تكون أقرب للمسألة الجزائرية لكن التجارب الموجودة خارج نطاق العالم العربي أيضاً تجارب مفيدة و دالّة ولابدّ من دراستها، وهذا هو الدور الاساسي للمثقفين.
أما الدور الثاني للمثقفين في هذه المسئلة أو المهتيمن بالشأن الثقافي أو النخب المهتمة بالقراءة الموضوعية والنقدية للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي فعليهم أن يقومون بشيء هام جداً ألا وهو محاولة إيجاد تيار واعي من الشعب لأن الجهلاء والسذج ينساقون خلف كل ناعق سواء كان هذا الناعق مستبد أو بشعارات دينية أو بشعرات قومية عنصرية، كلّ هذا لن يكون إلا من خلال فهم واعي ومقامة لتلك الشعارات من خلال القدرة على النظرة الواعية والفاحصة للواقع هذا من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى القدرة على تفهيم وتفصيل الواقع للجماهير، من أجل ذلك كنتُ قد قلت في العام 2011 وكنت ازعم حينها أنّها براءة اختراع من خلال اكتشاف بأن ثورات الربيع العربي لن تنجح بدون ثورة ثقافية، إن الثورة الثقافية حتميّة أساسية من أجل إنجاح الثورات السياسية حتى لا ننزلق إلى منزلق انزلقت له دول كثيرة حول العالم منها من هو متحدث باللغة العربية ومنها غير المتحدثة بالغة العربية، وعلى الأخوة الجزائريين أن يكون عندهم خصوصاً النخب الثقافية والوعي الكبير بهذا الشيء.
ما هي مُستلزمات وشروط نجاح هذه الثورات؟
أ. أحمد سعد زاید: لنجاح هذه الثورة أول شرط هو تلافي الأخطاء التي وقعت فيها الدول من حولهم، والنظام القديم دائمًا عندما توجد ثورة ضده فإنّه ينازع ويقاوم حتى يعطيك أشياء أو حلول هي مثل كفعل عمر بن العاص مع جيش علي بن أبي طالب في معركة صفين، يعطيهم طروحًا لحلول هي أصلا سوف تؤدي إلى انشقاق الصف الحالم بالحرية والعدالة الاجتماعية، كما أنّ التنافس بين المؤسستين يعني المؤسسة العسكرية في الجزائر و المؤسسة الدينيّة أو الجماعات الدينية هذا هو أُسُّ الفساد في المجتمعات العربية.
هناك دائماً صراع بين نظام قديم موجود قائم وبين نظام هو أقدم وموجود وهو الإسلام السياسي ووعود الإسلام السياسي للجماهير، وإذا لم تنتبه الجماهير ممثلة بقيادتها فإنّها ستدخل في منزلق وسيحصل لها كما حصل في بلدان أخرى مجاورة لهم، وأودُّ أن أشير إلى نقطة مهمة جداً وهي نحن لا ينبغي أن نكون ضد الإسلام السياسي، أنا لستُ ضد الإسلام السياسي ولكن إشكال الإسلام السياسي هو كما قال البعض من قادة جبهة الإنقاض في الجزائر مشبهين الديمقراطية بالسلم الذي يرتقون به إلى سطوح السلطة وإلى مقاليد الحكم، وبعد ذلك لا يأخذها أحدٌا غيرنا أي السلطة، وإننا نمتلك خطابًا يقول إننّا على الحق المبيين.
وبالإضافة لما سبق، فإنّ التكتلات المصلحية الممثلة في جنرالات الجزائر هي أيضاً تمتلك ذات الحساسية في أنّه لو وصلت للسلطة، وهي في يديها السلطة بالفعل، فإنّ التنازل عنها صعب، ولابد من أن يحصل نوع من التواهمية بحيث تكون المؤسسة العسكرية سعيدة في الجزائر ويقتنع الاسلاميين بأنهم جزءٌ من الشعب الجزائري، فلا للهيمينة ولا للسيطرة، ويجب أن يمتلك التيار المدني من الوعي ووحدة الصف بحيث يستطيع اجتباز هذا المأزق.
واليوم فإنّ تطور الأحداث من خلال تنحي أو استقالة عبد العزيز بوتفليقة عن السلطة، فنحن هنا نستطيع أن نُقيم نظام بديل، وهذا شيء ليس بالسهل، فالحلم بالحرية أو الحلم بالثراء سهل جداً أو حتى الحلم بالشهرة الثقافية أو الفنية سهل جداً، لكن الواقع شيء أخر، فلابدّ من أن يحوّل الشباب الجزائري والشابات أفكارنا الجميلة وأحلامنا الجميلة وهي الموجودة لدى معظم الشباب العربي والشابات العربيات من المحيط إلى الخليج، يحولوها إلى نظام أفضل من الأنظمة القائمة أو حتى أقل سوءً في أحسن الأحوال، فالحصول عليه صعب المنال ولابدّ من بذل جهد شديد لتطبيق الأفكار المثالية والنموذجية على الواقع المُعاش، حتى تصبح الحرية حقيقة والعدالة الاجتماعية واقع والكرامة الانسانية عادة للشعوب العربية المنكوبة للأسف الشديد.
برأيكم.. مستقبل المنطقة هل يُصنعه الفقه أم الفلسفة أو العلوم الأخرى؟
أ. أحمد سعد زاید: أنا أرى أنّ الذي يُحرك المستقبل لأي مجموعة انسانية هي مجموعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والمصالح، فالمصالح هي التي تقود حركة الشعوب عموماً على كوكب الأرض، كما أنّ المصالح هي من تقود حركة الشعوب، وينبغي على الناس الذي يزعمون بأنهم يفهمون هذا أن يتناغمون مع تطور شبكة المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وأن يضعوا مشروعًا ملائم لهذا الواقع ومتفاعل معه بحيث يرتقي به ارتقاءً جميلاً، وهذا لن يحدث بسهولة أبدًا، فصناعة مشروع فكري جميل للغاية، ولكن أنك تستطيع أن تبني مشروع فكري يستطيع التفاعل مع الواقع الاجتماعي ويستطيع أن ينقله من النقطة ألف إلى النقطة باء، ونرجو بأن تكون النقطة باء أفضل من النقطة ألف فهذا أمرٌ صعب.
من الطبيعي جداً أن الأفكار مهمة، ولكن الأفكار التي تأتي في موعدها ولا أقول مع القدر ولكن مع الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وفي اللحظة التاريخية السليمة والمناسبة، هذا ما من شأنه أنّ يؤدي إلى تغير كبير، فحتى إذا نظرنا في التاريخ؛ فالأفكار الماركسية أو الأفكار الدينية وحتى الأديان التي ظهرت ونجحت، والأديان التي ظهرت وفشلت، والفلسفات التي ظهرت ونجحت والفلسفات التي ظهرت وفشلت، كل هذا جاء في موعده المحدد مع الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي يلعب دورًا أساسيًا في تحريك عالم الأفكار والارتقاء بها، والأفكار الذكية تستطيع أن تتجادل مع هذا الواقع، وتحاول تغييره، ولا شك أن الفلسفة والفكر والثقافة هي الأساس في هذا، حتى لو أخذت شكلًا دينيًّا.
أمّا الفقه فهو أصم لا يرى.. لا يسمع، يتكلم خطاباً ثابتًا نوعًا ما، ولا يتجادل مع الواقع، أما الفكر فهو الذي يتجادل مع الواقع، حتى لو لبس لبوسًا دينيًّا، أحياناً تظهر فكرة دينية في التاريخ وتتجادل مع الواقع الاجتماعي وتنجح، ولو كانت غير متوافقة مع الواقع الاجتماعي فإنّها سوف تنتهي بالفشل.
إعداد وتحریر: أ. بهمن دهستاني