مدركات العقل العملي

مدركات العقل العملي في البحث الأصولي المعاصر لدى الإمامية

الاجتهاد: تعد قضية العقل العملي معلما واضحا كونها شكلت عنصرا مشتركا في كل من الفلسفة وعلمي الكلام واصول الفقه، وتلك القضية تعد المجال المعرفي الذي يتعلق بأفعال وسلوك الانسان، ما ينبغي منها وما لا ينبغي.

وفي طيات البحث الذي تناول الاعتراف بحاكمية العقل وقدرته بالحكم بمعزل عن الشرع ظهر مساران في الفكر الاصولي، الأول ينفي الوجود الموضوعي لمدركات العقل العملي، ليؤكد ان واقعها لا يتعدى اعتبار العقل إياها ووضعه لها ويطلق عليه ( نظرية الاعتبار)،

اما المسار الاخر فيؤكد على الواقع الموضوعي المستقل لهذه المدركات ، وان وجودها ليس من اعتبار العقل وهذا ما تتبناه ( المدرسة العقلية).

وتجدر الإشارة ان المسارين مبتنيان على الحسن والقبح العقليين، بلحاظ انهما تفرعا عن كون حاكمية العقل واستقلاله بالحكم بمعزل عن الشرع، وبذلك يتضح حجم المسافة بين المسارين .

إن الموقف العقلي للفقيه، سواء أكان منتصرا للنظرية العقلية متحمساً للعقل والحكمة، أم كان سلبيا منها، يشكل جزءا لا ينفك من شخصية الفقيه، وهو يمارس عملية اكتشاف الأحكام وتحديد المواقف العملية في ضوء صناعة الفقه من الوقائع، ومن ثم يضحي تمحيص الموقف العقلي ونقد العقل لدى الفقيه نقداً وتمحيصاً لعملية الاكتشاف والاستنباط الفقهي ذاتها.

وفي ضوء الرؤى والنظريات العقلية المختلفة لنوع المواقف الفقهية، بل تقاس سلامة الموقف الفقهي في ضوء الروية العقلية التي يصوبها الفقيه، ومن ثم يتضح اننا كلما اغنينا رؤيتنا العقلية بالنقد، وكلما اقتربنا من أسلوب استخدامها الأمثل، وفرنا للموقف الفقهي أكبر درجة من السلامة والاقتراب إلى واقعه المطلوب،

وفي الفكر الأصولي ظهر مسارات لدراسة مدركات العقل العملي، الأول يطلق عليه مدرسة الاعتبار التي تتبنى أن الحسن والقبح من الآراء المحمودة والقضايا المشهورة المعدودة من التأدييات الصلاحية، ومسار آخر تبنته المدرسة العقلية يقرر ان العقل هو الذي يحكم ويحمّل الارادة فكرة الواجب الأخلاقي، أي أن ما ينبغي وما لا ينبغي فعله أحكام العقل المحض،

وفي ضوء هذين المسارين العقليين تحاول معالجة الاشكالية المتقدمة:

من أين تنشئ قوة الالزام لأحكام العقل العملي؟

وبالرغم من اختلاف آلية الاتجاهين العقيين في تفسير أحكام العقل العملي، بيد أنهما يتفقان على أن الحكم العقلي لكي تكون له قوة الإلزام المطلوبة لابد وان يكون حكماً أولياً قبلياً لا يترتب على الأقل على معرفة تصديقية أخرى خارج محيط أحكام العقل العملي.

مشكلة البحث :

الأحكام العملية في جوهرها تنشئ إلزامات عملية ولا تحكي أو تخبر عن واقع آخر خلف هذه الإلزامات، ومن ثَمّ فهي خارجة عن اطار نظرية الصدق، بيد أنّ اتجاهاً لدى مدرسة العقل الكلامية يؤكد على أن العقل ليس حاكماً، بل ليس له سوى الإدراك والكشف، ومن ثم تكون مدركات العقل العملي کاشفة عن واقع يقف خلف العقل،

ولو سلمنا سلامة هذا الاتجاه تبقى مدركات العقل العملي كاشفة عن واقع انشائي لا يصح وسمه بالصدق او الكذب، أي من الممكن أن نناقش في صدق مدركات العقل العملي، وهل العقل كاشف عن قبح الكذب وحسن رد الأمانة أم لا؟

ولكن جملة ” الكذب لا ينبغي”، رغم تسليمنا بكونها متقررة في واقع خلف الذهن، تبقى جملة انشائية، إذن فلهذه الأحكام العملية قوة الزام

والسؤال الذي ينبغي عرضه في البحث هو: من أين تنشأ هذه القوة، مَن الذي يُلزم بهذه الأحكام؟ إذا توخينا الاجابة على هذه الاشكالية في ضوء (مدرسة الاعتبار)، التي تذهب إلى أن الأحكام العملية تنبعث من الاعتبار والمواضعة الاجتماعية فسوف تكون قوة الالزام اعتبارية، تخضع لمقاييس المصلحة والمفسدة، التي تفقد هذه الأحكام ثباتها ودوامها،

لكن المهم أن نتابع الاجابة على الاستفهام المتقدم في ضوء مدرسة العقل التي تتنوع مواقفها على اتجاهين مختلفين في تفسير طبيعة الحاكم في مدركات العقل العملي؛ إذ هناك اتجاه تبلور في اطار مدرسة العقل الكلامية يقرر أن الأحكام العملية أحكام ثابتة في لوح الواقع، والعقل الانساني يدرك هذه الأحكام ويكتشفها، وعلى هذا الأساس تكون مهمة العقل الكشف لا الحكم، وتحديد طبيعة العلاقة بين العقل كونه كاشفا لا حاكما وبين ثبوت أحكام العقل العملي ثبوتاً واقعياً خلف العقل في عالم ثالث والبحث سيعالج هذه الإشكالية في معرض البحث.

خطة البحث

افتضت طبيعة البحث تقسيمه على مبحثين: المبحث الأول: ماهية العقل وتقسيماته. المبحث الثاني: مدركات العقل العملي. وانتهى البحث بخاتمة تضمنت اهم النتائج وثبت بالمصادر والمراجع.

 

محتويات البحث:

المقدمة

مشكلة البحث

الدراسات السابقة

المبحث الأول: ماهية العقل وتقسيماته.

المطلب الأول: ماهية العقل

المطمب الثاني : تقسيمات العقل

أولا: تعريفات الأصوليين للعقل النظري

ثانيا : تعريفات الأصوليين للعقل العملي

المبحث الثاني : مدركات العقل العملي .

المطلب الأول : نظرية الاعتبار .

أولا : نصير الدين الطوسي

ثانيا : المحقق محمد حسين الاصفهاني

ثالثا : موقف محمد كاظم الخراساني

رابعا: الشيخ محمد رضا المظفر

خامسا : محمد حسين الطباطبائي

المطلب الثاني : ميدان العقل العملي في المدرسة العقلية

أولا : السيد أبو القاسم الخوئي

ثانيا : السيد محمد باقر الصدر

الخاتمة

المصادر والمراجع

المصدر: مجلة إشراقات تنموية المجلد 6, العدد 28, سنة 2021  – الصفحات 356-398

 

تحميل البحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky