هناك نمط من الكتابات تحاول اجراء مطابقة بين المفاهيم الدينية التي تنتمي إلى دائرة وفضاء خاص، وبين المفاهيم الحياتية الحديثة التي تنتمي بطبيعتها لفضاء آخر مختلف،وتكون نتيجة تلك المطابقة أن نحصل على مفهوم هجين.
الاجتهاد: هناك نمط من الكتابات تحاول اجراء مطابقة بين المفاهيم الدينية التي تنتمي إلى دائرة وفضاء خاص، وبين المفاهيم الحياتية الحديثة التي تنتمي بطبيعتها لفضاء آخر مختلف، وتكون نتيجة تلك المطابقة أن نحصل على مفهوم هجين لا ينتمي لكلا الفضائين، وحتى نخرج عن دائرة المفهوم لدائرة المصداق، أذكر مثالاً على ذلك:
حاولت بعض الكتابات مطابقة مفهوم الوضوء بمفهوم الوقاية الصحية الذي هو مفهوم حديث، الوضوء الذي هو حركة وعمل رمزي ينتمي لسياق خاص وهو الصلاة التي هي عبادة من العبادات، وهذا المفهوم لا يفهم إلا ضمن سياقه، أي إن هذه العملية جاءت في سياق يكون من شأنه أن يدخلنا في العملية العبادية.
فالوضوء الذي هو غسلتان ومسحتان؛ غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، ليس مطلوباً بنفسه وإنما الهدف منه والغاية أن يهيئنا للصلاة، ولذا نجد أن الإسلام قد جعل له بديلاً، فإذا ما فقدنا الماء انتقلنا لعملية اُخرى وحركات اُخرى مختلفة هي (التيمم)، وهي حركات تختلف عن الوضوء في كيفيتها وشكلها ومادتها، ولكنها تشترك معها في النتيجة والغاية.
وهذا يعني بالمحصّلة أن التطهّر الذي هو حالة معنوية يحققها الوضوء أو التيمم، هو المطلوب للدخول في أجواء العبادة، فالمطلوب هو الطهارة المقارنة للعبادة والتي تحصل إما بالوضوء أو بالتيمم.
فإذا ما أجرينا مطابقة بين الوضوء وبين الوقاية الصحية، فسوف تكون نتيجة ذلك أن نجرّد الوضوء من مخزونه الروحي والرمزي والمعنوي، ونجعله في مصافّ التطهّر والنظافة الجسمية والتي هي مفهوم آخر مختلف عن الطهارة المعنوية التي يريدها الوضوء أو التيمم، إذ أن الإنسان مهما كان نظيفاً من الناحية الجسمية ومعقّماً بكل أنواع مواد التعقيم والنظافة، فإن ذلك لا يبيح له الدخول في العبادة ما لم يقم بمقدمتها المعنوية والشرعية وهي الحركات المخصوصة المسمّاة بالضوء أو التيمم أو الغسل الشرعي.
إن من شأن تلك المطابقة أن يولد من رحمها مفهوم هجين لا ينتمي لا إلى الفضاء المعنوي في الطهارة والعبادة ولا إلى الفضاء الحديث للوقاية الصحية، وهذا المولود الهجين هو: الوضوء الصحي! إذ لا يوجد شئ في منظومة الإسلام يسمى بالوضوء الصحي، كما ولا يوجد شئ في منظومة الحياة المعاصرة يسمى بالوقاية الوضوئية الصحية! بل يبقى مفهوماً معلّقاً غريباً عن كلا الفضائين.
إذ الوضوء في الإسلام ليس حركة نظافة جسمية حتى نعمد إلى مطابقته مع مفهوم الوقاية الصحية، بل هو حركة عبادية رمزية.
إن قيمة الوقاية الصحية لا تتوقف على عملية مطابقتها مع الحركات الرمزية المعنوية، فالنظافة طبيعة إنسانية، والإنسان يعمد إلى أبعاد الأشياء التي يستقذرها عن بدنه ولباسه، والإسلام نفسه أكّد على أن النظافة من الإسلام، و”ثيابك فطهّر”، كما أن رمزية تلك المفاهيم ومطلوبيتها لا تحتاج لعملية مطابقة مع المفاهيم الحديثة للصحة والنظافة والوقاية، إذ لكل منهما سياقه الخاص ودلالته الخاصة، والقيام بعملية مطابقة بينهما يهدر قيمة كل منهما، وينتج لنا (مفاهيم هجينة).
أحسنت، أتفق معك و أضيف بأن المسألة هي قيمة النظافة. و لا مانع في أن أحد مصاديق النظافة هو الاغتسال مثلًا، فهو يحقق الغاية و كذلك الوضوء. فالحدبث هنا عن النظافة بشقيها المعنوي و المادي.
نعم
شكرا لكم