الاجتهاد: في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط نتيجة اعتداء الكيان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أصبحت وحدة العالم الشيعي عاملاً حاسماً في توازن القوى الإقليمي.
إن إصدار البيان التحذيري من قبل آية الله السيد علي السيستاني (حفظه الله) في 19 يونيو 2025 ضد أي عمل إرهابي محتمل ضد قائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم يكن مجرد رد فعل على تهديد محدد، بل كان تجسيداً عملياً للقوة الروحية والسياسية لوحدة العالم الشيعي.
هذا الموقف، الذي حظي بانتشار واسع في وسائل التواصل الاجتماعي وردود فعل رسمية وغير رسمية من جماعات المقاومة، كشف عن طاقة هائلة؛ في وحدة العالم الشيعي، كأداة روحية واستراتيجية لا يمكن لأي سلاح مادي أن يواجهها.
المرجعية الشيعية؛ ترسيخ وحدة القوميات في مواجهة الاستكبار الإقليمي والعالمي
المرجعية الدينية في مذهب الشيعة ليست مؤسسة فقهية أو معرفية فحسب، بل هي مؤسسة حضارية وصانعة للسياسات التي تجسد في فترات حساسة وتجسد القدرة الكامنة وراء التلاحم الدولي بين الشيعة. إن رد الفعل الحاسم لآية الله السيستاني، الذي كان يصر على مواقف حذرة ويؤكد على استقلال النجف السياسيي عن محاور الصراع الإقليمي، يعد دليلاً على فهمه الاستراتيجي للتهديد الذي يستهدف هوية الشيعة في ما هو أبعد من الجغرافيا.
للمرة الأولى في التاريخ المعاصر، وقفت المرجعية التقليدية في النجف في موقف متناسق مع إيران، وأصدرت تحذيراً صريحاً بشأن تداعيات أي عمل إرهابي.
من الناحية المضمونية، كان هذا الموقف يعلن بشكل قاطع أن ولاية الفقيه هي خط أحمر للأمة الشيعية، وأن أي اعتداء أو محاولة للمساس بهذا المنصب هو بمثابة اعتداء على مقام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه)، وأن هذا لا يهدد إيران فحسب، بل كل البنية الفكرية والعقائدية للشيعة. وفي أعقاب هذا البيان، أيدت حتى الجماعات الداخلية في العراق، بتوجهات مختلفة، من الحشد الشعبي إلى التيار الصدري، القائد الإيراني بوصفه “ولي أمر المسلمين”.
ينبغي أن نؤكد على أن المرجعية لم تخلق الوحدة عبر فرض السلطة الحكومية، بل اعتمدت على قدسيتها وروحانيتها، مما جعلها تحقق التلاحم على مستويات خطابية، سياسية واجتماعية؛ وهو أمر نادر أن تتمكن أي بنية سياسية من تحقيقه في المنطقة أو في العالم.
ولاية الفقيه؛ عمود الأمة الإسلامية
مفهوم ولاية الفقيه ليس مجرد مبدأ سياسي، بل هو جوهر معرفي تدور حوله خطاب المقاومة واليقظة الإسلامية. إن سماحة القائد، ولي الفقيه في العالم الشيعي ليس مجرد قائد سياسي، بل هو قطب روحي واستراتيجي وحضاري يمثل نائبا عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) في زمن الغيبة.
لذلك، فإن التهديد ضد قائد الجمهورية الإسلامية لا يُعتبر تهديداً لعملية اغتيال تقليدية، بل يُعد محاولة لتدمير مركز ثقل القوة للشيعة في العالم.
رداً على التهديدات، أعلنت جماعات المقاومة من العراق إلى لبنان، ومن سوريا إلى اليمن، بشكل منسق أن أي محاولة اغتيال ضد آية الله خامنئي (حفظه الله) ستكون بداية لنهاية وجود الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة. وفي التحليلات الاستراتيجية، يمكن تفعيل مثل هذا التلاحم فقط إذا كان هناك نقطة ثقل إيديولوجية وعقائدية مشتركة. وهذه النقطة، تتأسس بشكل فريد على محور ولاية الفقيه في زمن الغيبة.
إن ولاية الفقيه، بوصفها محور اتفاق واتحاد الأمة الشيعية، لا تقتصر وظيفتها على مواجهة التهديدات الخارجية، بل تؤدي دوراً بارزاً في تنظيم القوى الداخلية المتفرقة. وقد تجسد هذا الدور بوضوح في الأحداث الأخيرة، حيث وقف حتى المنتقدون الداخليون للجمهورية الإسلامية إلى جانب قائدها في مواجهة التهديد المشترك؛ لأن الحفاظ على ولاية الفقيه يعني الحفاظ على قوة الأمة.
الوحدة الشيعية؛ سلاح يفوق كل قوة عسكرية
أهم نتائج هذه الوحدة والتماسك هي تحولها إلى أداة ردع نفسي واستراتيجي. كانت ردود أفعال النخب وفصائل المقاومة ومراجع الدين، تتميز بانسجام وتناسق لدرجة أن وسائل الإعلام الغربية والعبرية اعتبرتها “تحذيراً جدياً لإعادة النظر في الحسابات”. استخدمت وسائل الإعلام مصطلحات مثل “اختلال التوازن الردعي” و”تحويل التحذيرات إلى ميدان” لوصف هذا التحول. لقد أدرك أعداء العالم الإسلامي جيداً أن التماسك الديني والاجتماعي للشيعة هو أداة يمكن أن تتحول من خطاب إلى فعل ميداني، ومن ثم إلى رد عسكري. هذه الديناميكية هي قوة فريدة لا يملك أي ترسانة أسلحة القدرة على مواجهتها.
إن اتحاد الشيعة، على عكس التحالفات السياسية المبنية على المصالح العابرة، يقوم على الإيمان والواجب الديني، وهذا ما يجعله أداة مرعبة. الرعب الذي يعيشه العدو من تماسك الشيعة ينبع من قوة إيمانهم؛ إيمان لا يعترف بالحدود، وقد تم اختباره بالدم والشهادة. يدرك الاستكبار العالمي والإقليمي أنه في حال إعلان الجهاد من قبل المرجعية الدينية الشيعية، فإن غرب آسيا سيشتعل بالنار، ومن الخليج الفارسي إلى باب المندب سيغرق في بحر من الدم. إن أمريكا وقواتها العميلة في المنطقة، وكذلك النظام الصهيوني، يدركون أنه إذا ارتكبوا خطأ وأساءوا إلى سماحة نائب الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، فلن تصمت أمة الشيعة، وسوف تزول هذه الكتلة السرطانية من غرب آسيا إلى الأبد.
ما ظهر بعد البيان التاريخي لآية الله السيستاني لم يكن مجرد رد فعل أخلاقي، بل تجسيد لقوة بنية الشيعة في مواجهة التهديدات والأزمات الوجودية. من تلاحم النجف وقم، إلى اتحاد الجماعات العراقية المتفرقة، ومن ردود فعل النخب إلى ردود جماعة المقاومة، أثبتت جميعها أن الأمة الشيعية قادرة في اللحظات الحاسمة على خلق تماسك لا يستطيع أي سلاح سياسي أو عسكري أن ينافسه.
إن هذه الوحدة تنبثق من ثلاثة محاور أساسية: المرجعية الدينية، ولاية الفقيه، والإيمان بالمقاومة. يخلق دمج هذه الثلاثة بنية تتمثل قوتها الردعية في عمق الإيمان وقدرة التعبئة الاجتماعية. لا في القدرة التدميرية، ومن هذا المنحى فإن تهديد القيادة الإيرانية قد يتحول إلى تهديد وجودي للصهيونية، لأن الرد على هذا النوع من التهديدات لن يأتي من دولة واحدة، بل من أمة بأسرها.
وعلى هذا السياق يمكن القول: ان سلاح العدو هو الحديد والنار؛ وسلاحنا هو الإيمان والتماسك. وفي هذه المعركة، من يفتقر إلى الإيمان هو الذي سيهزم.