خاص الاجتهاد: إنّ الشعائر والذكريات لها معانية ذات مغزى وهادفة فيما يتعلق بالمهمات والحقائق. حيث يتم تعريفها من أجل تحقيق الغايات التعبيرية والدعائية، وتكريم الرموز والأمثلة والقدوات، لخلق مشاعر ملحمية وحماس إيجابي، والممارسة الرمزية لبعض السيَر والممارسات وأمثال ذلك. بقلم الشيخ الدكتور محمد علی میرزایي
في النتيجة ليس هناك شك في أهميتها. فشعائر الحج والشعائر الحسينية والطقوس المماثلة لها تأثير عميق على تعزيز الإيمان وتوجيه الأعمال المؤمنة.
لكنّ هذه الشعائر تتعرض للتحريف والتشويه لعدة أسباب لها جذور داخلية وخارجية، إرادية ولاإرادية، خيّرة و عدائية، عن علم وغير علم.
إن الأبعاد المقدسة لهذه الطقوس تجعل حساباتها التي تزداد اتّساعاً تخرج عن السيطرة، وتدريجياً مع مرور كل قرن، وبدوافع متنوعة للغاية، تضاعفت وأصبحت أكبر وأكثر تنوعاً (خاصة في الطقوس والشعائر غير المنصوصة مثل جزء هام من تكريم أعلام الدين).
هذه القداسة الدينية والشعائرية تجعل أي نقد لها يخضع لمقاومة شعبية ونخبوية، وأحياناً يستتبعها تكاليف باهظة مثل التكفير والتضليل.
على الرغم أنني أكتب هذا المقال بمناسبة الخسائر الفادحة في وفاة زوّار الإمام الحسین (ع) في كربلاء بسبب شدة الإزدحام، إلّا أن الحقيقة هي أن فقه الشعائر في حالة غير مؤاتية.
في الواقع إنّ دور الفقه وقبل أن يكون توفير الأمن للناس والمجتمع، هو الحفاظ على أحكام الدين وتعزيز الإيديولوجيات والممارسات. ومع ذلك ينبغي على الفقه الإسلامي مراعاة كلا الحالتين. يعني شرح أحكام الدين دون تدخل الذوق والاستحسان والمجاملات غير المفيدة في إطار الشريعة، و كذلك شرح الأحكام التي تمنع وقوع ضحايا وهدر في أموال و أرواح المؤمنين.
رسالة الفقه ليست مجرد المحافظة على الشريعة، بل إن الحفاظ على جميع أنواع الأمن الإنساني وممتلكاته غير المحدودة هي من رسالات الفقه أيضاً، لأن الشريعة الإسلامية في جوهرها بل في مركزها الحفاظ على الإنسان نفسه وليس على الدين. أكبر رسالة وغاية للدين حماية الإنسان، و عكس ذلك غير دقيق.
الازدحام في شعائر الحج خلال الأعوام الماضية تسبب لوفاة عشرات الآلاف من الحجاج الابرياء. إذا كانت حماية وحفظ وتعزيز حياة الإنسان وكرامته في هذه الدنيا من المهام الدينية وهو هكذا بالتأكيد، عندها يتطلب هذا العدد الكبير من الإصابات الفادحة أن يقوم الفقه والفقهاء بإعادة تمثّل أحكام الخلاص الإسلامي.
إن التسرّع الذي يحبس الأنفاس ويكسر العظام قد تحول بلا شك إلى ثقافة في المناسبات الدينية و المزارات الكبرى، فإذا تسبب بهتك روح و حرمة الزائرين فلا ينبغي أن يكون جائزاً. فالتسامح في هذه الأمور ليس له جذور في الأمر الشرعي.
ما هو المبرر العقلي والشرعي للافتخار بالازدحام العجيب والتدافع الذي لا مثيل له في هذه الشعائر؟
هل وضع الملايين من الناس في مساحات قليلة للغاية له قيمة؟ وماذا عن الناس الذين يتدافعون بالرؤوس والأكتاف وتحدث أنواع المنكرات؟
قبل بضعة أيام قال شخص ذو خبرة أنّ نزول النساء إلى الشوارع في مسيرة الأربعين في كربلاء يعادل حشرهن مع آلاف الرجال في الشوارع. كان من الصعب علي أن أصدق. قلت له هل كنت مع العائلة؟ قال تركتهم في الفندق و ذهبت لوحدي.
إن العقل الذي يفكر بالكمية يهتم بإحصائيات السكان فقط. بينما يجب أن يحافظ الفقه الإسلامي على مصالح المجتمع الإيماني و روحه وحرمته و ماله. لقد عهدوا إلى الفقيه ببيان الحلال والحرام حسب تطورات الزمن والعصور، وإلّا فإن الحلال والحرام ثابتان ولا حاجة للفقه والفقهاء بتبيينها. يمكن للفقهاء الكرام من خلال شرح الفقه والأحكام منح الأمن والنظام البشري لهذه المناسبات.
برأيي، إن نقطة التركيز في رسالة الدين وفقاً لآيات القرآن، هي حفظ الإنسان وعلوه وتكامله، وليس حفظ الشريعة. بعبارة أخرى، حفظ الدين واحد من أحكام الشريعة، بينما حفظ الإنسان هو كل أحكام الشريعة و فلسفة وجودها بشكل عام.
يجب تحديد نسبة معقولة بين البنية التحتية للمدينة وعدد السكان. وبالنظر للانتهاكات وما يهدد الحياة في التدافع والزحام الشعائري وغيرها من الممارسات، فمن الضروري إعادة النظر في إدارتها الفقهية ومهامها.
بعض هذه الازدحامات ناتجة في بعض الأحيان عن المفاهيم الشعبية والعامة حول هذه المناسبات والتاريخ والجغرافيا. كانت حادثة شهادة عشرات الأشخاص بسبب الإكتظاظ في ركضة طويريج بكربلاء مؤلمة للغاية. رحمهم الله جميعاً برحمته الواسعة و جعلنا من القائمين على حماية حرمة المؤمنين وعشّاق أهل البيت(ع) وأرواحهم وممتلكاتهم.
محمد علی میرزایی
عاشورا 1441هجري