خاص الاجتهاد: قام يوم الاربعاء 4 يناير في مدينة قم الملتقى العلمي بإشراف وزارة العلوم الايرانية في موضوع «دور الأحاديث الفقهية المشتركة بين المذاهب الاسلامية في تقارب الفكر الفقهي». وقام الدكتور السيد محمد حسن الحكيم عضو الهيئة العلمية في مركز أبحاث القرآن والحديث بالقاء المحاضرة، والدكتور الشيخ علاء الدين زعتري أستاذ جامعة الجنان ومدير الافتاء العام والتدريس الديني في وزارة الأوقاف السورية بالمناقشة، عبر الإتصال الإلكتروني وبإدارة الدكتور مهدي نصرتيان أهور وبحضور جمع من الباحثين.
وقال الدكتور السيد محمد حسن الحكيم في هذه المحاضرة: الخلاف الفقهي حق نحترمه لجميع الفقهاء ولجميع الاتجاهات الفقهية والمذاهب الاسلامية ونتحفظ عليه. والخلاف أمر قهري لا بد منه في كل حقل علمي قائم على أسس علمية، بل من اللوازم القطعية لكل حركة فكرية وعلمية.
أما اليوم فقد انقلبت هذه الحقيقة علينا وأبرزها الأعداء كظاهرة مستولية على الفقه الاسلامي وسببوا التباعد بين الفرق والمذاهب الاسلامية. ولكن مع الحفاظ على حرية الفقيه واحترام الخلاف الفقهي، نرى أنه بالاتكاء على الظروف والقابليات الموجودة، يمكن مواجهة هذه الأجواء الخاطئة.
من الساحات التي نتمكن من خلال دراستها التقارب في الفكر الفقهي، هي التأكيد على متفقات المذاهب الاسلامية في حقل الحديث كأرضية مشتركة للبحث. من خلال مراجعة المصادر الحديثية الاسلامية عند جميع المذاهب، ومقارنة بعضها مع البعض، يبرز كثرة الأحاديث المشتركة بين المذاهب الاسلامية، أحاديث معتبرةٍ التزم بها كل مذهبٍ تبنياً على طُرقه ومبانيه في الاعتبار والتصحيح.
وقد يوجد التوجه والالتفات الى المشتركات الحديثية بين المحققين، كما قام البعض بتدوين الكتب في جمع الاحاديث المشتركة بين المذاهب الاسلامية كـ موسوعة «سلسلة الأحاديث المشترکة بين الشيعة والسنة» للشیخ التسخيري وکتاب «أحادیث النبی صلی الله علیه وآله المشترکة بین الشیعة والسنة» للدکتور محمد خضر نبها وغيرهم.
وقد قام البعض كـ «إبن ادريس الحلي» بتقرير قواعد ومباني متعلقة باستخدام مثل هذه الأحاديث في البحث الفقهي. ولكن الظروف لم تكن مؤاتية تماماً فبقيت الأعمال غير تامة ولم تنعكس من خلال الأعمال السابقة صورة واضحة عن الحجم الواقعي لهذه الأحاديث في المصادر الاسلامية.
أما بعد تدوين جوامع كـ كتاب «مدارك فقه أهل السنة على نهج وسائل الشيعة» ، ـ كتاب مهتم بتطبيق احاديث أهل السنة مع أحاديث الامامية ـ وأيضا كتاب «موسوعة الأحاديث الفقهية عند المذاهب الاسلامية» ـ المهتم بجمع الأحاديث الفقهية من المصادر المعتبرة عند كل من المذاهب الاسلامية ـ ، قد برز الاشتراک والاتفاق کظاهرة كثيرة المصداق في الأحادیث الفقهیة، کثرة تبلغ نسبة السبعین بالمأة.
والالتفات الى هذه المعلومة وهذه النسبة يمهد للدقة المبنائية ويسوق لتقرير النتائج المترتبة على هذه المهمة.
أما من جهة المبنى: أولا : هذه النسبة للأحاديث المشتركة في ضمن الحديث الفقهي تنفي احتمال الصدفة، وثانيا : التوجه الى الخلاف بين الفرق والمذاهب الاسلامية في المباني والمناهج ينفي احتمال التواطؤ.
إذن حسب هذه المقدمات فإن تصديق وتأكيد صدور المفاهيم المشتركة بين المذاهب واضح عند العقلاء، وبما أن هذا الاتفاق اذا لم يكن ناشئا عن الصدفة ولا التواطؤ، فمن الضروري أن يرجع الى حد مشترك ومتفق بين الجميع وهو التزام الجميع بالنبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه. فاذن يمكننا عقلائيا أن نصدق أن أمثال هذه الأحاديث ـ يعني الأحاديث الفقهية المشتركة ـ لم تصدر الا من عنده صلوات الله عليه.
وبناء على هذه المعلومة :
أولا : تزول الكثير من الشبهات الموجهة نحو المستندات الحديثية للبحث الفقهي، منها وحدة الإخبار والطرق وعدم القطع بالصدور و… ومن خلال هذه الممارسة يمكننا القول بأن : مستوى البحث الفقهي من جهة المستندات الحديثية يرتقي الى مرتبة أتقن وأدق.
نمكن من تعيين مراتب الحديث وتلقي السبعين بالمأة من الحديث كالمسلمات وارجاء المصاديق المشكوكة و الضعيفة الى هذه الأحاديث المتفقة. وبهذا اضافة الى الاتقان في المستند البحثي سيكون الاستنباط والتحليل أيضا أدق وأتقن.
وثانيا : من خلال التأكيد على هذه المهمة والاستخدام العلمي لهذا القسم من الأحاديث وانتشارها بين المسلمين، يبرز مدى الاتفاق والاشتراك بين المذاهب الاسلامية ونتمكن من مواجهة ذاك الخطر المتوجه للمسلمين من قبل الأعداء في تشويه واجهة الحديث الاسلامي وسمعة المسلمين.
وثالثا : من خلال التركيز على هذه الأرضية المشتركة في مسيرة البحث الفقهي، فيكون للتقارب والاشتراك أثر في الدراسات منذ البداية. وهذه المهمة تبعد البحث الفقهي عن الاتكاء على الضعاف من الأحاديث أو الآراء والذوقيات الشخصية. وبطبيعة الحال إن مشينا على اساس هذه الخطة فالنتاج أيضا سيكون التقارب في الفكر الفقهي الوجهة الغالبة في الدراسات الفقهية عند المسلمين.
كلمة الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري :
النصوص الشرعية محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، ولا شك بأن اختلاف الفهم للنصوص أمرر طبيعي، بل هو آية من آيات الله في الكون، قال تعالى: وَ مِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ [الروم: 22] .
وهذا الاختلاف الفقهي حق محتَرم لجميع الفقهاء، ولا يجوز بحال من الأحوال أن يُجعل الاختلاف محوراً للنزاع والشقاق؛ المؤدي إلى التطرف والانحراف، ويُوصل إلى نتائج سبية؛ تؤدي إلى التكفير والقتل، قال الله تعالى: وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46].
ولا ريب أن فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، والوحدة الإسلامية في أهدافها ومساراتها المصيرية بين المسلمين تشكلان أهم متطلبات العالم الإسلامي اليوم، بل في كل زمان. ومن أجل تلبية هذه المتطلبات يتوجب الوصول لنقاط مشتركة في الفكر، واحوار، والعلم والمعرفة، وتجنب الخلافات الجزئية والهامشية. ويبقى أصحاب الفكر النقي، والذهن الصافي، في كل زمان ومكان، يبحثون عن المشتركات؛ لتستمر الأمة الواحدة في عطاءاتها الخيرة، وراية إسلامها الأصيل.
المطالب الدینیة تقنسم الی ثلاثه اقسام: ایمان بالله تعالی، وأخلاق و فقه. الایمان بالله تعالی من الامور المشترکه بین جمیع المذاهب الاسلامیه. والأخلاق أیضاً من الأمور المشترکة، لأنه مبني علی الفهم العقلائي و هذا الفهم مشترک بین المذاهب الاسلامیة.
أما في حقل الفقه یجب أولاً أن نفرق بین کلمة الخلاف والاختلاف من حیث المعرفیة. لأن معنی الخلاف یعنی التباعد بین المذاهب علی نحو یعد حرکة مذهب فی مقابل المذهب الثانی بشکل کلما اشتدت الحرکة من مذهب اشتد التباعد بینهما. ولکن کلمة الاختلاف لیس له هذا المعنی بل أقصی ما یدل أنه استنباط أحدهما یغایر إستنباط الثانی ولایدل علی التباعد بینهما.
نحن أیضاً نوافق لما أفاد السید العزیز فی لزوم الترکیز علی المشترکات فی الأجواء العلمیة والحقول العلمیة لا الترسیخ علی الاختلافات. لأن العدو یحاول أن یری تصویراً سلبیاً عن الاسلام بالترکیز علی الاختلاف ویرید أن یلقی بطلان الاسلام من خلاله.
والحال یوجد اتفاق أکثري في المسائل المختلفة والغفلة عن هذا الحجم من الاتفاق و الاشتراک یعني السیر فی خطة العدو. أول خطوة للتقریب بین المذاهب القبول العام لوجود المذاهب الثمانیة. المشي وراء التقریب دون الاعتراف بمقبولیة المذاهب، من المعاني السلبیة للتقریب. اذن المبنی الأساس والخطوة الأولی الإذعان بوجود المذاهب.
وقد انبرى بعض المحققين بتدوين الكتب في جمع الاحاديث المشتركة بين المذاهب الاسلامية كـ موسوعة «سلسلة الأحاديث المشتركة بين الشيعة والسنة» للشيخ التسخيري وغيره. وقد برز الاتفاق في الأحاديث الفقهية، كثرة تزيد في نسبته المئوية عن السبعين بالمئة. وهذا الاتفاق ليس وليد صدفة، ولا اجتماع تواطؤ، بل هو حقيقة ماثلة للعيان أمام العرفاء والعقلاء والعلماء.
وهذا الاتفاق يؤسس إلى ضرورة: التعاون في القضايا المتفق عليها، وتجنب التكفير والتفسيق، واتهام الآخر بالتبديع، ووجوب الاحترام المتبادل وعدم المساس بالمقدسات، مع مساحة حرية في اختيار المذهب. وبذا نتمكن من توقي السهام الموجهة نحو المسلمين من قبل أعداء الدين؛ محلياً (ممن يصنفون أنفسهم بالعلمانية) وعالمياً (غير المسلمين بدراساتهم الاستشراقية).
من خلال تجربتي في دراسة المذاهب الاسلامیة والتواصل مع علمائهم، أعتقد الاختلاف بین المذاهب لیس في المسائل الأساسیة والجذور، بل الاختلاف ینحصر في المسائل الجزئیة وبعبارة أصح في التطبیقات. وهذا یعني الإختلاف صغروي لا کبروي.
وفي الختام أشير الى أنه التقریب یجب أن یکون بصیغة علمیة وبشکل علمي لابشکل سیاسي ومحدودة بإرادة الحکومات. لأن مداخلة الحكم في التقريب حسب التجربة التاريخية أحياناً تنتهي الى النتاج المعکوس. كما لیس للحکم إجبار الناس بقبول مذهب ورفض سایر المذاهب.
بل اذا خطی التقریب خطواته علی الشکل الصحیح، یجب إلقاء مطالب المذاهب علی الناس والعقلاء ثم یراد منهم إختیار ماهو صحیح عندهم. هذا الأمر ممکن التحقق من قبل العلماء والاجواء العلمیة فقط. إذن التقریب من المسائل العلمیة أولا وبالذات. وبالتالي: يكون التقارب في الفكر الفقهي هو الوجهة الغالبة في الدراسات الفقهية عند المسلمين.