الاجتهاد: يتناول الكتاب ترجمات لـ العلماء العزاب الذين فضلوا العلم على الزواج كـ: ابن تيمية، الزمخشري، النووي. مرتبه ترتيبًا زمنيًا. في المقدمة يؤكد الكاتب أن الشخصيات التي تناولها لم تحث على عدم الزواج أو تحبب فيه لأن الزواج شرع شرعه الله لأهميته لبني البشر، وإنما آثرت عدم الزواج كموقف شخصي لشغفهم بالعلم والإطلاع.
جمع عبد الفتاح أبو غدة في كتابه « العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج» نُبذة عن 35 عالمًا وفقيهًا منهم. بعض أولئك طلَّق زوجته ليلة الدخلة وراح يُراجع الكُتب، مثل الخالدي، وآخرون، مثل الزمخشري، كانوا يرون إنجاب الكُتب أحسن من إنجاب الأبناء، هذا غير ثلّة لا بأس بها مثل ابن النفيس والشيخ طاهر الجزائري ممن كان العلم شغفهم الأول والأخير؛ فلم يُكن متسع للزواج في فكرهم، أو حتى مثل النورسي الذي خاف أن يقصّر في حق زوجته، وبالإضافة إلى كُل هؤلاء، هناك كذلك «عالمة» مميزة اختارت أن تكون مُدرسة للرجال، لا زوجةً لأحدهم! يأخذك هذا التقرير في رحلةٍ مع الكتاب ومن عاشوا في قصصه بين طلب العلم والزواج.
لا يُمكن أن يُقال عن عالم مثل خليل الخالدي (1863-1941) بأنه تزوّج حقًّا وإن كان تزوَّج على الورق فقط، فقد طلَّق زوجته؛ لأنه لم يكن لديه وقت لها حتى في ليلة الزفاف! كان الخالدي مولعًا بالكتب بشكل مُلفت للنظر حيث يُقال إنه دخل أغلب مكتبات الشرق وأحاط علمًا بأسماء كتبها وبما فيها من النفائس والذخائر، وله مذكرة من نحو 50 جزءًا دوَّن الكُتب والمكتبات التي اطلع عليها خلال رحلاته في بلاد الأندلس والمغرب وكذلك بلاد الشام وتركيا.
ومما قيل فيه إنه كان لا يكل ولا يمل من السفر من دار إلى دار، يطلب المزيد من المعرفة، ويصبر على مشاق الغربة ومتاعب الارتحال، وكان يتلذذ بذلك ويراه من أفضل المتع، فكان يجعلها صندوقًا لنقوده التي يضعها بين الأوراق، كما كان يحملها معه في كمه أو تحت إبطه ولو ثقلت عليه حتى آخر حياته.
في أواخر عُمره، ألح عليه أهلها بأنه لا بُد له من الزواج فاختاروا له زوجه وعقدوا له العقد عليها وزفوها إليه؛ فاستقبلها مع من زفها إليه وما إن دخلوا إلى البيت حتى استأذنها إلى غرفة كتبه ليراجع بعض الكتب، واستغرق في مراجعته وطال انتظارها له، فذكَّروه بها فرد عليهم: «إني عنها في شغل»؛ فطلقها وبقي عازبًا!
الزمخشري
الزمخشري، من أعلم أهل زمانه اسمه محمود بن عمر (1070-1143)، سُمي بالزمخشري على اسم قريته الصغيرة المهجورة في بلاد خوارزم في غرب أوزبكستان اليوم، والتي لقيت شُهرة واسعة حُتى كُتب فيها الشعر وصارت شهرتها تُضاهي شهرة أكبر البلدان لخروج الزمخشري منها.
كان الزمخشري عازفًا عن الزواج باحثًا عن العلم، حتى لقَّبه أهله بجار الله، كونه عاش في مكة والحجاز فترة من الزمان، كما لُقّب بالأعرج كونه فقد رجله بسبب البرد الشديد والثلج الكثير الذي تعرَّض له في بعض أسفاره طلبًا للعلم في بلاد خوارزم ليتخذ له رجلًا من خشب.
كان ولعه بالعلم شديدًا، لدرجة أن إبداعه في اللغة العربية جعل اسمه إلى جانب ألمع عُلماء اللغة الأعاجم مثل سيبويه والفيروزابادي والمرتضى الزبيدي، كما أنه لم يُبدع في علوم اللغة فحسب، بل في أصول الدين وحتى في الجغرافيا، وقد بلغ عدد أبناء فكره وبنات قلمه 50 مؤلفًا وأشهرها كتاب «الكشاف في تفسير القرآن». كان يعشق الكُتب لدرجة أنه فضَّلها على الأبناء؛ فقال: حسبي تصانيفي وحسبي رواتها … بنين بهم سيقت إلى مطالبي
الطبيب العازب.. ابن النفيس
لم يكن الطب وحده من شغل ابن النفيس (1213-1288) عن الزواج؛ فقد كان له اهتمامات غير الطب مثل علم المنطق واللغة العربية والفقه، ولكن الطب كان شغفه الأكبر وشغله الشاغل، وما زال كتابه «الموجز في الطب»، الذي يعتبر خلاصةً لكتاب القانون في الطب لابن سينا، يدرس في مدارس الطب في الهند وباكستان حتى اليوم!
ولا شيء يُمكنه أن يجعلنا نفهم شغف هذا الطبيب الأعزب بالعلم إلا حكايته مع مقالة ألَّفها في «الحمام»؛ فذات يوم وبينما هو في الحمام يغتسل جاءته فكرة عظيمة، فخرج إلى مسلخ الحمام حيث ينزع الناس ثيابهم واستدعى بدواة وقلم وورق، ليبدأ كتابة مقالة في النبض، وجعل يكتب ويكتب حتى أنهاها ثم عاد إلى الحمام! وبلا شك، فإن طبيبًا بارعًا مثله، يعتبر مكتشف الدورة الدموية الصغرى في الجسم مُنذ أكثر من 700 عام -وهو من أعظم الاكتشافات الطبية- لم تكن لديه أيَّة مشاكل مادية تمنعه من الزواج، بل كان لديه منزل في القاهرة مفروشٌ بالرخام أوقفه في نهاية حياته، وكتبه، وأمواله كلها للبيمارستان المنصوري، حيث كان يعمل رئيسًا للأطباء، ويعتبر هذا «المستشفى» من أعظم المستشفيات في تاريخ مصر.
الشيخ طاهر الجزائري
كان دافع الشيخ طاهر الجزائري (1852-1920) للامتناع عن الزواج مختلفًا؛ فقد كان من أحرص الناس على وقته. ومما يُروى عنه أنه كان يصنع كمية كبيرة من القهوة، يُمكن أن تكفيه إلى مدة أسبوع، حتى لا يضيع وقته بإعدادها كلما أراد تناول فنجان قهوة، حتى لو كانت باردة؛ فلم يكن يُبالي بذلك لأن غرضه منها أن تعينه على السهر في طلب العلم وليس للمتعة؛ فمما رُوي عنه أيضًا أنَّه كان يسهر الليل كله.
ترك خلفه من «الأبناء» 35 مؤلفًا، وكان كُلما سئل عن الزواج قال: «أنا شاذٌ ولا أحب أن يقتدي بي أحد». وكان يتعلل بأنَّه لا يُريد أن يشغل ذهنه بالزوجة؛ وذلك كي يعيش مطلق العنان فيسيح في الأرض متى شاء وحيثما شاء، ويقبع في حجرة داره مع كتبه ودفاتره لا يشغله شاغل! كان نادرًا ما يخرج بلا كتب يحملها أو أوراق ينتفع بها، وكان فراشه محاطًا بسور من الكتب والأوراق.
سعيد الدين النورسي
لم تكن حياة العالم المُجاهد سعيد الدين النورسي سهلة أبدًا، فقد عاش في الأسر الروسي بعد مشاركته في الحرب العالمية الأولى مع ثلّة من طلابه في صفوف الدولة العثمانية، وما إن انتهت الحرب حتى بدأ رحلة صدام مع مصطفى كمال أتاتورك، وبدأ ببث رسائل النور التي كان تهدف إلى تقطيع أوصال «الثورة الكمالية». ويُروى عنه أنه ما بين عام 1950 وعام 1960 وقف أمام 47 محكمة، ولكنه كان يقول دائمًا: «لو كان لي 100 رأس وقطع كل يوم رأس ما تركت هذا الأمر وإن أجل الله لآت، إذا نجوت من موتكم فلا منجى من الموت». وقد سُئل النورسي ذات يوم عن سبب عزوفه عن الزواج فأجاب قائلًا: «إنني لا أستطيع أن أقوم بواجبات الزوج على ما أنا فيه من حياة القلق والاضطراب».
تحميل الكتاب بصيغة pdf
العلماء العزاب الذين آثروا العلم على الزواج
العلماء العزاب