الاجتهاد: إن الوقف هو ابتداع إسلامي قبل أن يكون مؤسسة مدنية حديثة أو متطورة، وهو ابتداع إسلامي غير مسبوق، وهو شديد التميز، والفارق الجوهري بين نظام الوقف الذي جاء به الإسلام والأنظمة المشابهة والسابقة عليه في الحضارات السابقة (الرومانية، اليونانية..) أن نظام الوقف في الإسلام له أصل عقيدي ويتم بإرادة منفردة (لأن عقد الوقف عقد إيجاب فقط) ولمصلحة الغير، وهو تشريع يلزم النفس لمصلحة الغير.
تقرير دورة الوَقف والعمران في الحضارة الإسلامية
نظم المعهد العالمي للفكر الإسلامي ومركز الدراسات المعرفية دورة بعنوان “الوقف والعمران في الحضارة الإسلامية” وذلك في الفترة من 1-2 من ذي الحجة 1436 هـ/ 15-16 من سبتمبر 2015 بقاعة رواق المعرفة – مركز الدراسات المعرفية بالقاهرة، وقد حضر الدورة (20) باحث وباحثة من كافة التخصصات، وأعد مادة الدورة وقدمها أ.د. إبراهيم البيومي غانم – رئيس قسم البحوث واستطلاعات الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر. وشارك بالتدريب في اليوم الثاني أ.د. صلاح عبد السميع – أستاذ المناهج وطرق. التدريس – كلية التربية – ج. حلوان
شكَّل نظام الوقف قاعدة مادية ومعنوية صلبة للعمران في الحضارة الإسلامية في عصور ازدهارها. حتى إن أغلب إنجازات هذه الحضارة تدين للوقف في مختلف المجالات ببناء وتمويل المساجد في المجال الديني، وتشييد المدارس والجامعات في المجال التعليمي ، وتعمير القصور والفنادق والخانات والأسواق في المجال المدني، وبناء الحصون والقلاع والأسوار والأربطة في المجال الحربي،
والبيمارستانات والمستشفيات والصيدليات في المجال الصحي، والمكتبات العامة في المجال الثقافي، وأسهم الوقف أيضاً في مجال الترفيه والفنون الجميلة. وارتبطت الفنون الجميلة في نشأتها وتطورها ببعض الأنظمة الشرعية. وأسهمت تلك الأنظمة بدور كبير وممتد ـ عبر أحقاب زمنية متطاولة ـ في غرس تلك الفنون وجمالياتها في الوعي الاجتماعي العام. وكان نظام الوقف من أهم تلك الأنظمة الشرعية التي نمت في ظلها الفنون الجميلة وتنوعت وازدهرت على مر العصور.
وقد كشفنا في دراسة سابقة لنا عن أن نظام الوقف الإسلامي قد كان له دور فاعل وحيوي في خدمة المقاصد العامة للشريعة بصفة عامة(1). كما أن نظام الوقف قد دعم القيم الجمالية والفنية في حضارتنا الإسلامية ووضعها في خدمة مقاصد الشريعة أيضاً.
وقد لا يعرف الكثيرون أن الفضل يرجع إلى “نظام الوقف الإسلامي” في وجود وبقاء عدد من المباني والمنشآت الأثرية ذات القيمة التاريخية والفنية والمعمارية التي نستمتع بمشاهدتها، وتذخر بها معظم المدن والحواضر العربية والإسلامية، ومن أهم هذه الآثار الوقفية: المساجد، والجوامع، والأسبلة، والتكايا، والحمامات الشعبية، والأسواق، والقيساريات، والقصور، والقباب، والأضرحة والمقامات، والمزارات، والقلاع والحصون والأسوار الحربية؛ ومثل تلك الآثار تزينها – في أغلب الحالات – نقوش بديعة، وزخارف ورسومات رائعة الجمال،
فضلاً عن محتوياتها من أعمال الفنون الجميلة مثل التحف، والمقتنيات النادرة من السيوف، والمنابر، والمصاحف، والمخطوطات، والقناديل، والثريات، والأواني، والمشغولات الذهبية والفضية، والسجاجيد، وما شابه ذلك.
و”الوقف” في أصله الشرعي سنة حث القرآن الكريم علي العمل بها في بعض آياته، مثل قوله تعالى: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون”(آل عمران:92)، كما حث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض أحاديثه، ومنها قوله: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.
وكان صلى الله عليه وسلم أول من أنشأ وقفاً(2)، وكان وقفه عبارة عن سبع بساتين أوصى بها للفقراء والمساكين وذوي الحاجة، واقتدى به كل قادر من أصحابه الكرام، حتى قال الخصاف إنه لم يعرف أحد منهم له مال إلا ووقف وقفاً لينفق من ريعه في وجه أو أكثر من وجوه البر والمنافع العامة أو الخاصة(3).
وقد أسهم الفقه ـ بمختلف مذاهبهـ في إثراء نظام الوقف؛ بدءاً بوضع تعريفات اصطلاحية للمقصود بالوقف، مروراً ببيان ما يجوز وما لا يجوز وقفه أو الوقف عليه، وصولاً إلى حل المشكلات التي تعترض الممارسات الاجتماعية العملية المرتبطة بالوقف وبما يترتب عليه من آثار على المستويات الفردية والجماعية، الرسمية وغير الرسمية.
والملاحظ أن “باب الوقف” هو من الأبواب الثابتة في جميع مصادر الفقه الإسلامي بجميع مذاهبه وهو مليء بالاجتهادات والآراء والأفكار التي عالجت مسائل الوقف من مختلف الجوانب. وبالبحث في التاريخ المعرفي لفقه الوقف تبيَّن لنا أنه كان أول فرع من فروع الفقه الإسلامي يستقل بذاته، وتُفرد له مؤلفات خاصة به، وذلك منذ منتصف القرن الثالث الهجري على يـد هـلال بن يحيى المعروف بهـلال الرأي (ت 245 هـ).
وجاء من بعـده بقليل من السنوات أبو بكـر الخصاف الحنفي (ت 261) الذي ألف أشهر كتاب وهو كتاب “أحكام الأوقاف”؛ الذي لا يزال مرجعاً أساسياً في موضوعه.
ولعل من أهم ما أسهم به “الفقه” الإسلامي في بناء نظام الوقف هو إرساء أسس فاعلية هذا النظام؛ من خلال تأصيل الفكرة المجردة للوقف، وهي فكرة “الصدقة الجارية”، وأيضًا من خلال تفصيل الأحكام المتعلقة بالإجراءات والتنظيمات المشخصة لهذه الفكرة في الواقع الاجتماعي.
برنامج الدورة بدأت فعاليات الدورة بمحاضرة افتتاحية أ.د. رفعت العوضي – المستشار الأكاديمي للمركز أكد فيها على أن الوقف هو صانع الحضارة الإسلامية، فقد أسهم في إنشاء المؤسسات العلمية والفكرية في تاريخ الأمة، وساهم الوقف في تعبيد طرق الحج، وتمويل جيوش المسلمين في الفتوحات، وساهم الوقف الأهلي في رفع الكفاءة الاقتصادية للمشروعات الاقتصادية وتحقيق التراكم الرأسمالي للأمة.
ثم بدأت فعاليات الدورة وتحدث أ.د. إبراهيم البيومي غانم – وأشار إلى أن الوقفَ هو ابتداع إسلامي قبل أن يكون مؤسسة مدنية حديثة أو متطورة، وهو ابتداع إسلامي غير مسبوق، وهو شديد التميز، والفارق الجوهري بين نظام الوقفِ الذي جاء به الإسلام والأنظمة المشابهة والسابقة عليه في الحضارات السابقة (الرومانية، اليونانية..) أن نظام الوقفِ في الإسلام له أصل عقيدي ويتم بإرادة منفردة (لأن عقد الوقف عقد إيجاب فقط) ولمصلحة الغير، وهو تشريع يلزم النفس لمصلحة الغير.
والوقفُ عندما يتم تخصيصه ووضعه في نظام الوَقف تتوقف كثير من التصرفات العادية التي تجري على الملكية عند تخصيص الوَقف، وأهمهما البيع والشراء والرهن والوصية والميراث، بل يجري عليه الاستثمار والتنمية.التدريس – كلية التربية – ج. حلوان
والوقفُ يُبتغى به أولاً وأخيراً وجه الله تعالى ولذلك عندما سئل الإمام الشافعي رضي الله عنه عن: هل نظام الوقفِ كان معروفاً قبل الإسلام أم لا؟ أجاب: لم يُعرف أحد في الجاهلية أوقف شيئاً لوجه الله تعالى، إنما كانت تصرفات شخصية ولم يكن لوجه الله تعالى.
وعلى مدى يومين استعرض د. إبراهيم البيومي غانم الموضوعات التالية:
المحاضرة الأولى: خلفية عامة عن نظام الوَقف وأصله الشرعي ودوره الحضاري.
المحاضرة الثانية: نظام الوَقف في خدمة المقاصد العامة للشريعة.
المحاضرة الثالثة: المشاركة الاجتماعية من خلال نظام الوقف.
المحاضرة الرابعة: مشكلات نظام الوقف وتجارب الإصلاح.
وقدم أ.د. عبد الرحمن النقيب – المستشار التربوي للمركز عرضاً سريعاً لقراءته حول كتاب “عقيدة الصدمة” للكاتبة الكندية ناعومي كلاين. وهو بإيجاز يتحدث على أن الشركات العالمية تجد في الكوارث بغيتها وكلما اشتدت الكوارث نجحت تلك الشركات في استغلالها الاستغلال الأمثل لصالحها وصالح الرأسمالية العالمية.
وانتهت الدورة بحمد الله وتوفيقه بتوزيع شهادات إتمام الدورة على المشتركين
والله ولي التوفيق
…………………………………………………………………
1- إبراهيم البيومي غانم، “مقاصد الشريعة في مجال الوقف”، في: محمد سليم العوا(محرر)، مقاصد الشريعة الإسلامية: دراسات في قضايا المنهج ومجالات التطبيق (لندن: مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، 2006م). ص425ـ483.
2- أبو بكر الخصاف، كتاب أحكام الأوقاف (القاهرة: مطبعة ديوان عموم الأوقاف المصرية 1322 ـ 1904) ص4.
3- لمزيد من التفاصيل انظر: إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر(القاهرة: دار الشروق، 1998) ص48 ـ53
استفدنا من هذا الخبر…
و یجب أن یتدخل الفقهاء في هذه المواضيع