الاجتهاد: تطرق سماحة آية الله الشيخ حسين الحلي “قدس سره” ضمن محاضراته الفقهية حول أعمال البنوك والمصارف إلى الفوائد التأخيرية أو الفروق التي يأخذها البنك عند تأخر الدفع كما يذكر بعض الطرق الشرعية للتخلص من الربا في الزيادة.
يقول سماحته “قدس سره”: نقطة أخرى لابدّ من معالجتها وتلك هي الفروق التي يأخذها البنك عند تأخر الدفع بعد حلول الموعد وعدم تسليم المبلغ من قبل المَدين الصوري.
وهذا بالنظرة الأولى لا يصح أخذه لأنه من قبيل أخذ شيء بأزاء التأجيل و هو ربا واضح، ولانه من قبيل السكوت عن المطالبة بالدين بازاء أخذ الفائدة، و ربوية هذا ظاهرة.
وقد تعرض الشيخ الأنصاري (قده) في كتاب المكاسب لذلك وحققه تحت عنوان – عدم جواز تأجيل الثمن الحال بأزيد منه وقد بين هناك أن الزيادة في قبال الأجل تكون محققة للربا بل ذكر الرواية الدالة على أن سبب نزول الآية الشريفة في حرمة الربا الزيادة المذكورة والتي هي في قبال تأجيل الدين الحال. فراجع المكاسب ص۳۰6 طبع ایران.
على أنه قد وردت روایات في استعمال بعض الطرق الشرعية للتخلص من الربا في الزيادة في قبال الأجل وذلك في البيع المحاباتي بأن يبيع الدائن على الشخص الثالث حبة من اللؤلو قيمتها الشرعية عشرة دراهم – مثلا – بمائة درهم ويجعل التأجيل شرطا من المديون على الدائن، وقد ذكر صاحب الجواهر “قدس سره” هذه الروايات في كتاب الدين شارحا قول المصنف وهو :
ولو أخره بزيادة فيه لم تثبت الزيادة ولا الأجل.
قال في الجواهر معلقاً (۱):
“بل هو للربا المحرم بلا خلاف ولا اشكال، نعم قد يحتال لذلك بجعل الزيادة في ثمن المبيع مثلا وان لم يساوه قد اشترط في عقد تأجيل الحال خاصة أو هو مع ثمن البيع كما نطقت به النصوص،
ففي موثق ابن عمار: قلت للرضا – عليه السلام – الرجل يكون له المال فدخل على صاحبه يبيعه لؤلؤة تساوی مائة درهم بألف درهم و يؤخر عليه المال الى وقت، قال لا بأس، قد أمرني ابي ففعلت ذلك، وزعم أنه سأل أبا الحسن – عليه السلام – عنها فقال له مثل ذلك،
وفي موثقه الآخر قلت لأبي الحسن – عليه السلام – يكون لي على الرجل دراهم فيقول أخرني وأنا أربحك فأبيعه حبة تقوم علىّ بألف درهم بعشرة آلاف درهم، أو قال بعشرين و اؤخره المال، قال لا بأس
وفي مضمر عبدالملك بن عتبة سألته عن الرجل يريد أن أعينه المال ويكون لي عليه مال قبل ذلك، فيطلب مني مالا أزيده على مالي الذي عليه، أيستقيم أن أزيده مالاً وأبيعه لؤلؤة تساوی مائة درهم بألف درهم، فأقول أبيعك هذه اللؤلؤة بالف درهم على أن اؤخر ثمنها ومالي عليك كذا وكذا شهراً؟ قال لا بأس به.
وبناء على ذلك فيمكن التخلص من الربوية فيما نحن فيه بطريق الهبة بأن يهب المدين مائة درهم إلى الدائن ويشترط عليه عدم المطالبة بالدين الحال إلى مدة سنة.
بل لعله يمكن جعل الشرط في الهبة نفس تأجيل ذلك الدين الحال إلى سنة بنحو شرط النتيجة كأن يقول له: وهبتك هذا المال بشرط أن يكون دينك الذي عليّ مؤجلا الى سنة أخرى. أو بنحو شرط السبب كأن يقول له وهبتك هذا المال بشرط أن تؤجلني في دينك المذكور إلى سنة.
والأولى – من ذلك أن يكون الشرط هو عدم المطالبة بالدين إلى مدة معينة فانه اسلم من اشكال التأجيل سواء كان على نحو شرط النتيجة أو شرط السبب.
ولكن هل يمكن لنا أن نتخلص من اشكال الربا؟
بالنسبة إلى أخذ الفروق المستحقة بطريق الجعالة و صورتها بان يجعل المدين للدائن مبلغاً معيناً يتفق عليه الطرفان في قبال تأجيل الدين أو في قبال عدم المطالبة إلى سنة.
وقد توقف شيخنا الأستاذ – دام ظله – في ذلك إلا أنه فصل فيه.
– فمثلا – يقال بالمنع فيما لو كانت الجعالة في قبال نفس التأجيل وهو عين ما يراد الفرار منه.
نعم – قد يقال بالصحة في الصورة الثانية أعنی کون مقابل الجعالة هو عدم المالية إلى سنة فان عدم المطالبة – مثلا – قابل لأخذ الجعل في قباله إذ لا يشترط فيما يكون في قبال الجعالة عمل خارجي خاص من المجعول له، بل يكفي الترك وعدم المطالبة كما لو جعل جعلا معيناً لمن يريد مزاحمته في شراء الدار فيجعل لذلك المزاحم مبلغاً من المال بازاء عدم الزيادة وعدم الدخول بينهما – وان كان قد يتأمل في هذا التنظير الأخير.
—–
(1) – الجواهر كتاب الدين المسألة الثانية ص 293.
المصدر: كتاب بحوث فقهية (محاضرات الشيخ حسين الحلي) الشيخ عز الدين بحر العلوم.
تحميل الكتاب
بحوث فقهية (محاضرات الشيخ حسين الحلّي) – الشيخ عزّالدين بحر العلوم