الاجتهاد: لم يخل التاريخ الإسلامي وغيره من وجود دجالين لهم حركة فاعلة وأثر في تغيير الواقع بما يصب في هدم القيم والمبادئ الدينية والاخلاقية للأمة، وقد اعتمدوا على مناهج متعددة وطرق وأساليب متباينة بغية تحقيق هذا الهدف.
وتظهر خطورتهم نتيجة لصعوبة تمييزهم لدى عامة الناس على مستوى الأفراد والجماعات؛ إذ الدجل يعتمد في واقعه على الكذب والخداع والتضليل ليخلط الباطل بالحق والسقيم بالصحيح؛ ولهذا يسمى الساحر والمشعوذ دجالاً لأنه يصور للناس الوهم واقعاً وحقيقة ويسمى بعض الشعراء دجلة لأنهم يحسنون القبيح بألفاظ وعبارات جميلة ويسوقونها للناس بأحسن صورة.
ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام من خطر وجودهم ودعوا الى محاربتهم وكشف واقعهم أمام الملأ كي لا يغتر البسطاء بهم ويقعوا في فخاخهم ، ففي الخبر النبوي : (سيكون في أمتي دجالون كذابون يحدثونكم ببدع من الحديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم لا يفتنونكم ) .
وهذا التحذير عام لكل من يسير بهذا المنهج ويظهر هذا السلوك ، ليشمل حتى بعض العلويين والفاطميين ، فيروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال : (يا أيها الناس ألزموا الأرض من بعدي، وإياكم والشذاذ من آل محمد … وإياكم والدجالين من ولد فاطمة، فإن من ولد فاطمة دجالين، ويخرج دجال من دجلة البصرة، وليس مني، وهو مقدمة الدجالين كلهم) .
وللدجل في واقعنا المعاصر مظاهر كثيرة أهمها :
1 ــ ادعاء شخص لمقام لا يستحقه، كالإمامة والمرجعية والزعامة والقيادة، ودعوى الوصول إلى الحقيقة ورؤية الواقع من خلال طرق ووسائل وهمية، وما أكثر الدعاوى في واقعنا حيث تجد تصدي الجهلة والانتهازيين لمواقع المسؤولية من دون رادع مما يمكن أن يغرر ببعض العوام ليؤثر سلباً على عقيدتهم أو سلوكهم ومسيرتهم بشكل العام .
ولذا لا يصح لنا الإنجرار وراء كل راية ما لم يثبت بالبينة والبرهان صدقها لاسيما من يدعي الاتصال بالإمام المهدي (عجل الله فرجه) فإن الأصل فيهم هو الكذب ما لم يثبتوا ذلك بالمعجزة البينة .
2. ترويج العقائد الفاسدة كالحركات المهدوية الضالة والاتجاهات الحداثية والتيارات البترية على اختلاف مناهجها وأهل الغلو والتفويض ، لما تجد من بيئة خصبة لتقبل أمثال هذه الدعاوى مهد لها الاستعمار عبر عقود متواصلة بإشاعة الجهل وتهديم عناصر القوة في المجتمع الإسلامي وخلق الفجوة بين المجتمع وقادته الرساليين .
3. تسخيف المبادئ والقيم والأخلاق الأصيلة والسخرية منها ، والترويج للسلوكيات المنحرفة كالفحش في الكلام والاختلاط المذموم واللباس الفاضح وغيرها وزعم مشروعيتها في الإسلام عبر استدلالات مغلوطة وفهم سقيم لبعض النصوص الشريفة، ومحاولة خلق من بعض الفاسدين والتافهين قدوة في المجتمع؛ لأجل نشر التحلل والفساد الأخلاقي عن طريق اضفاء صبغة دينية على هذه الأفعال ليعطي حينئذٍ ذريعة للشواذ والفسقة والفاسدين بالاستمرار في سلوكهم وتأكيده، فمن سخرية القدر ان تخرج لنا الراقصة والمغنية لتقول: إن عملها ليس حراماً!!! في حين نجد تراجع في أداء الداعية والمبلغ عن وظيفته الرسالية في بيان أحكام الدين وتعاليمه الحقة.
4. الكذب على المنبر واعتماد الأخبار الموضوعة على الرسول وأئمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا من اشنع الكبائر لقوله تعالى : (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ).
وفي الخبر النبوي : (يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ) .
وما ورد عن صادق العترة (عليه السلام) إنه قال : (انا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية، وكان مسيلمة يكذب عليه) .
ولهذا ينبغي على الخطيب قبل ارتقاء المنبر أن يعبر شوطا من الدراسة الحوزية بما تؤهله للتميز بين الأخبار وفرز المكذوب والموضوع عن التراث المعتبر كي لا يقع في محذور الاساءة لأهل البيت (عليهم السلام) وتغرير الناس بالكذب ، كما يجب على المتلقي ان يكون واعياً فيسأل الخطيب من مصادر أخباره وقيمتها وسندها فلا يصح التعويل على كل مسموع في أمور الدين عقيدة وشريعة.
5. استخدام الدين شعائره لأغراض سياسية وحزبية وفئوية، ويعد هذا من أبشع أنواع الاستغلال حيث يتم المتاجرة بعقائد الناس وايمانهم، مما سبب ردود فعل سلبية اتجاه الدين ورموزه الرساليين.
ولهذا ينبغي على المؤمنين أخذ الحيطة والحذر من كل فكرة أو رأي او منهج مخالف لما هو معروف ومرتكز في أذهان الشيعة الإمامية، فنحن مأمورون بالتثبت والتبين في أمثال هذه الحالات ، فقد روى الصدوق بسنده عن عبد الله بن سنان قال : (دخلت أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال : فكيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ، ولا علما يرى ، ولا ينجو منها إلا من دعا دعاء الغريق ، فقال له أبي : إذا وقع هذا ليلا فكف نصنع؟ فقال : أما أنت فلا تدركه ، فإذا كان ذلك فتمسكوا بما في أيديكم حتى يتضح لكم الامر) .
استاذ في الحوزة العلمية / النجف الأشرف