أثر المنهج الإسلامي في تحقيق الأمن الاقتصادي

أثر المنهج الإسلامي في تحقيق الأمن الاقتصادي

منهج الاقتصاد الإسلامي أولى أهمية في إشباع الحاجات الأصلية للإنسان وتوفير حد الكفاية الكريم ليحيا الناس حياة طيبة، وليعينهم على تعمير الأرض وعبادة الله عز وجل، وبذلك فهو يهدف إلى تحقيق الإشباع المادي والروحي للإنسان، وأساس ذلك قول الله تعالى (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) هود 61. فالحاجات ليست واجباً حكراً على الدولة فقط، وإنما تبدأ من الفرد نفسه كعضو في أسرة اجتماعية ثم العاقلة والقبيلة، ثم كافة أفراد المجتمع والدولة. د قتيبة عبدالرحمن العاني

موقع الاجتهاد: لا شك أن أدق مفهوم لـ(الأمن) هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) قريش 3-4، وفي حديث نزول عيسى عليه السلام يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «وتقع الأمنة في الأرض»(1) أي الأمن؛ يريد أن الأرض تمتلىء بالأمن فلا يخاف أحد الناس من الناس شيئاً، وكذلك الحيوان. سُئل الخليل الفراهيدي(2): ما الإيمان؟ قال: الطمأنينة. ومن هنا نلحظ أن الأمن هو ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث يعني التهديد الشامل، سواء منه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، الداخلي والخارجي.

ولأهمية الأمن ودوره في حفظ الناس فإن القران الكريم قد ضم بين دفتيه الكثير من الآيات التي تتحدث عنه، وتبين أن الله سبحانه وتعالى قد امتن بهذه النعمة على النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بالأمن في غرة كل هلال، فيقول: «اللهم أهِله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام….»(3)، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يذهب عن المسلمين الخوف والروع بقوله «اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا»(4)، ووردت لفظة الأمن في القرآن الكريم في سبعة وعشرين موضعاً، هذا فيما عدا الألفاظ المشتقة منه أو المرادفة له، ولم يقتصر على جانب الدين بل شمل الأمن الاقتصادي والصحي وسبل حفظه، وقد توصلت الأمم المتحدة في تفسير الأمن الاقتصادي إلى التالي: «هو أن يملك المرء الوسائل المادية التي تمكنه من أن يحيا حياة مستقرة ومشبعة. ويتمثل الأمن الاقتصادي، ببساطة، في امتلاك ما يكفي من النقود لإشباع حاجاتهم الأساسية، وهي: الغذاء، والمأوى اللائق، والرعاية الصحية الأساسية، والتعليم»(5).

وقد اقتصرت في هذه الدراسة المتواضعة على الأمن الاقتصادي لما له من مقومات لتوفير أسباب العيش الكريم وتلبية الاحتياجات الأساسية، ورفع مستوى الخدمات، مع العمل على تحسين ظروف المعيشة.

تدابير‭ ‬اقتصادية‭ ‬واجتماعية

ومن المنظور الاقتصادي لا يمكن أن يتصف أي اقتصاد بالفعالية وبالإنسانية ما لم تتوفر فيه تدابير وإجراءات كافية للأمن الاقتصادي ونظم جيدة للضمان الاجتماعي؛ حيث يكون بمقدور الناس أن يستجيبوا لتحديات الحياة، ويتكيفوا مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بهم، ويدرءوا عن أنفسهم خطر الكوارث والآفات، ويتمكنوا من تنمية إمكاناتهم البشرية لتوفير حياة أفضل وسبل معيشة أكثر أماناً واستقراراً.

‭‬إشباع‭ ‬الحاجات‭ ‬الأساسية‭ ‬للفرد‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للمجتمع‭ ‬

وبالتالي فإن إشباع الحاجات الأساسية على المستوى الفردي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق الأمن الاقتصادي للمجتمع، والعكس صحيح في حالة عدم إشباع هذه الحاجات الأساسية، فإن الأفراد يصبحون خطراً وعبئاً اقتصادياً على المجتمع باعتبار الإنسان هو المحرك الأساس للنشاط الاقتصادي. أما الأمن على المستوى الجماعي فيتمثل في تحقيق الحماية لحقوق الجماعات المختلفة في المجتمع ورعاية مصالحها في المجالات المختلفة وتوفير النظم والمؤسسات التي تخدم هذه الجماعات، وهناك عدد من النظريات تحدثت عن علاقة الأمن الاقتصادي بالحاجات الأساسية للإنسان وهي ما يعرف بنظريات الحاجات الأساسية، التي تتمثل في نظرية «ماسلو» ونظرية «موري» ونظرية «هيرزبرج».

فقد أشارت نظرية ماسلو إلى أن الحاجات الأساسية للإنسان تكون في شكل هرم يبدأ من الأسفل إلى الأعلى، إلا أن القليل منهم من يصل إلى قمة الهرم، فالإنسان في نظر ماسلو يبدأ بإشباع الحاجات الطبيعية ثم الحاجات الأمنية وتليها الحاجات الاجتماعية ثم الحاجات النفسية وأخيراً تحقيق الذات. كما حاولت النظرية الربط بين الآثار المترتبة على انعدام الأمن الاقتصادي والاجتماعي وأسبابه من منظور الدوافع الأساسية التي تحرك الإنسان وحددتها في عدد من الدوافع هي الجوع والجنس وحب الاستطلاع. إلا أن هذه النظريات تدرس الإنسان على أنه شخصية متفردة لا علاقة بينه وبين الحيوان، فإنها تهمل فيه ذلك الجانب الروحي، فتتعامل معه على أساس مادي بحت، وتسقط من سلمها أهم حاجاته ومحور وجوده وهو الجانب الروحي.

فالمذاهب الاقتصادية الحديثة تشترك في الخطوط العامة للحاجات الواجب توفيرها لكل أفراد المجتمع، ولكن تختلف في إلزامية هذا الإشباع. فأصول الرأسمالية لا تلزمها بإشباع الحاجات الأساسية للأفراد، وما هو موجود حالياً من برامج لإشباعها إنما جاءت نتيجة ضغوط معينة، ولذا بدأ البعض ينادون بالتخلي عنها من جديد.

أما الاشتراكية فكانت تدرك أهمية الحاجات بشكلٍ عام والتزام الدولة بإشباعها، ولكن من الناحية العملية كان يحدد هذه الحاجات المشرفون، وبالتالي كان يتم التركيز على أشياء معينة مهمة في نظرهم ولو لم تمثل حاجة حقيقية عند أفراد المجتمع.

في حين أن منهج الاقتصاد الإسلامي أولى أهمية في إشباع الحاجات الأصلية للإنسان وتوفير حد الكفاية الكريم ليحيا الناس حياة طيبة، وليعينهم على تعمير الأرض وعبادة الله عز وجل، وبذلك فهو يهدف إلى تحقيق الإشباع المادي والروحي للإنسان، وأساس ذلك قول الله تعالى (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) هود 61. فالحاجات ليست واجباً حكراً على الدولة فقط، وإنما تبدأ من الفرد نفسه كعضو في أسرة اجتماعية ثم العاقلة والقبيلة، ثم كافة أفراد المجتمع والدولة(6).

‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬المنهج‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإسلامي‭ ‬لإشباع‭ ‬الحاجات‭ ‬الإنسانية

‭ ‬إقامة‭ ‬التوازن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬العدالة‭ ‬

وبهذا يكوّن المنهج الاقتصادي الإسلامي موقفاً مغايراً تماماً في الشكل والمضمون عن الفكر الوضعي، فهو لا يتفق مع الاقتصاد الرأسمالي في كون الملكية الخاصة هي الأصل والملكية العامة هي الاستثناء، كما لا يتفق مع الفكر الاشتراكي في كون الملكية العامة هي الأصل والملكية الخاصة هي الاستثناء لأن المنطلق فيهما ليس واحداً.

المنهج‭ ‬الإسلامي‭ ‬لإشباع‭ ‬الحاجات‭ ‬الإنسانية

ومن أهداف المنهج الإسلامي لإشباع الحاجات الإنسانية الأولية إقامة التوازن الاقتصادي والاجتماعي من منطلق العدالة، التي تقتضي أن كل جهة من الجهات الموجودة في المجتمع تنظر إلى صاحب الحاجة وحقه في إشباع حاجته، وتنظر إلى صاحب الجهد والعمل وحقه في أن ينال جزاء جهده وعمله.

لقد عالج الإسلام في منهجه كل مسببات الخوف بالنسبة للإنسان، مبتدئاً بالفرد ومنتهياً بالأمم والشعوب ليشمل البشرية جمعاء. يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: «من خاف الله خافه كل شيء ومن لم يخف من الله خوّفه كل شيء»(7)، فالإنسان بطبيعته يخاف من كل ما حوله فهو يخاف قلة الرزق، ويخاف من الموت، ويخاف من المجهول، فيستسلم لليأس عند أول نازلة به ويعظم في قلبه الحسد(8)، وأما المؤمن فإننا نجده قانعاً برزقه بعدالة الله عز وجل، فما قدره الله له من رزق سيأتيه، قال تعالى (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ) الذاريات22. فالله تعالى وضع قوانين للكون، وأعطانا العقل لنفكر فيه، وبالنتيجة لن تنال أيها العبد إلا ما كتبه الله لك!. والمتأمل في كلمات القرآن يرى بأن الرزق ومشتقاته في القرآن الكريم ورد 123 مرة، وفي جميع الآيات إذا دققنا النظر نلاحظ أن الله تعالى ربط الرزق بأشياء أساسية هي مشيئة الله تعالى، والتقوى(9).

وتبرز أهمية الأمن في الوقت الحاضر لما نشاهده من اختلال التوازن في دول العالم من حيث سيطرة الدول الكبرى على اقتصادات دول العالم النامي، بحيث أصبح عدد الفقراء في الدول النامية يشكل خطورة على أمن تلك البلاد، وأن أغلب الاضطرابات الحالية وحالات الصراع والهرج والمرج التي تسود بعض الدول العربية من أسبابها الرئيسة (الفقر والجوع)، فالإنسان الجائع قد يضطر إلى السرقة والتحول إلى عنصر غير سوي في المجتمع لأن الجوع ظالم لا يرحم أحداً، إضافة إلى ابتعاد من هم في سن التعليم عن التعليم، حيث أجبرت بعض العوائل المشردة نتيجة الصراعات الأخيرة في المنطقة العربية بزج أبنائهم للعمل من أجل لقمة العيش، فكان له الأثر السلبي على جهود محو الأمية، وهناك حوالي 11 مليون طفل في سن الدراسة 60% منهم من الفتيات لم يلتحقوا بالتعليم، مما جعل مؤشر الأمية في ازدياد، ويمثل التعليم بحسب تقرير منظمة المؤتمر الإسلامي العامل الجوهري في الآفاق المستقبلية لدى كثير من البلدان النامية، ويعد التعليم بحسب تقرير البنك الدولي (استثماراً استراتيجياً في التنمية)، وتشهد المنطقة أدنى معدل لاستخدام تقنيات المعلومات والاتصال على مستوى العالم حيث إن نحو 0,6% فقط من سكان العالم العربي يستخدمون الإنترنت(10)، وأن السبب في ذلك يعود إلى قصور في التدريب وانخفاض في مستوى الأجور وإلى الفقر وضعف البنى الأساسية في البلدان العربية. ويربط التقرير بين انتشار الجهل والأمية وبين الفقر والفساد.. ولذلك فإن توفير الطعام والعيش الرغيد يقضي على كل الأوضاع الشاذة والتي تعرض أمن الدولة واستقرارها إلى الفوضى والإخلال العام بنظامها العام(11).

حل المشكلة الاقتصادية لها دور فاعل في توفير الأمن، ولقد اضطرت كثير من الدول المعاصرة إلى تسخير نسبة كبيرة من أموالها في سبيل الحفاظ على الأمن لكن غاب عن بالها أن توفير الأمن يكمن بالخروج من الفقر وتوفير الطعام والتعليم، لأن الطعام كما يقول الغزالي: «ولا طريق إلى الوصول للقاء الله إلا بالعلم والعمل، ولا تكمن المواظبة عليهما إلا بسلامة البدن، ولا تصفو سلامة البدن إلا بالأطعمة والأقوات»(12). وعليه نبه رب العالمين في قوله وهو أصدق القائلين (كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) المؤمنون 51. كما أن الشريعة الإسلامية لا تكتفي بتوفير الضروريات، وفي هذا يقول الشاطبي: «… إذ لو اقتصر على سد الرمق لتعطلت المكاسب والأشغال، ولم يزل الناس في مقاسات ذلك إلى أن يهلكوا، وفي ذلك خراب الدين»(13). وأغلب العلماء يُسيّر ترتيب الحاجات في الاقتصاد الإسلامي على سير علماء الأصول والمقاصد في ترتيب المصالح إلى ضرورية وحاجية وتحسينية وعلى رأسهم الغزالي(4) والشاطبي(15):

أولاً – الضرورات: وتقوم على حفظ أمور خمسة جاءت الشريعة بحفظها، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

ثانياً – المصالح الحاجية: وهي التي يحتاجها الناس لتأمين معاشهم بيسر وسهولة، وحيث لم تتحقق واحدة منها يصيب الناس مشقة وعسر.

ثالثاً – المصالح التحسينية: وهي الأمور التي لا يصيب الناس بفقدها حرج ولا مشقة.

‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الأمن‭ ‬للمجتمع‭ ‬

وأما ابن خلدون(16) فقد سماها حاجات الناس، وجعلها ضروري وحاجي وكمالي. فالمنهج الاقتصادي في الإسلام منهج متكامل بدءاً من قضية الاستخلاف باعتبار المال مال الله تعالى والبشر مستخلفون فيه وفقاً لإرادة الله تعالى – المالك الحقيقي للمال -، ومروراً بالقواعد التي تحكم الأرباح وتوزيع الثروة وتداولها.

التدابير‭ ‬الأمنية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬المنهج‭ ‬الإسلامي

ويمكن تلخيص أهم التدابير للأمن الاقتصادي في المنهج الإسلامي بما يلي:

‌1- معالجة ظاهرة البطالة:

يعتبر العمل مصدراً أساساً في إشباع الحاجات الأساسية للإنسان ويعمل على تحويل الإنسان من حالة الفقر والجوع والخوف إلى حالة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، كما أنه الوسيلة والمدخل الفاعل في تحقيق القوة الاقتصادية والأمن الاقتصادي، ويمكن تحقيق الأمن الاقتصادي أيضاً من خلال الحصول على التمويل بالصيغ الإسلامية وبدءاً بالأنشطة الاقتصادية مما يعني التخلص من مشكلة البطالة من جهة والحصول على دخل كاف يعينه على متطلبات الحياة. ومن ثم انحسار حالات الفقر. ويعد نقص التمويل والتوزيع غير المتوازن من أهم أسباب انعدام الأمن الاقتصادي. ويحتاج الناس إلى فهم أن قطاع التمويل الإسلامي هو وسيلة لمزاولة الأعمال بما يتوافق مع أحكام الشريعة. فهو بديل أخلاقي للاستثمار يتمتع بالنزاهة، والمسؤولية الاجتماعية، إضافة إلى أنه وسيلة تسهم في تنويع محافظ المستثمرين(17).

وتشير تقديرات منظمة العمل لعام 2015 إلى أن مستويات البطالة العالمية بلغت 201 مليون عاطل عن العمل في عام 2014، وهو ما يمثل زيادة بأكثر من 30 مليون عاطل عن مستوياتها قبل اندلاع الأزمة العالمية عام 2008. لكن هذه الاتجاهات الناشئة هي أيضاً انعكاس لانعدام الأمن على نطاق واسع الذي يمس اليوم العديد من العمال في جميع أنحاء العالم؛ بحسب تقرير المنظمة.

‌2- القضاء على ظاهرة الفقر:

تعتبر ظاهرة الفقر جد مهمة في تحديد الملامح العامة لأي اقتصاد من اقتصادات الدول، فهي ظاهرة لا تخلو أي دولة منها سواء أكانت متقدمة أم متخلفة، وهي قضية مألوفة ومتناولة من حيث إنها ظاهرة اقتصادية واجتماعية لجميع الشعوب والحضارات والمجتمعات وفي جميع العصور، إضافة إلى أن كل الأديان تطرقت إليها، وخاصة الدين الإسلامي، من حيث ذكر واجب الأغنياء تجاه الفقراء، ووضع الحلول اللازمة لذلك، إلا أن الاختلاف يكمن في درجة التفاوت من حيث النسبة الموجودة، إذ هناك فجوة كبيرة بين أعداد الفقراء في الدول المتقدمة (الغنية) عنه في الدول المتخلفة (الفقيرة)، ولذلك يعتبر الفقر سمة أساسية، وظاهرة لا يمكن إغفالها في الدول المتخلفة ووضع الحلول السريعة لتقليص الفجوة. وتعد التنمية الأسلوب الأنجع للقضاء على الفقر، بل هي فرض ديني، يتطلب تحقيقها حسن القيام بالدين، حيث إنها عبادة، فعن الرسول صلى الله عليه وسلم «كاد الفقر أن يكون كفراً»(18).

‭‬التنمية‭ ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬للقوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للدولة‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬مشكلة‭ ‬الفقر‭ ‬

لقد أوضح الإمام الشيباني ذلك بقوله «إن الله فرض على العباد الاكتساب لطلب المعاش ليستعينوا به على طاعة الله»(19). ويعد كتاب أحمد بن علي الدلجي (الفلاكة والمفلوكون) أي الفقر والفقراء من أوائل المؤلفات الاقتصادية في مجال التنمية في القرن الخامس عشر الميلادي، وقد بنى الدلجي آراءه في الدولة والسياسة والحاكم من خلال مشاهداته لحال الشرق العربي ودولة العباسيين في مصر، والذي عالج فيه قضية التنمية الاقتصادية وحلل فيه الفقر تحليلاً دقيقاً، وبحث في أسبابه وعلله، وبعد خمسة قرون من صدور كتابه، وفي مستهل الألفية الثالثة، قدمت حكومات العالم وعداً بتحرير أوضاع الفقراء، واتفقت على أهداف التنمية التي تشمل تقليص فجوة الفقر بنسبة النصف، وفي هذا الإطار تشير الإحصاءات التابعة للأمم المتحدة إلى أن عدد الدول الفقيرة تصاعد بشكل كبير في العقود الثلاثة الأخيرة، فبعد أن كان عدد الدول الفقيرة 25 دولة عام 1971 ارتفع إلى أكثر من 86 دولة في مطلع الألفية الثالثة، وأن عدد الذين يعيشون على دولار واحد يومياً في العالم يشكلون ما يعادل 18% من سكان المعمورة، فكم زادت الهوة بين ما كان عليه أوضاع الفقراء في عصر الدلجي وبين تقرير الإنصاف والتنمية؟

3- التكافل الاجتماعي:

إن التكافل الاجتماعي له دور كبير في تحقيق مسألة الأمن التي وقفت الأنظمة البشرية في العالم حائرة إمامها، فالزكاة بوصفها فرع إسلامي وواجب تعبدي ذا أبعاد اقتصادية واجتماعية، إذ تعمل الزكاة على مواجهة الفقراء في ديارهم، وليس مجرّد مُسكّن وقتي محدود النطاق والمفعول.

فالأمن الاقتصادي يتحقق ابتداءً بالزكاة، ثم الصدقات، والكفارات: عن طريق الإطعام أو العتق في حالات الصيام والأيمان والظهار وغير ذلك. ثم الوقف: وهو قسم من الصدقات، إذ الصدقة قد تطلق ويراد بها الوقف، بل والغالب في الأخبار التعبير عن الوقف بالصدقة، وهو ينقسم إلى وقف عام على مصالح المسلمين، ووقف خاص كالوقوف على الذرية، ويرى أكثر المنصفين من مؤرخي الحضارة الإسلامية أنه لو لم تبدع هذه الحضارة سوى نظام (الوقف) كنظام يحقق هدفاً مزدوجاً يتجلى في الأمن الاقتصادي البعيد المدى – لكان ذلك كافياً للحديث عن القاعدة الاقتصادية الصلبة في منهجية البناء الإسلامي.

وتعد شبكات الأمان الاجتماعي آلية من آليات الأمان المرحلية للتخفيف من البؤس ومكافحة الفقر وتمكين بعض فئات المجتمع التي تضررت بفعل التراجع الاقتصادي والحروب والمديونية الخارجية؛ إذ تقلصت قدرة الحكومات على تلبية الاحتياجات الاجتماعية، وزاد الأمر سوءاً في ظل تبني بعض الحكومات برامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي، حيث أغفلت هذه البرامج التبعات الاجتماعية الموازية لتنفيذها خاصة في مراحلها الأولى. فيتعين علينا أن نطبق الزكاة وكذلك استعادة نظام الأوقاف، وفي الوقت نفسه يجب أن ننظم سياستنا النقدية والنظام المصرفي بطريقة منسجمة ومنسقة ونتجه نحو التنمية الاقتصادية الشاملة.

المراجع

(1) رواه أحمد عن أبي هريرة، المسند 2/406 برقم 9259.

(2) مخترع علم العروض، البداية والنهاية 10/172.

(3) الحديث كما في روضة المحدثين 8/230 برقم 3401 رواه الترمذي في سننه، وقال النووي في رياض الصالحين 1/367 قال الترمذي حديث حسن.

(4) رواه أحمد .. قال البخاري منكر، وروى أبو داود عن ابن عمر في جملة أدعية «اللهم استر عورتي وآمن روعاتي .. اللهم أعنّي على ديني بدنياي وعلى آخرتي بتقواي» رواه الطبراني بأسانيد صحيحة.

(5) يونس عرب، اتحاد المصارف العربية، الأردن،2001، ص11.

(6) محمد يحيى محمد الكبسي، العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الإسلامي.

(7) كشف الخفاء للعجلوني، ص65.

(8) التفسير الكبير 32/179.

(9) عبد الدائم الكحيل للإعجاز العلمي، الموقع الإلكتروني.

(10) مؤشر المعرفة العربي 2015، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، دبي، ص210.

(11) تقرير مؤتمر المنظمة الإسلامية 2008. وتقرير البنك الدولي 2011.

(12) إحياء علوم الدين 2/2.

(13) الشاطبي، الاعتصام 2/152

(14) الغزالي، انظر: الأعلام، ج7، ص22.

(15) الشاطبي، انظر: الأعلام، ج1، ص75.

(16) ابن خلدون، انظر: الأعلام 3/330.

(17) حسين عبدالمطلب الأسرج، دور التمويل الإسلامي في تحقيق الأمن الاقتصادي.

(18) الحديث كما في العلل المتناهية لابن الجوزي ولفظه «كاد الفقر أن يكون كفراً، وكاد الحسد أن يغلب القدر» قال المؤلف هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويزيد الرقاشي لا يعول على ما يروى، وقال في أسنى المطالب 1/207 «حديث كاد الفقر أن يكون كفراً» في مسنده يزيد الرقاشي وهو متروك.

(19) الشيباني: الاكتساب في الرزق المستطاب، ص14.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky