خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / خاص بالموقع / 22 تقرير خبري خاص / مؤتمر الميرزا النائيني الدولي يختتم أعماله في مشهد المقدسة

مؤتمر الميرزا النائيني الدولي يختتم أعماله في مشهد المقدسة

خاص الاجتهاد: شهدت مدينة مشهد المقدسة يوم السبت (25 / 10/ 2025م) إقامة مراسم اختتام المؤتمر الدولي المخصص لـ”الميرزا النائيني”، بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين في الحوزة العلمية. كان هذا التجمع العلمي منصة لإعادة تدارس الأطروحة السياسية والفقه الأصولي للنائيني من جوانب مختلفة.

وفقاً للاجتهاد، عُقد الحفل الختامي للمؤتمر الدولي المخصص للميرزا النائيني (قده)، بشعار: “الميرزا النائيني؛ قطب الفقاهة والمعنوية والسياسة”، في مشهد بحضور العلماء والأكاديميين البارزين في المدارس الدينية والضيوف الخاصين.

وفي هذا الملتقى، قدّم كل من: مدير حوزة خراسان العلمية الأستاذ علي خياط، وعضو مجلس خبراء القيادة الأستاذ آية الله السيد أحمد خاتمي، وعضو جمعية مدرسي الحوزة العلمية بقم الأستاذ أبو القاسم عليدوست، والأستاذ حميد درايتي والأستاذ محمد حسن رباني البيرجندي، مدرّسي السطوح العالية والبحث الخارج، إسهامات، مبينين الجوانب المتعددة للمنظومة الفكرية والنهضة للمرحوم الميرزا النائيني. وبين أيديكم الآن عرض موجز لطروحات الأساتذة.

النائيني؛ رائد تبيين فقه المقاومة ومؤسس الفكر السياسي الشيعي الحديث

مدير الحوزة العلمية في خراسان الأستاذ الشيخ علي خياط: إنه مدعاة للفخر والاعتزاز أن تُقام المراسم الختامية لهذا المؤتمر العلمي والحوزوي العظيم في مشهد المقدسة، بجوار الحرم الرضوي المطهر. وتفخر الحوزة العلمية في خراسان باستضافة جمع من العلماء والأساتذة والضيوف الكرام من الحوزات العلمية في قم، ومشهد، والعراق، وسائر البلدان. وإني لأتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل الأفاضل الذين حضروا لتكريم هذه الشخصية التاريخية الفاعلة والمؤثرة.

يُعدّ المرحوم الميرزا النائيني من أبرز الوجوه الفكرية والسياسية في القرون الشيعية الأخيرة. إن حياته الجهادية المليئة بالصعود والهبوط تُجسِّد التعادل بين السنّة الدينية الأصيلة والإبداعات المُحدثة والمُحوِّلة. كان (رضوان الله عليه) عموداً شامخاً في مدرسة فقاهة النجف، ومن أبرز تلامذة الشيخ الأنصاري، وقد قدَّم بأعماله الخالدة والمُنظَّمة مفاهيم مُستحدَثة في الفقه السياسي والاجتماعي الإسلامي. وقد تخرّج من مدرسته عدد من أكبر مراجع التقليد المعظم، منهم الآيات العظام: الحكيم، والميلاني، والحلي، والبجنوردي، الذين أتمّوا مسيرة فكره في التاريخ المعاصر.

كان المرحوم النائيني من روّاد فقه المقاومة في مواجهة الاستعمار، حيث بيّن الدفاع عن الصلة بين الدين والسياسة ليس في إطار الجدليات الفلسفية، بل في ساحة العمل الاجتماعي. وقد شكّلت صداقته وتفكيره المشترك مع السيد جمال الدين الأسد آبادي، وتعاونُه مع الميرزا الشيرازي في حركة تحريم التبغ (التنباكو)، جذور فكره السياسي. وفي خضم الحركة الدستورية (المشروطة)، لعب دوراً استراتيجياً كمستشار فكري للآخوند الخراساني. ويُعدّ كتابه القيّم «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» الذي عرض فيه موضوع الحكومة الدينية والعدالة الاجتماعية ببيان واضح، دعماً للمشروطة الإسلامية، أحد أكثر النصوص الفكرية رسوخاً في تبيين مباني الحكم الوَلائي باللغة الفارسية.

إن وعي المرحلة لدى النائيني وإدراكه للتحولات الفكرية والثقافية في عصره، أمرٌ متميز ودرسٌ عظيم. ففي زمان كان العالم الإسلامي يواجه فيه تحديات وانحرافات متنوعة، رفع هو راية التفاعل بين الفقاهة والحكمة العملية، ووضع، بطرحه مباحث مُستحدَثة في مشروعية السلطة الدينية، الأسس النظرية للحضارة الإسلامية المعاصرة. إن إقامة مؤتمرات من هذا النوع ليست مجرد عمل تشريفي، بل هي ضرورة معرفية وتاريخية لإعادة اكتشاف التراث العلمي للعلماء المؤسسين والمُلهمين.

الصلة بين قم والنجف ومشهد؛ الإرث الخالد لمؤتمر النائيني

إن أحد التجليات المعنوية لهذا المؤتمر هو إعادة إحياء الصلة بين الحوزات العلمية الثلاث الكبرى: قم، والنجف، ومشهد. ويُعد هذا التواصل العلمي والفكري والإنساني رأس مال ثميناً للأمة الإسلامية، يحفظ استمرارية الفكر الفقهي والسياسي للميرزا النائيني على مستوى الحوزات العلمية في المنطقة والعالم الشيعي، ويُمهّد الطريق أمام التعاون العلمي والحضاري بين العلماء والمراكز البحثية مستقبلاً.

ببركة جهود المحققين في إطار هذا المؤتمر، جُمع ونُشر ما يزيد عن واحد وأربعين مجلداً من مجموع الأعمال المكتوبة لذلك العالم الرباني؛ وهي أعمال حظيت باهتمام أقل في السنوات الأخيرة، ويمكنها الآن أن تكون نوراً يُضيء درب الباحثين في الفقه السياسي والاجتماعي في الحوزات العلمية.

وإذ نُقدّر لجميع الأساتذة والباحثين والمؤسسات التي ساهمت في إنجاح هذا المحفل العلمي دورها، نأمل أن يكون «نهج النائيني»، بوصفه وريث السنّة العقلانية، والمجاهدة، والشعبية للحوزات العلمية، مُلهِماً للجيل الجديد من علماء الدين في مسار إحياء الحضارة الإسلامية الجديدة.

آية الله السيد أحمد خاتمي: الميرزا النائيني كان يعتقد بامتزاج الدين بالسياسة

وفي سياق المؤتمر، ألقى عضو فقهاء مجلس صيانة الدستور ومجلس خبراء القيادة وإمام جمعة طهران المؤقت آية الله السيد أحمد خاتمي، كلمة أعرب فيها عن ارتياحه لانعقاد هذا المؤتمر، مصرحاً: كان المرحوم العلامة النائيني بطلاً على خمس قمم متعددة. إحداها هي قمة الفقاهة، وإنصافاً كان (رضوان الله عليه) فقيهاً بطلاً.

وأضاف الأستاذ خاتمي: يجب على الفقيه البارز أن يكون بطلاً في ساحتين: إحداهما في باب العبادات والأخرى في باب المعاملات. وفي هذين المجالين، يُعدّ كتابا الصلاة والحج للمرحوم النائيني قيّمين جداً وثمينيْن، وما أجمل ما كتبه بقلمه. وقد كنتُ مشغولاً ومأنوساً بكتابه “أحكام الخلل” لمدة 20 عاماً، والذي يحوي 16 قاعدة فقهية.

وتابع آية الله خاتمي: القمة الثانية هي قمة علم الأصول، حيث لُقّب بمُجدّد الأصول، وهذا لقب صحيح. كان المرحوم الشيخ جواد التبريزي يقول: “أصول المرحوم النائيني هي جدار بجوار الفقه”، أي أنه يطرح مسائل ذات تطبيق فقهي مباشر.

واستطرد هذا العضو في فقهاء مجلس صيانة الدستور قائلاً: القمة الثالثة التي كان المرحوم العلامة النائيني يقف على ذروتها هي قمة المعنوية. ينقل المرحوم آية الله بهجت أنه تشرف يوماً إلى كربلاء ولم يكن يعرف إمام جماعة الحرم الحسيني، فسأل عنه الآخرين، فقالوا: إنه العلامة النائيني. حينها رأيته يسمو جداً في صلاته، ويبكي ويرتجف.

وذكر خطيب جمعة طهران المؤقت أن: المرحوم العلامة النائيني كان كثير اللقاء والتباحث والمؤانسة في النجف بمنزل الملا حسين قلي الهمداني، الذي هو أستاذ العرفاء المتأخرين، حتى أن الملا حسين قلي الهمداني جعل العلامة النائيني وصياً له.

واعتبر آية الله خاتمي أن القمة الرابعة في إنجازات العلامة النائيني الراحل هي تربيته للطلاب. وقال: المهم في الأمر هو أن درسه لم يكن متاحاً للمبتدئين أو حتى الطلاب متوسطي السطح، بل كان مخصصاً للكبار والعلماء البارزين الذين كانوا يترددون عليه. لهذا السبب يُعرف بأنه معلم المراجع. ومن بين هؤلاء الأكابر الذين تتلمذوا على يد العلامة النائيني: المرحومون الآيات العظام: الخوئي، والميلاني، والميرزا مهدي الأصفهاني.

وأشار إلى أن القمة الخامسة هي قمة السياسة، مضيفاً: المرحوم العلامة النائيني كان صاحب مدرسة سياسية، أولاً لأنه كان محشوراً بالسيد جمال الدين الأسدآبادي منذ أصفهان، وكان الميرزا الشيرازي كلما دخل سامراء يقيم في حجرة المرحوم النائيني، أي أن التوافق بدأ منذ ذلك الوقت.

ثم أشار إلى الحضور الفعال للعلامة النائيني في النهضات السياسية المختلفة، وقال: إجمالاً، لعب دور المستشار النشط وحضر بفعالية في أربع نهضات؛ الأولى في نهضة التنباكو حيث كان بجوار الميرزا الشيرازي. الثانية في نهضة المشروطية (الدستور) حيث كان مستشاراً للمرحوم الآخوند، وكان المرحوم النائيني يكتب البيانات السياسية لتلك الفترة. النهضة الثالثة كانت في الجهاد ضد الأجانب حيث كان بجوار المرحوم عبدالله المازندراني، وفي النهضة الإسلامية في العراق كان مُساهماً مع السيد أبي الحسن الأصفهاني.

وبين آية الله السيد أحمد خاتمي أن المرحوم النائيني كان يعتقد بامتزاج الدين بالسياسة، فقال: لقد أظهر هذا الاعتقاد ببيانه وقلمه وعمله. ففي بيانه طرح بحث ولاية الفقيه، ومن جهة قلمه فكتابه “تنبيه الأمة وتنزيه الملة” هو شاهده الذي بقي مهجوراً، أما من جهة عمله، فأكتفي بنقل جملة عن الشهيد المطهري الذي كان يقول: “لم يقم أحد بتحليل عميق لـ”توحيد الإسلام الاجتماعي” مثل العلامة النائيني، مقروناً بشواهد متقنة من القرآن ونهج البلاغة في كتاب تنبيه الأمة”.

وفيما يتعلق بروحه المناهضة للاستبداد، أشار خطيب جمعة طهران المؤقت إلى أن: الحقيقة هي أن العلامة النائيني كان يسعى لمكافحة الاستبداد القاجاري، ومقارعة الظلم، وإرساء العدالة، ولهذا السبب أيضاً اغتيل في الليلة التي كان من المقرر أن يسافر فيها إلى إيران.

وفي إشارة إلى كتاب «تنبيه الأمة وتنزيه الملة»، بيّن الأستاذ خاتمي: نفى بعض العلماء أنه جمع هذا الكتاب بمفرده، بينما الحقيقة مختلفة، فقد كان وحيداً في جمعه لهذا الكتاب، لأن العديد من علماء عصره شهدوا على ذلك.

وأضاف: المرحوم النائيني بسحبه لهذا الكتاب أراد أن يعلن أن المشروطية التي كنا نريدها لم تكن هكذا. أراد أن يعترض على إعدام الشيخ فضل الله نوري. إن محتوى الكتاب قيّم للغاية وجذاب للناظر، حتى أن المرحوم الشهيد المطهري أعرب في موضع أنه كان يود لو أتيحت له الفرصة لشرح هذا الكتاب، كما شرح “أصول فلسفة”، وقول قائد الثورة المعظم بشأن بقاء هذا الكتاب مهجوراً هو حقيقة لا يمكن إنكارها.

العدالة محور فكر النائيني في مواجهة الاستبداد

كان هدف هذا العالم الرباني ليس تحقيق الحرية بأي ثمن، بل إرساء «العدالة» ومقارعة «الظلم»، وكان ينظر إلى المشروطية أساساً كأداة لتهذيب المجتمع وتقليل الظلم الواقع على الناس. إن مقارعة الاستبداد لدى النائيني لم تقتصر قط على مجرد تغيير السلاطين أو تبديل سطحي للسلطة، بل كانت متجذرة في فهم ديني وقرآني للعدالة. وكما صرّح قائد الثورة المعظم، فرغم أن كلمة “المشروطة” وافدة، إلا أن النائيني كان يفسرها حصراً تحت مظلة العدالة الإلهية. وبالاعتماد على هذه الدوافع المناهضة للظلم، أصبح النائيني ضحية لطاغوت عصره في نضاله الفكري، مبيّناً أن غايته كانت أسمى من مجرد تحول سياسي عابر.

وعندما بيّن المرحوم الآخوند الخراساني أهداف النهضة، قال السيد كاظم اليزدي بصدق: “إنها كلمات جميلة لكنها لن تتحقق”، وهذه الجملة تكشف عن مدى تعقيد مسار الإصلاح الديني في تلك الحقبة.

كما طلب البعض في النجف، بناءً على تصورات خاطئة، من النائيني إيقاف نشر كتابه، لكن الحقيقة هي أنه أراد بهذا الإجراء أن يصرخ بأن ما تمخضت عنه “المشروطية” كان انحرافاً عن الهدف الأصلي الذي ينادي بالعدالة. وكما نقل المرحوم السيد محسن الأمين العاملي صاحب كتاب «معارف الرجال»، فإن النائيني راعى في هذا القرار سياسة وتدبيراً إلهياً للحفاظ على حقيقة التشيّع السياسي.

ومن منظور النائيني، فإن مكافحة الظلم تستند إلى أصل قرآني وحديثي، وفصلها عن المعارف الدينية أمر لا معنى له. وقد أكد المرحوم النائيني بجمعه المؤقت لكتابه أن هدف علماء الدين لم يكن أبداً التضحية بالشيخ فضل الله أو الوقوف في وجه المرجعية، بل كان الهدف هو صيانة القيم الإلهية في حقلَي الحكم والمجتمع.

اكتمل كتاب «تنبيه الأمة» وطُبع لأول مرة في بغداد عام 1327 هجري قمري، وفي التوقيت نفسه، استُشهد الشيخ فضل الله النوري في طهران في الثالث عشر من رجب، وهذا التزامن التاريخي يشير إلى عمق الارتباط بين الفكر والتضحية في تلك المرحلة.

وقد صرح قائد الثورة المعظم بأن فكر النائيني “زرع بذور الحكومة الإسلامية في عمق تاريخ التشيّع”. واعتبر الإمام الراحل العظيم هذا الفكر “مُتمّم كتاب تنبيه الأمة”، وعرّف ولاية الفقيه بأنها امتداد لـ “خط التنوير” ذاته، والذي تحول اليوم إلى شجرة طيبة في ظل زعامة آية الله الإمام الخامنئي.

وأكد عضو مجلس خبراء القيادة أن: الحوزة العلمية في مشهد سبقت الحوزة العلمية في قم في مجال مكافحة الاستبداد. والدليل على ذلك ما حدث في عام 1314 هـ ش /1353 هـ ق، تلك الانتفاضة الكبرى ضد استبداد رضا خان من قبل المرحوم الميرزا حسين القمي، والتي أدت لاحقاً إلى نفيه. حيث تحصنوا في مسجد كوهرشاد احتجاجاً على قرار رضا خان كشف الحجاب.

واستطرد آية الله السيد أحمد خاتمي: إني لأعتقد جازماً أن الحوزة العلمية في خراسان هي طلائع الثورة، إذ تفردت بتربية شخصيات فذّة مثل قائد الثورة المعظم. وهو الرجل الذي يصفه الغرب اليوم بأنه أكثر القادة حكمةً وبعد نظر على الصعيد العالمي. ولقد شاهدنا جميعاً في وقائع الحرب الأخيرة التي دامت اثني عشر يوماً، كم تجلّى هذا القائد العظيم بمهارة فائقة، مما أجبر الكيان الصهيوني على الإذعان ورفع يد التسليم. والحمد لله، إن الحوزات العلمية لا تزال، كما عهدناها، تسير على خطى الثورة، وإن هذه الثورة أمانة إلهية بين أيدينا.

حجة الإسلام والمسلمين درايتي: النائيني أحدث ‘قفزة نوعية’ في علم الأصول

في سياق المؤتمر، أشار حجة الإسلام والمسلمين حميد درايتي، أستاذ السطوح العالية ودرس البحث الخارج في حوزة خراسان العلمية، إلى الأبعاد الشخصية للعلامة النائيني الراحل، واصفاً إياه بـ “الشخصية المنظّرة”. وصرح بأن: “المرحوم العلامة النائيني كان من جملة الأشخاص الذين لم يقتصروا على المساعدة في تطور العلم فحسب، بل أدى دوراً محورياً في إحداث قفزة نوعية فيه، فقد ابتكر آراء بديلة وهامة في علم الأصول، مما مكنه من حل بعض المشاكل العلمية.

وأضاف الأستاذ درايتي: الميزة الثانية للمرحوم النائيني هي أنه مؤسس مدرسة فكرية في علم الأصول. فقد أسس بالفعل المبادئ العلمية لهذه المدرسة الفكرية في المباحث التي يطرحها حول الحسن والقبح وصولاً إلى المباحث التي يقدمها في الطلب والإرادة. لقد وضع العلامة النائيني أصولاً بحيث أن الآخرين، حتى لو قاموا بنقدها أو إتمامها، فإن ذلك كان بناءً على آرائه التي عولجت بعمق في المباني النظرية.

وتابع حجة الإسلام والمسلمين درايتي، موضحاً أن الانتظام يلعب دوراً أساسياً في أي مدرسة فكرية، فقال: من خصائص النائيني الانسجام بين الآراء والنظريات، حيث كان يعي الدور الداخلي للتماسك في علم الأصول، ويدرك أن كل رأي ونظرية له في أي مسألة يجب أن يكون متسقاً وموازياً لآرائه في المسائل الأخرى. إن إدراكه لأسس هذا العلم جعل منه مؤسساً لمدرسة أصولية.

واختتم أستاذ السطوح العالية والبحث الخارج في حوزة خراسان العلمية حديثه قائلا: كان العلامة النائيني حقاً من أكثر العلماء منهجية، حيث كان يحل المسائل بمنهجية واضحة ومحددة. لقد كان مؤسس مدرسة فكرية أصولية. ومن السمات البارزة الأخرى هي محاولاته الجادة لتطبيق القواعد الأصولية واستثمارها عملياً في المسائل الفقهية، وهذا جليٌّ تماماً في مبادئ النائيني الأصولية.

نقطة جوهرية في مباني النائيني الفكرية:

من الأمور التي أصرّ عليها المرحوم النائيني هي أن حقيقة الحكم، وإن كانت اعتباراً (بالمعنى الأصولي)، إلا أن هذا الاعتبار ليس منقطعاً عن الواقع بأي شكل من الأشكال. ويُعثر على هذا الارتباط في ساحتين:

مقام الجعل (التشريع): فقد كشف النائيني عن علاقة تبعية الأحكام. حتى أنه يرى أن بحث اجتماع الضدّين في هذا العالم له معنى من حيث المبدأ.

عالم الفعلية والتطبيق: عرّف النائيني الفعلية بتحقق الموضوعات الخارجية. وبهذا الاعتبار، فقد شخصّ ببراعة العلاقة بين الاعتبار والواقع ودافع عنها في الأبعاد المختلفة من علم الأصول الخاص به.

وبالرغم من أن آراء المرحوم النائيني قابلة للنقد، إلا أنه فتح آفاقاً وساحات بديعة في علم الأصول، وقد جرت الانتقادات والاجتهادات اللاحقة بناءً على المباحث التي طرحها.

تفعيل القواعد الأصولية (تقعيد المرجعيات)

الميزة الثالثة الأساسية التي تميز بها المرحوم النائيني هي سعيه لـ تفعيل القواعد الأصولية وجعلها قابلة للاستعمال. فكان هناك قصور مُدرَك، عالجه النائيني، يتمثل في أن النتائج المستخلصة من المسائل الأصولية لم تكن دائماً هي نقطة الانطلاق العملي للفقيه.

أسباب هذا النقص:

كُلّيّة نتائج بعض القواعد الأصولية: في بعض القواعد الأصولية، تكون النتائج المتوصل إليها كُلّيّة جداً. والمقصود بالكُلّيّة هنا ليس شمول النتيجة، بل أن هذه النتيجة تحتوي على فروض (استثناءات أو تطبيقات مختلفة) قد تؤدي إلى نتائج متباينة بعد التأمل والتدقيق. ولهذه الكُلّيّة، لا يمكن الاستفادة من القاعدة الأصولية في الاستنباط الفقهي.

إبهام القواعد: في بعض الأحيان، تتسم بعض القواعد الأصولية بالإبهام، وتحتاج إلى بحث علمي ووضع معيار، ليتسنى بعد ذلك الاستفادة منها في الاستنباط الفقهي.

يُعدّ المرحوم النائيني من الشخصيات التي بذلت جهداً مُحكماً في هذه التطبيقنة للمباحث والقواعد الأصولية، وفي الاستفادة منها في المباحث الفقهية، على الرغم من أن هذا الجهد لا يمكن ملاحظته في جميع موارد أصوله.

مثال: استصحاب العدم الأزلي

النتيجة الكلية للأصوليين: إذا كان «العدم» المأخوذ عدماً محمولياً، فإن الاستصحاب جائز؛ أما إذا كان عدماً نعتياً، فلا يجوز استصحاب العدم الأزلي.

نقطة الإبهام: لم يتطرق الأصوليون بعد ذلك إلى مسألة معيار التمييز بين العدم المحمولي والعدم النعتي؛ أي أن المسألة انتهت عند هذه الكلية.

جهود النائيني لوضع المعيار: سعى المرحوم النائيني إلى تقديم معيار لتحديد متى يكون العدم محمولياً ومتى يكون نعتياً، لئلا تُترك المسألة للعموم والكُلّيّة.

معيار النائيني: يقول: كلما كان هناك عَرَض ومحَلّه (موضوعه)، فإن ذلك العرض له وجود نعتي، وعدم ذلك العرض هو أيضاً عدم نعتي. أما إذا كان هناك عَرَضَان لمَحَلَّين مختلفين، فإن هذا العدم هو حتماً عدم محمولِي؛ كما أن العدم يكون محموليّاً إذا كانا جوهرَين.

وبصرف النظر عن شمولية أو دقة هذا المعيار (الذي شكك فيه حتى المرحوم السيد الخوئي)، فإن عملية وضع المعيار هذه هي جهد بذله المرحوم النائيني في مجالات مختلفة من القواعد الأصولية لـ دفع القاعدة من الإبهام أو الكلية إلى طور العمليات التطبيقية.

تأثير وضع المعيار: إن فتح هذه الساحة والميدان من قبل المرحوم النائيني، بهدف توضيح القاعدة وإخراجها من الكلية والإبهام، قد دفع كبار العلماء الآخرين إلى الدخول في هذا المجال تبعاً له. فمثلاً، دخل المرحوم السيد الخوئي في النقاش بعده واقترح معياراً آخر (مثل: إذا كانت القضية معدولة فالعدم نعتي، وإذا كانت مُحَصَّلة فيمكن أن يكون العدم محموليّاً).

وأكد الأستاذ درايتي في ختام حديثه أن المرحوم النائيني في مباحثه الأصولية كان يسعى لتقديم معايير كمّية للتمكن من استخدام القواعد بشكل صحيح في الاستنباط الفقهي.

ضرورة إعادة قراءة فكر العلامة النائيني في سياق العصر الحديث

الأستاذ أبو القاسم عليدوست:

بدأ التخطيط لعقد هذا المؤتمر القيّم قبل خمس سنوات، وتمخض عن ذلك تشكيل خمس لجان رئيسية شملت مجالات الفقه والأصول، والفكر السياسي، والسيرة والتاريخ، وعلوم القرآن والحديث، والمباني العقائدية (الكلامية). ترأس كل لجنة نخبة من المتخصصين والوجوه البارزة في حقلها، وساهم مئات الأفراد، بشكل مباشر أو غير مباشر، في هذه العملية البحثية.

تمثلت حصيلة هذه الجهود في إعداد ما مجموعه سبعة وأربعون مجلداً، منها أربعون مجلداً موضوعياً متخصصاً، وخمسة مجلدات عبارة عن مجموعة بحوث (مقالات)، ومجلد واحد للخلاصة، ومجلد واحد للمدخل. وقد تم تأليف واختيار مائة بحث من أصل ثلاثمائة بحث قُدمت للأمانة. هذه المجموعات نُشرت رسمياً الآن في خمسة مجلدات وهي متاحة للباحثين.

لقد عملت الشخصيات البارزة ليلاً ونهاراً لتحقيق الأهداف العلمية لهذا المؤتمر، ومن الواجب ذكرهم بالاحترام والتقدير.

لو كان النائيني حاضراً اليوم…

لقد ارتأينا منذ البداية أن نُقدم النائيني كما كان، دون أي تصنيف انتقائي أو إعادة تشكيل، لكي تُوضع مدوناته وآثاره تحت تصرّف المجتمع العلمي بنصها الأصلي، بعيداً عن أي تعديل أو تفسير إعلامي.

تُشدد أعماله من جهة على أصالة الفقه والتقليد الشيعي في الحقل السياسي، وهو ما يجد صداه جلياً في بيانات قائد الثورة المعظم، ومن جهة أخرى، تُعارض بشدة كافة أشكال الاستبداد، بما في ذلك الاستبداد الديني والجمود الفكري.

أنا متفائل بأن الإدارة الحالية لحوزة خراسان قادرة على استحضار الميرزا النائيني مائة عام إلى الأمام، وطرح أفكاره في سياق الحوار حول الأطروحات المعاصرة. لو كان النائيني حاضراً اليوم، لظل يؤكد على ركنين أساسيين: الحفاظ على أصالة الفقه ومراعاة متطلبات العصر.

أي تضاؤل لأي من هذين الأصلين يعرِّض المجتمع العلمي للإخلال، ذلك أن نظام الفقاهة الشيعية مرتكز على الانضباط الفقهي، ويجب عدم التنصل، تحت أي ذريعة، من المناهج المتينة للفقاهة الجواهرية.

الفقه التقليدي لا يعني الجمود. بل في آثار الفقهاء العظام، كالشيخ الطوسي، والشيخ المفيد، والعلامة الحلّي، والمحقق الثاني، والشهيد الأول، والنائيني وغيرهم، يُرى اجتماع الأصالة والعمق والتجديد الفكري.

المرحوم النائيني، بخلاف بعض معاصريه الذين اكتفوا بالاشتغال على ظاهر البحث فحسب، قد أدرك مغزى وعمق هذه القاعدة، بل وأجرى أصل العقلانية حتى في المستحبات.

إن دفاعه عن العقلانية الشرعية والفقهية يُبرهن على تأكيده على الأصالة والمعاصرة متلازمتين

نطاق الفقه والشريعة في فكر النائيني

من منظور هذا الفقيه ذي النظرة الثاقبة، يجب الفصل بين ساحة ومجال التشريع والتنفيذ، وأن يضطلع مجلس الشورى الإسلامي بدور في التخطيط الكلي بدلاً من إصدار الأحكام.

هذه النظرة متجذرة في مساعي النائيني لتعريف دقيق لمكانة الفقاهة، والاجتهاد، والعقلانية في النظام الاجتماعي، وقد حان الأوان لكي تطرح الحوزات العلمية، ولا سيما حوزة خراسان، هذه المباحث بصورة حيوية ومُعاصِرة.

توصية بتفعيل الفكر النائيني

إذا أرادت الحوزة العلمية أن تبقى نامية، فيجب عليها أن تدرك الميرزا النائيني الحاضر، وأن تستصحبه وتأتي به إلى سياق القرن الخامس عشر، وأن تُحوّل فكره الحي إلى موضوع حوار على مستوى الفقاهة المعاصرة.

أقترح أن يتم إيلاء كتاب “تنبيه الأمة وتنزيه الملة” اهتماماً جاداً في الحوزة العلمية بخراسان ضمن قالب ومنهج درس البحث الخارج، حتى يتسنى لهذا الإرث الفكري أن يكون حاضراً بفعالية في مباحث الفقه السياسي المعاصر.

إن اختيار حوزة مشهد العلمية للاضطلاع بهذا المشروع يمكن أن يشكل نقطة انطلاق قوية في الحركة العلمية للحوزات، شريطة أن تُعهد إدارة وتدريس مثل هذا الدرس إلى أساتذة لديهم وعي عميق بـخطاب الفقه السياسي والمباحث الحديثة.

الحاجة إلى تجديد فكر النائيني في ضوء المعاصرة

إننا اليوم بأمس الحاجة إلى أن نقوم، إلى جانب تَبْجِيل مكانة آية الله النائيني في قِمَم الفقه والفكر السياسي، بإعادة بناء تفكيره في مجال المسائل المعاصرة، وأن نرى أي منهج كان سيتخذه النائيني لو كان حاضراً في ظروف اليوم.

التغطية الإخبارية للمؤتمر:

جدير بالذكر، أنه في هذه المراسم، ألقى حجة الإسلام والمسلمين حسيني كوهساري، معاون الشؤون الدولية في الحوزات العلمية؛ وحجة الإسلام والمسلمين السيد نَبأ الحمامي، ممثل هيئة العتبة العلوية؛ وحجة الإسلام والمسلمين محمد حسن رباني البيرجندي، كلمات باللغة العربية تطرقوا فيها إلى نقاط حول المؤتمر وفكر المحقق النائيني.

وفي ختام المؤتمر، وبحضور الأساتذة الحاضرين، تم إزاحة الستار عن بعض مُؤلفات المؤتمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *