خاص الاجتهاد: يساهم علماء الحوزة العلمية في أنظمة وصياغة القوانين وتطبيقها وفق المنهج الإسلامي، ويتجلى ذلك جلياً في دور الفقهاء في مجلس صيانة الدستور. كما أن علماء الحوزة العلمية هم من وضعوا الأسس لبناء النظام الجمهوري الإسلامي، والذي تجسد في صياغة الدستور الإيراني./ بقلم: محمد ولیان بور
وبمناسبة ذكرى إقرار الدستور الإيراني في شهر آذر عام 1358ش / نوفمبر 1979، نلقي نظرة سريعة على دور علماء الحوزة العلمية في خراسان في صياغة الدستور.
بعد من مشاركة شعبية واسعة في الاستفتاء و الموافقة القاطعة على النظام الجمهوري الإسلامي، حان دور تحديد شكل وهيكل هذا النظام الجديد. قبل عدة أشهر من الثورة، وبينما كانت بوادر النصر تلوح في الأفق، بدأ بعض الفقهاء والحقوقيين الثوريين، بتوجيه من الإمام الخميني (قدس سره)، بوضع مسودات أولية للدستور المستقبلي، والتي كان من الممكن عرضها على الاستفتاء الشعبي. إلا أن النظام الشعبي فضل أن يتم التصويت على مسودة الدستور من قبل ممثلي الشعب، ثم عرضها على الاستفتاء.
ولم يمضِ سوى ثلاثة أشهر على الاستفتاء على النظام الجمهوري الإسلامي حتى توجه الشعب إلى صناديق الاقتراع لاختيار خبراء الدستور.
رغم عدم اشتراط الاجتهاد والفقاهة في ترشح انتخابات مجلس خبراء الدستور، على عكس انتخابات مجلس خبراء القيادة، حيث ترشح أقليات دينية وحتى بعض قادة الجماعات الانفصالية، إلا أن عامة الشعب وضع ثقته في علماء الحوزة العلمية.
ومن بين 73 منتخبًا شعبيًا في مجلس خبراء الدستور، كان 58 منهم حاصلين على دراسات حوزوية، منهم 41 مجتهدًا، و12 في مستوى البحث الخارج في الفقه والأصول، والباقون في سطوح دراسية أخرى في الحوزة العلمية.
لقد رسخ دور العلماء ورجال الدين الريادي في الثورة الإسلامية مكانة الخبرة وبناء النظام للحوزة العلمية، ففضل الشعب أن يتولى رجال الدين مهمة بناء هيكل الجمهورية الإسلامية.
وكان لعلماء وطلاب حوزة خراسان العلمية دور فعال ومؤثر في صياغة ومراجعة الدستور. فقد انتخبوا ممثلين عن عدة محافظات أخرى بالإضافة إلى خراسان ليكونوا أعضاء في مجلس خبراء الدستور. ومن الأمثلة على ذلك الشهيد السيد عبد الكريم هاشمي نجاد الذي انتخبه أهالي محافظته مازندران، وآية الله خزعلي الذي انتخبه أهالي محافظة سمنان. وكان الأخير أيضًا عضوًا في لجنة تعديل ومراجعة الدستور التي شكلها الإمام الخميني (قدس سره) عام 1989م بهدف معالجة أوجه القصور في الدستور، وقد أقرت نتائج أعمال هذه اللجنة في استفتاء شعبي في نفس العام.
أما أكبر حضور للروحانيين ورجال الدين من حوزة مشهد العلمية فكان من خلال تمثيلهم لخمسة من أصل سبعة مقاعد مخصصة لمحافظة خراسان، وكان معظم المنتخبين من كبار العلماء والمدرسين في حوزة مشهد العلمية مثل آية الله ميرزا جواد آقا الطهراني، وآية الله الشيخ أبو الحسن الشيرازي، وآية الله الشيخ علي فلسفي، وآية الله السيد محمد الخامنئي، والشيخ علي الطهراني.
لتدارس مسودة الدستور، شكل مجلس خبراء الدستور سبع لجان عمل: لجنة المبادئ العامة وأهداف الدستور، ولجنة الدين والتاريخ واللغة والخط والعلم، ولجنة السيادة الوطنية والمجالس، ولجنة حقوق الشعب والرقابة العامة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، ولجنة السلطة التشريعية، ولجنة السلطة التنفيذية، ولجنة السلطة القضائية، ولجنة الشؤون الاقتصادية والمالية.
وقد شارك الشهيد هاشمي نجاد وآية الله أبو الحسن الشيرازي وآية الله خزعلي في لجنة السلطة التشريعية، وشارك آية الله الشيخ علي فلسفي وآية الله السيد محمد الخامنئي في لجنة السلطة القضائية، كما شارك آية الله ميرزا جواد آقا الطهراني في لجنة السلطة التنفيذية، والشيخ علي الطهراني في لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية.
في لجنة السلطة التشريعية، قام ثلاثة من علماء الحوزة العلمية في خراسان، إلى جانب شخصيات بارزة مثل آية الله موسوي الأردبيلي وآية الله اليزدي، بدراسة المبادئ من 48 إلى 73 والمبدأ 148 من مسودة الدستور.
كما قامت لجنة السلطة القضائية، والتي ضمت اثنين من علماء حوزة خراسان العلمية، إلى جانب شخصيات مثل آية الله طاهري خرم آبادي، بدراسة المبادئ من 126 إلى 147 من مسودة الدستور.
أما آية الله ميرزا جواد آقا الطهراني، المعروف باسم ميرزا جواد حاجي ترخاني، فقد شارك في لجنة السلطة التنفيذية إلى جانب شخصيات مثل آية الله طالقاني، ودرس المبادئ من 75 إلى 113 و 121 إلى 125 والمبدأ 146، بينما شارك الشيخ علي الطهراني في لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية، إلى جانب شخصية مثل السيد منير الدين هاشمي، ودرس المبادئ من 114 إلى 120 من المسودة.
كان حضور الشهيد هاشمي نجاد في مجلس خبراء الدستور وكلماته الرعدية مؤثرًا وحاسمًا، حيث قال: “إننا هنا نعقد محكمة لا تصدر حكما بإعدام فرد، بل تصدر حكما بإعدام نظام الطاغوت… ولا نعتبر ثورتنا مثمرة إلا إذا دمرنا كل النظم الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلاقات التي كانت سائدة في النظام السابق، وبنينا نظامًا جديدًا كليًا، وهذا هو دورنا في هذا المجلس”.
وكان الشهيد هاشمي نجاد يذكر الخبراء بأهمية قراراتهم، قائلًا: “مستقبل الثورة واستمرارها مرتبط بما نقرره هنا”. كما كان يؤمن بضرورة التعمق في فهم الأحكام الإسلامية وعدم الاكتفاء بالنظر السطحي إليها، بل يجب أن نستند في تصميم العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى فهم عميق للإسلام، وأن نصّ على هذه العلاقات في قوانيننا: “إن مجرد القول بأننا نريد تطبيق الإسلام لا يكفي… هناك مسائل أساسية في الإسلام، مثل تمكين الطبقة المستضعفة وحاكميتها.”
وفي الوقت نفسه، دلّت نظرة الشهيد هاشمي نجاد الواقعية والعقلانية في صياغة الدستور على نضجه السياسي، حيث قال: “لا يمكننا أن نكتب قوانين على أساس أن الحكومة المستقبلية ستكون إسلامية ١٠٠٪ وعادلة تمامًا، ولا يمكننا أيضًا أن نكتب قوانين على أساس أن الحكومة المستقبلية ستكون فاسدة وستتجاوز جميع القوانين. يجب أن نعتمد على نهج معقول.
كان آية الله السيد محمد الخامنئي، الشقيق الأكبر لسماحة السيد القائد، من علماء خراسان المشاركين في مجلس خبراء الدستور. وبالإضافة إلى تخصصه في العلوم الإسلامية، كان يتمتع بخبرة علمية وعملية في مجال القانون، مما كان له أثر كبير في صياغة الدستور الإيراني.
ولم يقتصر نشاطه في هذا المجال على فترة ما بعد الثورة، بل يعود إلى ما قبلها، حيث كان يعمل مع مجموعة من الحقوقيين الثوريين على صياغة مسودة للدستور المستقبلي.
وقد ساهمت الخبرة القانونية والتشريعية للسيد محمد الخامنئي بشكل كبير في توضيح نصوص الدستور الإيراني. والجدير بالذكر أن رؤيته القانونية والتشريعية كانت مبنية على الأسس الإسلامية، على عكس معظم الحقوقيين في ذلك الوقت، وكان حريصًا على الدقة في المفاهيم والمصطلحات القانونية، وعارض استخدام المصطلحات الأجنبية في صياغة الدستور الإيراني، قائلًا: “أنا لا أؤمن بالكلمات الرنانة التي ورثناها عن الغرب، والتي تستخدم في قوانيننا إما بصورة صريحة أو ضمنية، فهي مصطلحات صيغت للمجتمعات الأوروبية، ثم قدمت إلينا على أنها أفكار تقدمية! مثل كلمة “ديمقراطية” التي لها أصول يونانية. مجتمعنا مجتمع إسلامي إيراني، ويجب أن نستمد قيمنا من الإسلام وأن نعود إلى أصولنا.”
ولقد لعب هذا النائب عن مدينة مشهد دورًا حاسمًا في إقرار مبدأ ولاية الفقيه، حيث قال: “إننا نؤمن بأن الحاكمية لله، وأن الحكم من الله، وأن الله هو الذي أسند هذه الحاكمية إلى الإنسان. ولهذا السبب، فإن الشعب ينتخبنا، أو ينتخب من يفوضهم الإمام أو الله تعالى، لتمثيل ولاية الفقيه التي هي ولاية عامة، وأن يكونوا القوة المنفذة للأوامر الإلهية.
المصدر: صحيفة قدس الايرانية بالفارسية