خاص الاجتهاد: انطلقت أولى جلسات سلسلة الندوات العلمية التثقيفية حول التقاليد والسنن الفعالة الحوزية، والتي قدمها عضو الهيئة العلمية بالمعهد العالی للعلوم والثقافة الإسلامیة الدكتور محمود حکمتنیا، وذلك في مؤسسة “كلامنا” العلمية والبحثية. وقد حضر الندوة نخبة من الباحثين والأساتذة المتخصصين في هذا المجال.
وفقاً للاجتهاد: أكد الأستاذ حکمتنیا على أهمية التراث الثقافي الأصيل للحوزات العلمية، واصفاً إياه بأنه الذاكرة الجماعية لهذه المؤسسات الدينية العريقة التي يمكن تطويرها وتعزيزها، وقال: ينبغي أن نتأمل بعمق في الآثار التي ورثناها عن الأسلاف، والتي نحن اليوم أمناء عليها، وأن نسعى إلى فهمها وتقديرها، مع الحرص على حمايتها وصيانتها. وعلاوة على ذلك، يتوجب علينا أن نعمل على إحياء هذه الآثار وتطويرها من خلال طرح أفكار مبتكرة وإبداع أعمال فنية جديدة، مع الحفاظ على الهيكل الأساسي لهذه الأعمال مع إدخال لمسات شخصية تميزها عن أعمال أسلافنا.
أكد عضو هيئة التدريس بمعهد الثقافة والفكر الإسلامي أن التراث المادي والمعنوي الذي ورثناه عن أسلافنا هو ثمرة جهود متواصلة، ونتاج مهارات وإبداعات وابتكارات، فضلاً عن التفاعلات الاجتماعية والثقافية التي مروا بها
أوضح الأستاذ الجامعي أن مصطلح ‘السنن الفعالة’ مستمد من نظرية الخطاب في الفلسفة، مشيراً إلى أن هذا المصطلح يعني تقديم الماضي للاستفادة منه في المستقبل. وأضاف أننا نخوض حواراً مستمراً ضمن إطار خطابي، وأن هذا الخطاب هو نتاج تفاعلات معرفية حكيمة تصل في النهاية إلى نقطة توافق.
ضرورة إعادة صياغة النظام المعرفي والبحثي في الحوزة العلمية
وأضاف قائلاً: يجب علينا أن نعكس صورة واضحة في عملية بناء النظام المعرفي والبحثي في الحوزة العلمية. فهذا النظام قيد الإنشاء. فعندما تُجمع هذه الأنظمة وتُعرض على الناس، فإنها تساهم في بناء الهوية.
وقال معاون البحث العلمي في المعهد العالی للعلوم والثقافة الإسلامیة، معلّقاً على أهمية الحفاظ على التقاليد والسنن الأصيلة للحوزة العلمية: إذا كنتم تعتقدون بأن إنتاج المعرفة قيمة، فعليكم أن تحافظوا على الطرق التي تكوّنت عبر الزمن الطويل من التجربة والتعديل والتحسين لإنتاج المعرفة، وأن يعمل على حفظها وإحيائها ونشرها. لذلك، فإن الحفاظ على هذه التقاليد ودعمها أمرٌ ذو قيمة ويستحق الثناء، كما أنه يؤدي إلى خلق تيار فكري وخطابي في الأوساط العلمية.
وأضاف حکمتنیا حول أهمية بناء الخطاب قائلاً: عندما يبدأ الحوار، تتطور المعرفة، وبالتوازي تتشكل الثقافة على نفس الأساس، كما سيكون لذلك الأثر الإيجابي على الجانب المعرفي في الحوزات العلمية.
وقال عضو الهيئة العلمية في المعهد العالی للعلوم والثقافة الإسلامیة، معلقاً على تأثير بناء الحوار:
عندما يرى الطلاب المسار التاريخي العلمي والبحثي للحوزات العلمية وعظمائها، لا شك أنهم سيدركون هويتهم. فعلى سبيل المثال، يفهم الطلاب أننا كطلاب لدينا شكل تاريخي خاص، يمكن أن يشمل نوع التعليم والبحث والنظرة والتواصل الاجتماعي والجلوس والسلوك، وكل ذلك يساهم في بناء الهوية.
وختم حديثه قائلاً: هذه الهوية ليست شخصية حقيقية ولا شخصية اعتبارية، بل هي أمر يكتسب أهمية خاصة، ويجب الحفاظ على هذه التقاليد والسنن جنباً إلى جنب مع استخدام الأدوات التعليمية والبحثية الحديثة.
دراسة أهمية و ضرورة التقاليد والسنن الفعالة في الحوزة العلمية وكيفية إحيائها ونشرها
وقال حجة الإسلام والمسلمين الشيخ مهدي عصمتي، المعاون البحثي لفريق عمل التقاليد والسنن الفعالة في الحوزة العلمية، في بداية هذا الاجتماع مرحباً: إن دراسة التقاليد والسنن الخاصة بالحوزات العلمية وكيفية الحياة العلمية والعملية والفردية والاجتماعية للعلماء الحوزويين هي من القضايا التي لم تحظَ بالاهتمام والتحليل الكافيين.
وأشار إلى التقاليد التي اعتاد الطلاب عليها منذ دخولهم الحوزة العلمية، وقاموا بتنظيم حياتهم وفقاً لها، قائلاً: مع تغير وتطور أحوال المجتمع وسرعة التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، تعرضت بعض تقاليد الحوزة العلمية للتغيير. وإذا لم تخضع هذه التقاليد للبحث وإعادة التشكيل والتكييف مع البيئة المحلية، فإن الهوية التاريخية للحوزة ستندثر تدريجياً.
وقال عصمتي مؤكدا على ضرورة إعادة قراءة وتفهم صحيح ومحدث للتقاليدو السنن الأصيلة للحوزة العلمية في عصرنا هذا، وأضاف: في هذا الإطار، قام فريق عمل التقاليدو السنن الفعالة، تأكيداً لتوجيهات قائد الثورة الإسلامية والمراجع العظام وكبار علماء الحوزة، بتنظيم المؤتمرات والندوات لترويج هذا الخطاب، ثم انتقل إلى مرحلة تحديد وتسجيل التقاليد الأصيلة للحوزة، حيث تم حتى الآن تحديد وتسجيل 350 تقليداً.
وقال المعاون البحثي لفريق عمل التقاليد والسنن الفعالة في الحوزة العلمية، بشأن إنتاج المحتوى مع تغير الظروف والاحتياجات ومتطلبات بعض التقاليد التي لم تعد قابلة للتطبيق بالشكل السابق، إن تنفيذ وتجذير هذه التقاليد يتطلب تكييفها وإضفاء الطابع المحلي عليها في الحوزة العلمية المعاصرة، الأمر الذي يتطلب إجراء البحوث.
وقال عصمتي: نظراً لتشتت المصادر وعدم إمكانية وصول الباحثين والمؤلفين إليها، وغياب مكتبة متخصصة غنية في مجال الحوزة ورجال الدين، فقد قررنا بالتشاور مع الأساتذة وكبار علماء الحوزة إنشاء مكتبة متخصصة في هذا المجال. ونتيجة لجهود دامت عامين، أنشأنا مكتبة “البساتين” المتخصصة، والتي تضم في مرحلتها الأولى خمسة آلاف كتاب و2240 مجلة و500 أطروحة، ومن المتوقع أن يصل العدد الإجمالي للمصادر في المرحلة الثانية إلى عشرة آلاف عنوان. وهذه المكتبة تعد فريدة من نوعها على مستوى البلاد، ويمكن لعشاق هذه الموضوعات الاستفادة منها.