كتابة التقرير في البحث الخارج

كتابة التقرير في البحث الخارج.. طرق مشهورة وأمور لابد من مراعاتها

الاجتهاد: كتابة دروس أساتذة البحث الخارج (التقريرات) من قبل الطلاب من الظواهر المشهورة في الحوزات العلمية، حتى عدّت مبدأً في حفظ الدروس، فقيل: ما كتب قرَّ، وما لم يُكتب فرَّ.

وهناك من يرى أنّ أوّل من استخدم هذه الطريقة هو السيد جواد العاملي ـ صاحب كتاب مفتاح الكرامة ـ والمتوفى عام 1226هـ، حيث قام بكتابة دروس أستاذه السيد بحر العلوم (1212 أو 1213هـ).

وتعدّ طريقة التقرير هامّة جداً بالنسبة للطالب في المراحل الأولى ـ بالحدّ الأدنى ـ من دراسته العليا؛ إذ تنمّي فيه قدرة البيان الفقهيّة والأصوليّة، وتنشّط ذاكرته وتمكّنه أكثر فأكثر من هضم المطالب الواردة في الدرس.

كما أنها مفيدة جداً للأستاذ عندما لا تتوفّر له الظروف لكتابته لأبحاثه ونشرها، ولهذا يعود الفضل في اشتهار ونجاح وقوّة مرجعيّة السيد الخوئي (1413هـ) إلى جملة من أفاضل طلابه الذين ساهموا في نشر فكره عبر عشرات المجلّدات التي احتوت تقريرات درسه. نعم، بعض الأساتذة يحبّ أن يكتب بحوثه بنفسه، وقد اشتهر بذلك المغفور لهما السيد محسن الحكيم (1390هـ) والشيخ جواد التبريزي (1427هـ).

وهناك عدّة طرق في كتابة الدروس، أو ما يعرف بظاهرة التقريرات، وهي:

الطريقة الأولى: أن يكتب الطالب تمام الدرس أثناء إلقاء الأستاذ، وهنا إذا كان الأستاذ بطيئاً في الكلام أمكن للطالب تغطية درس الأستاذ بأكمله عادةً فيكون أشبه بالشريط (الكاسيت) الذي يضبط كلّ ما يقوله الأستاذ. أما إذا كان الأستاذ سريعاً فإنه يصبح من العسير على الطالب تغطية كلّ ما يقوله الأستاذ، فيستعجل في الكتابة، وقد يوجب ذلك تشوّشاً في تدوين الدرس.

هذه الطريقة غير مجدية كثيراً رغم أنها الطريقة السائدة في الحوزات العلمية؛ لأنها:

أولاً: تحوّل الطالب إلى متلقٍّ يستعجل لكي يضبط ما يقوله الأستاذ.

ثانياً: إنها تقدّم لنا في الغالب نصّاً خطابياً عندما تنقل بيانات الأستاذ، وهذا النصّ الخطابي يجب أن نحوّله إلى نصّ كتابي لكي يصبح وثيقة مدوّنة.

ثالثاً: إنها توجب الاضطراب في العادة، لاسيما إذا كانت للأستاذ استدراكات على ما مضى.

ولعلّه من هنا ينقل عن الشيخ محمد الفاضل اللنكراني (1428هـ) الاعتقاد بعدم جدوائيّة هذه الطريقة، وكذلك هو رأي الشيخ بشير النجفي([40]).

الطريقة الثانية: أن يقوم الطالب في مجلس الدرس بتدوين أساسيات الأفكار ورؤوسها التي يطرحها الأستاذ، على شكل خلاصات مكثفة وموجزة، مما يسمح له بالوقت الكافي للتفكير فيما يقوله الأستاذ.

وهذه الطريقة أفضل من سابقتها، غير أنها لوحدها تفقد الطالب قدرة صياغة التقريرات والبحوث بشكل مدوّن قابل للنقل إلى الآخرين، مع أنّ هذا الأمر يظلّ حاجة ماسّة عندما لا يتوفر للأستاذ مجال نشر دراساته، فيقوم الطلاب بمساعدته في ذلك من خلال نشر تقريرات درسه، الأمر الذي لا تكفي معه مدوّنات الاختصار التي يكتبها الطالب أثناء الدرس.

نعم، هذه الطريقة تكفي لإجراء ما تقدّمت الإشارة إليه من مقارنات بين ما حقّقه الطالب من بحوث قبل الدرس وما ألقاه الأستاذ.

الطريقة الثالثة: أن يقوم الطالب بكتابة الدرس كاملاً بعد عودته إلى المنزل، وذلك من خلال طرق أربعة:

أ ـ الاعتماد على حفظه فقط، فيقوم بإعادة تشغيل شريط ذاكرته ليستذكر كلّ ما جاء في الدرس ثم يقوم بصياغته في منزله.

ولكنّ هذه الطريقة، التي سمعنا استخدامها من بعض تلامذة السيد الشهيد الصدر ممّن كتب تقريرات بحوثه الأصولية، تعاني من خطر كبير، وهو عدم الدقّة وفوات بعض الأفكار التي يمكن أن يكون قد أثارها الأستاذ وتحظى بأهميّة فائقة رغم كونها جزئية وتفصيلية. إلا إذا كان الطالب فائق الذكاء وعجيب الحافظة.

ب ­ـ الاعتماد على الخلاصات التي كتبها في الدرس، لتكون مثيراً لذاكرته في إعادة صياغة البحث صياغةً نهائية تدوينية.

وهذه الطريقة من أفضل الطرق التي تسمح للطالب بكسب وقته وإمكاناته في الدرس وبعده.

ج ­ـ الاعتماد على ما كتبه رفاق الدرس من خلاصات أو مدوّنات، ليعيد الطالب صياغتها، دون أن يكتب شيئاً بنفسه من البداية.

وهذه الطريقة غير سليمة من ناحية الأمانة ما لم يصرّح بالمصدر، لاسيما أيضاً عندما لا تكون تلك المدوّنات مضمونة الدقة والوضوح، كما أنّها تفقد الطالب قدرة ضبط أصول الأفكار في مجلس الدرس.

د ـ الاعتماد على وسائل ضبط الصوت التي تسمح بإعادة استماع الدرس مرةً أخرى لتكون كتابة التقرير في المنزل دون الدرس.

وهذه الطريقة، رغم أنها توفّر الدقة حيث يمكن التحكّم، لكنها توجب الخمول للذهن والذاكرة حيث تعوّدهما على الاستماع مرّتين للفكرة بغية هضمها وتدوينها، كما أنها تحوّل المتن المكتوب إلى أشبه بالنصّ الحرفي وإن أمكن تفادي المشكلة الأخيرة، كما أنها توجب تضييع الوقت بالاستماع مرّتين للدرس، وإن كانت جيّدة في المراحل الأولى حيث يشعر الطالب بصعوبة التقرير المباشر.

الطريقة الرابعة: أن يقوم الطالب بتدوين خلاصات الدرس في المنزل دون تدوين أيّ شيء في أثناء الدرس نفسه.

وقد اتضح حال هذه الطريقة ممّا أسلفناه في الطرق السابقة.

الطريقة الخامسة الجامعة: من هنا، فنحن نرجّح للطالب في السنة الأولى أن يستخدم الطريقة الأولى، مستعيناً بأدوات ضبط الصوت، ثم يعمد إلى اعتماد طريقة الخلاصات في الدرس والتدوين الكامل في البيت، ونرى أنّه يمكنه التحرّر من التقريرات نهائياً بعد تجربة أربع سنوات إذا أثبتت نجاحها، ليكون تفرّغه الرئيسي لمدوّنات نفسه وبحوثه.

 

هذا، ولابد في كتابة التقرير من الانتباه لبعض الأمور:

1 ـ تخريط البحث وتصميمه، حيث قد يتمكّن الطالب من هيكلة دراسة سنة كاملة هيكلة تقترب من النمط التدويني على شكل فصول ومباحث، لاسيما عندما يبتعد الأستاذ عن ذلك باعتماده على متن لا يفي بهذه الحال، مثل كثير من مواضع متن العروة الوثقى للسيد محمد كاظم اليزدي (1337هـ).

إنّ تخريط البحث وتصميم هيكلٍ جديد له يوسّع أفق الطالب وينظّم تفكيره ويخلق عنده قدرات إبداعية.

2 ـ التوثيق، فعلى الطالب أن يراجع المصادر حيث يحيل الأستاذ، فلو ذكر الأستاذ رأياً للميرزا النائيني (1355هـ) مثلاً، فعلى الطالب البحث للوصول إلى مظانّ هذا الرأي ومطالعته بنفسه، ليقارن بين فهمه لنصّ النائيني وفهم أستاذه، وقد تختلف النتائج وقيمة الإشكالات تبعاً لاختلاف فهم نظريات الآخرين. وهذا ما سوف يمرّن الطالب على الرجوع للكتب والمصادر والمراجع، وتوثيق مدوّناته وتقريراته في الهوامش بشكل دقيق.

3 ـ نقل بعض العبارات للفقهاء الآخرين حيث يحتاج الأمر، ولو لم يقم الأستاذ بذلك في أثناء الدرس، لكن بشرط عدم الإكثار من ذلك، وعدم كون العبارة المنقولة مطوّلة تبلغ عدّة صفحات.

4 ـ التصرّف في درس الأستاذ بالتقديم والتأخير حيث يحتاج الأمر؛ لاسيما عندما يقوم الأستاذ باستدراكات على مطالب قالها قبل أيّام.

5 ـ تحويل اللغة الخطابية للأستاذ إلى لغة كتابية، وهذه مسألة مهمّة جداً.

6 ـ تدوين الطالب تعليقاته النقدية أو إضافاته في هامش الكتاب ـ التقرير، شرط الإشارة إلى أنّها منه حتى لا يحدث خلط، كما حصل في بعض تقريرات دروس السيد محمّد باقر الصدر، على ما يُنقَل شفاهاً.

7 ـ يُنصح الطالب بتقديم تقريراته إلى أستاذه مرّةً كلّ عام في الحدّ الأدنى والاستفادة من ملاحظاته، أو تقديمها لمن يساعده ويرشده لأخطائه من أفاضل الطلاب والأساتذة، كما ينصح بأن لا يتردّد في نشرها عند موافقة الأستاذ.

8 ـ على الطالب، لو تقرّر نشر الكتاب ـ التقرير، أن يوفّر له مقدّمةً منه شخصياً، وكذلك فهرساً للموضوعات وآخر للمصادر في الحدّ الأدنى.

9 ـ استخدام أساليب الوضوح في العرض والبيان، والتنظيم في الانتقال من فكرة إلى فكرة، ووضع عناوين فرعيّة للبحوث تساعد على فهم ما في داخل الكتاب بطريقة سليمة ومعبّرة.

 

المصدر: قسم من مقالة بعنوان: الحوزة العلمية ومناهج الدراسات العليا – مطالعة عابرة في أساليب التعلّم والتعليم وقواعد الإدارة التعليمية للشيخ حيدر حب الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky