خاص الاجتهاد: في يوم الأحد 11 من شوال 1442 هـ انتقل إلى رحمة الله تعالى في مدينة النجف الأشرف سماحة السيد عبد الأمير الحكيم الذي وافته المنيّة بعد إصابته بفيروس كورونا. / بقلم فضيلة الدكتور هادي الأنصاري*
كان المغفور له من علماء الدين النشطين والفاعلين في الميادين الاجتماعية، وكان على الخصوص يعدّ موالياً حسينياً، وهو ينتمي إلى عائلة الحكيم الراقية والعريقة، وقد حاز المرحوم السيد عبد الأمير الحكيم على أسمى صفة وسمة ألا وهي خادم سيد الشهداء مولانا أبي عبد الله الحسين(ع) وذلك لأكثر من خمسين عاماً.
لقد كان من السبّاقين والرواد في الخمسين سنة الأخيرة في إقامة المواكب الحسينية، وكان يقدم خدماته المخلصة النقية في أيام عزاء الإمام الحسين(ع) في عاشوراء وبالخصوص في أيام الأربعين إلى زوار سيد الشهداء(ع) في موكبه الواقع في الطريق بين النجف وكربلاء.
وإنني مع كثير من أصدقائه ومحبيه لم ولن ننس وجهه الضاحك والمتواضع وهو يمضي سنوات من عمره في خدمة الزوار والحديث إليهم زوارٌ من مختلف البلدان ومختلف الجنسيات.
ومضافا إلى توفيق الخدمة، فقد التزم المرحوم ولمدة قاربت الثلاثة عقود بمهمة إمامة مسجد الكوفة؛ حيث كانت صفوف صلاته تشغل أحيانا أكثر من نصف مساحة مسجد الكوفة الواسع.
كما اتصف هذا السيد النبيل والعالم الجليل بالتواضع والبشاشة، وبحرصه على إقامة مائدة واسعة كريمة لزوار أهل البيت(ع) ومواليهم، واتذكر أنني كلمّا قابلت هذا الأخ العزيز كان يصرّ ويلحّ على دعوتي لزيارته في منزله.
الجميع يتذكر إلحاحه في دعوة الزوار إلى مائدته وموكبه في الطريق بين النجف وكربلاء في أيام الأربعين الحسيني، ويتذكرون شخصيته المفعمة بالتواضع والعطف والإخلاص.
لقاءاتي الكثيرة مع المرحوم السيد عبد الأمير الحكيم تركت في ذهني خواطر جميلة عن خصال هذه الشخصية الفذة؛ خواطر وذكريات لن تمح أبدا؛ سواء تلك اللقاءات التي كانت في مسجد الكوفة أو إلى جوار ضريح مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين(ع)، أو في المرقد العلوي الطاهر، أو في طريق مسيرة الأربعين، وفي العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية.
(في مسيرة الأربعين الحسيني في الطريق بين النجف وكربلاء مقابل موكبه)
ويمكن أن نصف المرحوم بانّه كان رمزا في العصر الراهن لمحبة سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين(ع) وللتضحية والإيثار في سبيله.
ويمكن أن نذكر من خصائص السيد المرحوم مائدته الكريمة المستمرة طوال العام، فقد كان يدعو ويستضيف أغلب الشخصيات الاجتماعية المشهورة وزوار المرقدين العلوي والحسيني في بيته البسيط.
ومن الخصائص الأخرى لهذه الشخصية العلمية والخدومة ولهذا الخادم الحسيني هو حضوره المتواضع والمخلص في المجالس الحسينية في النجف وكربلاء، فقد كان يحرص على المشاركة في برامج أكثر المواكب الحسينية التي كانت تقام في شارع زين العابدين(ع) وفي غيره من الشوارع المحيطة بالمدينة القديمة وكذا المشاركة في مجالس حسينيات أحياء المشراق، والحويش، والبراق، والعمارة وغيرها من أحياء وضواحي النجف، كما كان يحضر في مجالس عزاء موكب النجف الأشرف وغيره من المواكب المشهورة في النجف والتي مضى على تأسيسها بعضها أكثر من نصف قرن.
(في الأربعين الحسيني عام 1438 هـ مقابل موكب الحكيم في الطريق بين النجف وكربلاء)
لقد كان عالم دين مهيمٍ بحب الإمام الحسين (ع) وقد أثبت هذه المحبة وأظهرها للجميع قولا وفعلا في التعامل مع الناس في الحي والسوق والمسجد والحرم، وعبر المشاركة في إحياء أمر سيد الشهداء وفي المواكب الحسينية، ووفقا لما نقله هو فإنّه أدرك زيارة كربلاء في ليلة الجمعة لمدة نصف قرن.
ففي ليالي الجمعة وبعد إقامته صلاتي المغرب والعشاء في مسجد الكوفة كان يسارع إلى التوجه إلى كربلاء لزيارة مرقدي الحسين والعباس(ع).
وعندما كنت أتشرّف بزيارة العراق كنت كثيرا ما أصادف هذا الموالي الحسيني المخلص في ليالي الجمعة في الحرمين، وكان على الدوام يمنّ عليّ بفضله وكرمه، ولا ينفك في كلّ مكان وزمان يصرّ على دعوتي إلى منزله.
وفي ملاقاته لأي شخص أو أيّ مجموعة كان يسرد حديثا أو يذكر نصيحة أو آية شريفة من القرآن الكريم حول مقام الإمام الحسين(ع)، وكان يختم حديثه بدعوة محدثه إلى زيارة منزله، لقد كان من تلك الفئة من علماء الدين التي تبادر إلى التوجه إلى الناس ومخالطتهم، لقد كان بقوله وعمله زينا لمدرسة أهل البيت(ع).
وكان المغفور له يحرص على الاستفادة من كلّ فرصة سانحة وفي كلّ حركة يقوم بها لينصح الناس ويعظهم ويرشدهم بعبارات مؤثرة وبليغة ومفيدة، سواء كان ذلك أثناء حركته إلى محراب إمامة الصلاة، أو بعده أو في داخل مسجد الكوفة أو بجانب ضريح مسلم بن عقيل، أو في رواق ومرقد هاني بن عروة، وفي السيارة وفي الحي والسوق.
وأنا أتذكر في إحدى الليالي وبعد إقامة الصلاة في مسجد الكوفة؛ حيث كان يتجه دائما إلى زيارة مولانا مسلم بن عقيل(ع) وهاني بن عروة، أتذكر في تلك الليلة أنّي التقيت به في حرم مسلم بن عقيل(ع)، وبعد السلام والسؤال عن الأحوال، وقال لي: عندي سؤال لك، إذا قبضت روحي في هذه الليلة فهل ستقودني الملائكة إلى النار؟ أم ستسوقني إلى الجنة؟ ولم ينتظر جوابي بل تابع قائلا: القرآن الكريم أنبأنا بجواب هذا السؤال: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)
ومن ثمّ تحدث دقائق في هذا الصدد ليصل كلامه إلى حديث الرسول الأكرم(ص): (حسينٌ منّي وأنا من حسين).
وأضاف إنّ استمرارية الإسلام منوطة بزيارة الإمام الحسين (ع) وبإقامة الشعائر والمواكب الحسينية، يقول المعصوم في الزيارة الجامعة: (مَن أطاعكم فقد أطاع الله، ومن عَصاكم فقد عَصى الله)
فنحن الذين ترسخت محبة الإمام الحسين(ع) في قلوبنا وفي خلايانا، والذين نحرص على طاعته وإقامة عزائه وزيارته سنكون كما بيّن القرآن الكريم من أهل الجنة إن شاء الله.
وبعبارة واحدة أقول أنّه في جميع المحافل التي لقيه الناس فيها كان أكثر اسم وأكثر كلمة تُسمع منه وتُشاهد في كلماته وعباراته هو اسم الحسين(ع).
لقد كان المرحوم من تلك الثلة التي مزجت حياتها مزجا بحب الحسين(ع) وبموالاته موالاة خالصة لا تشوبها شائبة، وأنا أغبطه على هذه المكانة، ولا شك أنّ روح هذا العالم الدين المتيّم بحب الحسين(ع) تحلّ في هذه الليلة ضيفة مكرّمة على وليّها ومقتداها.
وإني أتقدم بأحرّ التعازي بفقدان هذه الإنسان الكريم والخادم للإمام الحسين(ع) إلى عائلة الحكيم الكريمة ولاسيما آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم، وإلى جميع محبيه وإلى مواكب النجف الأشرف وأهالي الكوفة الذين شهدوا قرابة الثلاثة عقود إمامته لصلاة جماعة العصرين والعشاءين.
وإنّ اسمه وذكراه سوف تبقى حيّة وخالدة في القلوب وعلى الخصوص في المجالس والمواكب الحسينية التي هي مجسمات للمودة والموالاة.
* خادم فخري للأعتاب المقدسة في العراق/ عضو الأكاديمية الإيرانية للعلوم الطبية