الاجتهاد: يتخذ الحِراكُ الفكري للعالِمين الرائدين، السيد محمد باقر الصدر ، والشيخ عبد الهادي الفضلي ـ من الرؤيا منطلقَه في تحديد المنهج الذي ينتظم اشتغالاتِهما المعرفيةَ في شتى الحقول العلمية التي كتبا فيها، ومنها علم الأصول.
تتلخص تلك الرؤيا في نظرتهما الواضحة إلى :
1ـ الخالق (الله).
2ـ المخلوق (الإنسان).
3ـ الوجود (العالم).
وإلى وعي الأسئلة التي تتولد لدى الاشتغال المعرفي المتمثِّل تلك الرؤيا خلال البحث في علوم الدين…؛ وإلى ذلك ترجع انفراداتهُما الإبداعية…، وقدرتهُما على التجديد…، واقتراح المشاريع التي تلبي حاجات الإنسان.
من الرؤيا إلى المنهج :
من حيث الشكل، لا يمكن لمن يمتلك هكذا رؤيا أن يعيش خارج عصره…، ومن شروط العيش في العصر إتقان لغته، والتواصل معها، والتخاطب بها، وبمحمولاتها الدلالية، المعرفية، والأسلوبية…؛ الأمر الذي يتطلب الخروج من (عصر الشروح على المتون) الذي أنتج في علم الأصول :
خمسةً وثلاثين شرحا على كتاب (معالم الأصول) للشيخ حسن بن زين الدين العاملي المتوفى في أوائل القرن الحادي عشر الهجري.
ومثلَها في شرح كتاب (قوانين الأصول) للميرزا أبي القاسم الجيلاني القمي المتوفى في الثلث الأول من القرن الثالث عشر الهجري.
وتسعا وتسعين شرحا على كتاب (فرائد الأصول) رسائل الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر الهجري.
ومئةً وأربعين شرحا على كتاب (كفاية الأصول) للشيخ محمد كاظم الخراساني المتوفى في الثلث الأول من القرن الرابع عشر الهجري.
يرادف مؤرخو العلوم والثقافة بين عصر ما قبل النهضة، وعصر الشروح على المتون. وهذا يكفي لتمثُّل الشهيد الصدر، والشيخ الفضلي عصرهما، في تأليف السيد كتابه :
(دروس في علم الأصول)
وفي تأليف الشيخِ كتابَه :
(دروس في أصول فقه الإماميَّة)،
ولا ننسى (المعالم) و (المبادئ) للسيد والشيخ، إضافة إلى (الوسيط في قواعد فهم النصوص الشرعية) العنوان الدال لأستاذنا الشيخ الفضلي.إنه حراك فكري في علم الأصول استجاب فيه المنهج شكلا إلى الرؤيا.
كما أنه استجاب مضمونا :
في التخفف من هيمنة المنهج الكلامي الفلسفي الذي تلبَّس كلَّ المتون الأصولية سالفة الذكر وشروحها…، كالتخفف من تلك المنهجية لصالح المنهج العلمي في كتابة الشهيد الصدر، فقد عد أستاذنا الفضلي كتاب (دروس في علم الأصول) لأستاذه السيّد الصدر ـ من المحاولات التي ساهمت في تطوير المنهج عبر تخففها من الإغراق في استخدام المنهج الكلامي الفلسفي نسبياً، إضافة إلى استفادتها ((من المنهج العلمي الحديث في معالجة المادة الأصولية…)).
وكان قد أشار الشهيد الصدر في حديثه عن (الإبداع الذاتي) لتطور علم الأصول إلى أن((كل علم حين ينمو ويشتد يمتلك بالتدريج قدرة على الخلق والتوليد الذاتي نتيجة لمواهب النوابغ في ذلك العلم والتفاعل بين أفكاره…)).
إن السيد محمد باقر الصدر أحد أولئك النوابغ الذين طوروا علم الأصول شكلا ومضمونا…، كما هو أستاذنا الشّيخ عبد الهادي الفضلي في مشروعه الإبداعي الذي شكَّل انعطافة نوعية في تأليف كتاب يتجاوز (المنهج الكلامي الفلسفي) السائد إلى (المنهج اللغوي الاجتماعي) الرائد…!؟
وأن تأتي تلك الانعطافة المنهجية من عالم أصولي، وفقيه مجدد، و مجتهد في اللغة العربية وعلومها كأستاذنا الشيخ الفضلي أمر في غاية الأهمية…، يستدعي الدراسة والتحليل؛ لما له من آثار يمكن أن تحدث تحولات في مسارات الاجتهاد…!!؟
رحم الله المفكرين الكبيرين، الفقيهين المجددين، الرائدين : السيد محمد باقر الصدر، والشيخ عبد الهادي الفضلي…، وجعلنا من المتمثلين نهجهما الرؤيوي المسكون بالإبداع والتجديد…!!؟
————–
*رئيس منتدى كاظم الخليفة للقراءة والإبداع.
صورة عفوية نادرة مشتركة بين الفضلي والصدر توثق حراكهما الديني الاجتماعي بالنجف الاشرف.