الحكومة الإسلامية

خصائص الحكومة الإسلامية وامتيازها عن سائر الأنظمة السياسية

الاجتهاد: لقد طرح الإمام الخميني(قدس سره) فكرة الحكومة الإسلامية قبل الثورة الإسلامية، وعمل من أجل تطبيقها ورفع الشبهات حولها وبلورة نظرية سياسية إسلامية.

وقدّم دروساً حول الحكومة الإسلامية خلال فترة وجوده في العراق وألقاها على طلبة العلوم الدينية في النجف الأشرف عام 1389هـ.

ومما جاء في بعض هذه الدروس: (من الأفكار التي نشرها الاستعماريون في أوساطنا قولهم لا حكومة في التشريع الإسلامي.. لا مؤسسات حكومية في الإسلام، وعلى فرض وجود أحكام شرعية مهمة فإنّها تفتقر إلى ما يضمن لها التنفيذ، وبالتالي فالإسلام مشرع لا غير. ومن الواضح أنّ هذه الأقاويل جزء لا يتجزأ من الخطط الاستعمارية، يراد بها إبعاد المسلمين عن التفكير في السياسة والحكم والإدارة. هذا الكلام يخالف معتقداتنا الأولية.

نحن نعتقد بالولاية، والإيمان بضرورة تشكيل الحكومة، وإيجاد تلك المؤسسات جزء لا يتجزأ من الإيمان بالولاية، والعمل والسعي من أجل هذا الهدف هو مظهر من مظاهر ذلك الإيمان بالولاية)[2]. وحول طبيعة النظام السياسي الإسلامي أشار الإمام إلى ذلك بقوله:

الحكومة الإسلامية لا تُشبه الأشكال الحكوميّة المعروفة. فليست هي حكومة مطلقة يستبدّ فيها رئيس الدولة برأيه، عابثاً بأموال الناس ورقابهم. فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليّ عليه السلام وسائر الأئمّة ما كانوا يملكون العبث بأموال الناس ولا برقابهم، فحكومة الإسلام ليست مطلقة وإنّما هي دستوريّة، ولكن لا بالمعنى الدستوريّ المتعارَف الّذي يتمثّل في النظام البرلمانيّ أو المجالس الشعبيّة، وإنّما هي دستوريّة بمعنى أنّ القائمين بالأمر يتقيّدون بمجموعة الشروط والقواعد المبيّنة في القرآن والسنّة، والّتي تتمثّل في وجوب مراعاة النظام وتطبيق أحكام الإسلام وقوانينه،

ومن هنا الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهيّ. ويكمن الفرق بين الحكومة الإسلامية والحكومات الدستوريّة الملكيّة منها والجمهوريّة في أنّ ممثّلي الشعب أو ممثّلي الملك هم الّذين يُقنِّنون ويُشرِّعون، في حين تنحصر سلطة التشريع بالله عزَّ وجلَّ، وليس لأحدٍ أيّاً كان أن يُشرِّع، وليس لأحدٍ أن يحكم بما لم يُنزل الله به من سلطان. لهذا السبب فقد استبدل الإسلام بالمجلس التشريعيّ2 مجلساً آخر للتخطيط، يعمل على تنظيم سير الوزارات في أعمالها وتقديم خدماتها في جميع المجالات.

وكلّ ما ورد في الكتاب والسنّة مقبول، مطاع في نظر المسلمين، وهذا الانصياع يسهّل على الدولة مسؤوليّاتها، في حين أنّ الحكومات الدستوريّة الملكيّة أو الجمهوريّة إذا شرّعت الأكثريّة فيها شيئاً، فإنّ الحكومة بعد ذلك تعمل على أن تحمل الناس على الطاعة والامتثال بالقوّة إذا لزم الأمر.

فحكومة الإسلام حكومة القانون، والحاكم هو الله وحده، وهو المشرِّع وحده لا سواه، وحكم الله نافذٌ في جميع الناس، وفي الدولة نفسها. كلّ الأفراد: الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاؤه وسائر الناس يتّبعون ما شرّعه لهم الإسلام, الّذي ينزل به الوحي ويبيّنه الله في القرآن أو على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

والرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وقد استخلفه الله في الأرض ليحكم بين الناس بالحقّ ولا يتّبع الهوى، قد كلّمه الله وحياً, أن يُبلِّغ ما أُنزل إليه فيمن يخلفه في الناس3، وبحكم هذا الأمر فقد اتّبع ما أُمر به، وعيّن أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام للخلافة، ولم يكن مدفوعاً إلى ذلك بحكم أنّه صهره، أو أنّ له يداً لا تُنسى وخدمات جليلة، بل لأنّ الله أمره بذلك.

أجل، فالحكومة في الإسلام تعني اتّباع القانون، وتحكيمه. والسلطات الموجودة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وولاة الأمر الشرعيّين من بعده إنّما هي مستمدّة من الله. وقد أمر الله باتّباع النبيّ وأولي الأمر من بعده: ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾4. فلا مجال للآراء والأهواء في حكومة الإسلام وإنّما النبيّ، والأئمّة، والناس يتّبعون إرادة الله وشريعته.

وحكومة الإسلام ليست ملكيّة ولا شاهنشاهيّة5، ولا امبراطوريّة، لأنّ الإسلام منزّه عن التفريط والاستهانة بأرواح الناس وأموالهم بغير حقّ، ولذلك لا يوجد في حكومة الإسلام نظير ما يكثر وجوده عند السلاطين والأباطرة من قصور ضخمة، وخدم وحشم، وبلاط ملكيّ، وديوان لوليّ العهد، وأمثال ذلك من المستلزمات التافهة الّتي تلتهم نصف أو غالبيّة ثروة البلاد.

حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم كانت في منتهى البساطة كما تعلمون، بالرغم من أنّه كان يرأس الدولة ويُسيّرها ويحكمها بنفسه. واستمرّت هذه السيرة من بعده إلى حدٍّ ما، إلى ما قبل استيلاء الأمويّين على السلطة.

وكانت حكومة عليّ بن أبي طالب عليه السلام حكومة إصلاح كما تعرفون، وكان يعيش ببساطة تامّة، وهو يُدير دولة مترامية الأطراف، تكون فيها إيران ومصر والحجاز واليمن مجرّد ولايات وأقاليم تابعة لحكمه. ولا أظنّ أنّ أحداً من فقرائنا يستطيع أن يُمارس أسلوب العيش الّذي كان عليه الإمام عليه السلام، فقد نُقل أنّه عندما اقتنى ثوبين أعطى أجودهما لخادمه(قنبر)6 وارتدى الآخر، وإذا وجد في ردائِهِ فضلاً قطعه7.

ولو كانت تلك السيرة مستمرّة إلى الآن لعرف الناس طعم السعادة، ولما نُهبت خزائن البلاد لتُصرف في الفحشاء والمنكر، ومصارف ونفقات البلاط. وأنتم تعلمون أنّ أكثر مفاسد مجتمعنا يعود سببها إلى فساد الأسرة الحاكمة والعائلة المالكة.

ما هي شرعيّة هؤلاء الحكّام الّذين يُعمِّرون بيوت اللهو والفساد والفحشاء والمنكر ويُخرِّبون بيوتاً ﴿أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾؟

ولولا ما يُبذِّره البلاط، وما يختلسه لما دخل ميزانيّة البلاد أيّ عجز يحمل الدولة على الاستدانة من أمريكا وانكلترا بما يُصاحب ذلك من ذلٍّ ومهانة. فهل قلّ نفطنا؟ أم هل نضبت معادننا المذخورة تحت هذه الأرض الطيّبة؟ نحن نملك كلّ شيء، ولا نفتقر إلى مساعدة من أمريكا وغيرها، لولا نفقات البلاط وإسرافه في أموال الشعب.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك دوائر في الدولة لا حاجة إليها، وهي تستهلك أموالاً وطاقات وورقاً وأدوات، وذلك إسرافٌ محرّم في شريعتنا، لأنّ ذلك يزيد في مشاكل الناس، ويأخذ عليهم وقتاً وجهداً، ويستنزف منهم أموالاً هم أحوج ما يكونون إليها.

ففي الإسلام ـ أيّام حكمه ـ كان يجري القضاء، وتُقام الحدود، والتعزيرات، ويُفصل في النزاعات، ببساطة تامّة. كان القاضي يكتفي ـ ليقوم بكلِّ ذلك ـ ببضعة أشخاص، يُضاف إلى ذلك قلم وقليل من الحبر والورق، ومن وراء ذلك كان يُوجِّه الناس إلى العمل من أجل حياة شريفة فاضلة.

أمّا الآن فالله يعلم عدد دوائر العدل ودواوينها وموظّفيها، وكلّها عقيمة لا تُقدِّم للناس نفعاً سوى ما تُسبِّبه لهم من أتعاب ومصاعب، وتضييع للأوقات والأموال، وبالتّالي تضييع للقضايا والحقوق.

 

 

المصدر كتاب الحكومةُ الإسلامية للإمام الخميني “قدس سره”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky