خاص الاجتهاد: الجزء الثاني من حوار الاجتهاد مع آية الله الشيخ محمد أمين المامقاني”حفظه الله”
- قال السيد الخوئي (قدس سره) مراراً أن الرجل(صدام) قد يدعمه الأمريكان ولعله لن يسقط .
- قتلوا الشيخ البروجردي بعد صلاة العشاءين علناً قبيل شهر محرم بأيام، ثم الشيخ الغروي بعد ذلك بشهرين.
- قبل فترة الحرب بسنين حاول صدام أن يضم الطلبة العراقيين إلى الأوقاف ويعطيهم رواتب.
- لو كان السيد الخوئي (قدس سره) موجوداً الآن لكان وضع الحوزة أفضل.
- أمنيتي أن يحصل تعاون بين مراجع قم ومراجع النجف وأن يتم تبادل المعلومات والتحركات لانعاش الحوزة.
- السيد الخوئي (قدس سره) كان عنده مجلس استفتاء يحضره العديد من المجتهدين وإن لم يعطِ إجازة الاجتهاد لأحد منهم.
- كان السيد الخوئي يكنّ للإمام الخميني في داخله الاحترام والتقدير لاسيما بعد نجاح الثورة ولم يكن يرضى على أحد أن يتكلم عنه بسوء.
الاجتهاد: ما الذي حصل في الانتفاضة الشعبانية وكيف كانت النجف وباقي المحافظات، وما هو دور الحوزة حينها؟
آية الله محمد أمين المامقاني: كانت الحوزة تشجع الناس بعد خروج صدام من الكويت وانتصار الأمريكيين عليه، نعم تشجعوا وخرجوا في كل محافظة وذهبوا إلى مراكز الشرطة وأخذوا منها الأسلحة فوقعت مواجهات أمام مراكز الجيش ومراكز الحزب وقتلوا منهم الكثير، وقد أثارت تلك المواجهات معظم الناس حتى من ليسوا من حزب الدعوة، والكثير من العائلات تضررت بين من قُتل بالحرب وبين من قُتل على يد قوات الأمن، فالناس متألمة وموجوعة حيث خرجوا لمواجهة الشرطة والأمن ومقرات الحزب للأخذ بالثأر وسقطت معظم المحافظات؛
وعندما شاهد السيد الخوئي (قدس سره) هذا الوضع تدخل شخصياً وطلب من الناس أن لا يذكروا اسم السيد الخميني(ره) بل يبينوا أنهم معارضة تطلب الثأر لابنائها الذين قتلهم صدام، لقد كان تصرفه عقلانياً، فعاد الناس لإصلاح النجف ومنع ما حصل من سرقة للمحلات والاموال العامة والخاصة، نعم لقد اهتم السيد الخوئي(قدس سره) بالإجراءات الإصلاحية وقد لاقى هذا الأمر صدى جيداً واعتذر الناس عمّا قاموا به.
الاجتهاد: يعني السيد الخوئي (قدس سره) كان يخمّن أن الوضع لن يستمر هكذا ولن ينجح الناس فيما قاموا به؟
آية الله محمد أمين المامقاني: بلي، قلت لكم أن بعض أتباع السيد الخوئي (قدس سره) وبعض وكلائه كانوا يريدون أن يجعلوها ثورة خمينية جهلاً منهم بعاقبة الامور، وكانوا يصرّحون بذلك، مع أن السيد كان يتوقع أنه لا يتم. نعم قالها لهم بصراحة أن لا تفعلوا ذلك فهذا الأمر لن ينجح. وقال مراراً أن الرجل قد يدعمه الأمريكان ولعله لن يسقط .
الاجتهاد: السيد الخوئي (قدس سره) كان يصرّح بذلك؟
آية الله المامقاني: لا، بل كان يشير إليه بالتلميح. كان يكنّي بهذا حذراً من قوات الأمن والمخابرات.
الاجتهاد: ما الذي حصل في النجف بعد أن توفي السيد الخوئي (قدس سره)، يعني كيف انتقلت مرجعية النجف؟
آية الله محمد أمين المامقاني: انتقلت المرجعية أكثرها إلى السيد عبد الأعلى السبزواري (ره) لكن بعد أن توفي السيد السبزواري بعد سنة، ذهب المعظم لمرجعية السيد السيستاني وقسم معتد به من المؤمنين قلدوا السيد محمد الصدر.
الاجتهاد: يعني توزعت مرجعية السيد الخوئي (قدس سره) بين ثلاثة أشخاص أم لا؟
آية الله المامقاني: في النجف نعم.
الاجتهاد: هل كنتم هناك؟
آية الله محمد أمين المامقاني: نعم كنت في النجف وفي ليلة رحيله كنت في بيت السيد السبزواري بعد المغرب بقليل أنا وابنه السيد علي السبزواري وشخص آخر، ثلاثة في الغرفة التي يجلس فيها السيد السبزواري، كان الوضع غير طبيعي وحركة الامن والمخابرات كانت غير عادية هناك عند بيت السيد حيث كان الناس يأتون ويخرجون من بيته فشعرت بأنه أمر مشوّش، لكنه لم يُظهر لي أي شيء، فلما خرجت وبعد ذهابي بعشرة دقائق جاء شخص إلى البيت وقالوا أنه طبيب يعالج السيد فزرقه إبرة قضت عليه.
الاجتهاد: الشيخ الغروي والشيخ البروجردي هم من بقوا بعد السيد الخوئي (قدس سره) ؟
آية الله محمد أمين المامقاني: الشيخ الغروي صارت له مرجعية مختصرة يعني عشرة بالمائة من مؤمني العراق تقريباً كانوا يقلدونه، أما الشيخ البروجردي فلا أظن عنده مقلد.
الاجتهاد: فماذا عن الشيخ الغروي؟
آية الله المامقاني: الشيخ البروجردي قتلوه بعد صلاة العشاءين علناً قبيل شهر محرم بأيام، ثم الشيخ الغروي بعد ذلك بشهرين، كان عائداً من زيارة سيد الشهداء ليلة الجمعة فمنعوا السيارات من العبور وأفسحوا المجال لسيارته فقط لكي تمر، وكانت تلاحقهم سيارة فيها مسلحين وبعد أن تجاوزوا السيطرة العسكرية بكيلومتر أوقفت جميع السيارات، وقاموا برميهم بالرصاص فقُتل الشيخ الغروي وخمسة أشخاص كانوا معه.
الاجتهاد: كان بإمكان صدام أن يأخذه ويقتله كما قتل الشهيد الصدر فلماذا قتلهم بهذه الطريقة؟
آية الله محمد أمين المامقاني: نعم كان باستطاعته فعل ذلك، لكنه قتلهم بهذه الطريقة ليوهم الناس أن جماعة خارجة عن القانون هي من فعلت ذلك، وليبعد الشبهات عن نفسه ولا يقوم بتبنّي هذا الفعل، لقد قام بحملة تغطي على أفعاله هذه وكان يقوم بالإعتقالات بشكل سري، يعني إنّ الضغط العالمي على صدّام أثّر فقط على تغيير نوعية ممارساته الظالمة بينما الإعدامات والقتل مازالت باقية.
نعم، كانت طريقته تصدي أناس خارجين على القانون يقتلون العلماء حتى يوهم الناس انهم ليسوا من أصحابه كي ينفي التهمة عن نفسه ولا يتبنى العمل الاجرامي وكيف يتبنى الإجرام وهو صاحب حملة إيمانية .
الاجتهاد: سماحة الشيخ هل هناك شيء خاص تريدون التأكيد عليه خلال فترة سقوط صدام، يعني هل عشت أو سمعت أو تتذكر بأنه حاول صدام بناء حوزة عراقية؟
آية الله محمد أمين المامقاني: نعم، قبل فترة الحرب بسنين حاول أن يضم الطلبة العراقيين إلى الأوقاف ويعطيهم رواتب، ولكن الطلاب المحترمين لم ينتسبوا إلى الأوقاف بينما انتسب بعض ضعاف النفوس الذين ليس لهم احترام وأخذوا الراتب فلم تنجح وفشلت محاولته.
الاجتهاد: يعني هذه الحالة السيئة الموجودة الآن تجاه موضوع العلاقة بين الحوزة والحكومة لها أثرها منذ ذلك الوقت؟
آية الله محمد أمين المامقاني: هناك نوع من عدم العلاقة بين الحوزة والحكومة، صحيح أن الحكومة ليست معادية للحوزة، لكن الحوزة لا تقبل التقرّب من الحكومة، نعم أرادت الحكومة أن تعطي الأوقاف راتباً للطلاب، لكننّا؛ أعني نحن العلماء اتّفقنا على منع ذلك حتى لا يرتبط طالب العلم الشيعي بالسلطة.
طالب العلم السني مرتبط بالأوقاف ويأخذ منها راتب وهذا شيء طبيعي ورائج. من عشرات السنين أرادوا أن يرتبط طالب العلم بالأوقاف ويأخذ منها راتب، دون الشيعة. حتى أن بعض أفراد الحكومة اتصل بالمرجعية وطلبوا منهم الإصلاح، والارتباط وامتنعت الحوزة والمرجعية عن استقباله وقبوله ومن التعاون معهم عليه .. هذا الإحباط الذي لدى الحوزة بسبب سلوكياتهم الشرعية، ثم هؤلاء السياسيون الذين جاؤوا إلى العراق أراد بعضهم أن يعيد ما أراده صدام فلم ينجحوا.
الاجتهاد: أنتم في بداية سقوط صدام كنتم متفائلين بأن تأتي حكومة تخدم الحوزة وتخدم المرجعية؟
آية الله المامقاني: الجميع كانوا متفائلين.
الاجتهاد: هل حقاً فعلوا ذلك؟
آية الله محمد أمين المامقاني: نعم، وليس بينهم شخص مثل السيد محمد باقر الصدر؛ العالم التقي ليوجههم مثل هذا التوجيه، يدّعون أنهم أتباع الحوزة، أتباع المرجعية، أتباع السيد الصدر، لكنهم في الواقع شيء آخر خارجون على إرادة الشرع الاقدس، سلوكهم يخالف الحق.
الاجتهاد: سماحة الشيخ نحن نشهد الآن انفتاحاً بعد سقوط صدّام، هناك مقدّرات وفرص يمكن استخدامها الآن، فما هي تلك المقدّرات التي يمكن للنجف أن تستخدمها في هذا المجال؟
آية الله المامقاني: أهم أرضية هي المحافظة على تقوى الله ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام.
الآن لو تريدون مقارنة وضع النجف بما كان عليه فماذا تقولون؟
آية الله محمد أمين المامقاني: إذا تكلمت أنا يقولون هذا عدو فلان، ولكن يشهد الله أنني لست عدوا لأحد، في كل يوم أدعوا لكل الناس المؤمنين بالولاية العلوية، ولكن غيرتي على الدين والمذهب تجعلني أتكلم، لو كان السيد الخوئي (قدس سره) موجوداً الآن لكان وضع الحوزة أفضل، وأفضل بكثير، عندي معرفة بالتفاصيل.
كما أن السيد الخميني عندما رجع إلى إيران بغض النظر عن الجهة السياسية والقيادة السياسية، كان له دور عظيم في إنعاش الحوزة كما كان له دور عظيم في اصلاح البلاد، كذلك كانت حالة الإصلاح موجودة لدى السيد الخوئي (قدس سره).
الاجتهاد: ما هو وضع الدروس في الحوزة الآن؟
آية الله المامقاني: الدروس كثيرة الآن، لكن لا يوجد ذلك الإخلاص في الدراسة، والإنشغال بأمور الدنيا هو السائد، فهناك من يذهب على درس ينتفع منه، ليكتب له مثلاً تقريظاً وتزكية تُقبل عند المرجعية ويأخذ المال، هذا هو المهم وهو خلاف الإخلاص؛ إخلاص النية وإخلاص العمل لله سبحانه وتعالى.
الاجتهاد: سماحة الشيخ كان هناك في السابق ميزات فقهية لحوزة النجف، حبذا لو تذكرون لنا تلك الميزات في زمن السيد الخوئي وفي زمن السيد الحكيم(قدس سرهما)، ماهي ميزات حوزة النجف؟
آية الله محمد أمين المامقاني: نعم، الحوزة في النجف وفي كربلاء في القرن الثالث عشر والقرن الرابع عشر كان فيها نخبة فقهاء الشيعة ومحققوا فقهاء الشيعة، جميعهم كانوا في النجف لذا تأثر الجو الحوزوي بهم، فكانت الأفكار الدقيقة والعميقة عندهم وكانت حالة التقى والورع وبقيت الحالة هكذا.
كما أن حوزة النجف هي دائماً السبّاقة خاصة بوجود السيد الخوئي، والسيد الحكيم قبله، والشيخ النائيني والشيخ الأصفهاني والشيخ الآخوند الخراساني، والشيخ الهمداني والشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر(قدس سرهم)، هؤلاء رفعوا مستوى الفكر العلمي والفقه الاستدلالي إلى مستوى عال من الدقة والعمق.
الاجتهاد: وهل الأمر لا يزال كذلك؟
آية الله المامقاني: لا، لم يعد الأمر مهماً بل الحصول على المال والجاه هو الاهم.
الاجتهاد: تقصدون درس الخارج من هو أهل له؟
آية الله المامقاني: ليس الأمر هكذا، في النجف أكثر من مئة بحث خارج ولكنّ البحوث التي تتسم بالعمق والدقة قليلة.
الاجتهاد: شيخنا الجليل، بعد سقوط صدام هل حصلت علاقات علمية بين قم والنجف بالقدر المطلوب؟
آية الله المامقاني: نعم لكن ليست بالشكل المطلوب أو المأمول .
الاجتهاد: الآن ما يحدث في قم يصلكم إلى النجف؟
آية الله المامقاني: نعم ينتشر في النجف نوعاً ما، والفضل في هذا يعود للسيد الخميني فهو الذي أسس لذلك.
الاجتهاد: كيف ترونه؟
آية الله المامقاني: أنا أنقل لكم في السبعينات كان السيد الخميني في النجف وكنت أصلي صلاة المغرب والعشاء خلف السيد الخميني في مدرسة السيد البروجردي. وكان عندي مكتبة أبيع الكتب في باب الصحن القبلة ومن ثم بعت تلك المكتبة لأخي الكبير، وكان يجيء إلي بعض أصحاب السيد ويطلب مني أن أحضر لهم كل كتاب تفسير يقع في يدي، حيث أنه في ذلك الوقت كان البعثيون قد منعوا استيراد الكتب وكانت الكتب تُطبع في لبنان وتأتي إلى النجف.
لذلك كان يحصل تبادل بالكتب فمنعت وكان يحتاج بعضهم للمال فيبيع ما يمكنه أن يستغني فيبيعه، فقالوا لي أي كتاب تفسير يصل إليك إحجزه لنا لنشتريه منك، فكان عند السيد الخميني رغبة في تأسيس مكتبة قرآنية وأنتج تأسيس النهضة الإسلامية السياسية والعلمية في قم عندما رجع إلى إيران.
الاجتهاد: هل ذهبتم إلى قم أو عشتم فيها؟
آية الله المامقاني: الحمد لله ذهبت إلى قم وبقيت فيها مرة ثلاثة أيام لزيارة السيدة الجليلة.
الاجتهاد: بالنسبة لحوزة قم الآن.. هل ترون تطوراً يطرأ عليها؟
آية الله محمد أمين المامقاني: هناك وجوه جديدة في قم ولكن أمنيتي أن يحصل تعاون بين مراجع قم ومراجع النجف وأن يتم تبادل المعلومات والتحركات لانعاش الحوزة وهذا جيد جداً.
الاجتهاد: كيف يحصل هذا الإنجذاب والتلاحم؟
آية الله المامقاني: يحصل بالإيعاز والتوجيه، فمثلاً أنا طبعت أربع كتب في قم هي فقه الحج خمسة أجزاء، فقه الحدود والتعزيرات مجلد 600 صفحة، فقه القضاء، والأربعون حديثاً واشترطت على الطابع ألف نسخة، على أن ينشر منها خمسمائة نسخة في قم ومثلها في النجف، أنا اشتريتها لنشرها لكنها لم تنتشر لسعي بعض شياطين الحوزة ضدها.
الاجتهاد: لا يوجد نشر للكتب بين الحوزتين؟
آية الله المامقاني: هذا صحيح، وهو جانب سلبي من عدة جوانب.
الاجتهاد: شيخنا نحن نواجه الآن مسألة التمرجع، ففي قم لدينا على ما أتصور أكثر من مائتين وخمسين رسالة والبعض منهم لم تنبت لحيته بعد، وهناك من تعرفون في الإستخبارات وفي الإعلام، ونحن نذهب الآن من النجف إلى كربلاء فنشاهد صور بعض المراجع وصور بعض المتمرجعين، نحن الآن نواجه هذه الحالة فما هي الأسباب وهل كان هذا الشيء موجود سابقاً؟
آية الله محمد أمين المامقاني: لا لم يكن لها وجود في النجف. مثلا الشيخ حسين الحلي رضوان الله عليه، عاش ومات وهو أهل للمرجعية ولم يهتم بالمرجعية وعندما سألوه لماذا لا تقبل؟ فالشيخ النائيني توفي وأنت من أجلاء تلاميذه، قال لا، السيد الحكيم أولى مني بذلك، بعد وفاة السيد أبو الحسن الاصفهاني، توجه السيد الحكيم للمرجعية وأصبح له شأن كبير بسرعة، لاسيما بعد وفاة السيد البروجردي، وقد قيل للشيخ الحلي: لم لا تتصدى لهذا الأمر، ولم لا تكون ضمن مراجع التقليد، فقال هذا السيد الحكيم أقوى بياناً مني وعنده عشرة أولاد وأنا ليس عندي إلا ولد واحد وهو ليس من أهل العلم.
فجميع مؤهلات المرجعية موجودة لدى السيد الحكيم وبه الكفاية وأنا ليس لدي تلك المؤهلات، مما يكشف عن ديانته وعدم مبالاته بالمرجعية.
هكذا كانت النجف، فالشيخ الأصفهاني رضوان الله عليه من أعاظم فقهائنا وهو أستاذ السيد الحكيم والسيد الخوئي والسيد السبزواري والسيد الميلاني (قدس سرهم) ولم يتصد لها.
الاجتهاد: بالنسبة لمسألة الإجازات كيف كانت سابقاً في زمن السيد الخوئي (قدس سره) وما قبل ذلك؟
آية الله المامقاني: إجازة الاجتهاد قليلة جداً ويقال ان السيد الخوئي (قدس سره) لم يعط إجازة الإجتهاد إلا لثلاثة، الشيخ علي الفلسفي، السيد علي السيستاني والسيد محمد باقر الصدر.
الاجتهاد: والآخرون كيف كانوا؟
آية الله المامقاني: لم يكن هناك إجازة اجتهاد في النجف؛ باستثناء قلّة قليلة، أما شفهياً قد تحدث.
الاجتهاد: وكيف كان يظهر أن هذا الطالب الذي كان يدرس، مرجع؟
آية الله محمد أمين المامقاني: كان يباحث درس الخارج عشرين سنة أو ما يقاربها ويحضر عنده تلاميذ يسمعون منه قوة استدلاله فيُعرف اجتهاده من البحث، كانت النجف هكذا حتى زمن السيد الخوئي (قدس سره)؛ فاجتهاد الطالب يُعرف بالبحث الخارج الذي يلقيه، الآن بحوث الخارج كثيرة والمواضيع غير دقيقة والبحوث غير عميقة.
الاجتهاد: يعني إيعاز المرجع بإحالة المرجع للناس برجوعهم في الإحتياطات أو بالمشاركة في جلسة الإستفتاء، فهل هذا الأمر كان رائجاً في النجف؟
آية الله المامقاني: نعم، السيد الخوئي (قدس سره) كان عنده مجلس استفتاء يحضره العديد من المجتهدين وإن لم يعطِ إجازة الاجتهاد لأحد منهم.
الاجتهاد: وهل كان ذلك رائجاً في النجف زمن السيد الحكيم؟
آية الله المامقاني: لا، لم تكن إجازة الاجتهاد رائجة ولا التوجيه بإحالة الإحتياطات لاحد، لا لم يظهر ذلك، بل المكلف هو من يذهب ويبحث ويرجع في الإحتياط الوجوبي، لم يكن هناك إيعاز في زمن السيدين الحكيم والخوئي (قدس سرهما) .
الاجتهاد: الآن وحسب التعدد في المرجعية واختلاف الظروف،كيف تكون آلية انتقال المرجعية؛ فنحن لا يوجد لدينا صورة معينة لانتقال المرجعية فكيف كانت المرجعية تنتقل في زمانكم خاصة أنكم شاهدتم عدة مرات انتقال المرجعية بآلية طبيعية؟
آية الله محمد أمين المامقاني: انا أدركت انتقال المرجعية من السيد الحكيم إلى السيد الخوئي (قدس سره) كنت قد عشتها بالتفصيل، كان عند السيد الخوئي ابنه الكبير السيد جمال، وعند وفاة السيد الحكيم ذهب إلى كبار فضلاء ومجتهدي النجف مثل الشيخ باقر الصدر، السيد محمد تقي بحر العلوم والشيخ محمد تقي الأيرواني والشيخ صدرا البادكوبي؛ يعني كبار العلماء والفضلاء في النجف، ذهب إليهم فاستجاب له سبعة منهم وأعطوه كتابة بأن السيد الخوئي هو الأعلم.
الاجتهاد: من ذهب إليهم؟
آية الله المامقاني: السيد جمال الابن الأكبر للسيد الخوئي (قدس سره) وتلك كانت المحاولة الأولى.
المحاولة الثانية ذهب إلى بيوت وجهاء الحوزة وقال لهم تعالوا قفوا مع والدي، الجهاز المرجعي عند والدي صغير فأراد أن يوسّعه، بمجرد أن تجلس قد يطلب منك ذلك وقد لا يطلب…ذهب إلى فلان وفلان بعضهم استجاب وحضر والبعض الآخر لم يستجب، بعض الأشخاص رضي منهم اقل العمل كأن تكتب وصولات قبض الحقوق، يعني بوسائل مختلفة كان يحاول توسيع جهاز المرجعية لوالده، والمهم تحصيله شهادة الاعلمية لوالده من السبعة كبار شخصيات النجف.
الاجتهاد: وبالنسبة للسيد الحكيم؟
آية الله محمد أمين المامقاني: السيد الحكيم لم أدرك تأسيس مرجعيته.
الاجتهاد: هل تذكرون شيئاً غير الذي تفضّلتم به من علاقات أو من مواقف السيد الخوئي (قدس سره) بالنسبة إلى الامام الخميني؟
آية الله محمد أمين المامقاني: نعم، كان يكنّ له في داخله الإحترام والتقدير لاسيما بعد نجاح الثورة ولم يكن يرضى على أحد أن يتكلم عنه بسوء ولم يتمكن من الكلام علناً.
الاجتهاد: حتى لو كان في جمع مختصر ومع الاصحاب مثلاً؟
آية الله المامقاني: نعم كان السيد الخوئي (قدس سره) يتوقع هو ومن حوله أنه وضعت كاميرات أو مسجلات صغيرة في بيته بل كان متأكدا من ذلك.
الاجتهاد: متى بدأتم بتدريس البحث الخارج؟
آية الله محمد أمين المامقاني: قبل وفاة السيد الخوئي (قدس سره) بعام ونصف طلب بعض أهل العلم مني بحثا فشرعت في بحث المتاجر على طبق (الرياض) ثم الوكالة والإجارة، ثم شرعت في الطهارة وعطّلت البحث بعد ذلك لأنه طلب مني العودة إلى المكاسب والكفاية والرسائل فدرستها ثلاث سنوات، ثم رجعت وباشرت البحث الخارج، طوال سنوات الحرب كنت أباحث السطوح بشكل متكرر، حتى كان معروفاً أنني أفضل أساتذة الرسائل والمكاسب والكفاية، وفي النجف لم يكن هناك من يصل إليّ في الرسائل، فكنت أكتب هذا لسنوات وبحوثي أغيّرها وعندما انتهيت منها بدأت بحث الخارج دورتان من بحث أصول الفقه ، أكملت الدورة الأولى في عشر سنوات والدورة الثانية في أربعة عشر عام ثم طبعتها في أربعة عشر جزءً .
الاجتهاد: السيد الخوئي (قدس سره) هو من شجعكم على فعل هذا؟
آية الله المامقاني: نعم، قلت لكم قبل أن أبدأ لما كنت أحضر عنده، هو قد قال أكثر من مرة أنّ هذا الشيخ يؤمّل فيه الخير الكثير، إنه صاحب بصيرة وسيبلغ الإجتهاد وله نظر قوي .
الاجتهاد: عندما بدأت بحث الخارج ما هي الدروس التي كانت موجودة آنذاك زمن صدام؟
آية الله المامقاني: كانت بحوث الخارج قليلة وكذلك دروس السطوح، كل دروس الخارج ودروس السطوح كانت موجودة ولكن قليلة .
الاجتهاد: من كان يدرّس غيركم ؟
آية الله المامقاني: اليوم يباشر الكثير البحث الخارج لكن في تلك الفترة كان شبه معطل، فالسيد سعيد الحكيم كان في السجن، الشيخ إسحاق الفياض والشيخ بشير وقليل غيرهم . ستة أو سبعة. والسيد الحكيم كان يدرس في السجن.
الاجتهاد: سماحة الشيخ إذا كان لديكم كلمة اخيرة نستفيد من سماحتكم؟
آية الله محمد أمين المامقاني: حياكم الله، قلت لكم أن أمنيتي أن يحصل تلاقي فكري، وتقارب فكري بين حوزة قم وحوزة النجف عسى حوزة النجف تنتعش، إنّ غيرتي على النجف كبيرة جداً، حقيقة اتمنى أن تعود تلك الحياة العلمية الراقية والدقيقة التي كانت في النجف، وهذا يحتاج إلى جهود حثيثة. من يتردد على النجف من قم يعرف تلك الحالة وكما يقول الشاعر:
قوْمِي هُمُ قَتَلُوا اُمَيْمَ أخِي … فَإذَا رَمَيْتُ يُصِيبُنِي سَهْمِي
يعني إذا تكلمت عن الحوزة فإن ذلك يؤلمني لأنني جزء من الحوزة وجزء من العلماء والحمد لله رب العالمين .
شيخنا الجليل أشكركم من كل قلبي على الوقت الذي منحته لنا ونحن بدورنا استفدنا كثيرا من هذا اللقاء الممتع فلا تنسونا من دعائكم .
حياكم الله وأعزكم الله.
السيرة العلمية لسماحته
وُلِدتُ في النجف الأشرف في الخامس من شهر رمضان في عام / 1370. تعلمتُ القرآن الكریم وأصول القراءة والكتابة في العام الخامس من عمري. دخلتُ الصف الثاني الابتدائي بعد امتحان واختبار في مدارس (منتدى النشر) وتدرّجت بتفوق في الدراسة الابتدائیة والثانویة والجامعیة.
درستُ العلوم الشرعیة في الحوزة العلمیة في النجف الأشرف:
المقدمات والسطوح – على أیدي خیرة مدرسي الحوزة رحمهم الله وأحسن إلیهم جمیعاً .
شرعت في حضور (البحث الخارج) فقهاً عند أستاذ الفقهاء آیة الله العظمى السید أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره) (قدس سره) وأصولا عند الشهید آیة الله العظمى المیرزا علي الغروي التبریزي، وحضرتُ یسیرا عند غیرهما فلم أجد ضالتي فانقطعتُ وقد إختص حضوري ببحث السید الخوئي (قدس سره) (قده) طیلة سنوات عشرة وجعلتُه منطلقاً لتحقیق البحوث الفقهیة والأصولیة والرجالیة التي كان ینقحها في بحثه الشریف .
باشرتُ التدریس في تمام المراحل العلمیة متدرجاً حتى السطوح، ثم شرعتُ في البحث الخارج- من دون إعلان- في السنة الأخیرة من عمر السید الخوئي (قدس سره) بعد تعطیله(قده) لبحثه الشریف وإعتذاره عن الاستمرار لسوء صحته،
ثم طُلِبَ إليّ – بإلحاح – تدریس المكاسب والرسائل والكفایة فاستجبتُ تقربا لله تعالى لعظیم فائدة الكتب الثلاثة وكانت لي الدورة الثالثة في تدریسها.
ثم بعد الانتهاء منها شرعتُ – علناً في الیوم التاسع من شعبان : 1416 هـ – في تدریس الفقه خارجاً على منهج (مكاسب) شیخنا الأعظم الأنصاري وكتبتُها بقلمي فكان (بشرى الفقاهة) في ستة أجزاء،
ثم شرعتُ سابعاً في شرح (مستحدثات المسائل) للسید الخوئي (قدس سره) في بحث فقهي استدلالي عال وطبع بعنوان (فقه المستحدثات)
ثم شرحتُ خمس (العروة الوثقى) ثم شرعتُ في بحث الحج فقهاً إستدلالیاً عالیاً وشرحاً لمناسك الحج التي دوّنتها قبل البحث بستّ أعوام،
ثم شرعتُ في بحث القضاء الشرعي،ثم شرعتُ في بحوث فقه الحدود والتعزیرات فقهاً إستدلالیاً عالیاً،
ثم شرعتُ في بحث (فقه الطهارة والطهور) في أجزاء ستة وقد نَجز تنضیده فصار صالحاً للطبع أسأله تعالى التوفیق لطباعته،
ثم شرعتُ في بَحث فروع الصلاة .
وهكذا شرعت في تدریس (أصول الفقه) خارجاً في الیوم السادس من شوال / 1416 هـ وقد أكملتُ الدورة الأصولیة الأولى بعد عشر سنین تقریباً،
ثم شرعتُ في دورة بحثیة لاحقة واستمرت أربعة عشر عام .
ولما فرغت من بحوث أصول الفقه في دورتین مفصلتین اعتذرت عن العود لبحوث الأصول وشرعت في مباحثة فروع الصیام، ومن الله سبحانه التوفیق والتسدید .
طبع للمؤلف:
1- بشرى الفقاهة في بیان أحكام الاكتساب مع الدلالة – خرج منه ستة أجزاء في المكاسب المحرمة والبیع والخیارات وبحوث القبض والنقد والنسیئة والربا،وهي بحوث فقهیة استدلالیة عالیة.
2- بشرى الفقاهة في بیان مستحدثات المسائل مع الدلالة – وهي بحوث فقهیة استدلالیة شارحة لرسالة (مستحدثات المسائل) للسید الخوئي (قدس سره) ، وقد لوحظ ثانیاً واضیف الیه وطبع باسم: (فقه المستحدثات) وهو بحث فقهي استدلالي للفروع الفقهیة الحادثة: في الطب والاقتصاد والاجتماع والفنون والشعائر وغیرها.
3- فقه الخمس والأنفال وهو بحث فقهي استدلالي على منهج (العروة الوثقى).
4- فقه الحج والعمرة – بحث فقهي إستدلالي في خمس مجلدات .
5- فقه القضاء – بحث فقهي استدلالي في مجلد واحد .
6- فقه الحدود والتعزیرات – بحث فقهي استدلالي في مجلد كبیر.
7- بشرى الأصول وهي دورة بحث في أصول الفقه كاملة شرع بعض المؤمنین بطبعها تباعاً ، وهي تستوعب مباحث الالفاظ ومباحث الملازمات العقلیة ومباحث الحجج والامارات ومباحث التعارض والتزاحم، ویتلوها الأجزاء المتتابعة لمباحث الاصول العملیة تفصیلاً واسعاً لعظیم دورها في الفقاهة، ثم إنضمّ الیها مباحث الاجتهاد والتقلید، واكتملت طباعتها فصدرت في النجف
بأجزاء أربعة عشر .
8- الفتاوى المنتخبة، وهي رسالة عملیة وفتاوى شرعیة .
9- تبصرة الأنام بشرائع الإسلام وهو بیان مختصر في العقیدة والأخلاق والفتاوى الفقهیة .
-10 عقیدتنا – بدایة العقیدة .
11- أخلاقنا – مكارم الأخلاق .
وهذان الأخیران كتابان مبسطان في العقیدة الحقة ومكارم الأخلاق كتبت لمختلف المستویات الثقافیة لغرض الفائدة العمومیة، وهما نتاج مباحثة الموضوعین في النجف الأشرف في الحوزة العلمیة في زمانٍ ماض.
12- الاربعون حدیثاً بحوث تشرح وتوضح معاني أربعین حدیثاً صحیحاً وهي في موضوعات العقیدة، صادراً عن رسول الله أو عن أهل بیته”عليهم السلام” الحقة وفي أركان الاسلام وأخلاقه العالیة.
13- عالم القبر والبرزخ، وهو بیان واعظ وعرض آیات قرآنیة وأحادیث معصومیة تبین ما یتلو الحیاة الدنیا وما یجري على الإنسان بعد الموت من الحساب التمهیدي للعالم الآخر یوم یقوم الناس لربّ العالمین .
كتب لم تطبع :
-1 بحوث وتعلیقات – متابعة لحكمة منظومة المولى السبزواري (قده).
2- تفكرات في التوحید والعرفان – ومعه ملحق في بعض قصص العارفین الصادقین ، خرج منها (عالم القبر والبرزخ) و(الاربعون حدیثاً) .
3- آراء ونظریات في بعض كبریات علمي الرجال والدرایة ، وقد أودعت بعض مواد الرسالة في بحوثنا الأصولیة ملحقاً لمباحث حجیة خبر الواحد .
وهذه الرسائل الثلاثة تحتاج الى تنقیح ومراجعة وإعادة نظر .
4- سیرتنا وسنتنا – حلقات سبعة متدرجة : الأولى (تبصرة الأنام بشرائع الإسلام) موجز في العقیدة الحقة وفروع الدین والأخلاق الفاضلة+ الثانیة (الفتاوى المنتخبة) في العبادات والمعاملات + الثالثة والرابعة والخامسة (منهاج الصالحین) فروع فقهیة وفتاوى في تمام فروع الفقه الشریف + مستحدثات المسائل + مناسك الحج .
الجزء الأول من الحوار
معاناة الحوزة فترة حكم صدام ومواقف السيد الخوئي “ره” .. حوار مع آية الله المامقاني (1)