خوارزمية الاجتهاد مصطلح قد ظهر منذ حوالي عشر سنوات و طرحه عدد من الأساتذة والفضلاء في مشهد وقم وطهران بشکل متزامن. مصطلح الخوارزمیة ببساطة عبارة عن تعلیمات متکونة من المراحل والخطوات المتسلسلة والمرتّبة اللازمة لحل مشکلة ما. حیث لا تنبغي مخالفة هذا المسار من البدایة إلی نهایتها. لیتم رسم هذا المسار بشکل مدروس و مضبوط و یحتوی علی مداخل معینة و مخرج محدد علی الأقل. کما أنه یجب أن نقدّر کل ما یحدث من الحالات المختلفة أثناء المسار.
خاص الاجتهاد: قام أستاذ البحث الخارج في حوزة مشهد العلمية ورئيس قسم التطوير والتمكين للعلوم الإسلامية في مكتب الإعلام الإسلامي حجة الاسلام الشيخ مجتبى إلهي الخراساني ضمن سلسلة جلسات حوارية بعنوان “خطاب المعرفة” بمركز الدراسات الإسلامية التابع لآية الله الشيخ مصطفى أشرفي الشاهرودي في مدينة مشهد بدراسة نقدية لفكرة ألغوريتم(خوارزمیة) الاجتهاد.
واليكم تفاصيل البحث
بسم الله الرحمن الرحیم
مفهوم « خوارزمية الاجتهاد »
الغوریتم الإجتهاد (خوارزمية الاجتهاد) مصطلح قد ظهر منذ حوالی عشر سنوات و طرحه عدد من الأساتذة والفضلاء في مشهد، قم و طهران بشکل متزامن. مصطلح الخوارزمية ببساطة عبارة عن تعلیمات متکونة من المراحل والخطوات المتسلسلة والمرتّبة اللازمة لحل مشکلة ما. حیث لا تنبغي مخالفة هذا المسار من البدایة إلی نهایتها. لیتم رسم هذا المسار بشکل مدروس و مضبوط و یحتوی علی مداخل معینة و مخرج محدد علی الأقل. کما أنه یجب أن نقدّر کل ما یحدث من الحالات المختلفة أثناء المسار.
فی البدایة استعمل مصطلح الألغوریتم (الخوارزمية ) فی الریاضیات و حل مسائلها، فیعتبر کل من الصیغ الریاضیة التی تعرفنا علیها خلال الدراسة أنواع من الخوارزمية.
المجال الثانی لاستعمال الخوارزمية فی الریاضیات هو عالم الکمبیوتر کما أن مهندسوا الصناعة یستخدمونه لتصمیم خط الإنتاج؛ فإحدی المواد الدراسیة للدارسین فی الفروع الصناعیة تتمثل فی تصمیم الخوارزميات الصناعیة.
بما أنه قد شاع أخیرا المنطق الضبابی ( أو المنطق العائم ) فی عالم المنطق و الریاضیات ففقدت الالغوریتمات القائمة علی صفر واحد مکانتها تقریبا إلا أن الخوارزمیة مازال یحظی بأهمیة کبیرة و لکن تصمیمه بالمنطق الضبابی صعب للغایة.
بالطبع المتخرجون من الجامعات خاصة فی فروع الهندسة عندما یدخلون الحوزة العلمیة یحرصون علی تطبیق الخوارزمیة فی کل مجال؛ لأنه یجعل الانتظام یسود کل عملیة و یزیدها وضوحا کما أنه یمکّننا من التحکم فیها.
أما مصطلح الاجتهاد فیمکن أن یستعمل فی ثلاثة معان: المعنی الأول هو قوة الاستنباط و رد الفروع علی الاصول و استخراج الاحکام من مصادرها. حینئذ إما نعتقد بتجزؤ الاجتهاد أو بعدم إمکانه ( یعنی الإعتقاد بالاجتهاد المطلق). الاجتهاد بهذا المعنی یعتبر وصفا للانسان و من الصفات القائمة علی الشخص کباقی القدرات و الملکات، فیتصف الانسان بالمجتهد فی هذا المعنی الأول.
الاجتهاد بهذا المعنی یجیء نتیجة دراسة المبادئ العلمیة و التزود بالمهارات وسائر المقدمات التی قد تمت الاشارة إلیها فی باب الاجتهاد و التقلید.
والمعنی الثانی للاجتهاد هو ما ینتج من عملیة الاستنباط فنسمی کتب العلماء باجتهاداتهم. علی سبیل المثال کتاب «المکاسب» هو اجتهاد الشیخ الانصاری. الرسائل العملیة و الکتب الاستدلالیة نتائج استنباط الفقهاء. بالطبع هذا المعنی معنی قدیم. و بناء علی هذا المعنی یقسمون الإجتهاد بالمخطئ و المصیب؛ المصیب بمعنی أن الاجتهاد یطابق الواقع والمخطئ بمعنی أنه لایطابقه.
و الاجتهاد بمعناه الثالث هو المراحل التی تقودنا إلی المعنی الثانی. یعنی کل ما یقوم به المجتهد للوصول إلی الحکم و هو ما یسمیه العرب «عملیة الاستنباط». إذا اردنا ترجمة هذا المصطلح بالفارسیة فیمکن أن نستعمل کلمة «فرایند استنباط».
ویقصد من ذلک المراحل المرتبة و المتسلسلة التی تجتازها الفقیه للوصول إلی رأیه الإجتهادی. یتم تصنیف وتقسیم المکاتب الاجتهادیة علی اساس منهج الاجتهاد. فتقسیم الاجتهاد بمکتب النجف أو مکتب الاصولیین و ….. یقوم علی المعنی الثالث. فالتمییز بین اجتهاد قم و اجتهاد النجف و اجتهاد الحنفیة و …. یعود إلی الاختلاف فی مناهج عملیة الاستنباط عندهم.
کما أنه یرتکز مصطلح خوارزمیة الاجتهاد علی المعنی الثالث فحسب دون المعنیین الاخرین. یعنی نرید ان نرسم مسار هذه العملیة بشکل مضبوط دون ان نمر علی شیء مرور الکرام. حیث اذا دققنا عمل الفقهاء المختلفین نجد انهم لا یحیدون عن هذا المسار و لا یخرجون منه. فنقصد مسارا مخططا و منتظما قد فحص مصممه کل العملیات الاستنباطیة و بامکانه ان یتکهن کل الحالات المتوقعة المختلفة.
فالذین قد ابدوا فکرة الغوریتم او خوارزمیة الاجتهاد یقصدون انهم یتمکنون من تحویل هذه المراحل و هذه العملیة الی مراحل اکثر جزئیة و دقة و ایضا یقدرون علی تقدیم هذا المسار خلال الصور و الرسوم الهندسیة. فبهذا انتهینا من تعریف مصطلح خوارزمیة الاجتهاد.
ما هی الاهداف التی یتجه الیها خوارزمیة الاجتهاد؟
هناک بعض الاهداف التی یصرح بها مقترحو خوارزمیة الاجتهاد و یمکننا ان نضیف بعض الاهداف الاخری کما یلی:
1- الهدف الرئیس لهذا الاقتراح هو تسهیل عملیة الاستنباط لمتعلمی الفقه و العلوم المتعلقة به.
2- و الهدف الثانی استخدام الخوارزمیة لمیکنة الاجتهاد. برأیهم بعد تخطیط خوارزمیة الاجتهاد یمکن اعطاؤه الی الکمبیوتر کخطة میکانیکیة للعمل و الاستفادة منه للاستنباط فی المسائل الجزئیة علی الاقل. الاستعانة بالذکاء الاصطناعی توفر الارضیة لهذه الفکرة.
3- الهدف الثالث کشف اختلافات المناهج الاجتهادیة فی عملیة الاستنباط. بالطبع یختلف منهج الاستنباط من فقیه لاخر. مثلا یقال الیوم إن منهج الاستنباط عند مکتب قم یختلف عما نری فی مکتب النجف الحالی. فاذا رسمنا خوارزمیة الاجتهاد لکل من هذین المکتبین فتتضح التباینات اکثر من ذی قبل.
4- الهدف الرابع الذی لم یذکر من قبل مقترحی هذه الفکرة، هو الاطلاع علی مشاکل (باثولوجیا) عملیة الاستنباط و تعدیلها. نقصد ان الرسم الالغوریتمی للاجتهاد یظهر النقاط الغامضة و الحالات غیر المتوقعة فی عملیة الاستنباط. ذلک أن الخوارزمیة یجب أن یحدد کل الحالات المنتظرة و لا یترک أی حالة محتملة کما أن علیه تقدیم مداخل و مخارج متعددة لکل عملیة.
یقولون : نحن نستخرج و نکشف الخوارزمیة من کتب الفقهاء العظام. مثلا ندقق فی کتاب المکاسب أو جواهر الکلام أو مصباح الفقیه و…. ثم نحول مسلکهم فی الاستنباط الی خوارزمیة تامة. حینئذ یمکن ان نواجه بعض المشاکل فی هذا الخوارزمیة المخططة. فبهذا نکشف أن مسار الاستنباط عند کل منهم یعانی من بعض المشاکل و النقائص. فنتعرف علی هذه المشاکل و الهُوی و نقوم بترمیم و ردمها. فاحد الاهداف الخفیة لرسم الخوارزمیة هو الاطلاع علی التعقیدات و الحالات غیر المتوقعة فی عملیة الاستنباط.
الأفکار المسبقة لخوارزمیة الاجتهاد
1- عندما یدعی احد انه یرسم خوارزمیة الاجتهاد فهذا بمعنی انه یعتقد بمنهجیته و یعتبره متکونا من مراحل منتظمه و متسلسله. ففی مباحث میثودولوجیا فی فلسفه العلم یقال اذا الف احد کتابا حول میثودولوجیا فهذا یظهر لنا انه یعتقد بکون العلم منهجیا .اذن فی میثودولوجیا الفیزیاء او الفقه من المسبقات عند المولف هو ان هذا العلم یتمتع باسالیب و مناهج منتظمه و متناسقه . ذلک ان لولا هذه المناهج لا یمکن تسجیلها. فالفکرة المسبقه الاولی عند الباحث هو منهجیه الاجتهاد و انتظامه.
2- الفکرة المسبقة الثانیة هی أن هذه المناهج و الاسالیب ذات مراحل و مراتب محددة لا یمکن مخالفتها؛ لان المناهج و الاسالیب تقدّم بشکل مفهرس احیانا.
3- الفکرة المسبقة الرابعة هی أن من الممکن تأثر هذه المراحل و العملیات من مبادئ مختلفة؛ مثلا اذا وصل الدور فی مسار الاستنباط الی المناقشة السندیة ننظر الی رأی المجتهد فی هذا المجال، فإذا اعتقد بالوثوق الصدوری فهذا الرأی یقسم المرحلة إلی فرعین. او علی سبیل المثال اذا التزم بعدم جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة فلا نستفید فی الشبهات الحکمیة من الاستصحاب علی الاطلاق.
4- الفکرة المسبقة الرابعة هی الالتزام بنظریة معرفیة واضحة (بالمعنی المنطقی لا بمعنی العرفی) فی مجال الاجتهاد لنقلص مدی تأثیر القطع و الظن الشخصیین إلی أدنی مستواه حتی الصفر . وذلک أن نستطیع تطبیق الالغوریتم بمعزل عن الاتجاهات الفردیة. فالذی یقوم بتخطیط الالغوریتم فعلیه أن یجعل للمراحل طابعا موضوعیا لا فردیا.
مناقشة الافکار المسبقة
هذه الافکار المذکورة قابلة للمناقشة. لا ریب فی منهجیة الاجتهاد إلا أنه لا یمکننا ان نصمم الخوارزمیة بشکل کامل و نسجل کل شیء فیه و ذلک أن هذه المناهج لم یسجل بشکل جزئی حتی نعتمد علیها لرسم الغوریتم کامل.
فأنا متردد فی هذا الامر و هناک قرائن عدیدة تخالفه:
الاول– هناک کثیر من المسائل لا یتم اتخاذ موقف حاسم قبالها خلال المناهج کتقییم العرف؛ علی الرغم من أن کثیرا من مسائل الفقه یتوقف علی العرف إلا أننا لا نتمتع بمنهج محدد و مجمع علیه لتقییم العرف فی الفقه و الاصول. و کذلک الامر فی تبیین وتنقیح القضیة الصغرویة لسیرة العقلاء.
هذه مناقشة جدیدة قد لقی رواجا نسبیا بعد الشهید الصدر. هو طرح طرق تنقیح الصغری فی السیرة إلا أن الکثیرین لم یتطرقوا إلیها و لم یبدوا رأیا فی ذلک ناهیک عن التوافق و الاجماع بین العلماء علیها حتی تسجل فی عملیة الاستنباط بشکل الالغوریتم.
فیستخلص مما ذکر أن المناهج و الاسالیب العامة قابلة للتسجیل ولکن عندما نخوض التفاصیل و الجزئیات نجد بعض الموارد غیر مسبوقة فی البحث و بعضها مختلفا فیها.
الثانی – الفکرة المسبقة الثانیة هی التمتع بالمراحل و الخطوات المرتبة و المتسلسلة و هذا ایضا مما نجد فیه خلافا واسعا بین العلماء. من البدیهی اذا سألنا الکبار من علماء النجف و قم عن نقطة الانطلاق فی سیرة العقلاء و ترتیب الاستدلال بها فلن نتلقی إجابة واحدة منهم.
هل یجب علینا أن نتأکد من صغری السیرة اولا؟ أم یجب علینا اولا ان نتاکد من عدم وجود دلیل تأسیسی؟ أم یجب علینا کشف الشهرة عند الفقهاء القدامی حتی نتوصل إلی الشهرة من خلال الشهرة عندهم.
النکتة الاخیرة تتعلق بالنظریة المعرفیة. فی الحقیقة لا نحظی بنظریة معرفیة منتظمة من الاجتهاد حتی نسجلها علی الورقة و نرسمها بشکل الالغوریتم. لا تزال آراء الاصولیین تختلف فی شخصیة القطع و الظن لموضوع الحجیة العقلیة و التعبدیة. و کذلک الامر بالنسبة لبعض الاتجاهات و المواضیع الجدیدة التی دخلت الفقه و تؤثر علیه من الالف إلی الیاء کالاتجاه الحکومی، الاتجاه المقارن، و الاتجاه المقاصدی؛ هناک آراء مختلفة عند الباحثین حول مکانة هذه الاتجاهات فی عملیة الاستنباط.
الجدیر بالذکر أنه لا یمکن تسجیل المحتملات الکبرویة الخارجة عن النظام و المحتملات الکبرویة الاخری مسدودة فی الخوارزمیة. اذا لم نستطع رسم خوارزمیة بتفاصیلها فلا یمکن لنا ان نسمیه بالخوارزمیة فلیس قابلا للتطبیق بل نسمیه عملیة الاجتهاد. عندما یتم تحدید کل الاجزاء و الجزیئات یمکن لنا تسمیته بالخوارزمیة. مادام لم نصل الی هذه المرحلة یجب ان لا نقول عندنا خوارزمیة الاجتهاد بل یجب القول بأننا سنحصل علیه لاحقا بإذن الله. فلا یمکن الاستفادة منه لحل المسائل الفقهیة.
فلا یمکننا التکلم عن الخوارزمیة قبل تقدم ملحوظ فی فی النظریة المعرفیة و میثودولوجیا الاجتهاد فی العقود القادمة. فلا نستطیع ان نقبل کل المسبقات الفکریة لمقترحی الخوارزمیة حینما نعانی من الغوامض و المبهمات الواسعة فی عملیة الاستنباط و ترتیب مراحله و تفاصیله.
لنقتصر علی رسم صورة عامة لعملیة الاستنباط بدلا عن رسم الغوریتم کامل للاجتهاد الذی یبدو مستحیلا فی الزمن الحالی. یعنی فی الحقیقة لنقم برسم توضیحی یلائم قدر معرفتنا الحالیة فی النظریة المعرفیة و میثودولوجیا. فنرسم المراحل الکلیة المألوفة للاجتهاد التی یجتازها الفقهاء فی مسار عملیة الاستنباط دون أن نخوض التفاصیل. کما مر ذکره لا یمکن رسم الخوارزمیة بمعناه الحقیقی فلا یجب ان نتصور یمکن لنا حل المسائل بهذا الرسم التوضیحی المتاح عندنا حیث ندخل مسئلة فیه فنتلقی الاجابة عنها فی مخرج محدد.
خوارزمية الاجتهاد العام ینفع مجال البحث فحسب:
یقول الذین یدعون إمکانیة تخطیط الغوریتم الاجتهاد، الغوریتم یمکننا من حل المسائل؛ ولکن یجدر بنا أن نسألهم إذا لم تکتمل الأجزاء و التفاصیل فکیف یمکن أن نحل المسألة بذلک؟ کما مرت الاشارة إلیه یتمثل هذه الخوارزمیة فی الاقتصار لی عملیة الاستنباط العامة و الاجمالیة فلا نرسم الالغوریتم بمعناه الحقیقی.
الخوارزمیة العام و الکلی لا ینفعنا لحل المسئلة و تنحصر فائدته فی مجال البحث فقط. کما سبق ذکره خلال الأهداف تفید هذه المحاولة لإظهار الفراغات فی العملیة، فالقیمة البحثیة لهذا الالغوریتم تربو عن قیمته التعلیمیة و فاعلیتها فی حل المسائل التی یهدف إلیها القائمون به. و هذه هی النقطة التی إذا لم یلتفتوا الیه فیرکزون علی التوضیح و إشاعة الالغوریتم بدل أن یکثفوا جهودهم لکشف الألغوریتم و استعراض کتب الفقهاء و استخلاص الألغوریتمات العدیدة و المتنوعة و إیجاد الفراغات. أنا قلق علی أن یعلن الاصدقاء عن الانتهاء من الالغوریتم و یکفوا عن کشف المناهج بینما لیس عندنا المواد الخام اللازمة لتصمیم الألغوریتم.
تداعیات خوارزمية الاجتهاد
1- إختفاء المکاتب و الاتجاهات المعاکسة. الذین یرسمون الخوارزمیة یخططونه قائما علی منهج محدد فحسب علی حسب ما یرجحونه سواء کانوا متعمدین فی ذلک أم لا. من البدیهی أن المنهج المنتخب لهؤلاء الکرام هو المنهج الاصولی لا الاخباری. فحینئذ إذا کانوا من دارسی مدینة قم فیمیلون إلی مکتب الفقهاء القمیین دون الفقهاء النجفیین و إذا کانوا من الفقهاء و الباحثین المتجددین فینحازون إلی الاتجاهات الحدیثة للفقه الجواهری راغبین عن الاتجاهات التقلیدیة.
الإصرار علی أتمتة الاجتهاد و رسم خوارزمیة له یسفر عن انقلاب السباق المألوف بین المکاتب و المناهج الاجتهادیة و فقد الموازنة و التعادل. الذین یجعلون الخوارزمیة محورا للبحث و التعلیم فیتجاهلون المکاتب الأخری سواء تعمدوا فی ذلک أم لا. لأنهم یولون اهتماما ضئیلا للمبادئ المتعلقة بالمکاتب الاخری و یطبقونها فی الخوارزمیة المخططة بقدر هذا الإهتمام . کما ترینا هذا الأمر الالغوریتمات المتواجدة حتی الان.
2- المشکلة الثانیة التی تجیء نتیجة رسم الخوارزمیة هو الحد من التنوع و الابتکار فی الاجتهاد و النزعة الدائمة إلی المشهورات مما یؤدی الی ترسیخ المشهورات أکثر مما کان فی السابق. و هذا ما یسبب تدنی مستوی المحاولات للابداع فی المبادئ و المناهج.
3- ترتکز الخوارزمیة علی إهتمام خاص بقضیة المناهج. فی عصرنا هذا لا نجد صعوبة فی المناهج حیث نحکم بحتمیة السلوک وفق منهج محدد دون أی منهج آخر. هناک حلول بدیلة عادة و الترکیز علی منهج واحد یسبب فتور الابداع فی إطار المناهج.
4- علی حسب ما یقول البعض تصمیم الخوارزمیة ینتهی إلی میکنة عملیة التحقیق مما یتسبب فی خفض مستوی الابتکارات للذهن. فیتحول الاجتهاد الی عملیة صناعیة مکانیکیة بالتدریج و هذا کله بعدما نقبل أن الخوارزمیة قابلة للتطبیق بینما نعتقد بخلاف ذلک.
التحذیرا ت والحلول
برأیی تفید المناهج إلی حد یضبط تعلیم الاجتهاد و تجعل البحوث ممنهجة إلا أننی لا أعتقد بأن هذه الالغوریتمات قابلة للتطبیق؛ ولکن إذا أقدم أحد علی رسم الخوارزمیة فیتربی البعض قائما علی هذه الاطارات الصلبة و المکانیکیة و هذا هو حصر الاجتهاد فی منهج خاص فی فقه الامامیة.
الإکثار من النزعه الشکلیه انطلاق الاستبداد فی عملیة الاجتهاد
إذا کان من المقرر أن یخطط أحد کلا من الاجزاء و التفاصیل فی الخوارزمیة فلنشهد استبدادا منهجیا فی مجال الاجتهاد و هذا ما یضاهی حصر المذاهب الفقهیة لأهل السنة.
انطلاق فکرة حصر الاجتهاد کان قائما علی نوایا صالحة و ذلک أنهم ایضا کانوا یقصدون ضبط الاجتهاد فی اطار معین للحیلولة دون التشتت و التنوع فیه حیث لا یقوم کل أحد باستنباط مختلف عن الآخرین. کانوا یظنون هذه الفکرة نافعة آنذاک إلا إنه باء بالفشل و الانحصار فی مبادئ المذاهب الاربعة و مناهجها. فمن هذا المنطلق یسمون المرحلة التالیة لفقه أهل السنة فترة زوال الأئمة المجتهدین و قام الفقهاء بعدهم بالاجتهاد فی إطار المذاهب المحددة و لم یتجاوزها.
من مخاوفنا هو أن نقع فی حالة متشابهة لأهل السنة إذا أکثرنا فی فرض المناهج و الالغوریتمات الشائعة و تطبیقها .
قال أحد الاصدقاء نحن نقترح الالغوریتم فقط و لا نفرض الاخرین علی المضی علیه حذرا من الوقوع فی مشکلة الحصر. لا فائدة فی رسم الالغوریتم اذا لم یرتکز التعلیم و البحث علیه و اذا لم یعتبر مؤشرا لتقییم الاجتهاد.
فانا اقترح التعدیل یعنی لا نحصر المراحل و العملیات خلال الالغوریتم و لا نقول لابد ان نسلک هذه المراحل فی الاستنباط بل یمکننا تقدیم الالغوریتمات علی شکلین:
1- لندخل المستوی العام فحسب و لا نخوض فی التفاصیل و المستویات الجزئیة.
2- و من حیث الاستناد لنخص الخوارزمیة بفقیه معین أو بمنهج محدد. حیث نسمی کل الغوریتم بعنوان خاص فنقول مثلا الخوارزمیة الاجتهادیة لفضیلة الشیخ البروجردی و نتجنب من رسم الخوارزمیة بشکل یغطی جمیع المناهج و المجتهدین ولا ندعیه. بهذا ینتمی کل خوارزمیة الی فقیه خاص و الذی قد درس فی مکتب آخر تتاح له الفرصة أن یقارن ما تعلم من المبادئ و المناهج بما یقدم خلال الخوارزمیة . فیمکننا احتواء أضرار الألغوریتمات بهذا الشکل.
3- فنعید ما قلنا سابقا أن فکرة الخوارزمیة تهدف إلی نوایا صالحة تکشف عن أهداف مقترحیها الایجابیة إلا أن علینا مراعاة التوسط و الاعتدال علی صعید الرسم و التطبیق.
سؤال و جواب
السؤال: من نظرة الهندسة یجب علینا الالتزام بهذه المنهجیة و إن استغرقت کثیرا. یا لیت الطلاب الشباب یتمکنون من الخوض فی هذا المجال تلبیة لحاجاتنا العلمیة لا من أجل الاهداف العلمیة
النظم الغربیة للتعلیم و البحث طالما قد تخصصت فی هذه المواضیع و توصلوا الی نتائج مؤملة. ولکن علی الرغم من أن مدرسة علمیة واحدة تفضل الجامعات الغربیة من حیث مستوی المناقشات العلمیة بمرات إلا أنه یؤسفنا عدم التحقیق علی هذه العملیات و المناقشات العلمیة فی حوزاتنا العلمیة.
هناک شیء آخر ینبغی الاعتناء به یؤثر فی تطور العلوم الانسانیة فی عصرنا هذا و هو الذکاء الاصطناعی الذی قد تحول إلی آلیة بعد أن کان نظریا فحسب.
إذا تم وضع العلامات و الکودات علی المعلومات بشکل ممتاز بحیث تتمکن النظم الذکیة من معرفتها فهذه النظم بحد ذاتها تکشف التباینات إثر تحلیل المعلومات. علی سبیل المثال یقول أن هذا الفتوی للسید الخوئی رحمه الله لا یتواکب مع مبادئه العلمیة. فهکذا یمکن للنظام کشف الخطة و تطبیقها کما یمکن للنظم الذکیة تمییز الوضع النفسی لکل شخص بعد تزویدها ببعض المؤشرات التصرفی لذلک الشخص.
الجواب: قلنا ضرورة تصمیم الالغوریتم بشکل عام مما لا ینکر؛ إضافة إلی ذلک برأیی الهدف الاول أعنی التعلیم یمکن فی الحد العام. و بما أن تعلیم عملیة الاجتهاد العامة عمل نافع فتألیف الکتب فی مجال معرفة المناهج (میثودولوجیا) و اسلوب البحث العلمی فی الفقه و الاصول یعتبر من المتطلبات اللازمة لترقیة مستوی هذین العلمین. ولکننا لا نزال فی مستوی الکشف و التحقیق علی صعید التفاصیل و الجزئیات، فعلینا بذل المزید من الجهود خلال العقود القادمة لتفکیک و تجزئة المباحث العامة و تحویلها إلی التفاصیل.
الخوارزمیات التی قد سبق تخطیطها لا تحظی بقیمة عامة أو تعلیمیة إلا أنها تنفعنا للحصول علی المراحل القادمة و تعدیل مناهج الاستنباط و التعرف بالفراغات . فتعتبر هذه المساعی ذات قیم بحثیة لأنها تعکس النقائص و الفراغات.
فأنا شخصیا متفائل بالمستقبل شریطة أن ینتخب مسار صحیح للتوصل إلی الخوارزمیة ؛ فلنستجمع قوانا فی کشف المناهج و مراحل الاجتهاد.
ولکن بقی اشکالی فی انتاج العلم و هو أن فی المجال العلمی یقال إن انتاج العلم و البداع یتوقف علی القدرات البشریة اکثر مما یعتمد علی الآلیات المیکانیکیة ؛ و هذا ما یسوقنی إلی المخالفة لمیکنة الاجتهاد.
بعدالسلام والتحية
یبدو أن محاور الندوات الفقهية في الحوزة العلمية بمشهد تطورت أکثر فأکثر… و لم يخطر ببالي حتی الآن أن یفهم المتفقهين في الحوزات صورة متقدمة من عالم الهندسة والتقنية ويبحثوا عن تفعيل عناصرها في مجال الاجتهاد!
نشکرکم لهذا العرض المبارک و دمتم
وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
ونحن أيضا نشكركم على هذا التعليق
وأتمنى لكم ولكل زوار الموقع التوفيق والنجاح