الاجتهاد: یرى المحقق الکرباسی أن الروایات المانعة عن إقامة المراقد لا تنهض قبال الأدلة القاطعة والروایات الصحیحة القائلة بها، ووجد أن من الجفاء عدم زیارة قبور الأئمة، بخاصة وان هذه المراقد کانت ولا زالت تمتلک الدور الکبیر فی استنهاض الشعوب بوصفها مهوى قلوب الناس من الثوار والصلحاء. بقلم: عبدالحسين الصالحي
لا یمکن إدراک قیمة أیة مدینة من مدن الأرض، إلا اذا تم النظر الیها من زاویة الحیاة والتعامل معها ککائن حی، له روح ونفس، فالمدینة تتنفس بالعظام والکرام من أهلها الأحیاء منهم والأموات، وتتغذى على مائدة تراثها، لتدر حلیب البقاء والدیمومة وتسقیه أبناءها، فیحیون ما حییت الأم ویموتون اذا ما ماتت.
وتنفرد بعض المدن بخواص، ینحصر وجودها فی أرجائها وتستحیل فی غیرها، تدول الدول وتنصرف الأیام بأهلها من حال الى حال، لکنها تبقى زاهیة موردة، تشع قصورها بین مملکة المدن، وکلما حاول اللئام من الحکام محوها من الوجود وطمسها من درب تبانة الحیاة ورمیها بعیدا لتلتهما دوائر العدم السود، ما اندرست، بل وتعود ثانیة أقوى على الهزاهز من سابقتها، فهی کالذهب کلما قربت منه النار ازداد صفاءاً، وکلما عرضته للصقل ازداد لمعاناً، ولأنها بهذه الخاصیة الفریدة والنادرة، یتکالب علیها أرباب الظلم لطمر معالمها ما أمکنهم الى ذلک سبیلا.
وسهم الحقیقة لیس بنابٍ عن هدفه من کون المدن المقدسة التی تضم رفات المقدسین من الرجال والنساء أو مقاماتهم، هی من بنات المدن التی تشرأب بأعناقها وسط أکوام المدن الدانیة والقاصیة، وتقصّ من أنبائها جیلا بعد آخر، یستعذب القریب لحدیثها، ویخطب البعید ودّها، لما لها من أدوار محمودة فی تقریب البعید وتألیف القریب، ورفد الأمة بعناصر البقاء وکمیاء الحیاة، رغم الریح الصفراء التی تهب علیها بین الفینة والأخرى، ترید اجتثاث شجرتها، ولیست بقادرة، لأنها منظورة بعین الله ومحروسة بدعوات الأولیاء، وصبر أهلها، ومبارکة بما تضمه من عظیم أو عظیمة، له عند الله کرامة وعند کرام الناس منزلة.
هذه الحقیقة، الحارة على قلوب اللئام والباردة على صدور الکرام، یتناولها کتاب “دور المراقد فی حیاة الشعوب” من إعداد المحقق والباحث عبد الحسین الصالحی، الذی وجد فی مقدمة الجزء الأول من مجلد تاریخ المراقد، للمحقق الفقیه الدکتور الشیخ محمد صادق الکرباسی، مادة خصبة تستحق أن تظهر للقراء فی کتاب مستقل، لاسیما وان الکتابة عن دور هذه المراقد فی حیاة الشعوب بمختلف تأثیراتها، کما یقول المعد الصالحی:
“مما لم أجد ممن کتب عنها حسب اطلاعی”، فاجتزها من المجلد وتناولها بالدراسة والبحث ووضع علیها تعلیقات هنا وهوامش هناک، وصدرت عن بیت العلم للنابهین فی بیروت، فی 208 صفحات من القطع المتوسط، تزینه العشرات من صور المراقد والمقامات والمساجد والمآذن والقبب، فی دراسة تحلیلیة ومقارنة قلّ نظیرها، یجریها المحقق الکرباسی، لبیان العلاقة بین ثقافة البلد ومعتقدات أهله ونوعیة البناء المقام على رفاة القدیس، ودور المراقد والمقامات فی البناء الحضاری والرقی السیاسی والألفة الاجتماعیة والتنوع الثقافی والتقدم الاقتصادی والتطور العمرانی، وغیرها من مجالات المدنیة.
ولیس هذا بغریب على شخصیة المصنف الذی یجتهد فی کل مجلد من مجلدات دائرة المعارف الحسینیة أن یأتی بالجدید من کل باب علم ومعرفة، ولم یکن الأمر مستغربا عند المعد، لأنه عرف: “الشیخ الکرباسی منذ أوائل شبابه جید الانتباه شدید الذکاء حاد الذهن دقیق النظر عمیق الفکر … فنهض سماحته بالتألیف فی هذا المضمار بأکبر موسوعة فی مناقب أبی الأحرار وسید الشهداء أبی عبد الله الحسین (ع) والتی لم یکتب من صدر الإسلام حتى یومنا هذا مثلها … بحق إنها أعظم موسوعة عرفها التاریخ”.
ویدخل المصنف الى صلب الموضوع، فیضع المائز بین المرقد والمقام وان اشترک اللفظان فی کونهما ظرف مکان أو زمان، فالمرقد مکان رقود الولی والقدیس وضجعته بالمرقد، وأما المقام فهو اسم مکان من الإقامة، ویطلق على المکان الذی أقام فیه القدیس طالت المدة أو قصرت: “ویطلق فی الغالب على أماکن تواجد الأنبیاء والأئمة والأولیاء کمقام أمیر المؤمنین علی (ع) والنبی نوح (ع) فی مسجد الکوفة أو مقام الامام الصادق (ع) والإمام الکاظم (ع) فی کربلاء المقدسة”. ثم یفصل المصنف القول فی “المراقد” الخاصة بالهاشمیین وقطب رحاها مرقد الامام الحسین (ع)، الذی تعرض الى محاولات حثیثة لدرسه مرات ومرات.
وتحت عنوان “بناء المراقد وقدسیتها”، یرى المحقق الکرباسی أن الروایات المانعة عن إقامة المراقد لا تنهض قبال الأدلة القاطعة والروایات الصحیحة القائلة بها، ووجد أن من الجفاء عدم زیارة قبور الأئمة، بخاصة وان هذه المراقد کانت ولا زالت تمتلک الدور الکبیر فی استنهاض الشعوب بوصفها مهوى قلوب الناس من الثوار والصلحاء.
ولا تقتصر النهضة على جانب دون آخر، فهی عملیة متکاملة، ولذلک فان الکتاب وتحت عنوان “الدور السیاسی للمراقد” یستعرض جانبا من الدور السیاسی لمرقد الامام الحسین (ع)، منذ الیوم الذی استشهد فیه (ع) على ید السلطة الأمویة التی حولت حکم الخلافة الاسلامیة الى ملکیة وراثیة وعضوا فیها على النواجذ باستخدام سیاسة الترهیب والترغیب والإعلام المضلل، فکانت ثورة التوابین وثورة المختار وغیرهما.
وسار العباسیون حذو الأمویین فی التعرض الى مرقد الامام الحسین (ع) بوصفه قبلة للأحرار: “فجاء المنصور العباسی لیأمر بهدم قبر الحسین (ع) ویمنع الموالین من زیارته وأعقبه هارون فنهج نهجه الى أن وصل المتوکل الى الحکم فحرث القبر أربع مرات أملا فی محو أثره”. وهذه السلسلة من محاولات التخریب للمرقد الشریف، جعلت رجال الساسة على معرفة بدوره وتأثیره الکبیرین، فحاول الکثیر منهم التقرب الى الناس بزیارة القبر الشریف او تعمیره، أو بیان احترامه وتعظیمه، فهذا السلطان العثمانی الشهیر سلیمان القانونی (1495-1566م) عند زیارته لقبر الامام الحسین (ع) ترجّل من مسافة بعیدة، وحسب ما یقول عبد الجواد الکلیدار مؤلف کتاب (کربلاء وحائر الحسین)، أن سلیمان القانونی ما إن وقعت عیناه على القبة المنورة حتى ارتعشت أعضاؤه حتى انه لم یستطع الرکوب على الفرس فأنشد یقول:
تزاحم تیجان الملوک ببابه ویکثر عند الإستلام ازدحامها
إذا ما رأته من بعید ترجلت وإن هی لم تفعل ترجل هامها
ویرى المحقق الکرباسی: “إن ملوک ورؤساء وأمراء العالم وشخصیاته البارزة کانوا لدى زیارتهم للعراق یقصدون زیارة الامام الحسین (ع) لیثبتوا لشعوبهم ومریدیهم ولاءهم لصاحب القبر ولیبرهنوا بأنهم على خطاه وخطى جده (ص) وأبیه (ع) علّ ذلک ینفعهم للبقاء أو الوصول الى الحکم”، کما إن السلطة الحاکمة فی بغداد، کانت تأتی بالزعامات السیاسیة العربیة والإسلامیة الى کربلاء المقدسة ولأسباب عدة، وقد رأیت بنفسی فی هذه المدینة المقدسة عددا من المسؤولین العراقیین وغیر العراقیین، من قبیل الرئیس العراقی المخلوع صدام حسین، والرئیس السودانی المخلوع جعفر النمیری، ووزیر خارجیة ایران المخلوع عباس خلعتبری، وزوجة شاه ایران المخلوع فرح دیبا.
ویتطرق المصنف الى عدد من النهضات والثورات التی انطلقت من کربلاء المقدسة او تأثرت بأهداف نهضة الامام الحسین (ع)، مثل ثورة العشرین بالضد من الاستعمار البریطانی فی العام 1920م وانتفاضة شعبان فی العام 1991م بالضد من نظام صدام. وکما کانت قیادة الثورة العشرین فی کربلاء بقیادة الزعیم الدینی الشیخ محمد تقی الشیرازی (ت 1920م)، فإن أول علم للحکومة الوطنیة الملکیة انتصب فی هذه المدینة المقدسة فی العام 1921م، ورفعه السیاسی السنی البارز علی البزرکان، وذلک فی مبنى بلدیة کربلاء،
وحسب قول المعد: “یذکر بعض المهتمین بالشؤون الاجتماعیة أن العلم العراقی الأول والذی کان یحتوى على أربعة ألوان: الأبیض والأخضر والأسود والأحمر کان یرمز الى الدول الاسلامیة الکبرى التی حکمته، والمهم أن الأخضر کان یرمز الى دولة العلویین، وکان أیضا یحتوى على نجمتین کل واحدة منهما لها سبعة شعاعات فی إشارة الى عدد المعصومین الأربعة عشر (ع) والذی قسّم العراق یوم استقلاله الى أربعة عشر لواءً – محافظة-“
ولاشک أن المراقد المقدسة المنتشرة فی أنحاء الأرض، تقرب القلوب، ولهذا یعادیها أصحاب النفوس الغلیظة والرؤى الضیقة من أدعیاء السیاسة والدین، وهذا ما یبحثه المصنف تحت عنوان “دور المراقد المقدسة فی ترسیخ العلاقات بین الشعوب”، إذ کانت ولازالت: “المراقد المقدسة فی الجزیرة العربیة والعراق وإیران ومصر وسوریا وفلسطین المغتصبة، وبالذات فی المدینة المنورة والنجف الأشرف وکربلاء المقدسة والکاظمیة المشرفة ومشهد المقدسة وسامراء المشرفة ودمشق والقاهرة والقدس الشریف، کانت سببا مباشرا فی توثیق عرى الأخوة والمحبة بین الشعوب الاسلامیة على اختلاف لغاتها وجنسیاتها”.
ولا یقتصر دور المراقد على الجانب السیاسی، فلها دور ثقافی مشهود، یبرزه المصنف تحت عنوان “الدور الثقافی للمراقد”، ولهذا فان المراقد المنتشرة هنا وهناک هی فی واقع الأمر حواضر علمیة وصروح ثقافیة، کما إن زیارة المحبین لهذه المراقد على طول السنة تساعد بشکل کبیر على نشر الثقافة وانتشارها، بلحاظ أن الحواضر العلمیة تتفرع اهتماماتها العلمیة من النقلیة الى العقلیة والى الأدب وغیره، فهی مراکز إشعاع علمی وثقافی.
ومن الطبیعی أن یکون لهذه المراقد والمقامات دور روحی مباشر على الناس، وهو ما یبحثه المصنف تحت عنوان “الدور الدینی للمراقد”، وهذا الدور له تأثیرات کبیرة ومباشرة على جوانب کثیرة من حیاة الناس فی هذه المدن وحوالیها، فی مجالات اقتصادیة واجتماعیة، فعلى سبیل المثال، یرى الباحث الکویتی الدکتور عبد الله فهد النفیسی، فی کتابه (دور الشیعة فی تطور العراق السیاسی الحدیث، ص75): “إن انتشار هذه المراقد عامل استقرار فی حقل الاتفاقات التجاریة والمعاهدات القبلیة ویخلق جوا من الثقة المتبادلة فی العلاقات الاجتماعیة”.
وهذا الدور کان محل تأمل لدى الأدیب والرحالة أبو بکر الخوارزمی (ت 393هـ)، کما یقول الباحث الفلسطینی البروفیسور حنّا بطاطو (1926-2000م)، ذلک: “قبل قرابة ألف سنة خلت کان أبو بکر الخوارزمی قد حسد شعب العراق لأنه کما قال یوجد بینهم مقاما أمیر المؤمنین (ع) والحسین سید الشهداء (ع) وفی تلک الأیام لم یکن اسم العراق یشیر الى حدود العراق الیوم بل فقط الى ذلک الجزء من جنوب الخط الذی بین الأنبار على الفرات وتکریت على دجلة، أی أن عراق تلک الأیام کان یتطابق مع ما هو موطن الشیعة وکان قلب الطائفة یومها – کما هو الیوم – فی الفرات الأوسط”.
ولیس بخاف على احد ما للمدن المقدسة من دور مباشر على اقتصاد الدخل القومی، وهو ما یبحثه المصنف تحت عنوان “الدور الاقتصادی للمراقد” و”الدور السیاحی للمراقد”، ففی بعض الدول، تدخل المدن المقدسة کمصدر رئیس من مصادر الدخل القومی، مثل العراق والسعودیة ومصر وإیران وسوریا، حیث تشهد هذه المدن حرکة سیاحیة دینیة واسعة على مدار السنة، فعلى سبیل المثال شهد مرقد الامام الحسین (ع) فی العام 1996م زیارة نحو سبعة ملایین مسلم من داخل العراق وخارجه لإحیاء زیارة الأربعین، ومثله لإحیاء النصف من شعبان من العام نفسه، ومن الطبیعی فان الزائر یخلق تدویرا اقتصادیا یدر بالأرباح على المدینة المقدسة وعموم الاقتصاد الوطنی.
وفی مجال الزخرفة والعمران والعمارة الاسلامیة، یبحث المصنف تحت عنوان “الدور الفنی للمراقد”، بوصفها: “تحف فنیة رائعة وآثار قدیمة ونفیسة تعتز بها الأمم والشعوب وتعتبرها ثروة وطنیة وإنسانیة تخص عموم البشریة ویجب المحافظة علیها لما تحتویه من فن معماری رائع ورصید تاریخی وروحی ودینی زاخر، ومن شأن ذلک أن یجعلها مرکزا سیاحیا مهما”.
فیتطرق الى “الریازة الزجاجیة” و”الفسیفساء” و”التخاریم الخشبیة” و”الصیاغة” و”المرمر”. وتحت عنوان “دور المراقد فی العمران والبناء”، یؤکد على حقیقة: “حفظ المسجد والمرقد ملف تطور العمارة الاسلامیة على مر العصور وکان شاهدا حیاً وسِفراً خالداً ینطق بمراحل التطور العمرانی والحضاری للمدن الاسلامیة”.
وتحت عنوان “الزخرفة فی العمارة الاسلامیة”، یؤصّل المحقق الکرباسی لتاریخ ورود الزخرفة فی المساجد والمراقد، ویرجعها الى عهد الفتوحات الاسلامیة الأولى وتأثر البناء الاسلامی بعمارة الثقافات الأخرى فی المدن المفتوحة، فکان الخلیفة عثمان بن عفان (ت 35 هـ) أول من أدخل الزخرفة فی المسجد النبوی، وعمد معاویة بن أبی سفیان (ت 60 هـ) الى زخرفة المساجد وتزیینها فی الشام وغیرها، وبشکل عام: “وفی کثیر من الأحیان دخلت الزخرفة فی المبانی الدینیة فی الإسلام بشکل عفوی حین کانت القصور والکنائس المزخرفة تتحول الى مساجد للعبادة”.
ویستفیض الکاتب تحت عنوان “مفردات من العمارة الاسلامیة”، فی التعریف بالمفردات الداخلة فی العمارة، باحثا فی العلاقة بین العمارة الاسلامیة والعمارة فی الثقافات الأخرى ونقاط الإلتقاء والافتراق ونقاط التأثر والتأثیر، مستفیدا من زخم من الصور فی تقریب المعنى للقارئ، فیشرح مفردة “الرواق” التی اتخذها الخلیفة عثمان بن عفان لأول مرة فی المسجد النبوی أثناء حکومته، وشیئا فشیئا: “أصبحت الأروقة احد العناصر المعماریة التی یتألف منها المسجد والمرقد والبلاط فیزیدها بهاءً وجمالا وأدخل فیها الکثیر من الفنون المعماریة حتى صارت روعة من الروائع الهندسیة ومأثرة من المآثر المعماریة”.
وشرح المصنف مفردة “الصحن” وهو المکان الرحب أو المتصل بالمرقد او المسجد وفیه تقام الصلوات والاحتفالات والمؤتمرات وحلقات الدرس. ویشرح مفردة “القبة” وهی: “نوع من البناء المحدودب الذی له شکل کرة أو بیضة مشطورة من وسطها أو على شکل مخروطی أو حلزونی”، والتی یصعب إرجاعها الى تاریخ محدد لاستخدامها فی العمارة بشکل عام، غیر أن المؤرخین یذکرون أن ابراهیم بن مالک الأشتر (ت 71 هـ) قائد قوات المختار بن أبی عبیدة الثقفی (ت 67 هـ) وبعد تولی الأخیر الکوفة عام 66 هـ بنى على مرقد الامام الحسین (ع) قبة من الجص والآجر، وهذا التاریخ متقدم على العام 72 هجریة الذی یشیر إلیه البعض بأنه العام الذی شهد بناء أول قبة فی الإسلام فی مسجد الصخرة المشرفة فی بیت المقدس.
ویتطرق المصنف الى مفردة “المئذنة”، وتاریخ دخولها مساجد المسلمین، وکان معاویة أول من أدخلها، ویرى: “إن المسلمین فی الشام تأثروا بالکنائس، والمسلمین فی ایران وما وراء النهرین تأثروا بالمنار –البرج- وهذا هو الذی جعل مآذنهم بشکل عام مبنیة على شکل هندسیین مربع ومدور”، وینتهی به التحقیق: “إن المسلمین أخذوا فکرة المآذن من الحضارات التی سبقتهم وأضافوا الیها وطوروها حتى أصبحت فنا اسلامیا رائعا ومتفرداً”.
ویبین الکتاب تحت عنوان “المقصورة” معالم المقصورة فی المآذن والتی هی عبارة عن: “فسحة مسقفة فی أعلى المئذنة مشرفة على الخارج یقف فیها المؤذن فی العادة لیقیم الأذان فیسمعه أکبر عدد ممکن من الناس وهی بمثابة شرفة مستدیرة تطوّق المئذنة”، وهی على أنواع: الدائریة والمربعة والمضلعة، وکل منها: مکشوفة ومسقفة، وکل منها: مضمورة وبارزة، وکل منها: أحادیة ومتعددة. وفی أعلى المقصورة یوجد الجوسق الذی یمثل قمة المنارة، فمنها المخروطی والمسطح وما کانت على شکل ثمرة القرع، ومنها ما هی مضلعة وغیر مضلعة.
ویعلو قمة کل مأذنة رمانة مصنوعة من النحاس او البرونز غالبا، ویقرر المصنف فی نهایة البحث فی المأذنة وأرکانها: “إن بناء المآذن (الأبراج) الى جانب القبب فکرة هندسیة ابتکرها المسلمون فی بناء مراکزهم الدینیة وبالأخص فی تشیید مراقد عظمائهم وقادتهم الروحیین”، کما: “إن أقدم مئذنة بقیت حتى هذا الیوم هی المئذنة القیروانیة حیث یعود تاریخ بنائها الى عام 248 هـ على أکثر التقدیرات”.
کما یحاول أن یتلمس العلاقة بین المآذن الاسلامیة والمآذن المقامة فی “کنیسة شارل” فی فیینا، ومآذن “الفسطاط الملکی” فی مدینة برایتون فی المملکة المتحدة، وبرج “استرنج ویز” فی مدینة مانجستر البریطانیة، کما جاءت قبة مشفى “سانت جود” لأمراض سرطان الطفل فی مدینة ممفس الامیرکیة شبیهة کلیا بقبة الصخرة فی القدس الشریف، بناءاً على رغبة بانی المستشفى، اللبنانی المسیحی دانی توماس (ت 1991م)، الذی افتتح المشفى فی العام 1962.
وتنتهی المقدمة بتشخیص المصنف لتاریخ کسوة المراقد بالذهب، حیث تم فی العام 1207 هـ ولأول مرة تذهیب قبة المرقد الحسینی الشریف من قبل السلطان محمد خان القاجاری (ت 1212 هـ).
ولا یخالنی الشک أن هذا المقدمة، أبرزت الکثیر من معالم الفن المعماری، وأظهرت واقع المراقد والمقامات فی حیاة الشعوب ودورها فی خلق نسیج اجتماعی قویم، رصین فی ثقافته وقوی فی اقتصاده، تستقطب فیه المدن المقدسة العلم والمال على حد سواء، فهی حاضرة علمیة ومنتدى اقتصادی ومنتجع روحی
المصدر: المركز الحسيني للدراسات