علم الأصول

ضرورة التجديد في منهجة علم الأصول /بقلم الشيخ رافد التميمي + تحميل pdf

الاجتهاد: نريد في هذا المقال أن نسلّط الضوء على بعض المقترحات المعاصرة لتجديد المنهج التعليمي وطريقة تدوين علم الأصول، والتي تمثّل آخر الأفكار ـ تقريباً ـ في هذا الميدان.

من الخطأ الجمود على المناهج القديمة والأنظمة التعليمية الهرمة، كما أنّ من الخطأ الفاحش أن يُنظر إلى ما هو وسيلة على أنّه غاية وهدف؛ فإنّ المطلوب والمرجو من النظام والمنهج التعليمي هو إيصال الطالب إلى أهداف العلم أو أهمّها، فبقدر ما يُحقّق من هذه الغاية يجب الحفاظ عليه، والعكس بالعكس.

فإنّ للمنهج التعليمي والنظام العلمي دوراً كبيراً في صياغة الشخصية العلمية للفرد المتعلّم، فهو يركّز أساسيات العلم في ذهن طلّابه، ويصنع عندهم تصوّراً ورؤية عن مسائل العلم وموضوعه وغاياته، فبقدر سلامة المناهج وبقدر فاعليتها تكون سلامة رؤية الطالب وتصوره، فصياغة المنهج التعليمي عبارة أُخرى عن صياغة الذهنيات وطريقة التفكير.

كلّما ازدادت الحاجة إلى علمٍ ما ازدادت النظريات فيه وتعمّقت أبحاثه، وكلّما كانت فاعليته أكثر ازدهرت نتائجه وتفرّعت مسائله، ومن بين أهمّ العلوم الإسلامية علم أُصول الفقه، الذي احتوى على الخاصّيتين معاً، فإنّ الحاجة إليه تزداد يوماً بعد آخر؛ فكلّما ابتعدنا عن عصر النصّ والتشريع ازدادت الحاجة إليه.

وهكذا نجد أنّ علم الأُصول مرّ بمراحل متعدّدة، وأدوار مختلفة، منذ عصر التأسيس وإلى يومنا هذا؛ لذا فإنّ مَن يتتبّع كتب الأُصول القديمة كالذريعة للمرتضى (ت436 ﻫ)، والعدة للطوسي (ت460 ﻫ)، ويقارنها بمثل كتاب معارج الأُصول للمحقّق الحلي (ت676ﻫ)، ومبادئ الوصول إلى علم الأُصول للعلامة الحلي (ت726ﻫ)، أو مَن يُقارن هذه الكتب بمثل ما كتبه البهائي (ت1031 ﻫ)، وكذا مَن يُقارن هذه مع مثل كتاب القوانين للقمّي (ت1231ﻫ)، وكتب الشيخ الأنصاري (ت1281ﻫ)،

وهذه مع آخر ما توصّلت إليه النظريات الأُصولية والأبحاث العلميّة، خصوصاً على يد الأعلام الثلاثة (النائيني، والعراقي، والأصفهاني)، فإنّ مَن يُقارن يجد بوضوح الاختلاف الكبير في عدد المسائل وكيفية الطرح وترتيب الأبحاث والمنهجة المتّبعة، فقد «كتب في علم أُصول الفقه الإمامي الشيء الوفير الذي أعطى لعلماء وأساتذة الأُصول الإماميين قصب السبق في هذا المضمار، وكشف عن عمق أصل في الفكر الأُصولي عندهم، وعن أصالة عمق في حرّية الرأي، واستقلالية الاستدلال».

مراحل علم الأصول

من أجل ذلك قسّم علماء الأُصول السير الأُصولي إلى أدوار ومراحل، لا لأنّ التغيير والتجديد والتحويل منحصر في هذه المراحل؛ وإنّما لأجل أنّ هناك فترات كانت ظاهرة التحوّل فيها بارزة وواضحة جداً، وعلى وفق هذا نجد أكثر من تقسيم للتطوّر الأُصولي:

منها: ما ذكره السيد الشهيد الصدر؛ حيث قسّم التكامل لعلم الأُصول إلى ثلاثة عصور:

العصر الأوّل: وهو ما أسماه بالعصر التمهيدي، وهو عصر البذرة الأساسية لعلم الأُصول، ويبدأ بابن عقيل (القرن الرابع)، وابن الجنيد (ت381 ﻫ)، وينتهي بظهور الشيخ الطوسي.

العصر الثاني: وهو عصر العلم، وهو العصر الذي اختمرت فيه تلك البذور وأثمرت، وتحدّدت معالم الفكر الأُصولي، وانعكست على مجالات البحث الفقهي في نطاق واسع، وهو عصر الشيخ الطوسي (ت460ﻫ) ومَن أتى من بعده، كابن إدريس، والمحقّق الحلي، والشهيد الأوّل.

العصر الثالث: وهو عصر الكمال العلمي، الذي افتتحته المدرسة التي ظهرت في أواخر القرن الثاني عشر على يد الوحيد البهبهاني.

ثم قسّم السيد الشهيد هذا العصر إلى ثلاث مراحل.

وقد أضاف الشيخ حسن عبد الساتر عصراً رابعاً، وهو عصر السيد الشهيد محمد باقر الصدر.

ومنها: ما ذكره السيد السيستاني؛ حيث لاحظ جهة أُخرى في تقسيمه، وهي جهة التنافس العلمي التي مرَّ بها علم الأُصول.

قال: «فكما أنّ المجتمعات تترقى في سلم الحضارة نتيجة التنافس الاقتصادي والثقافي فيما بينها، فكذلك تطور أيّ فكرٍ كان، يحتاج لنوع من الصراع الحاد بين أقطاب هذا الفكر».

ثمّ قسّم أدوار هذا العلم على أساس التنافس إلى ثلاثة أدوار:

الدور الأوّل: وهو عبارة عن مواقف علماء الشيعة تجاه المدارس الفكرية الأُخرى، وتجاه العلماء الشيعة المتأثّرين بهذه المدارس، أمثال ابن عقيل وابن الجنيد.

الدور الثاني: وهو عبارة عن الصراع والتنافس بين المدرسة الأُصولية والأخبارية.

الدور الثالث: وهو عبارة عن المرحلة الفعلية التي ما زلنا نعيشها.

فعلم الأُصول في تطوّر مستمر وتكامل دائم؛ لفاعليته وللحاجة إليه، والتي تزداد يوماً بعد يوم.

ضرورة التغيير والتجديد في المنهج التعليمي لعلم الأصول

بعد أن تقدّم بيان المراحل المتعاقبة والأدوار العديدة التي مرّ بها علم الأُصول، فإنّ ضرورة الصياغات الجديدة في تدوين مسائله، والكيفية الحديثة في طرح أبحاثه، تتجلّى وتظهر بصورة واضحة جداً؛ وذلك لأنّ تطوّر وتغيّر العلم لا يكون إلّا بتغيّر بعض مسائله واكتشاف نظريات جديدة، أو أُفول أُخرى، وهو يستدعي منهجة جديدة في ترتيب مسائله وصياغته بالشكل الذي ينسجم مع آخر ما توصّل إليه العلم، من نظريات وتصورات.

ولذلك؛ فإننا نجد مساعي عديدة ومحاولات كثيرة لتغيير المنهج التعليمي والطرح العلمي لمسائل علم الأُصول، على سبيل المثال: «قد أودع الشيخ الأنصاري في كتابه فرائد الأُصول الكثير من روائع أفكاره، ودقائق نظراته، وما جدّده في هذا العلم، وجاء فيه بمنهجة جديدة تماماً لبحث الحجج والأدلّة، وهذا المنهج الجديد لبحث الحجج ينطوي على تصوّر جديد للحجج، وطريقة تصنيفها وفهمها وتنظيمها».

قال السيد الشهيد: «قد حصل علم الأُصول بعد الرسائل والكفاية على خبرة مائة سنة تقريباً من البحث والتحقيق على يد أجيال متعاقبة من العلماء المجدّدين، وخبرة ما يقارب مائة سنة من البحث العلمي الأُصولي جديرة بأن تأتي بأفكار جديدة كثيرة، وتطوّر طريقة البحث في جملة من المسائل، وتستحدث مصطلحات لم تكن».

فكانت هناك «تحقيقات واسعة، نقدت أفكار السابقين وهذّبتها، وجدّدت في هذا العلم، ووضعت مبانيه وأُسسه على أُصول قويّة متينة».

وبقيت هذه الضرورة الملحّة لتجديد المنهج التعليمي في علم الأُصول تتجدّد يوماً بعد آخر مع تجدّد هذا العلم وتطوره، فعلم الأُصول «لأنّه شامل ووسيع بحاجة دائمة إلى التجديد في التدوين والطرح، سواء على مستوى الكتب الدراسية، أو مستوى دروس البحث الخارج».

مناهج مقترحة

من هنا؛ نريد أن نسلّط الضوء على بعض المقترحات المعاصرة لتجديد المنهج التعليمي وطريقة تدوين علم الأصول، والتي تمثّل آخر الأفكار ـ تقريباً ـ في هذا الميدان.

المقترح الأوّل

وهو ما ذكره السيد السيستاني في كتاب الرافد، ولكن قبل أن يبيّن طريقته المقترحة، يستعرض المنهج القديم وينقده.

المقترح الثاني

وهو ما ذكره الشيخ جعفر السبحاني في مقال تحت عنوان: (اتجاهان في تدوين أُصول الفقه واقتراحات لتطويره) يستعرض أولاً اتجاهين في تدوين مسائل علم الأصول، سواء عند الإمامية أو غيرهم:

الاتجاه الأوّل: ويسمّيه الاتجاه النظري المحض، وهو يعني إعطاء الموضوعية التامّة للقواعد الأُصولية، فما أنتجته تلك القواعد يكون معتبراً وما خالفها يُطرح، فالفروع الفقهية تابعة للقواعد الأُصولية، قال: «وانطلاقاً من ذلك صار علم أُصول الفقه علماً مستقلاً غير خاضع للفروع التي قد يُفتي فيها إمام مذهبٍ فقهي من دون رعاية الأُصول».

ثمّ قال: «وامتازت كتب الإمامية في أصول الفقه بهذا الاتجاه».

الاتجاه الثاني: ويسمّيه الاتجاه المتأثر بالفروع الفقهية، وهو يعني تبعيّة القواعد الأُصولية للفروع الفقهية التي عليها إمام مذهبٍ معين، قال: «فأصحاب هذا الخط يقرّرون القواعد الأُصولية طبقاً لمّا قرّره أئمة المذهب في فروعهم الاجتهادية الفقهية، وتكون القاعدة الأُصولية منسجمة مع الفروع الفقهية، ولو خالفتها لسقطت عن الاعتبار».

المقترح الثالث

وهو ما ذكره الشيخ محمد السند في مقالٍ تُرجم إلى اللغة الفارسية تحت عنوان: (رؤية جديدة إلى مباحث علم الأُصول).

يقترح سماحة الشيخ تقسيم علم الأُصول على قسمين:

القسم الأول: مباحث الدلالة

القسم الثاني: مباحث الحكم وشؤونه

المقترح الرابع

وهو ما ذكره شيخنا الأستاذ صادق لاريجاني في مقال باللغة الفارسية تحت عنوان: (طرح جديد في تدوين وتبويب علم الأُصول)، حيث بيّن أنّ هناك عدّة أُمور تحتّم إصلاح المنهج القديم، وطريقة التدوين في علم الأُصول،

وجهة نظر

إنّ التجديد والتطوير والتغيير في منهجة مسائل علم الأصول ـ وترتيب أبحاثه وأبوابه ـ يمكن أن يكون بأحد نحوين:

الأوّل: أن يكون ذلك الإصلاح والتغيير تابعاً لرؤية فرديّة شخصية لمسائل علم الأُصول، والتي يعتقد صاحبها أنّها هي الطريق الأمثل والأفضل، بل والصحيح لتدوين مسائل هذا العلم ومنهجة أبحاثه، ومن الواضح أنّ هذه قضيّة شخصيّة تتّبع قناعات الأفراد من ذوي الاختصاص، والكلّ حرٌّ في طرح رؤاه ونظرياته، طبعاً حسب ما يطرحه من أدلّة وبيانات علميّة، لا كيفما كان.

الثاني: أن يكون الإصلاح والتغيير من أجل الوصول إلى الطريقة المُثلى، التي يجب أن يكون عليها ذلك العلم في منهجه التعليمي العام، وهو الذي عليه مسير الأبحاث في المنتديات والمراكز العلمية، وهو ما يرتاده طلاب العلوم وذوو الاختصاص.

وقد تقدّم أنّ هذا المنهج كفيل بصناعة الذهنية العامّة وطريقة التفكير، التي يكون عليها الطلاب والدارسون عادة.

ومثل هذا الأمر لا يحقّ للذوق والرأي الشخصي أن يتحكّم فيه، بل يجب أن يقوم بهذا الدور لجنة علميّة متخصّصة تعيّن أفضل الطرق وأقرب السبل المؤدّية لهدف ذلك العلم، وكذا تعيين الأولويات المتجدّدة، سواء في التأثير والفاعلية، أو الأهمّية والحيوية، حتى نخرج بمنهجة أقلّ أخطاء وأكثر فائدة. وهذا ما دعا إليه العديد من العلماء والأفاضل.

عناوین البحث

تمهيد

لمحة عن التطور المستمر في علم الاصول

مراحل علم الأصول

ضرورة التغيير والتجديد في المنهج التعليمي لعلم الأصول

مناهج مقترحة ( اربع مقترحات)

وجهة نظر

 

 

المصدر: العدد الخامس من مجلة الإصلاح الحسيني

* – عضو مجلس الإدارة في مؤسَّسة وارث الأنبياء، ومدير فرعها في قمّ المقدّسة – له عدة كتب و مقالات

 

تحمیل المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky