خاص الاجتهاد: ملخص نظرية العناوين الفوقانية هو أننا نشاهد في الشريعة ومصادر الفقه حالات أُصدرت أحكام على عناوين كحكم التحريم الذي أصدر على الغناء أو الشطرنج. سنجد بقدر من التدقيق أن هذه العناوين نفسها مجموعة جزئية لعناوين أخرى نسميها العناوين الفوقانية.
تحت رعاية مدرسة الفن الإسلامية وبمشاركة مكتب الإعلام الإسلامي عقد يوم الأربعاء ( 17 يناير 2018م / 29 ربيع الثاني 1439هـ ق) مؤتمر فقه الفن الوطني الثاني في قاعة الجلسات بمركز غدير للمؤتمرات في قم المقدسة.
وفي هذه المؤتمر الذي اقيم بحضور آيات الله محمد جواد فاضل اللنكراني، ومصطفي محقق الداماد وأبوالقاسم عليدوست، والباحثين وشخصيات علمية، إضافة إلى كلمات لشخصيات علمية، قدم آية الله اللنكراني مقالة للمؤتمر بعنوان: موضوعات الحكم وملاكاته في فقه الفن. وفيما يلي تفصيل المقالة مع قليل من التلخيص:
بسم الله الرحمن الرحيم
طرحنا في المؤتمر الأول لفقه الفن، نظرية في الفقه قد رسمنا معالمها. لو يتم التنقيح والتبيين على هذه النظرية ستكون لها تأثيرات جيدة في مجموعة الفقه و لا سيما فقه الفن.
اعتبر الشارع الغناء من مصاديق لهو الحديث أو قول الزور و أكثر من ذلك من مصاديق القول الباطل . في مثل هذا، ماذا على الفقيه أن يفعل؟ هل يجب أن يتزمت في نفس العنوان الذي ورد في لغة الأدلة و يقول إن هذا الغناء بحد ذاته حرام أم يركز كل ذهنه العلمي و الاجتهادي على العنوان الفوقاني الذي بيّنه الشارع ؟
برأيي يجب أن يكون الحل الاجتهادي هكذا. يجب علينا ألا نتزمت في نفس عنوان الشطرنج و الغناء اللذين تم تحريمها حسب الروايات بل علينا أن نرى ما هو العنوان الذي يفوقه؟
نشير في هذه الجلسة أيضا إلى نماذج أخرى كالآية الشريفة رقم 90 من سورة المائدة المباركة؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا إِنَّما الخَمرُ و المَيسِرُ و الأنصابُ و الأزلامُ رِجسٌ مِن عملِ الشيطانِ فاجتَنبوهُ لعلَّكُم تُفلِحُونَ ” كل مِن الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام يطلق عليها عنوان الرجس و كما يقول الإمام الخميني ( رضوان الله عليه ) مطلق الرجس لا يكفي بل يقول من عمل الشيطان.
يعني هنا نعثر على عنوان في الشرع و الفقه باسم الرجس من عمل الشيطان إذن إن يكون كل من الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام محرما فالسبب هو أن هذه الأعمال ذكر لها هذا العنوان الحرام ؛ يعني قد جعل الشارع بنفسه عنوانا أشمل و أوسع . إحدى سمات هذه النظرية هي أنه يجب أن يبين الشارع نفسه عنواناً فوقانياً أو نستخرجه من خلال قرائن من كلام الشارع نفسه و ألّا يكون استنباطياً و اجتهادياً و حدسيّاً .
نموذج آخر هو الآية الشريفة ” يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تأكُلُوا أَموالَكُم بالباطِلِ إِلّا أَن تَكُونَ تِجارَةٍ عَن تَراضٍ مِنكُم “
هناك إشكال معروف وهو أن في باب المباحات الأولية لو حصل أحد على حيازة أحد المباحات لا يطلق عليها عنوان الباطل كي تكون داخل المستثنى منه في الآية، و لا يطلق عليها عنوان التجارة أيضا كي تكون داخل المستثنى للآية، هذا و يقول الجميع أن قضية حيازة المباحات الأولية لا شك تفيد الملكية.
يقول الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) في كتاب البيع :حسب قرينة المستثنى منه التي بينها الشارع ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، نحن نستطيع أن نستفيد من عنوانٍ فوق ” تِجارةٍ عن تَراضٍ مِنكُم ” بعنوان الحق، و نقول يجب أن يكون المال الذي يكسبه الإنسان تحت عنوان الحق و حيازة المباحات الأولية تكون تحت عنوان الحق أيضا. إذن باستخراج هذا العنوان من القرائن الذي ذُكر آنفا لا مانع أن نقول في كل المعاملات إن شرط صحة المعاملة هو إحراز عنوان الحق وإن لم تكن تجارة عن تراض.
نحن اكتشفنا في مواصلة بحث هذه النظرية أن هذه القضية موجودة في علم الأصول أيضا، في علم الأصول عند التكلم عن التعادل و التراجيح يطرح عناوين الحاكم و الورود و المخصص و التخصيص و التخصص و الظاهر و الأظهر والنص، و يتم تباحث مفصل بشأن فروق هذه العناوين و آثارها و هو بحث علمي جيد جدا، لكن الكلام الرئيس هناك يطرح وفقا لهذه النظرية و هو أن كل هذه العناوين تقع تحت عنوان باسم القرينة.
إن يكن دليل حاكماً أو وارداً أو مخصصاً او مقيداً فالسبب هو وجود عنوان القرينة العامّ. إذا أصبحت قرينة عنواناً عاماً ستكون ثمرتها أن الحاكم في باب القرينة هو العرف و هنا يجب أن نطرح مرجعية العرف و نرى أين يضع العرف عنواناً قرينة، و أين لا يضعه قرينة . قد ذكرنا هذه المواضيع في مباحث الأصول مفصلاً .
إذن نحن لدينا عناوين في الفقه وفي الأصول أيضا لها عناوين باسم العناوين الفوقانية. إن بين الشارع حكم هذه العناوين، يجب علينا أن نمارس كل عمليتنا الاجتهادية في العناوين العامة الفوقانية.
في الجلسة الماضية التي أقيمت حول هذا الموضوع ذكرنا ستة آثار و قلنا ؛
التأثير الأول هو أنه في مبحث الغناء و الموسيقى لا ضرورة لتعريف الغناء و الموسيقى بل يجب أن نقدم التعريف وفقا لنفس العنوان الفوقاني و الشامل .
التأثير الثاني: يدرس الفقهاء أدلة الغناء بقراءة القرآن في تقييم النسبة بين الأدلة، في حين وفقاً لهذه النظرية لم يعد يجب تقييم النسبة بين الغناء نفسه وبين الأدلة الأخرى، بل يجب أن يتم تقييم النسبة بين العنوان الفوقاني الذي قد طبق على هذا الغناء و بين الأدلة الأخرى. بعبارة أخرى وفقاً لهذه النظرية تطرح العناوين التحتانية و الدونية كالمصاديق مثل الغناء أو الموسيقى اللذان يعتبران مصداق للباطل، إذن لا ينبغي أن يتم تقييم النسبة بين أدلة الغناء و الأدلة الأخرى.
التأثير الثالث هو أن هذه العناوين السفلية والتحتانية نفسها ليست مجعولة بذاتها، المجعول بالذات هو العنوان الرئيس، هنا يجب أن نجري مبحثي التعارض و التزاحم في العنوان الرئيس اللذان يطرحان في الفقه و الأصول.
التأثير الرابع هو أننا لا ينبغي أن نبحث عن المعيار في هذه العناوين السفلية . الآن يطرح هذا السؤال نفسه ما هو الفرق بين هذه النظرية و مبحث الملاكات؟ أليس هذا نفس الكلام الذي نقول إن الغناء قد حُرّم وفق معيار كونه باطلا؟
الجواب هو حينما نقول إن العنوان التحتاني كالغناء لا إصالة و موضوعية له بحد ذاته، لا يجوز بتاتاً أن نبحث وفق أي معيار قد حرم الغناء لأننا قد افترضنا أن المجعول الرئيس لهذا الحكم ليس هذا العنوان. فحينما لم يكن هذا المجعول الرئيس يجب أن نبحث عن المعيار والملاك في نفس العنوان الرئيس و الفوقاني و نقول إن الباطل بأي سبب قد حرم ؟
هل كل باطل حرام مطلقاً ؟ أو قد حرم الباطل وفقاً لمعايير خاصة يقصدها الشارع ؟ بعبارة أخرى جوابنا هو أنه يجب أن نبحث عن المعيار في المتعلق الذي هو رئيس و ذاتي و مفروضنا الآن هو أن العناوين التحتانية ليست مجعولة بالذات.
هناك نقاط مهمة يجب أن تؤخد بعين الاعتبار في هذه النظرية :
النقطة الأولى هي أن تلك العناوين الفوقانية التي ينبغي أن تتبطق يجب أن يضعها الشارع و ليس بيدنا.
الثانية يجب أن يكون العنوان عنواناً أصيلاً و لا مشيراً . قد يأتي الشارع بعنوان كعنوان مشير كما جاء في الآية الشريفة 157 بسورة الأعراف ” و يُحَرِّمُ عليهم الخبائثَ ” استنبط بعض الفقهاء أن الخبيث محرم لكونه خبيثاً و قد حرم الشارع الدم و الميتة لأنه يعتبرهما خبيثين في حين إن عبارة ” يُحَرِّمُ عليهم الخَبائِثَ ” أولاً لها سياق خبري و لا إنشائي، و إذا لم يكن سياق قضية إنشائياً أو لم يكن الخبر في مقام الإنشاء لا نستطيع أن نستنبط حكماً.
قال بعض في وقت سابق إن أكل الأجزاء المتفحمة من الخبز محرم كعنوان خبيث، كنا نقول لماذا ؟ كانوا يحتجون بهذه الآية” يُحَرِّمُ عليهم الخَبائِثَ “. في حين إن هذه الآية ليست في مقام الإنشاء أولاً و ثانيا إن النقطة المهمة هي أن الشارع هنا قد حرم حالات و قال إن أكل الدم و الميتة و لحم الكلب و… محرم ثم يشير إلى هذه الحالات تحت هذا عنوان الخبائث و هذا الأمر خارج عن موضوعنا.
يجب أن نبحث عن عناوين فوقانية التي لها إصالة لكن إذا كانت تلك العناوين مشيرة، سيخرج عن محل البحث.
النقطة الثالثة هي إن العنوان يجب أن يكون تمام الموضوع للحكم و ليس جزئي الموضوع.
يقول القرآن الكريم بشأن المنافقين في الآية العاشرة من سورة البقرة المباركة ” في قلوبِهِم مرضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مرضاً و لَهُم عذابٌ أَليمٌ بِما كانوا يَكْذِبُونَ ” هل يمكن هنا أن نقول إن العنوان الفوقاني للنفاق هو الكذب و قد حرم النفاق بصفته كذب؟ لأن الآية تقول ” لَهُم عذابٌ أَليمٌ بِما كانوا يَكْذِبُونَ” .
الجواب هو إن العنوان الذي ندعيه في نظريتنا يجب أن يكون تمام الموضوع للحكم في حين إن عنوان الكذب في الآية الشريفة في ” بما كانوا يكذبون ” جزء الموضوع. في الآيات السابقة و التالية بشأن المنافقين مسألة الخدعة و التحايل و النفاق دخيلة أيضاً و هي جزء الموضوع . ” يُخادِعُونَ اللهَ و الّذينَ آمَنُوا و ما يَخدَعُونَ إلّا أنفسَهُم و ما يَشعُرونَ “
علي إي حال هذه النظرية جارية في جميع أبواب الفقه و بل حتى في علم الأصول أيضا، هذه نظرية لا بد للفقية أن يدرس العناوين الأشمل و الأعم و بعبارة أخرى الفوقانية و يجعل استنباطاته و استدلالاته قائمة عليها .
في موضوع الشطرنج هذا الذي قد جاء في الروايات أيضاً نقول مرة إن الشطرنج بحد ذاته موضع التحريم لهذا لقد أفتى عدد كثير من الفقهاء بتحريم الشطرنج مطلقاً سواء كان فيه الفوز و الخسارة أو كان الرهان فيه أم لا ،هذا هو قول مشهور الفقها. هذا الحكم ناتج عن أنهم اعتبروا الشطرنج نفسه الأساس ويقولون إن عنوان الشطرنج أو الآلات الموسيقية قد ذكر في الروايات.
إن أراد الفقيه أن يتزمت في هذه العناوين فعليه أن يفتي أن الاستفادة من الشطرنج حرام مطلقا و استخدام آلات الموسيقى حرام مطلقا لكن إذا يحقق الإنسان يرى أنه هناك عناوين فوقانية في هذه الحالات، إن الشطرنج حرام تحت عنوان الميسر و القمار و الميسر حرام تحت عنوان ” رجس من عمل الشيطان “.
إذن يجب أن يقول الفقيه إن الشطرنج حرام في أي زمن و ظروف يصبح مصداقاً ل” رجس من عمل الشيطان ” فآنذاك يجب أن نتخطى الشطرنج و نقول كل شيء كان مصداق القمار حرام.
في زمننا هذا تصنع آلات حديثة للقمار إذن نقول كل هذه الآلات حرام. بعبارة أخرى يصرحون أن اختلاف المصاديق لا يؤدي إلى الاختلاف في الحكم. هذا كلام صحيح لكن إذا بقي هذا المصداق في دائرة مصداقية ذلك العنوان الذي نسميه العنوان الفوقاني. لكن إذا خرج الشطرنج يوماً من شمولية عنوان الميسر و القمار و الميسر نفسه يكون تحت عنوان “رجس من عمل الشيطان ” سيتغير حكمه بالتأكيد. إن نتابع في فقه الفن خاصة هذه النظرية سنصل إلى نتائج جيدة.
أرسل بعض من الأعزاء من أعضاء هذه المدرسة العليا للفنون بعد ذلك الاجتماع الماضي أسئلة إليّ. أولا أشكرهم. كانت الأسئلة حكيمة و دقيقة جداً و أنا بذلت وقتاً كثيراً للرد عليها لكن الآن مع الأسف ليس هنا مجال حتى أردّ على كل واحد منها لكن أشير إلى البعض منها الذي كان أكثر أهمية إلى حد ما.
قلت في تلك الجلسة إن الفن في زمننا قد أصبح أحد طرق مواجهة سياسات الأعداء. لقد سألوا هل هذا الموضوع عنوان ثانوي للفن و هل لدينا هنا عنوان ثانوي آخر أيضاً أم منحصر في هذا العنوان الثانوي؟
يبدو أننا هنا لدينا عناوين ثانوية أخرى أيضاً و ليس منحصراً في هذا العنوان. يجب أن ندقق في هذه المسألة رغم أن الفن موضوع خارجي لكن هناك فرق بين الفن والأدوات الفنية و بين بعض من المواضيع الخارجية الأخرى. إن المواضيع الخارجية نوعان بعض من المواضيع الخارجية كالخمر و الدم و الميتة و لحم الكلب لها حكمها بحد ذاتها و بعض آخر من الموضوعات ليس لها حكم في نفسه.
إن الفن موضوع خارجي من النوع الثاني الذي له مصاديق و لكن بحد ذاته لا يمكن أن نذكرحكما له .
لا يمكننا أن نقول إن الفن بحد ذاته له معيار ومثلا الخمر له معيار المفسدة فالفن بحد ذاته أيضا له معيار المفسدة وعلى أساسه يصدر حكم حرمته أو له معيار مصلحتي يترتب عليه حكم الرجحان أو الاستحباب.
يظهر تأثير هذا الأمر في مصاديق الفن أيضا كآلات الموسيقى و ستكون نافعة. يعني لا يمكن أن نقول إن المعيار موجود في آلة موسيقية بحد ذاتها لأنها ليست من مواضيع لها معيار بحد ذاتها و بالتبع المعيار له حكمه. يجب أن يأخذ هذا التصنيف في المواضيع الخارجية بعين الاعتبار .
إن موضوع الفن من موضوعات ليس لها حكم بحد ذاته كالسكّين . هذا مثل يضربه الفقهاء أيضا و هو ما هو حكم السكين ؟ تكون هذه الأمور من حالات الإباحة اللاقتضائية في التعبير الفني الأصولي يعني لا تقتضي في نفسها لا الوجوب و لا الحرمة لأنها ليس لها معيار في نفسها .
حينما أصبحت الإباحة اللاقتضائية ليس هناك حكم. فبعض من الفقهاء يقولون في الأصول إن الإباحة اللاقتضائية ليس حكماً أساساً و إن لم يكن حكماً نقل إن هذا السكين لايمكن أن يكون موضوع الحرمة والوجوب بحد ذاته حتى نقول هل شراء السكين حرام أم واجب ؟ في هذه الحالات يجب أن نرى ما هي العناوين التي تترتب عليها؟ حتى يُتبع الفقيه الحكم على ذلك العنوان.
برأيي يجب أن يُهتم بهذا الأمر في فقه الفن كثيراً . الموضوعات الفنية تكون من المواضيع التي لا اقتضائية بحد ذاتها. إن يُستخدَم استخداماً مشروعاً نضعه في باب الحلية والجواز و ربما باب الاستحباب أيضاً و إن لم يستخدم في ما هو مشروع يدخل في المحرمات.
السؤال الآخر هو هل هذه العناوين الرئيسة ترتبط ببحث مقاصد الشريعة أم لا ؟ هل يجب أن نعتبر المقاصد دخيلة في الأحكام أيضاً كما نعتبر معايير الأحكام دخيلة في الاحكام نفسها ؟ يجب أن نوضح أن مبحث تأثير المقاصد في مجموعة الفقه يعود إلى مقاصد الشريعة بمعناه العامّ لأن الشريعة التي نقصدها تشمل كلا من الفقه و الأخلاق والمعتقدات.
يعتقد المقاصديون أن الشريعة بمعناها العام لها مقاصد و نحن نعتبر هذه المقاصد مؤثراً في إصدار الأحكام، فنستنبط أحكاماً عن المقاصد إما بطريقة الاستقلال إما كالتوضيح و التشريح و التبيين . ثم يقولون يجب أن ننظم جميع الأحكام في ضوء مقاصد الشريعة أو نقيدها أو نطلقها. أنا المتواضع أعقتد أننا لو اعتبرنا مقاصد الشريعة دخيلة في استنباط الأحكام و الفقه لسوف يضمحل الفقه.
لقد سألوا لماذا لا نعتبر المقاصد دخيلة في الأحكام كما نعتبر الملاكات دخيلة فيها ؟ لنعلم أن هذا الموضوع بحد ذاته يتطلب فرصة مفصلة كي يتضح لكني أتحدث فيه بالإجمال ؛نحن لدينا في باب الأحكام معيار واحد و لدينا حكم واحد و مقاصد واحدة . علاقة المقاصد بالأحكام نفس علاقة الأحكام بالمعايير والملاكات، المقاصد بالنسبة إلى الأحكام تعتبر معلولة لها فالشيء الذي يعتبر معلولاً كيف يمكن أن يكون مؤثراً في الأحكام ؟! بعبارة أسهل يقول الشارع المتعالي إن المقاصد موجودة في الأحكام هذه .
إن تم تطبيق هذه الأحكام في المجتمع سواء كان في العبادات أو في المعاملات بمعناه العام أو في العقوبات نصل إلى هذه الأهداف و المقاصد.
حينما تكون نسبة المقاصد بالأحكام بعداً معلولياً كيف يمكن أن نجعلها مؤثرة في الأحكام ؟ السؤال الذي طُرح هو كما نقول إن الملاكات تغير الأحكام لماذا لا تغييرها المقاصد أيضا ؟
الجواب هو إن الملاك يكون في مرحلة العلة و داخل في سلسلة العلل لكن المقاصد تكون في معلولات الأحكام هذا يعني نحن نصل إلى تلك المقاصد عبر هذه الأحكام التي لدينا بالتبع ليس بإمكان تلك المقاصد أن تؤثر على نفس هذه الأحكام ، لهذا لا يمكن أن نقول لنأخذ مقاصد الشريعة بعين الاعتبار و نقول هذه هي المقاصد ثم نقوم بتغيير الأحكام بواسطتها .
العناوين الفوقانية