يشير الدستور التونسي في فصله الـ 46 إلى أنّ “الدولة تلتزم بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة، وتعمل على دعمها وتطويرها، وتضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمّل مختلف المسؤوليّات وفي كلّ المجالات”. كما أن تونس ملزمة بالاتّفاقيّة الأمميّة للقضاء على كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة، التي صادق عليها، البرلمان التونسي، في العام 2014. لكن في المقابل، تنص مجلة الأحوال الشخصية، التي تنظم قضايا الأسرة القانونية، في قسمها التاسع، على اعتماد الفقه الإسلامي السني في مسائل الميراث، والذي يعطي المرأة نصف ما يرثه الرجل. بقلم أحمد نظيف
الاجتهاد: أثارت الدعوة التي أطلقها الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، بشأن مراجعات قانونية من شأنها أن تسمح بالمساواة في الإرث بين النساء والرجال بجانب حق المرأة المسلمة في الزواج من غير المسلم، جدلاً واسعاً داخل تونس وخارجها. وفتحت نقاشاً بين القوى المحافظة الرافضة لها وبين القوى التقدمية الليبرالية واليسارية المساندة لها. في مقابل مساندة من المؤسسة الدينية الرسمية داخل تونس ومعارضة حادة من مؤسسة الأزهر في مصر.
المنشور الذي قصده السبسي أصدرته وزارة العدل التونسية عام 1973، ويقضي بمنع زواج المرأة التونسية المسلمة بأجنبي غير مسلم، لكن السبسي اعتبر أن الحياة اختلفت وباتت هناك نساء كثيرات يسافرن إلى الخارج سواء للعمل أو للإقامة، بالتالي لا يجوز أن يحكمهمن قانون عمره يقترب من نصف قرن.
كان هذا المنشور يشترط تقديم شهادة اعتناق الإسلام على أي رجل غير مسلم، لإتمام زواجه بتونسية مسلمة، وفي حال إتمام الزواج خارج الدولة التونسية من دون هذه الوثيقة، فإن العقد لا يُسجّل في تونس.
خلال خطاب ألقاه، يوم 13 أغسطس/آب 2017، بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة، دعا الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي إلى مراجعات قانونية من شأنها أن تسمح بالمساواة في الإرث بين النساء والرجال بجانب حق المرأة المسلمة في الزواج من غير المسلم، واعتبر أن ذلك لا يتعارض مع الدين ولا مع الدستور. هذه الدعوة أثارت جدلاً واسعاً بين القوى المحافظة الرافضة لها وبين القوى التقدمية الليبرالية واليسارية المساندة. بل إن الجدل تجاوز تونس إلى خارجها في مصر.
الرئيس التونسي قال: “إنه من الضروري تطوير قوانين الأحوال الشخصية في العديد من المجالات لتكريس المساواة ومواكبة التشريع للسياق الزمني والحضاري ولمتطلبات الواقع المتغير. وخاصة المنشور 73، الذي يمنع النساء المسلمات في تونس من الزواج بغير المسلم، أصبح يشكل عائقاً أمام حرية اختيار القرين وبالتالي تسوية الوضعية القانونية للكثير من النساء المرتبطات بأجانب، ولا سيما أن الفصل السادس من الدستور يقر بحرية المعتقد والضمير ويحمل الدولة مسؤولية حمايتهما”.
ويقر الدستور التونسي في فصله الـ 21 بأن “المواطنين والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز”.
ويشير في فصله الـ 46 إلى أنّ “الدولة تلتزم بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة، وتعمل على دعمها وتطويرها، وتضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمّل مختلف المسؤوليّات وفي كلّ المجالات”. كما أن تونس ملزمة بالاتّفاقيّة الأمميّة للقضاء على كلّ أشكال التمييز ضدّ المرأة، التي صادق عليها، البرلمان التونسي، في العام 2014. لكن في المقابل، تنص مجلة الأحوال الشخصية، التي تنظم قضايا الأسرة القانونية، في قسمها التاسع، على اعتماد الفقه الإسلامي السني في مسائل الميراث، والذي يعطي المرأة نصف ما يرثه الرجل.
لكن دعوة قائد السبسي لتعديل قانون الأحوال الشخصية، لم تلق إجماعاً في الأوساط السياسية والمدنية التونسية. فقد طالب حزب تيار المحبة، بزعامة الهاشمي الحامدي، المنشق عن حركة النهضة، في 13 أغسطس/أب، بسحب الثقة من رئيس الجمهورية.
في حين وصفت حركات وجمعيات ثقافية قومية عربية، في بيان مشترك، صدر في 16 أغسطس/آب، دعوة الرئيس بــ” مخالفة آيات القران وثوابت الدين”.
وفي هذا السياق يقول، بشير الصيد، الأمين العام لحركة “المرابطون” القومية، في حديث للمونيتور: “إن طرح المساواة اليوم في الإرث في ظل مجتمع تسيطر فيه الملكية الخاصة والرأسمالية ليس سوى نقل الصراع من الصراع الاجتماعي بين المسلم ضد رأس المال والإقطاع إلى فتنة داخل الأسرة.
إنه تزييف للصراع وتشويه له. فلن يعود الرأسمالي التابع والمستغل هو العدو بل الأب والأسرة. لذلك فنحن نتمسك بالآيات المحكمات والنص الصريح ونقول بالاجتهاد في المتشابه من الآيات، ولكننا ندعو قبل ذلك إلى مهاجمة أصل التفاوت وإقامة مجتمع اشتراكي عادل تتقلص فيه الفوارق فلا سيد ولا عبد ولا مالك ولا مملوك ولا مانح ولا متسول الكل سواسية حسب عملهم واجتهادهم”.
لكن الموقف المثير والفارق، حول المسألة، صدر عن ديوان الإفتاء، الذي أيد دعوة الرئيس قائد السبسي. فقد وصف المفتي، عثمان بطيخ، في بيان يوم 14 أغسطس/آب دعوة الرئيس بأنها جاءت “تدعيماً لمكانة المرأة وضماناً وتفعيلاً لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات التي نادى بها ديننا الحنيف”. مع أن المفتي بطيخ كان قبل سنة في يونيو 2016، قد وصف مسألة المساواة في الإرث بأنها “لا تجوز شرعاً”. الأمر الذي طرح الكثير من التساؤلات حول مبدئية دار الإفتاء وعلاقة التبعية بالسلطة السياسية. خاصة وأن مفتي البلاد كان قد أصدر في 26 أيلول/سبتمبر من عام 2016، فتوى ضد الاحتجاجات الاجتماعية ضد الحكومة.
في المقابل لم يصدر حتى الساعة، موقف رسمي عن حركة النهضة الإسلامية أو رئيسها الشيخ، راشد الغنوشي، خاصة وأنها تعتبر القوة السياسية الممثلة للتيار المحافظ في البلاد. باستثناء مواقف فردية لبعض قياداتها. فقد عبر، عبد اللطيف المكي، النائب عن الحركة في البرلمان، في تدوينة على صفحته الرسمية على الفيسبوك، نشرها يوم 15 أغسطس/آب، عن رفضه لدعوة الرئيس، مشيراً إلى أنه “لا يمكن القبول بتغيير نص ديني واضح”. في حين قال الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، عماد الخميري، في تصريحات لإذاعة “الرباط” المحلية، في 17 أغسطس/آب: “إنه إلى حين عرض دعوة الرئيس على البرلمان، يصبح من السابق لأوانه الحديث عن مواقف سياسية مع أو ضد”.
لكن الجدل الذي رافق دعوة الرئيس التونسي لم يتوقف داخل حدود تونس بل تجاوزها إلى دول الجوار العربي. ففي 15 أغسطس/آب، انتقد وكيل الأزهر عباس شومان الدعوة معتبراً أنها “تتصادم مع أحكام شريعة الإسلام”. مشيراً في بيان نشرته الصفحة الرسمية لمكتب وكيل الأزهر في فيسبوك إلى أن “المواريث مُقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد، ولا تتغير بتغير الأحوال والزمان والمكان”.
لكن اليسار في تونس أخذ طريقاً ثالثاً في الصراع بين المساندين للرئيس والمعارضين له. فقد اعتبر حزب العمال الشيوعي، والعضو في الجبهة الشعبية اليسارية، في بيان نشر في 16أغسطس/آب أن “المساواة التامّة والفعلية في التشريعات كما في الواقع، هي هدف مشروع ناضلت من أجله أجيال من التونسيات والتونسيين، وآن الأوان لتحقيقه بما في ذلك المساواة في الإرث وفي إدارة العائلة وإلغاء كل القوانين والمواد التمييزيّة التي تجاوزها العصر مثل ولاية الرجل واعتماد المهر”. لكن هذه المساندة المبدئية لدعوة الرئيس، رافقها حذر وتشكيك في مصداقية قائد السبسي في تطبيق ما دعا إليه، إذ قال الحزب في بيانه أنه “لا مصداقية لخطاب السّبسي ولا لجوقته حول الانحياز لقضيّة المرأة”.
قصارى القول، أعادت دعوة قائد السبسي إلى المساواة في الإرث ورفع القيود عن زواج التونسيات من غير المسلمين إلى الساحة السياسية التونسية، الصراع بين التيارات الليبرالية واليسارية من جهة والتيار المحافظ وأيقظ خصومة العلمانيين والإسلاميين النائمة، منذ أن تحالف حزبه مع حركة النهضة الإسلامية في أعقاب فوزه في انتخابات 2014 التشريعية والرئاسية، الأمر الذي ستكون له تأثيرات كبيرة على الاستحقاق الانتخابي القادم في البلديات والمحليات نهاية العام الحالي.