خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / خاص بالموقع / 2 تقرير خبري / من “علماء الهجرة” إلى “علماء السفر”!

من “علماء الهجرة” إلى “علماء السفر”!

خاص الاجتهاد: في حقبةٍ مضت، كان هناك مفهوم حقيقي ومتجذر في أوساط الحوزة العلمية يُعرف بـ “علماء البلاد”، وهو مفهوم بدأ يتآكل تدريجياً حتى أشرف على الأفول. هؤلاء العلماء كانوا مجتهدين مقتدرين، وأصحاب مستقبل واعد، تخرج معظمهم في حوزتي النجف الأشرف أو قم المقدسة، وكان من المتوقع لو بقوا في تلك المراكز العلمية أن يُعدّوا ضمن مراجع التقليد أو كبار الأساتذة والمشايخ البارزين.لكن هؤلاء الأعلام، وبعد استكمال مدارجهم العلمية أو قضاء فترة في التدريس، كانوا يشدّون الرحال عائدين إلى مدنهم أو مهاجرين إلى مناطق أخرى؛ استجابةً لدعوة أهالي تلك المناطق، أو امتثالاً لأمر مرجع التقليد في زمانهم، أو تشخيصاً منهم لضرورة العمل بـ “آية النفر”، أو تلبيةً لرغبة والدٍ كان هو الآخر من علماء البلاد، أو لضرورات شخصية أخرى. ناهيك عن أن بعض العلماء الذين نُفوا قسراً إلى مناطق معينة، أحدثوا فيها تحولات فاقت ما أحدثه علماء تلك المدن أنفسهم.

إن هؤلاء الذين تستحق سيرتهم أن تُدون في مجلدات، كان لهم السهم الأوفر في صون تدين الناس، ومن ثم في تمهيد الأرضية لانتصار الثورة الإسلامية. لقد رحل هؤلاء عن دنيانا، وللأسف بقيت أماكنهم شاغرة؛ إذ لم نعد نشهد مجتهداً مبرزاً يقرر العودة أو الهجرة إلى الأقاليم انطلاقاً من أداء التكليف الشرعي.

اليوم، نشهد بين الفينة والأخرى “سفر” كبار العلماء إلى المدن الأخرى، وهو أمرٌ يبعث على الشكر في ظل أزمة غياب “علماء البلاد”. فبتنا نرى بعض العلماء يتوجهون إلى المدن أيام الجمعة لإقامة الصلاة ثم يعودون، وآخرين ممن هم في مصاف المرجعية يسافرون إلى مساقط رؤوسهم في أيام العزاء ثم يقفلون راجعين إلى قم.

وفي طهران تحديداً، يأتي بعض الأساتذة البارزين ـ ممن لا تربطهم صلة سابقة بالمدينة ـ يوماً واحداً في الأسبوع لإلقاء دروس الأخلاق وغيرها، في محاولة لإنقاذ هذا “المحتضر” من الموت، ثم يعودون إلى قم.

في بعض المدن الدينية الصغيرة، التي كانت في العقود الماضية (الخمسينيات والستينيات والسبعينيات الميلادية) تضم عدة مجتهدين من خريجي النجف وقم، لا يوجد اليوم مجتهد واحد مستقر فيها. ورغم أن بعض علماء قم الحاليين الذين يجدون في أنفسهم أهلية المرجعية ينحدرون من تلك المدن وبدأوا دراستهم فيها، إلا أنهم لا يبدون رغبة في العودة إليها.

وهنا يتساءل المرء: لماذا قبل آية الله السيد أحمد الخوانساري ـ وهو من مراجع التقليد ـ الهجرة من قم إلى طهران والاستقرار فيها؟ رغم أنه كان يعيش في طهران آنذاك أساطين من وزن الشيخ محمدرضا التنكابني، والميرزا أحمد الآشتياني، والشيخ محمدتقي الآملي، وكان السيد محمد البهبهاني يُعدّ عميد حوزة طهران.

تعاني المدن الكبرى والصغرى اليوم من “فقر” حاد في وجود علماء البلاد المستقرين، في حين تغصّ قم بمئات الدروس في مرحلتي السطوح العالية والبحث الخارج؛ ولو أن واحداً من هؤلاء الأساتذة استقر في مدينة صغيرة، لصار قطبها ومنطلقاً لتحولات ثقافية كبرى فيها.

لماذا لا يستقر أحد السادة ممن هم في رتبة المرجعية في طهران اليوم؟ هل يُخشى أن ينحصر فيض وجوده في مدينة واحدة بدلاً من العالم الإسلامي؟ أليس سكان المدن ـ ولاسيما العاصمة ـ بحاجة إلى هذه البركات العلمية والمعنوية؟ ألا يمكن للمرء أن يكون “عالم بلاد” و”مرجع تقليد” في آن واحد، كما هو حال آية الله حسين المظاهري؟

وفي معرض البحث عن أسباب انقراض ظاهرة “علماء البلاد”، ما هو حجم تقصير الحوزة العلمية؟ وما هو تقصير العلماء أنفسهم؟ وإلى أي مدى تتحمل المؤسسات المعنية بالشؤون الدينية (كإمامة الجمعة، وشؤون المساجد، ومنظمة الإعلام الإسلامي، وغيرها) المسؤولية عن ذلك؟

على أي حال، يُنتظر من الغيورين والمشفقين القيام بدراسة هذه الآفة ووضع الحلول لها قبل فوات الأوان. إن ظاهرة الثورة الإسلامية العظيمة كانت ثمرة جهاد “علماء البلاد” الذين ساهموا في تعميم الثورة في كافة أرجاء البلاد، واليوم تبدو الحاجة إلى هذا الوجود لصيانة الثورة أشد وألحّ من ذي قبل.

بقلم: حميد سبحاني صدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *