خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
خانه / موقع الاجتهاد و جميع المواضيع / جميع الأبحاث والأحداث / حوارات ومذکّرات / 55 مذكرة خاص / قبري بسامراء أمان لأهل الجانبين: رؤية الإمام العسكري للتعايش بين الشيعة والسنة
الإمام العسكري حميد رضا شريعتمداري

قبري بسامراء أمان لأهل الجانبين: رؤية الإمام العسكري للتعايش بين الشيعة والسنة

خاص الاجتهاد: في العصر العباسي الذي اتسم بالقمع الشديد، اضطلع الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، كغيره من أئمة الشيعة، بمهمة الإمامة من خلال نوع من الجهاد لم يقتصر على المواجهة العسكرية، بل شمل الجوانب الفكرية، والأخلاقية، والاجتماعية.

يسلط الأكاديمي بجامعة الأديان والمذاهب الأستاذ حجة الإسلام حميدرضا شريعتمداري، الضوء في هذه المقالة على الكيفية التي أضحت بها سيرة هذا الإمام العظيم مثالًا يُحتذى به لتعميق العقيدة وتقوية الانتماء الشيعي، بالتوازي مع إرساء أسس التعايش السلمي مع مختلف أطياف المجتمع الإسلامي.

لقد كانت حياة وسيرة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، امتدادًا لمسؤولية الإمامة ونهج الأئمة الشيعة الآخرين، فكانت تجسيدًا للطهارة، والنقاء، والمعرفة، والفضيلة، وفي الوقت نفسه، تجسيدًا للجهاد والمقاومة. نحن نقرأ في زيارة كل واحد من هؤلاء الأئمة: “أشهد أنك جاهدت في الله حقّ جهاده”. معنى هذا المقطع أن سيرة الأئمة الكرام بجميع أشكالها كانت نوعًا من الجهاد. هذه المقاطع، إضافة إلى تمجيدها للجهاد المستمر لأئمة الشيعة، تظهر نوعًا من التوسّع في مفهوم الجهاد وتطبيقه؛ بمعنى أن الجهاد (ليس بالمعنى المجاهدة للنفس، بل بالمعنى نفسه للقتال ضد الأعداء الخارجيين) له أشكال مختلفة، وحصره في الصراع السياسي أو المواجهة العسكرية يتناقض مع السيرة المستمرة لأئمة الشيعة.

صحيح أنه في الظروف التي يكون فيها الصراع السياسي العلني أو المواجهة المسلحة ضروريًا ومُبررًا، لا يمكن ولا ينبغي الانشغال والاكتفاء بأنواع أخرى من الجهاد والكفاح، ونحن نرى رؤوس أموال المسلمين البشرية وغير البشرية تُنهب ونلتزم الصمت، إلا أن التأمل في أكثر من قرنين من الإمامة الشيعية يظهر أن الأنواع الأخرى من الكفاح كانت هي الأكثر تركيزًا واهتمامًا.

بطبيعة الحال، فإن إعطاء الأولوية أو الإكثار من الأنواع الأخرى من الجهاد لا يعني التساهل السياسي أو الضعف والمداهنة في مواجهة الأعداء، أو لا سمح الله التعاون الودي معهم. فما عُرف به الشيعة عبر التاريخ تجاه أعداء الإمامة وغاصبي الخلافة يمكن التعبير عنه بالبغض المكبوت والغيظ الكفيّ.

إنّ ما يفتقر إليه الشيعة اليوم أكثر من أي شيء هو توطيد الإيمان الديني والتحلي بالبصيرة الدينية، وهذا هو عينُ ما كان عليه منهج كل إمام، فكان يجاهد في سبيل ذلك بحسب مقتضى الزمان. إنّ إيجاد مجتمع مؤمن، أخلاقي، ومتطوّر – ولو في نطاق ضيق – هو أهم عمل يمكن أن يقوم به المؤمن المصلح، ليكون بذلك قدوةً لسائر المسلمين. وهذه القدوة، التي تتحقق بامتزاج المعرفة بالفضيلة، يمكن تطبيقها حتى على المستويين الفردي والأسري.

إنّ ما يُعرف اليوم بـ”جهاد التبيين” (وهو ليس مقتصرًا على الجانب السياسي ومحاربة العدو، بل هو أوسع من ذلك، ليشمل كل الجوانب الدينية والحياتية)، والهادف إلى الفهم الصحيح للدين، ومنع البدع والانحرافات، هو من أنبل أنواع الجهاد وأكثرها شيوعًا، وقد قام به الأئمة الأطهار، وحثّوا علماء الشيعة على القيام به.

ثمة نقطة أخرى نتعلمها من هذه القصة، وهي أن الإمام طلب من الواسطة أن يتعامل مع الكندي بلطف ومؤانسة، وأن يسعى لكسب وده، بل أن يتظاهر في البداية بالموافقة على آرائه. ثم في أول فرصة، يوجه انتباهه إلى النقطة المنطقية المتمثلة في تعدد قراءات القرآن، وأنه لا يجوز إصدار أحكام قطعية ونهائية حوله بناءً على فهمه الخاص.

ولّى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) اهتمامًا خاصًا للتعاطف وحسن المعاشرة، سواء بين الشيعة أو في العلاقات بين المسلمين. وينقل أبو هاشم الجعفري أن الإمام كان يقول: “في الجنة باب يُدعى ‘المعروف’ يدخل منه كل من كان أهلًا لفعل الخير. أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة”. ووفقًا لهذا النقل، كان الإمام يثني على أبي هاشم لجهوده في تلبية حاجات المؤمنين.

كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يرى أن قبره في سامراء هو مصدر أمان للشيعة والسنة على حد سواء (“قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين”). وفي وصية بليغة، دعا أتباعه إلى التمسك بالتقوى والورع والعمل بإخلاص، وأن يتحلوا بالصدق، ويؤدوا الأمانات لأصحابها – سواء كانوا أبرارًا أو فجارًا – ويحسنوا إلى جيرانهم. ثم كرر وصية آبائه الأطهار، مؤكدًا أنها وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للمسلمين كافة، حيث قال: “صلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم”. وأضاف: ” فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه، وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا شيعي فيسرني ذلك. اتقوا الله وكونوا زينا ولا تكونوا شينا، جروا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك.

الإمام الذي كان، وفقًا لحديث “علامات المؤمن” ومصادر أخرى، يسعى لترسيخ هوية شيعية مستقلة، والذي تحدث في وصيته المكتوبة عن حقه وحق أهل بيته في الإمامة، أوصى في الوقت نفسه أتباعه – الذين يمتلكون عقيدة راسخة وهوية شيعية متميزة – بالتعامل الحسن مع بقية المسلمين.

مع وجود هذه الصورة الأصيلة للإمام وطبيعة رسالته في الإمامة، من الغريب أن نرى بعض الأفراد يمارسون طقوسًا غير موثقة في يوم يقترب من ذكرى استشهاد الإمام – استنادًا إلى تأريخ خاطئ -، حيث إن هذه الأعمال لا تتناغم أبدًا مع منهج التقية والمداراة الذي اتبعه الأئمة الطاهرون، ولا تتلاءم مع التوصيات الواضحة للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ويدل على أنّنا لم نتأدّب بعد بآداب أهل البيت. ويُظهر ذلك أنّ بعض قطاعات المجتمع الشيعي لم تكتسب بعد الأهلية والكفاءة المطلوبة لأداء دورها الحضاري. وعليه، لا يمكنها أن تكون قادة أو قدوة تجذب المسلمين إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) الطاهر، ولا أن تكون مؤثرة في تحقيق المجتمع الإسلامي لأهدافه الإيمانية السامية.

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *