محمد-مهدي-الخالصي

في ذكرى الخالصي الكبير / فضيلة الشيخ عز الدين محمد

الاجتهاد: من بين الآلاف من فقهاء الشيعة في العصور المتاخرة كان هناك خصوصية عجيبة لشخصية الشيخ “محمد مهدي الخالصي” وهو محمد مهدي ابن الشيخ حسين ابن الشيخ عزيز الخالِصي الكاظمي، من اسرة علمية كريمة ترجع بنسبها الى قبيلة بني أسد في الجبايش جنوب الناصرية.
جمع هذا الرجل بين العلم والشجاعة والوطنية والصدق حتى حاز على اجماع العراقيين في احترام مكانته وجهاده، قال عنه السيد محمد مهدي الاصفهاني الكاظمي في كتابه “احسن الوديعة”: كان مجسّمة الأخلاق الفاضلة، والنعوت الممتازة، وكان قليل الكلام، وكان في أغلب أوقاته متبسّماً، وكلّ ما نصفه بالجميل فهو فوق ذلك”، وقال السيد محمد صادق ال بحر العلوم في كتابه الدرر البهية: “العالم النحرير والمصلح الكبير شيخ المجاهدين في سبيل الدين وإقامة شريعة سيد المرسلين “

له منظومات في العلوم العربية المختلفة، وكتاب العناوين في الأصول وكتاب القواعد الفقهية وكتاب الشريعة السمحاء، وتصحيف المنحة الإلهية عن النفثة الشيطانية وكتب ورسائل اخرى، كما أسس المدرسة الشهيرة في الكاظمية التي اشتهرت باسم المدرسة الخالصية.

الرجل عالم متميز ومعروف وله اسهامات علمية كبيرة، الا ان الاهم هو شخصيته التي يمكن القول بانها كانت شخصية خارقة من شجاعة استثنائية الى احترام غير مسبوق في المجتمع العراقي على تنوعه اطيافه وتوجهاته الفكرية، قاد معارك الجهاد ضد الانكليز في منطقة العمارة، وكان المحرك الاهم لفتوى الجهاد في ثورة العشرين، وعندما قامت الملكية في العراق جاء فيصل الاول الى المدرسة الخالصية في الكاظمية ليطلب منه دعمه في تولي المنصب، اخبره بانه يوافق على ذلك بشرط: أن يسير فيصل بالحكم سيرة عادلة وعلى أن يكون الحكم دستورياً ونيابياً وأن لا يتقيد العراق في عهده بأية قوة أجنبية. ».

وعندما حصلت الهجمة الوهابية على العراق سنة 1922 وهو الهجوم الذي قتل فيه 694 مواطنا عراقيا فضلا عن نهب آلاف الإبل والغنم والممتلكات الأخرى، وأسر بعض نساء العشائر، ترأس الشيخ الخالصي مؤتمرا علمائيا كبيرا في كربلاء لبحث الرد الشعبي على الوهابية ، واتخاذ التدابير اللازمة لوقف التعدي، حيث بعث 250 برقية إلى رؤساء وزعماء البلاد يستحثهم فيها على الحضور، واتخذ المؤتمر قرارات هامة ساهمت في تحريك الحكومة والشعب للتصدي لهذه الهجمات الارهابية الآثمة.

عندما علم فيما بعد ان فيصل اقل مما تفتضيه المرحلة اعلن بموقف قوي انه خلع بيعته لفيصل وان بيعته غير ملزمة لكونه خالف ما اشترط عليه، قامت سلطة الاحتلال بنفيه الى الهند عام 1923ثم الى عدن ولما وصل الى عدن كانت جهات كثيرة وجهات رسمية تدخلت لاطلاق سراحه فإطلق سراحه في عدن غير إنه قصد مكه المكرمة حاجا وبعد اداء الفريضه قصد إيران واختار المشهد الرضوي سكنا له.

وبسبب مكانته الكبيرة خرج عدد كبير من العلماء احتجاجا على نفيه منهم النائيني وابو الحسن الاصفهاني وعدد كبير من المجتهدين تضامنا معه، الا انه وبعد مفاوضات مع الحكم الملكي تم الاتفاق على رجوعهم مقابل عدم تدخلهم في السياسة الا ان الخالصي الكبير رفض ذلك، واصر على موقفه الوطني وبقي في ايران حتى تُوفّي في الثاني عشر من شهر رمضان 1343ﻫ- 1925 بمشهد المقدّسة، ودُفن بجوار مرقد الإمام الرضا(ع).

وبسبب مكانته الكبيرة والمحترمة فقد رثاه كل شعراء العراق كالرصافي والزهاوي والجواهري والأزري وشيخ موسى اليعقوبي وملا عبود الكرخي رغم اختلاف هؤلاء في اتجاهاتهم وتوجهاتهم، بل حتى الملك فيصل تألم كثير لوفاته رغم انه خصمه السياسي وذلك لما كان يتمتع به من صدق واخلاص وشجاعة وخطاب جامع. توفي وترك منهجا وطنيا جامعا لا زالت مدرسته ثابته عليه رغم مرور السنوات وتغير الحكام، فلا زالت مكانة هذه المدرسة كبيرة علما وجهادا وتاريخا نظيفا مشرفا.

من اهم ما كتب عنه كتاب “بطل الاسلام” الذي كتبه ولده الشيخ محمد ويعد وثيقة تاريخية هامة لتلك المرحلة، وقد ترجم الى الفرنسية والفارسية منذ زمن بعيد.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky