الإمام الهادي

عندما عاث الفايكنج فسادًا… كيف حافظ الإمام الهادي على نور العلم رغم الإقامة الجبرية؟

خاص الاجتهاد: عاش الفايكنج، أو قراصنة البحار، في جنوب الدول الاسكندنافية، وشنوا غارات على الأراضي المجاورة لتأمين سبل عيشهم، وذلك في الفترة ما بين عام 700 وعام 1100 ميلادي. تزامن ظهور الغارات الفايكنجية، التي تحاول وسائل الإعلام المعاصرة تشويه صورتها وتبريرها، مع بزوغ النهضة الفكرية الإسلامية وولادة الإمام الصادق “عليه السلام”. ومع ذلك، وُلد الإمام علي النقي، الملقب بـ الإمام الهادي “عليه السلام”، وهو من أحفاد الإمام الصادق”عليه السلام”، في ذروة وحشية الفايكنج وتمرداتهم المنتشرة في جميع أنحاء أوروبا.

وقد وُضع هذا الرمز الثقافي، واستمرارية تيار الفكر والعلم والأخلاق، تحت الإقامة الجبرية في مدينة سامراء العسكرية، التي كانت قد تأسست حديثًا آنذاك. ولهذا السبب، لم يصلنا عنه إلا القليل من الأقوال؛ فعلى سبيل المثال، في كتاب “الكافي”، وهو أهم كتبنا الحديثية، ينتهي 12471 حديثًا بالإمام الصادق عليه السلام، بينما لم يصل إلى الإمام الهادي عليه السلام سوى 163 حديثًا. من الطبيعي أن شخصية عظيمة لا يُسمح لها بلقاء أتباعها، وتخضع للمراقبة من قبل حكومة ظالمة في مدينة عسكرية، لا تستطيع نقل الكثير من أقوالها إلى أصدقائها.

كان على الإمام الهادي أن يمثل أمام جهاز الخلافة مرة واحدة في الأسبوع، وكان الشيعة يقفون على جانبي الطريق في هذه الفرصة القصيرة للقاء الإمام. وقد قال: لا تشيروا إليّ حتى؛ لأنكم ستُكشفون وتُعرّضون للمشاكل.

وهنا يتجلى مفهوم ‘البركة’. فمن بين الروايات القليلة التي تسربت إلينا عن الإمام الهادي”عليه السلام”، والتي تم الحصول عليها من لقاءاته المحدودة مع شيعته، توجد عدة روايات مفتاحية أصبحت مؤسسة للثقافة، وذات هوية، وباقية. ولعل درة هذه الروايات هي الرواية المعروفة بـ ‘زيارة الجامعة الكبيرة’. وقد نُقلت هذه الزيارة في الكتب الروائية القديمة مثل ‘من لا يحضره الفقيه’، و’عيون أخبار الرضا’، و’تهذيب الأحكام’. وسميت ‘جامعة’ لشُموليتها؛ فهي زيارة عامة لجميع الأئمة “عليهم السلام”، ولا تختص بإمام بعينه. أما تسميتها بـ ‘كبيرة’ فلأنها، مقارنة بالزيارات الجامعة الأخرى، أكثر تفصيلاً وأطول. يتكون هذا النص من قسم تمهيدي قصير وجسم الزيارة الرئيسي.

يروي موسى بن عمران النخعي أنه طلب من الإمام الهادي عليه السلام أن يعلمه زيارة كاملة ليتمكن من زيارة أي إمام بها. وقد علّمه الإمام هذه الزيارة. ويمكن القول بجرأة إن تعزيز مبادئ ‘التوحيد’ و’الإمامة’ والدفاع عنها هو الهدف الرئيسي لتعليم هذا النص المقدس. تبدأ هذه الزيارة بمائة تكبيرة، ويتذكر القارئ من البداية مبدأ التوحيد، حتى لا تؤدي دعايات الغلاة حول مكانة أئمة الشيعة إلى إضعاف المبدأ المحوري للتوحيد. يبلغ إجمالي كلمات هذه الزيارة حوالي 1682 كلمة، وتكرر اسم ‘الله’ فيها 57 مرة (بالإضافة إلى المائة تكبيرة الأولية). كما أن الضمائر التي تعود على الله تزيد عن 90 مرة، وفي المجمل، يبلغ إجمالي الإشارات إلى الله والتوحيد أكثر من 247 مرة. أي أن ما يقرب من ثلث الزيارة، التي هي لتعظيم وتجليل أئمة الشيعة، تتناول مبدأ التوحيد. وبالتالي، فإن أحد أهداف إصدار هذه الزيارة وبيان هذه المقامات هو محاربة تيار الغلو وهذا النوع من الكفر المتستّر بالدين. وهذا يمكن أن يكون دحضًا للادعاء بأن الغلاة قد اختلقوا زيارة الجامعة ونسبوها إلى الإمام العاشر.

أما الزيارة الأخرى، فهي ‘زيارة الناحية المقدسة’ التي تُعد بمثابة رثاء مُجسّد لفاجعة كربلاء. نعم، إن زيارة الناحية المقدسة ليست من الإمام المهدي”عليه السلام”؛ بل هي من الإمام الهادي”عليه السلام”. ويُشير تاريخ الرواية إلى ‘عام 252 هجري من منطقة الناحية’. والمقصود بالناحية هنا هو سامراء؛ فقد سُميت كذلك (أي ‘ناحية’ بمعنى جانب أو طرف) نظرًا لمنع الذهاب إليها في ذلك الوقت. هذا التاريخ يوافق فترة إمامة الإمام الهادي “عليه السلام” وقبل شهادته بسنتين، وبالتالي فلا معنى لكون زيارة الناحية المقدسة من الإمام المهدي”عليه السلام”. وقد حجزت هذه الزيارة لنفسها مكانًا راسخًا في ثقافة الزيارة الشيعية.

وصلتنا عنه أيضًا أقوال أخرى ذات أهمية. منها قوله إن السيدة فاطمة الزهراء “عليها السلام” دفنت في بيتها، وليس في البقيع؛ أو أن زيارة عبد العظيم الحسني لها ثواب يعادل ثواب زيارة سيد الشهداء عليه السلام. كما أن ‘زيارة الغديرية’ له تستحق نقاشًا منفصلاً.

لم يعش ‘ابن الرضا الثاني’ (الإمام الهادي) سوى حوالي 42 عامًا؛ ورغم ذلك، لم ينتهِ عطاؤه الثقافي أبدًا. سلام الله عليه، وذكراه عطرة.

بقلم الباحث مصطفى قناعتكر

المصدر: صحيفة شهر آرا الإيرانية الفارسية

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky