الاجتهاد: تجدد الجدل المرتبط بإصلاح قانون الأسرة بالأوساط الحقوقية والسياسية في المغرب، بعد الظهور الأخير لزعيم حزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران، الذي دعا إلى مواجهة أي بنود “تخالف” المرجعية الإسلامية بـ”مسيرة شعبية مليونية”.
وفي سياق حديثه عن مقترحات تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان (حكومي)، تشمل دعوة لمنع تزويج القاصرات وإلغاء تجريم الإجهاض وإصلاح منظومة الإرث، قال بنكيران، في لقاء حزبي، إن “الشعب المغربي لن يقبل أي مساس بالشريعة الإسلامية”.
ووجه كذلك انتقادات إلى زعيمي حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، الذي اعتبر أنهما يريدان “تغيير كلام الله”، بعد أن سبق لهما المطالبة بإخراج قانون ذي “نفس تحديثي قوي”.
ويتجه المغرب نحو تعديل مدونة (قانون) الأسرة التي كانت مثار نقاش متواصل منذ إقرارها عام 2004، بعد دعوة العاهل المغربي، محمد السادس، في سبتمبر الماضي، إلى إطلاق مشاورات موسعة لإصلاحها من أجل تجاوز “الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها”.
وتقود هذه المشاورات لجنة شُكلت أواخر سبتمبر، تضم إلى جانب وزير العدل، مسؤولي عدد من المؤسسات القضائية والحقوقية والدينية، عهد إليها بإعداد مشروع الإصلاح في أجل أقصاه 6 أشهر، على أن تعد الحكومة مشروع قانون في هذا الشأن، وتعرضه على البرلمان.
هجوم حاد.. وردود
وتأتي التصريحات الأخيرة من بنكيران قبل نحو شهر من تقديم هذه اللجنة مقترحاتها إلى الملك، بعد أن عقدت، على مدار الأشهر الماضية، سلسلة لقاءات واجتماعات مع مؤسسات وتنظيمات سياسية، عرضت تصوراتها للإصلاح.
وعلى إثر المذكرات التي قدمتها منظمات حقوقية وتيارات سياسية يسارية، قال إنها ترفع “مطالب مخالفة للشريعة الإسلامية”، واصفا المطالبين بإلغاء تجريم الإجهاض في المغرب بـ”القتلة والمجرمين”، حسب تصريحات نقلها موقع “هسبريس” المحلي، ودانها نشطاء حقوقيون وسياسيون، باعتبارها “إقصائية وغير مقبولة”.
عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المصطفى المريزق، يقول إن التصريحات الأخيرة لبنكيران “مرفوضة”، مشيرا إلى أن “من حقه التعبير والدفاع عن آرائه، لكن ليس بممارسة الوصاية على الدين أو المزايدة على من يختلف معه في الرأي”.
من جانبه، رفض الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بن عبد الله، الدخول في ما وصفه بـ”الجدال العقيم” بعد تصريحات بنكيران، غير أنه قال، إن “من حق أي شخص أن يقول ما يريد، إلا أن عليه ألا يحرّف مواقف الحزب، لأن ذلك يطرح مشكلة تتعلق بالنزاهة”.
وأضاف القيادي الحزبي في تصريح لموقع “الحرة”، أنه لا يمكن لأي طرف أن يمارس الوصاية على الآخرين ويدّعي أنه “يمثل وحده الدين الإسلامي”.
بدورها، قالت حنان رحاب، رئيسة “منظمة النساء الاتحاديات”، التابعة لحزب الاتحاد الاشتراكي، إن حزبها لا يهتم بـ”أقوال رئيس الحزب الثامن في تراتبية الأحزاب الممثلة في مجلس النواب”، مشيرة إلى أن “صوته صوت قلة معدودة على أصابع اليد رد عليها المجتمع المغربي بكلمته في الانتخابات الأخيرة”، مؤكدة أنه “لن يستطيع أن يوقف عجلة التطور القانوني والحقوقي الذي اختارته الأسر المغربية”.
مذكرات وقضايا خلافية
وأعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مذكرته بشأن إصلاح قانون الأسرة، صوت عليها أعضاء الهيئة، قبل تقديمها للجنة المكلفة بإعداد مشروع الإصلاح، وفقا للمريزق الذي رفض كشف تفاصيل بنودها، على اعتبار أنها “لا تزال سرية” وليست مطروحة للنقاش العام.
غير أن المتحدث، يشدد على أن التعديلات التي اقترحها المجلس “ارتكزت أساسا على دستور البلاد، ومقاصد الشريعة الإسلامية”، بالإضافة إلى المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، نافيا أن يكون هناك “أي مس بهذه الثوابت”.
وطوال سنوات تطبيق “المدونة” التي تم تبنيها في أولى سنوات حكم الملك محمد السادس، رفعت المنظمات الحقوقية المغربية مجموعة من المذكرات المطلبية إلى الحكومة لدعوتها للتحرك من أجل تجاوز نصوص تصفها بـ”التمييزية والمكرسة للتمييز والظلم والعنف ضد النساء”.
وتدفع الحركة الحقوقية في البلاد، بأن المدونة في صيغتها الحالية، تنتهك مجموعة من الحقوق الأساسية للنساء، وتسهم في تفقيرهن، مطالبة بمراجعة عدد من المقتضيات المتعلقة بالزواج والطلاق، وتزويج الفتيات الصغيرات والطلاق والولاية الشرعية على الأبناء، وصولا إلى الحضانة المشتركة، وإثبات النسب وتعدد الزوجات والإرث.
وفي هذا الجانب، يقول المريزق، إن كل المقترحات التي صاغها المجلس تبقى “مداخل جوهرية وأساسية تأتي جوابا على الاختلالات التي سجلت طيلة 20 سنة من تطبيق القانون السابق، الذي لم تعد بنوده تتماشى مع طموحات وتطلعات المواطنات والمواطنين”.
وكان المجلس الحقوقي، دعا الحكومة في تقرير سابق له إلى تطبيق المناصفة في اقتسام الإرث بين الرجل والمراة والمساواة في جميع الحقوق، تطبيقا لأحكام دستور 2011 واحتراما للمواثيق الدولية.
ودعا تقرير المؤسسة إلى “تعديل مدونة الأسرة بشكل يمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل (…) في مجال الإرث، وذلك وفقا للفصل 19 من الدستور والمادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”.
وبشأن مناقشات المجلس الأخيرة بشأن مسألة المساواة في الإرث، قال الفاعل الحقوقي إنه “لا يمكن الحديث في الموضوع بتناقض مع النصوص القطعية الواردة في القرآن”.
ورفض المريزق، الخوض في التفاصيل المتعلقة بالموضوعات الجدلية الأخرى مثل الإجهاض وتزويج القاصرات، مشيرا إلى أن المجلس مؤسسة وطنية مستقلة وذات تعددية تتولى النظر في جميع القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، وكرامة وحرية المواطنين.
“القطع مع المقاربة المحافظة”
وصدرت تعليقات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ضد حزبي التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بعد أن دعيا في بيان مشترك الشهر الماضي، إلى إصدار مدونة جديدة “تقطع مع المقاربة المحافظة، وتحمل تغييرات حقيقية وجوهرية، بنَفَس تحديثي قوي”.
ومن ضمن المقترحات التي ركز عليها البيان، الدعوة لمنع وتجريم تزويج الطفلات دون سن 18، من خلال إلغاء الاستثناء الذي يتيحه القانون المغربي، بعد أن تحول إلى “شبه قاعدة” يحتكم إليها كثيرون لتزويج القاصرات.
وجدد بنكيران رفض حزبه هذا المطلب ، قائلا: “يقولون إن القاصر ليست مستعدة لأن تحمل في هذه السن، ولكنهم لا يتحدثون عن الفتيات اللواتي يحملن خلال ممارسة الحرام، والآن وجدوا حلا، وقالوا الحق في الإجهاض”، مضيفا: “هؤلاء مجرمون قتلة يريدون قتل الأجنة في بطون أمهاتهم”.
ويعاقب القانون المغربي على الإجهاض بالسجن من ستة أشهر إلى خمس سنوات. وينص على عقوبات لكل من المرأة التي أجهضت (السجن بين ستة أشهر وسنتين)، وكذلك الذين يقومون بإجراء العملية (من سنة إلى خمس سنوات في السجن).
ويخوض المعسكر التقدمي في المغرب حملات منذ سنوات من أجل إلغاء هذا التجريم، الذي يتسبب في مئات من عمليات الإجهاض السرية تتم كل يوم في ظروف صحية كارثية في بعض الأحيان، بحسب تقديرات نشطاء حقوقيين.
وكانت لجنة رسمية أوصت عام 2015 بعد نقاش محتدم، بإبقاء التجريم، مع استثناء الحالات التي يشكل فيها الحمل خطرا على حياة الأم، أو الحمل الناتج من اغتصاب أو زنى محارم، أو إصابة الجنين بتشوهات خلقية. لكن لم يتم بعد تعديل القانون الجنائي ليتضمن هذه الاستثناءات.
ومع الإعلان عن إصلاح قانون الأسرة، تجدد الجدل المرتبط أيضا بمراجعة منظومة الإرث، مع تعالي الأصوات المطالبة بإقرار المساواة بين الرجال والنساء، في مقابل الرفض القاطع الذي تبديه التيارات المحافظة بشأن كل نقاش يتداول في مسألة واردة بنصوص مقدسة، كما هو الشأن بالنسبة لنظام الإرث.
وفي هذا الجانب، دعا حزبا الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، في بيانهما المشترك إلى إلغاء التعصيب، والسماح للورثة بالحق في الوصية.
القيادية بحزب الاتحاد الاشتراكي، حنان رحاب، تقول إن أحكام الإرث، فيما يتعلق بالتعصيب، “تنطوي على ظلم في حق زوجة المتوفى وبناته في حال لم يكن لهن ولد، وهو ظلم لا يمكن قبوله بمسوغ ديني ضعيف، ولا بمنطق حقوقي، ولا حتى بمبادئ الأخلاق والفضيلة والمروءة”، على حد تعبيرها.
وطالب بيان الحزبين أيضا، بالقطع مع كل أشكال التمييز بين النساء والرجال، بما فيها اعتماد الخبرة الجينية في إثبات النسب التي يحصرها قانون الأسرة المغربي فقط في القضايا والحالات المتعلقة بالأطفال نتاج ما يعتبر “علاقة شرعية” سواء زواج أو خطوبة، ويستثني أبناء “العلاقات غير الشرعية”.
وتنص مقتضيات قانون الأسرة على أنه “لا يترتب عن البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب، أي أثر من آثار البنوة الشرعية”، بمعنى أن بنوة الطفلة أو الطفل الذي ولد خارج الزواج، لأبيه البيولوجي غير مبررة لا شرعا ولا قانونا، مما يحرمه من كل حقوقه المادية والمعنوية.
وفي هذا الجانب، تقول رحاب،” لم يعد مقبولا، أن يستمر اعتبار الخبرة الجينية للاستئناس فقط، فالإسلام دين العقل، وهو كذلك دين العدل، ولا نرى أي وسيلة أضمن لعدم اختلاط الأنساب كما تصطلح على ذلك المدونة الفقهية من الخبرة الجينية، وبالتالي يجب اعتمادها مصدرا وحيدا لإثبات النسب، إلى جانب إقرار الأب المفترض بالبنوة”.
ومن هذا المنطلق، تدعو رحاب إلى ضرورة تمتع الأطفال المولودين من علاقة خارج إطار الزواج القانوني، بكل حقوقهم مثل نظرائهم الآخرين. وأن يتم بحكم هذا المقتضى حذف أي إجراءات تمييزية قد تلحق ضررا نفسيا أو قانونيا أو ماديا بهؤلاء الأبناء”.
من جانبها، تؤكد رئيسة لجنة المساواة وحقوق النساء بحزب التقدم والاشتراكية، سمية منصف حجي، أن الحزب استند في المقترحات التي قدمها، على دستور البلاد، الذي يدعو إلى المساواة ومواجهة كافة أشكال التمييز، وهي المبادئ التي يتبناها الحزب.
وتضيف القيادية الحزبية في تصريح لموقع الحرة، أن الحزب الذي يحمل شعار “الكتاب”، شدد كذلك على ضرورة إلغاء تزويج القاصرات والمنع التام لتعدد الزوجات “لما يمثله من حيف وتمييز ضد المرأة، ويضرب في العمق كل المقتضيات المتعلقة بالمساواة بينها وبين الرجل”.
وتوضح حجي، أن الحزب يدعو كذلك إلى ضرورة إقرار المساواة في حضانة الأبناء بين الزوج والزوجة، مؤكدة أن المرأة تعاني ظلما كبيرا على هذا المستوى، إذ تجد نفسها مضطرة لأن تختار بين حياة زوجية جديدة أو الاحتفاظ بحضانة أبنائها، في حين أن هذه المسألة لا تطرح بالنسبة للزوج، مما يشكل “تجليا آخر من تجليات التمييز بين الأبوين”.
وفي ما يتعلق بنقاش الإرث، تقول الفاعلة الحقوقية إن حزبها يدعو إلى المساواة بجميع أشكالها، غير أنها توضح أنه يدرك أيضا طبيعة المجتمع المغربي والإكراهات التي يمكن أن تواجه هذه الخطوة، وبالتالي يدعو في الوقت الراهن إلى إلغاء التعصيب، على اعتبار أن استمرار العمل به يحمل “كوارث اجتماعية حقيقية تكون الفتيات والنساء والزوجات، ضحية أولى لها”.