تحالف إبراهيم الحقيقي، على محور حب الحسين

خاص الاجتهاد: وصلت عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، التي بدأت باتفاقية كامب ديفيد بعد الصراعات العربية-الإسرائيلية عام 1973، إلى ذروتها مع “اتفاقيات إبراهيم”.

تم توقيع هذا الميثاق في عام 2020 بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بوساطة أمريكية من الرئيس دونالد ترامب. وتعود تسميته إلى إبراهيم النبي، الشخصية المشتركة بين اليهودية والإسلام (العرب).

يحمل هذا الميثاق أهمية رمزية كبيرة بين اتفاقيات التطبيع، ويرجع ذلك إلى اسمه. لدرجة أن الكيان الصهيوني، وبعد يومين فقط من وقف إطلاق النار في الحرب التي استمرت 12 يومًا بين إيران والكيان الغاصب، كشف في 25 يونيو 2025 عن لوحة إعلانية في تل أبيب المدمرة تحمل عنوان “اتفاقيات إبراهيم” وشعار “حان وقت شرق أوسط جديد” (It’s time for a new middle east). وعلى هامش اللوحة، وردت عبارة “تحالف للأمن الإقليمي”.

تظهر اللوحة، إلى جانب الوجوه البارزة والمحورية لترامب ونتنياهو، شخصيات مثل بن سلمان والجولاني ومحمود عباس وحلفاء آخرين ممن انخرطوا في مشروع تطبيع العلاقات مع الكيان منذ كامب ديفيد عام 1978، وخرجوا بذلك من محور المقاومة.

إن الكشف عن لوحة “اتفاقيات إبراهيم” في تل أبيب، وخاصةً على أنقاض المدينة التي دمرت بفعل الصواريخ الإيرانية، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن القضية المحورية التي تحكم المنطقة على مدى نصف القرن الماضي هي الصراع بين فكرتين أساسيتين: فكرة تطبيع العلاقات، وفكرة المقاومة. ومن الملفت للنظر أن فكرة التطبيع باتت اليوم مرتبطة بالنبي إبراهيم “عليه السلام”.

ومع ذلك، فإن فكرة تطبيع علاقات الكيان الصهيوني مع الدول العربية ما هي إلا استكمال للمشروع الاستعماري الغربي في الشرق الأوسط. من الناحية الاقتصادية، وكما أشار قائد الثورة الإسلامية في خطبة صلاة جمعة النصر، يهدف هذا المشروع إلى تصدير الطاقة وموارد المنطقة إلى الغرب، واستيراد السلع الغربية إلى المنطقة. أما من الناحية الثقافية، فيعني ذلك نشر ثقافة الاستهلاك وما يصاحبها من جاذبيات وابتذالات جنسية في المنطقة.

ما نشهده في قطر والإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية وغيرها من حلفاء الكيان في المنطقة، من خلال حفلات جينيفر لوبيز وإعلانات ميسي والمشاهير الآخرين، يندرج ضمن الإطار الذي طرحه مفكرو مدرسة فرانكفورت لشرح آلية توسع الرأسمالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد وصفوا ذلك بأنه محاولة لتحطيم ظهور وإرادة المقاومة وقيام الجماهير، تحت مسمى “صناعة الثقافة: التنوير كخداع جماهيري”.

لكن الفارق هنا يكمن في أن هذا الخداع الجماهيري وهذه الصناعة الثقافية ترتبط، بما يتناسب مع ظروف غرب آسيا (بلاد الرافدين)، بالشخصية العظيمة والتاريخية لكل حضارات بلاد الرافدين، ألا وهو النبي إبراهيم عليه السلام.

في المقابل، لطالما عارضت فكرة المقاومة ضد النظام الاستعماري الغربي في المنطقة عملية التطبيع وتصدت لها. لقد اعتبرت إيران ودول محور المقاومة عملية “طوفان الأقصى” في أكتوبر 2023، التي تُعد العقبة الأبرز أمام مسار التطبيع خلال العامين الماضيين، بمثابة محور الصراعات في المنطقة.

إذا نظرنا إلى الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 يونيو 2025 كاستمرار لـ”طوفان الأقصى”، فيجب تحليل هذه الحرب التي استمرت 12 يومًا ووحدة الإيرانيين في مواجهة الكيان ضمن إطار مواجهة الهوية الثقافية والتاريخية الإيرانية المناهضة للاستعمار مع النظام الاستعماري.

هذه المقاومة، التي تعود جذور عناصرها الهوياتية إلى ما قبل الثورة الإسلامية، ويمكن تتبعها في حركات مثل حركة تأميم صناعة النفط المناهضة للاستعمار، وفي ذروتها، الثورة الإسلامية والدفاع المقدس، ظهرت مرة أخرى في مواجهة مشروع مناهض للاستعمار يُعرف باسم “تطبيع العلاقات”. ووصلت هذه المقاومة إلى ذروة وحدتها وصلابتها في حرب الأيام الاثني عشر. من هذا المنظور، يجب اعتبار ظهور هذه الهوية الثقافية والتاريخية في الأيام الاثني عشر من الحرب ضمن إطار المقاومة ضد الاستعمار الغربي.

ومع ذلك، فإن هذه الهوية التاريخية والثقافية، بالاستناد على الأقل إلى الرواية التاريخية لأبي الريحان البيروني في كتابه “تحقيق ما للهند”، لها جذور في الوحدة التوحيدية التي تشكلت كميراث للنبي إبراهيم في حضارة بلاد الرافدين، والتي شملت إيران الحالية أيضًا. بهذا التحليل، توجد رواية أخرى لـ”اتفاقيات إبراهيم” على الجانب الآخر من هذه الحرب، وهي الرواية التي تشكل حولها محور المقاومة.

وفقًا لهذا التحليل، نواجه، من منظور الشخص الثالث، روايتين متناقضتين لـ “اتفاقيات إبراهيم”. وعلى الرغم من اشتراكهما في شخصية النبي إبراهيم، إلا أنهما في أشد حالات الصراع الممكنة. وبغض النظر عن الحجج التاريخية أو العقائدية التي يمكن أن تُقدم لكلتا الروايتين، فإن ما يكتسب أهمية مصيرية من الناحية السوسيولوجية، وما يجري على أرض الواقع في إيران وإسرائيل في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار في حرب الأيام الاثني عشر، هو التجليات الاجتماعية لهاتين الروايتين حول “الاتفاق مع إبراهيم من أجل شرق أوسط جديد”.

من خلال عرض اللوحة الإعلانية المذكورة في 25 يونيو 2025، تسعى إسرائيل إلى تغطية الدمار والخراب الذي لحق بها في ظل فكرة “شرق أوسط جديد” ضمن “اتفاقيات إبراهيم”، وتقديم ذلك على أنه ثمن لا مفر منه لهذا الشرق الأوسط الجديد. هذا الشرق الأوسط، الذي يظهر في إطار “الاتفاق مع إبراهيم”، يصور مجموعة من حلفاء إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة ممن رضخوا للتطبيع. من المؤكد أن أحد أهداف هذه اللوحة الإعلانية هو الحفاظ على التماسك الاجتماعي داخل المجتمع الإسرائيلي ولدى حلفاء الكيان في المنطقة.

في المقابل، ومع انتهاء حرب الأيام الاثني عشر، دخل المجتمع الإيراني إحدى أهم فتراته الطقسية: محرم وصفر. هذه الشهور، المرتبطة باسم سيد الشهداء (الإمام الحسين) والبكاء والعزاء عليه، ورغم كونها مناسبة دينية بحتة، إلا أنها كانت دائمًا بمثابة عنصر موحد لأطياف مختلفة من المجتمع الإيراني وغير الإيراني من حيث عناصر الهوية.
إن ثورة سيد الشهداء، خاصة مع رواية النهضة البطولية ضد الظلم، وإن كانت تتشابك مع البكاء والحزن والحداد، إلا أنها تحمل في جوهرها روحًا ملحمية. و”حب الحسين” يتجاوز كل العرقيات واللغات والجنسيات والأنماط والمظاهر، ليحكم القلوب.

إن هذا البكاء الملحمي لا يعمل فقط كعامل للوحدة في مواجهة الظلم والاستعمار والاستغلال والغطرسة، بل يرتبط أيضًا بالنبي إبراهيم نفسه من خلال الحزن والبكاء. ففي رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في كتاب “عيون أخبار الرضا”، جاء أن إبراهيم بعد أن مُنع من ذبح إسماعيل بتقدير إلهي، كان حزينًا لعدم بلوغه الدرجات المعنوية التي تتطلبها تضحية إسماعيل. حينها، قصّ عليه مَلَك الوحي قصة عاشوراء، وإبراهيم الذي كان يحمل في قلبه محبة لنجل نبي آخر الزمان (الحسين عليه السلام) تفوق محبته لابنه، بكى وتألم لحادثة عاشوراء، حتى وهبه الله، بفضل هذا البكاء، مقام أهل المصيبة والتضحية. من هذا المنظور، كان النبي إبراهيم من المعزّين لسيد الشهداء عليه السلام.

بغض النظر عن أي تحقيق في صحة الحديث بناءً على المصادر أو التحليلات المسبقة للنص، فمن منظور الدراسات السوسيولوجية والظاهراتية، فإن تحالف شعوب محور المقاومة على “حب الحسين” وظهوره الاجتماعي في المواكب والعزاء، خاصة في محرم وصفر، له تاريخ يمتد إلى زمن النبي إبراهيم، بل وحتى إلى آدم أبي البشر من خلال رواية قبول توبته عند قسمه بالخمسة من آل الله. هذا الارتباط يتمحور حول المحبة القلبية، ويتجلى في الحزن والبكاء الملحمي. ففي جميع الحوادث الحسّاسة، يشكل حب الحسين نقطة التقاء محبي الحسين، مما يربطهم بالأنبياء من آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى.

من هذا المنظور، فإننا برفع كل راية وعَلَم في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام)، في إيران والعراق وأفغانستان وباكستان ولبنان وفلسطين والهند وإنجلترا وماليزيا، ومع كل عرق ولون ونمط ومظهر، وحتى بالتعاون مع المسيحيين واليهود المحبين للحسين، فإننا بذلك نرفع لوحة إعلانات “اتفاقيات إبراهيم” التي تتشكل حول حب الحسين.

إن حب الحسين، منذ بداية محرم وحتى مسيرة الأربعين، يوحد جميع محبي الحسين تحت راية واحدة، وكما في الماضي، سيصبح محور الحضارة الإسلامية الجديدة. كل راية عزاء لسيد الشهداء، في جميع أنحاء الكرة الأرضية، تعلن هذا المفهوم:

“اتفاقيات إبراهيم على محور حب الحسين

الآن وقت الحضارة الإسلامية الجديدة

تحالف من أجل الأمن العالمي

THE ABRAHAM ALLIANCE, CENTERED ON THE LOVE OF
HUSSEIN.

IT’S TIME FOR A NEW ISLAMIC CIVILIZATION;

a coalition for global security.

 

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky