الاجتهاد: لم يكن الشيعة في عصر الغيبة الصغرى وبدايات عصر الغيبة الكبرى بحاجة إلى كثير من الوسائل للكشف عن كذب أدعياء السفارة، ذلك لأنَّ منصب السفارة كما ذكرنا لم يكن ليثبت لأحدٍ إلا أنْ يكون واجدًا لكلا الحجتين: وهما النص والإعجاز، فيكفي لسقوط دعوى مدعي السفارة ان يظهر عجزه عن إقامة كلا الحجتين.
محتويات القسم الثاني:
وسائل التصدي للسفارات الكاذبة:
الوسيلة الأولى: ظهور التوقيعات من الناحية المقدسة عن طريق السفراء المسلَّم باتصالهم بالإمام الحجة (عج) عند الشيعة قاطبة.
الوسيلة الثانية: تصدي السفراء المسلَّم بسفارتهم لإحراج المدعي للسفارة أمام مريديه ممن قبل بدعواه.
الوسيلة الثالثة: هو مطالبة المدَّعي للنيابة بآية معجزة على مرأى من الناس ليتبيَّن لبسطائهم زيف دعواه.
الوسيلة الرابعة: تصدِّي العلماء لتوهينهم والسخرية منهم وذلك لما لهذه الوسيلة من أثر بالغ في الحيلولة دون إصغاء العامة من الناس لأراجفيهم ومخاريقهم.
وهنا أمران يحسن الإشارة إليهما ونحن بصدد استعراض تأريخ السفارات الكاذبة.
أكثر أدعياء السفارة انحرفوا عقائديا:
النموذج الأول: أبو محمد المعروف بالشريعي
النموذج الثاني: محمد بن نصير النميري
النموذج الثالث: محمد بن علي الشلمغاني
النموذج الرابع: أبو دلف الكاتب
انقطاع السفارة من ضروريات المذهب
وسائل التصدي للسفارات الكاذبة
لم يكن الشيعة في عصر الغيبة الصغرى وبدايات عصر الغيبة الكبرى بحاجة إلى كثير من الوسائل للكشف عن كذب أدعياء السفارة، ذلك لأنَّ منصب السفارة كما ذكرنا لم يكن ليثبت لأحدٍ إلا أنْ يكون واجدًا لكلا الحجتين: وهما النص والإعجاز، فيكفي لسقوط دعوى مدعي السفارة ان يظهر عجزه عن إقامة كلا الحجتين، إلا انه ونظرًا لتميُّز مدعي السفارة عادةً ببعض السمات الذاتية والاجتماعية التي قد ينتج عنها وقوع بسطاء الناس في شرَكهم فيتوهمون صدق دعواهم،
فلأن مدعي السفارة عادة ما يتميزون بالفطنة والدهاء وظاهر الصلاح، وقد يكون لهم تأريخ مشرق في الجهاد أو الصحبة للإمام (عج)، أو أحد السفراء، ولهذا فقد يتسامح بسطاء الناس معهم ويُذعنون بصدق دعواهم النيابة دون مطالبتهم بالدليل،
ثم إن هؤلاء كثيرًا ما يتوسَّلون بالكذب واختلاق المناقب والفضائل والكرامات، ويروِّجونها بين الناس بواسطة بطانتهم والذين تربطهم بهم مصالح ذاتية أو فئوية، لذلك اقتضت الحاجة إلى أن يتصدى الإمام (عج) وعلماء الطائفة لأدعياء السفارة والنيابة رغم وضوح كذبهم عند عقلاء الناس ممَّن لا يقبلون بدعوى مدَّعٍ إلا بعد التثبُّت وقيام الحجة،
ويمكن تصنيف الوسائل التي اعتُمدت في ذلك إلى أربع وسائل:
الوسيلة الأولى: ظهور التوقيعات من الناحية المقدسة عن طريق السفراء المسلَّم باتصالهم بالإمام الحجة (عج) عند الشيعة قاطبة.
وقد اشتملت هذه التوقيعات على بيان كذب المدعين للنيابة، وكذلك اشتملت على تسميتهم بأسمائهم والأمر بلعنهم والتبرِّي منهم.
فممَّن صدرت التوقيعات الشريفة بلعنهم والأمر بالتبرِّي منهم وممَّن شايعهم بعد بلوغ الحجة هم:
1- أبو محمد الشريعي وهو -كما أفاد الشيخ الطوسي- أول من ادعى مقام النيابة كذبًا، وكان من أصحاب الإمامين الهادي والعسكري (ع).
روى الشيخ الطوسي بسندٍ معتبرٍ عن أبي علي محمد بن همام قال: كان الشريعي يكنّى بأبي محمد .. وهو أول من ادّعى مقامًا لم يجعله الله إليه ولم يكن أهلاً له .. فلعنته الشيعة وتبرأت منه وخرج توقيع الإمام (عج) بلعنه والبراءة منه(1).
2- أحمد بن هلال الكرخي العبرتائي، وكان من أصحاب أبي محمد الحسن العسكري (ع)، ولد كما أفاد الشيخ في كتاب الفهرست سنة ثمانين ومائة ومات سنة سبع وستين ومائتين(2) وأفاد ذلك النجاشي(3) في رجاله نقلاً عن أبي علي بن همام، فيكون قد أدرك من عصر الغيبة الصغرى سبع سنوات، ذكره الشيخ فيمن ادّعى النيابة لصاحب الأمر (عج)، وأفاد أنه ظهر التوقيع من الناحية بلعنه والبراءة منه(4).
روى الشيخ الكشي في اختيار معرفة الرجال بسنده عن أحمد بن إبراهيم المراغي قال: ورد على القاسم بن علا نسخة ما خرج من لعن ابن هلال، وكان ابتداء ذلك أنَّه كتب (عج) إلى قوامه بالعراق: “احذروا الصوفي المتصنع”، قال: وكان شأن أحمد بن هلال أنَّه قد كان حج أربعًا وخمسين حجة، عشرون منها على قدميه.
قال: وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه، وأنكروا ما ورد في مذمته، فحمَّلوا القاسم بن العلا على أن يُراجع في أمره، فخرج إليه: قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنع ابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت لم يزل، لا غفر الله له ذنبه ولا أقاله عثرته، يُداخل في أمرنا بلا إذنٍ منا ولا رضى، يستبد برأيه فيتحامى من ديوننا، لا يمضي من أمرنا إلا بما يهواه ويريد أرداه الله بذلك نار جهنم، فصبرنا عليه حتى بتر الله بدعوتنا عمره، وكنا قد عرَّفنا خبره قومًا من موالينا في أيامه لا رحمه الله، وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخاص من موالينا، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال لا رحمه الله وممن لا يبرء منه، وأعلِم الاسحاقي سلَّمه الله وأهل بيته مما علَّمناك من حال هذا الفاجر وجميع من كان سألك أو يسألك عنه من أهل بلده والخارجين ومَن كان يستحق ان يطَّلع على ذلك ..
قال أبو حامد: فثبت قوم على إنكار ما خرج فيه، فعاودوه فيه، فخرج، لا شكر الله قدره، لم يدع المرء ربه بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه وأن يجعل ما منه به عليه مستقرًا، ولا يجعله مستودعًا، وقد علمتم من أمر الدهقان عليه لعنة الله وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله بالإيمان كفرًا، حيث فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولا يمهله، والحمد لله لا شريك له وصلَّى على محمد وآل محمد(5).
ويظهر من التوقيع الشريف ومن كلمات الرجاليين أن أحمد بن هلال كان صالحًا وكان ممن يروي كثيرًا عن أهل البيت (ع)، فقد أفاد الشيخ في الفهرست أنه روى أكثر أصول أصحابنا(6)، ولعل ذلك هو منشأ توقف بعض الناس في أمره وعدم تصديق ما ورد فيه إلا بعد المراجعة والتثبُّت الزائد.
3- محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر كان -كما أفاد الشيخ النجاشي- متقدمًا في أصحابنا فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الرديئة، حتى خرجت فيه توقيعات، فأخذه السلطان وقتله وصلبه(7)، وقال الشيخ في الفهرست أنه كان مستقيم الطريقة ثم تغيَّر وظهرت منه مقالات منكرة إلى أن أخذه السلطان فقتله وصلبه(8).
ولأنَّ هذا الرجل كانت له مكانة علمية ودينية في الوسط الشيعي، وكان يُستبعد في مثله الانحراف، خصوصًا وأنه كان وكيلاً لأبي القاسم الحسين بن روح -كما قيل- لذلك خرجت فيه توقيعات عديدة من الناحية المقدسة تؤكد انحرافه وكذبه فيما ادّعاه من النيابة لصاحب الأمر، وفساد ما استجدَّ من معتقداته ومقالاته.
فمن التوقيعات التي خرجت من الناحية المقدسة على يد الحسين بن روح -السفير الثالث- ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن همام قال: خرج على يد الشيخ أبي القاسم بن روح (رض) في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة في لعن ابن أبي العزاقر، والمداد رطب لم يجف(9): “عرَّفك الله الخير، أطال الله بقاءك وعرَّفك الخير كله وختم به عملك، من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أسعدكم الله بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني قد ارتدَّ عن الإسلام وفارقه .. وافترى كذبًا وزورًا وقال بهتانًا وإثمًا عظيمًا .. كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيدًا وخسروا خسرانًا مبينا، وإننا قد برئنا إلى الله تعالى ورسوله وآله -صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم- منه ولعنّاه عليه لعائن الله في الظاهر والباطن، في السر والجهر، وفي كل وقت وعلى كل حال، وعلى من شايعه وتابعه وبلغه هذا القول منا، وأقام على تولَّيه بعد، وأعلمهم أننا في التوقِّي منه والمحاذرة منه على مثل ما كان ممن تقدَّمْنا لنظرائه من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم، وعادةُ الله جلَّ ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة وبه نثق وإياه نستعين، وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل”(10).
قال هارون وأخذ أبو علي بن همام هذا التوقيع ولم يدع أحدًا من الشيوخ إلا أقرأه إياه وكوتب من بَعُدَ منهم بنسخته في سائر الأمصار، فاشتهر ذلك في الطائفة فاجتمعت على لعنه والبراءة منه(11).
وروى الشيخ هذا التوقيع بأسانيد أخرى غير السند الذي ذكرناه(12).
الوسيلة الثانية: تصدي السفراء المسلَّم بسفارتهم لإحراج المدعي للسفارة أمام مريديه ممن قبل بدعواه.
ونذكر لذلك نموذجًا رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة، حيث أفاد أنَّ محمد بن علي بن بلال ادّعى لنفسه الوكالة عن الإمام صاحب الزمان (عج).
وكانت عنده أموال للإمام (عج)، وكان ذلك في زمان أبي جعفر محمد بن عثمان العمري الذي لم يكن يختلف أحد في نيابته للإمام الحجة (عج)، وإن محمد بن علي بن بلال رغم دعواه الوكالة والنيابة للإمام (عج) لم يكن ينفي نيابة أبي جعفر للإمام الحجة (عج).
تفاجأ هذا المدّعي للوكالة بمجيء أبي جعفر محمد بن عثمان إلى داره، وكان حينها في مجلسه ومعه أخوه أبو الطيب بن علي بن بلال، وابن حرز وجماعة من أصحابه، فلم يسع محمد بن علي بن بلال إلا أن يأذن له بالدخول، فحين دخل أبو جعفر قام له محمد بن علي بن بلال والجماعة، وجلس أبو جعفر في صدر المجلس، وجلس أبو طاهر محمد بن علي بن بلال بين يديه.
فلمّا استقرَّ المجلس قال أبو جعفر محمد بن علي: نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان بحمل ما عندك من المال إليّ؟ فقال محمد بن علي بن بلال: (اللهمَّ نعم)، فنهض أبو جعفر منصرفًا، ووقعت على القوم سكتة، فلما تجلَّت عنهم قال له أخوه أبو الطيب: من أين رأيت صاحب الزمان (عج)، فقال محمد بن علي بن بلال: أدخلني أبو جعفر إلى بعض دوره فأشرف عليَّ من علو داره، فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه.
هذا الحدث ترتب عليه رجوع بعض مَن كان حاضرًا في المجلس عن القول بنيابة محمد بن علي بن بلال، وقد لاحظتم كيف تصاغر هذا المدَّعي للنيابة أمام أبي جعفر وأقرَّ أمامه بأنَّه لم يكن مستأمنًا على ما بيده من أموالٍ للإمام الحجة، وأن يده عليها كانت يدًا عادية رغم إيهامه لأصحابه بأنه مستأمن ووكيل لصاحب الأمر (عج)، والحال أنه يقرُّ بأنه قد خالف أوامر الإمام (عج)(13).
والظاهر أنَّ منشأ إقراره بذلك وعدم إنكاره لمناشدة أبي جعفر رغم وجوده في وسط أصحابه، وإدراكه لما سيترتب على إقراره من انكشاف كذبه وانتحاله لهذا المذهب هو اطمئنانه بأن أبا جعفر ما جاء إليه في وسط داره إلا وهو قادر على كشف كذبه أمام حاشيته ومريديه؛ لذلك وفَّر على نفسه المزيد من الإحراج فأقرَّ دون ممانعة.
الوسيلة الثالثة: هو مطالبة المدَّعي للنيابة بآية معجزة على مرأى من الناس ليتبيَّن لبسطائهم زيف دعواه.
ونذكر لذلك نموذجًا رواه الشيخ الطوسي وغيره من أعلام الطائفة.
وحاصل ما أفاده أن الحسين بن منصور الحلاّج ممن ادعى النيابة للإمام صاحب الزمان (عج) فكان من أمره أنه توهم أنَّ مخاريقه وحيله قد تنطلي على مثل أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي، ولأنَّ أبا سهل كان وجيهًا معروفًا بالعلم والأدب، فكان قبوله بدعوى الحلاج سوف يستوجب انخداع الكثير من بسطاء الناس وتوهمهم بصدقية دعواه، ولهذا حرص على أن يستميله ويجعل له مقامًا في دعوته، فأرسل إليه فكان فيما ورد في مراسلته “إني وكيل صاحب الزمان وقد أُمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوِّي نفسك ولا ترتاب في هذا الأمر”.
فأرسل إليه أبو سهل (رض) يقول له: “إني أسألك أمرًا يسيرًا يخفُّ مثله عليك .. وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهنَّ، وبي منهنَّ عدة أتحظاهنَّ والشيب يُبعدني عنهنَّ .. وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة .. وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء فإني طوع يديك وصائرٌ إليك وقائل بقولك وداعٍ إلى مذهبك ..”(14).
وفي نقل آخر ورد أنَّه قال له أيضًا: “.. وأنا مبتلٍ بالصلع حتى أني أطول قحفي وآخذ به إلى جبيني وأشده بالعمامه وأحتال فيه بحيل، ومبتلى بالخضاب لستر الشيب.
فإن يصل إليَّ شعرًا وردَّ لحيتي سوداء بلا خضاب آمنت بما يدعوني إليه كائنًا من كان، إن شاء قلتُ إنه باب الإمام، وإن شاء قلتُ إنه الإمام، وإن شاء قلتُ إنه النبي، وإن شاء قلت إنه الله”(15).
وأفاد الشيخ الطوسي (رحمه الله) أنه لما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه أخطأ في مراسلته .. وصيَّره أبو سهل أحدوثة وأضحوكة بين الناس حتى اشتهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سببًا لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه(16).
الوسيلة الرابعة: تصدِّي العلماء لتوهينهم والسخرية منهم وذلك لما لهذه الوسيلة من أثر بالغ في الحيلولة دون إصغاء العامة من الناس لأراجفيهم ومخاريقهم.
وقد تقدم منَّا في الوسيلة الثالثة ما يصلح ان يكون مثالاً لهذه الوسيلة، حيث أفاد الشيخ الطوسي انَّ ما فعله أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي صيَّر من الحلاج أضحوكة وأحدوثة بين الناس، حتى اشتهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سببًا لكشف أمره وتنفير الجماعة منه.
وثمَّة نص آخر -يُعبِّر عن اعتماد العلماء والطائفة هذه الوسيلة- رواه الشيخ الطوسي بسندٍ معتبرٍ عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولوليه قال: أما أبو دلف الكاتب -لا حاطه الله- فكنّا نعرفه: .. وما عرفناه قط إذا حضر في مشهدٍ إلا استخفَّ به.
ونذكر مثالاً ثالثًا لهذه الوسيلة رواه الشيخ الطوسي بسندٍ معتبرٍ عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه قال: إنَّ ابن الحلاج صار إلى قم قرابة أبي الحسن يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضًا ويقول: أنا رسول الإمام ووكيله، قال: فلما وقعت المكاتبة في يد أبي (رض) خرَّقها وقال لموصلها إليه: ما أفرغك للجهالات، فقال له الرجل: فإنَّ الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته؟ وضحكوا منه وهزءوا به.
ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه قال: فلما دخل الدار التي كان فيه دكانه، نهض له مَن كان هناك جالسًا غير رجل رآه جالسًا في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي، فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما يكون التجار، أقبل على بعض مَن كان حاضرًا فأخبره فسمعه الرجل يسأل عنه، فأقبل عليه وقال له: تسأل عني وأنا حاضر، فقال له ابي: أكبرتُك أيها الرجل وأعظمتُ قدرك ان أسألك، فقال له: تُخرِّق رقعتي وأنا أشاهدك تُخرِّقها، فقال له أبي: فأنت الرجل إذًا، ثم قال: يا غلام برجله وبقفاه.
فخرج من الدار العدو لله ولرسوله، ثم قال له: اتدَّعي المعجزات عليك لعنة الله، أو كما قال: فاُخرج بقفاه فما رأيناه بعدها بقم(17).
ولعل منشأ اعتماد هذه الوسيلة مضافًا للوسائل الأخرى هو صعوبة التواصل مع عامة الناس نظرًا لاشتغالهم بشؤون معاشهم وسائر شؤونهم الخاصة، فلا فرصة لأكثرهم للوقوف على الحجة والبرهان، وقد لا يستوعب بعضهم لغة البرهان والحجة.
ولهذا قد تنطلي على كثير منهم ما يصلهم اتفاقًا من أفكار، خصوصًا إذا تمظهرت بمظهر عقلاني أو غيبي، وكان المتصدِّي لترويجها ممِّن هو على ظاهر الصلاح.
فنظرًا لفراغهم العقائدي وعدم قدرة الكثير منهم على كشف المغالطات التي يحبكها المروِّجون للأفكار الدخيلة، لذلك يقع الكثير من بسطاء الناس فريسةً للأراجيف التي يسوَّق لها المعقَّدون أو المبطلون، ولهذا كان واحدًا من وسائل تحصين القواعد الشعبية للطائفة هو توهين أصحاب الرايات الضالة والسخرية منهم لان ذلك يُساهم عادة في عدم إصغاء عامة الناس لهم، فلا يقعدون فريسة مخاريقهم.
وأما دعوى أنَّ ذلك يعدُّ امتهانًا لعقليات الناس، فهو واحدة من الوسائل التي يُمارسها المبطلون للتغرير ببسطاء الناس، فإن مما يشهد به الوجدان ان الناس ليسوا على مستوىً واحد، وأنَّ كثيرًا منهم سهل الانقياد، وكما أفاد الإمام علي (ع): “الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهج رعاع ينعقون مع كل ناعق”.
وهنا أمران يحسن الإشارة إليهما ونحن بصدد استعراض تأريخ السفارات الكاذبة.
أكثر أدعياء السفارة انحرفوا عقائديا
الأمر الأول: إن أكثر من ادّعى السفارة والنيابة للإمام الحجة (عج) انتهى أمره إلى الانحراف العقائدي التام، فيكون أمره في مبدأ انحرافه مدّعيًا للنيابة والبابيَّة، ثم ينتهي إما إلى الكفر، أو الغلو وهو من شعب الكفر أو إلى القول بالتناسخ والحلول، أو التبني لتشريعات منافية لضرورة الإسلام كما اتفق لبعضهم القول بجواز نكاح المحارم.
ويمكن التوثُق من ذلك بملاحظة استقراء أحوال أدعياء السفارة، مضافًا إلى ما أفاده بعض علمائنا المتقدمين والمعاصرين لزمن الغيبة الصغرى وبدايات الغيبة الكبرى، ومن ذلك ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسندٍ معتبرٍ عن أبي علي بن همام قال: قال أبو علي بن هارون: “وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام (عج) وإنهم وكلاؤه، فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية كما اشتهر عن أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعًا لعائن الله تترى”(18).
وأما الطريق الآخر وهو استقراء أحوال أدعياء السفارة، فنذكر له أربعة نماذج:
النموذج الأول: أبو محمد المعروف بالشريعي، وقيل إنَّ اسمه الحسن، وكان من أصحاب الإمامين العسكريين (ع).
روى الشيخ في الغيبة بسنده عن أبي علي محمد بن همام قال: قال هارون: “وهو أول من ادّعى مقامًا لم يجعله الله فيه ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه (عليهم السلام)، ونسب إليهم ما لا يليق بهم، وما هم منه براء ..” قال: ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد(19).
وروى ذلك الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج(20).
النموذج الثاني: محمد بن نصير النميري، روى الشيخ عن ابن نوح عن هبة الله بن محمد قال: “كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي (ع) فلما توفي ادّعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان، أنه صاحب إمام الزمان، وادّعى البابية، وفضحه الله بما ظهر منه من الإلحاد والجهل .. وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي”(21).
وروى الشيخ أيضًا في كتاب الغيبة قال: قال سعد بن عبد الله: كان محمد ابن نصير يدّعي أنه رسول نبي، وأنَّ عليَّ بن محمد أرسله، وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن (ع) ويقول فيه بالربوبية، ويقول بالإباحة للمحارم، وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضًا في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات، وإنَّ الله عزّ وجل لا يحرِّم شيئًا من ذلك(22).
وروى ذلك الكشي عن أبي عمرو(23).
وقال ابن شهرآشوب في كتابه المناقب: إنّ محمد بن نصر النميري زعم أن الله لم يظهر إلا في هذا العصر وأنه علي (ع) وحده، فالشرذمة النصيرية ينتمون إليه، وهم قوم إباحية تركوا العبادات والشرعيات واستحلَّوا المنهيات والمحرمات، ومن مقالهم: إنَّ اليهود على الحق ولسنا منهم، وإنَّ النصارى على الحق ولسنا منهم(24).
النموذج الثالث: محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر وهو ممن ادّعى البابية والنيابة لصاحب العصر والزمان (عج) وأفاد النجاشي: انه ترك المذهب ودخل في المذاهب الرديئة(25).
روى الشيخ الطوسي عن الصفواني قال: سمعت أبا علي بن همام يقول: سمعت محمد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول: الحق واحد وإنما تختلف قمصه، فيوم يكون في أبيض ويوم يكون في أحمر ويوم يكون في أزرق(26).
قال ابن همام: فهذا أول ما أنكرته من قوله، لأنه قول أصحاب الحلول.
وروى الشيخ الطوسي أن الشلمغاني كان يقول بأن روح رسول الله قد حلَّت في بدن أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وأن روح السيدة فاطمة (ع) حلَّت في الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري. (27)
وقال (رحمه الله): “أن للشلمغاني حكايات قبيحة وأمور فظيعة نُنزِّه كتابنا عن ذكرها، ذكرها ابن نوح وغيره”(28).
النموذج الرابع: أبو دلف الكاتب، ادعى النيابة بعد انقضاء عصر الغيبة الصغرى ولم يكن أحد غيره قد ادعاها بعد وفاة أبي الحسن علي بن محمد العمري السفير الربع.
وقد روى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسنده عن جعفر بن محمد بن قولويه أنه قال: “أما أبو دلف الكاتب -لا حاطه الله- فكنا نعرفه ملحدًا ثم أظهر الغلو ثم جنَّ وسلسل ثم صار مفوضًا ..”(29).
وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): “وحكايات فساد مذهب أبي دلف أكثر من أن تُحصى فلا نطوِّل بذكرها الكاتب ها هنا”(30).
هذه نماذج أربعة، ولولا خشية الإطالة لاستعرضنا أحوال كلِّ من ادعى النيابة عن صاحب الأمر، فما من أحدٍ ممن ادعى هذا المنصب كذبًا ممن ذكرهم الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة إلا وقد انحرف عن المذهب واتخذ لنفسه مذهبًا فاسدًا كمذهب الغلاة أو المفوضة أو مذهب الإباحية.
ولعل منشأ ذلك هو الخذلان الإلهي، وحتى ينكشف للمؤمنين مخبوء سريرة المدعي لذلك، ويتبين لهم خبث ما انطوت عليه نفسه، فلا يكون بعدئذٍ لمتوهم عذر يعتذر به.
انقطاع السفارة من ضروريات المذهب
الأمر الثاني: إن انقطاع السفارة والنيابة الخاصة لصاحب الأمر (عج) بموت السفير الرابع يُعدُّ من ضروريات المذهب ومن مسلَّمات الإماميَّة، وذلك وحده كاف لثبوت كذب كلِّ من ادعى النيابة بعد انقضاء عصر الغيبة الصغرى وموت أبي الحسن السمري، ولا ريب في حجيَّة التسالم حتى عند مَن لا يرى للإجماع حجيَّة، وذلك لأن التسالم من الأدلة الوجدانية وليس من قبيل الأدلة الإجتهادية،
ولهذا روى الشيخ الطوسي عن شيخه الشيخ المفيد عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي وهو من الثقات الأجلاء قال: سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه -وهو من أجلاء الطائفة وأعيانها- يقول: وأما أبو دلف الكاتب -لا حاطه الله- .. ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة، والجماعة تتبرأ منه وممن يُومي إليه ويُنمِّس به .. فلعنَّاه وبرئنا منه، لأن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري (رحمه الله) فهو كافر منمس ضال مضل وبالله التوفيق(31).
فهذا النص والذي هو في أعلى مراتب الصحة السندية صريح في أنَّ ادعاء السفارة والنيابة بعد السمري يُعدُّ من شعب الكفر ومن الضلال البيِّن، وذلك تعبير عن أنَّ انقطاع السفارة بموت السمري من ضروريات المذهب الشريف المستلزم لضلالة كلِّ من تنكَّر لذلك.
ويمكن تأييد هذا التسالم بالتوقيع الشريف الصادر عن الناحية المقدسة على يد أبي الحسن علي بن محمد السمري، فقد روى الشيخ الصدوق عن شيخه أبي محمد الحسن بن أحمد المكتِّب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي تُوفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعًا نسخته:
“بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة الثانية (التامة) فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورًا، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني، والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”(32).
أما سند هذا التوقيع الشريف فهو معتبر وأعلائي، فهو أعلائي نظرًا لقلة الوسائط بين الراوي و بين الإمام (عج)، فالواسطة بين الشيخ الصدوق (رحمه الله) وبين الإمام (عج) هو شيخه أبو محمد الحسن بن أحمد المكتِّب، والثاني هو الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري، والحديث إذا كان سنده أعلائيًّا يكون أدعى بنظر علماء الرجال وكذلك عموم العقلاء للوثوق بصدوره، فيكون ذلك قرينة تُضاف إلى وثاقة رواته على صدقه،
وأما أنه معتبر فلأن راويه هو شيخ المحدثين عند الإمامية وهو الشيخ الصدوق (رحمه الله)، وقد رواه عن شيخه أبي محمد الحسن بن أحمد المكتِّب والذي كان يكثر من الترحم عليه والترضي عنه، وتلك أمارة على وثاقته، وأما راوي التوقيع مباشرة عن الإمام (عج) فهو الشيخ السمري السفير الرابع والذي هو غني عن التعريف وذلك لتسالم الطائفة على جلالة قدره وعلوِّ شأنه.
هذا وقد تلقَّى علماء الطائفة هذا التوقيع بالقبول واستندوا إليه في مدوَّناتهم، وتلك أمارة أخرى على اعتبار هذا التوقيع الشريف.
وأما دلالة التوقيع على انقطاع السفارة بموت السمري فهي مستفادة من قوله (عج) للسمري (رحمه الله): “فأجمع أمرك ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة أو الثانية، فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل”.
فالنهي عن الإيصاء صريح في انقطاع السفارة بموت السمري، خصوصًا وأن الإمام فرَّع على ذلك وقوع الغيبة التامة أو الثانية، وذلك تعبير صريح عن أن طبيعة الغيبة التامة والثانية مختلفة عن طبيعة الغيبة الصغرى، وليس من شيء امتازت به الغيبة الأولى إلا السفراء الذين كان يتصل الإمام بشيعته عن طريقهم، فلا معنى لوقوع الغيبة الثانية أو التامة إلا انتفاء هذا الميزة وذلك هو معنى انقطاع السفارة والنيابة الخاصة.
على أن قوله (عج): “فلا ظهور” يقتضي ذلك أيضًا إذ أنه (عج) لم يكن ظاهرًا أيضًا في زمن الغيبة الأولى إلا بمستوى الالتقاء بالسفراء، ومعنى ذلك أن هذا المستوى من الظهور يكون منتفيًا في الغيبة الثانية.
ثم إن الإمام (عج) صرَّح في ذيل التوقيع الشريف أن من ادّعى المشاهدة بعد وقوع الغيبة الثانية والتامة وقبل ظهور السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر.
والقدر المتيقن من مدلول المشاهدة هو الاتصال المنتظم بالإمام (عج) ودعوى النيابة الخاصة، بل إن المتعيِّن من مدلول لفظ المشاهدة هو ذلك بقرينة أن التوقيع كان بصدد بيان انتفاء النيابة بموت السمري فيكون ذلك قرينةً على أن المراد من قوله: “فمن ادّعى المشاهدة ..، فهو كذّاب مفتر” هو المشاهدة المنتظمة التي لا تتفق إلا للنواب والوكلاء.
الهوامش
1- الغيبة: 397، بحار الأنوار: ج51/367، الاحتجاج: ج2/289، جامع أحاديث الشيعة: ج14/448.
2- الفهرست للشيخ الطوسي: 83.
3- رجال النجاشي: 83.
4- الغيبة: 399، 353، الاحتجاج للطبرسي ج2/289، بحار الأنوار ج51/380.
5- اختيار معرفة الرجال: ج2/816، جامع أحاديث الشيعة للبروجردي ج1/222، ج14/445، بحار الأنوار ج50/318.
6- الفهرست للطوسي: 83، معالم العلماء لابن شهرآشوب: 57.
7- رجال النجاشي: 378.
8- الفهرست للطوسي: 224.
9- الغيبة للطوسي: 410، بحار الأنوار: ج51/376، جامع أحاديث الشيعة ج14/446.
10- الغيبة: 411، بحار الأنوار: ج51/377، تعليقة على منهج المقال للوحيد البهبهاني: 318.
11- الغيبة: 411، بحار الأنوار: ج51/377، جامع أحاديث الشيعة ج14/447.
12- الغيبة: 411.
13- الغيبة: 400، بحار الأنوار: ج51/369.
14- الغيبة: 401، بحار الأنوار: ج51/370.
15- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج8/122، الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: ج2/185.
16- الغيبة: 402، بحار الأنوار: ج51/370.
17- الغيبة: 403، بحار الأنوار: ج51/371.
18- الغيبة: 397، بحار الأنوار: ج51/367، جامع احاديث الشيعة: ج14/449.
19- الغيبة: 397، بحار الأنوار: ج51/367.
20- الاحتجاج للطبرسي: ج2/289.
21- الغيبة: 398، بحار الأنوار: ج51/367.
22- الغيبة: 398، بحار الأنوار: ج25/318، ج51/368.
23- اختيار معرفة الرجال: ج2/805.
24- مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب: ج1/228، بحار الأنوار: ج25/286.
25- رجال النجاشي: 378.
26- الغيبة: 408، بحار الأنوار: ج51/373.
27- الغيبة: 404، بحار الأنوار: ج51/372.
28- الغيبة: 406، بحار الأنوار: ج51/373.
29- الغيبة: 412، بحار الأنوار: ج51/377.
30- الغيبة: 413، بحار الأنوار: ج51/378.
31- الغيبة: 412، خلاصة الأقوال للعلامة الحلي: 434، بحار الأنوار: ج51/378.
32- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 516، الغيبة 395، الاحتجاج/ ج2/297، تاريخ المواليد للطبرسي: 69، الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي: 603، الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ج3/1129، إعلام الورى للطبرسي ج2/260، كشف الغمة للأردبيلي ج2/347، بحار الأنوار ج51/361، ج52/151.
المصدر: كتاب: تساؤلات في الفقه والعقيدة للشيخ محمد صنقور