الإمام-الخميني-الحوزة-العلمية النجف الأشرف

خفايا النجف: كيف تعامل الإمام الخميني مع الضغوط السياسية والاستخباراتية

خاص الاجتهاد: مقتطف من كتاب “شذرات الإمام الخميني على لسان تلميذه آية الله عميد الزنجاني. إن الإمام الخميني كان شديد البصيرة في المسائل المختلفة. أتذكر عندما كنا في النجف الأشرف سنة (١٩٦٩م)، لم يصدر الإمام الخميني لفترة معينة أي بيان أو إعلان، فترك هذا الأمر تأثيراً واسعاً بين الناس حتى أن البعض ممن كان ينظر بسوء نية للأمر، تصور أن الإمام اعتزل الجهاد والتزم بالتقية.

وتوالت ردود الأفعال والضغوط الشديدة من إيران وغيرها على الإمام. وعندما طرحت عليه هذه المسألة، أجاب:

إن إصدار البيان أو الإعلان ليس بالشيء الهيّن حتى يستطيع المرء كتابة أربعة بيانات كل يوم وهل أن عدم إصدار بيان يعني انتهاء الثورة وأفولها؟

وكان الإمام الخميني “قدس سره” دقيقاً جداً في إدراكه للظروف والأوضاع المحيطة به؛ إذ على السياسي أن يتمتع بهذه الصفة، بغض النظر عن قدرته الفقهية والعرفانية. فمثلاً لم يكن قد مضي على وصول الإمام إلى النجف عدة أيام حتى استدعاني وطلب مني أن أنقل له كل ما يجري في النجف.

في البداية امتعضت من هذا الطلب كأني اتجسس مثلاً! لكن بعدها كنت أحضر عنده كل يوم عصراً في وقت معين وأدخل غرفته مباشرة، وأنقل له ما جرى في النجف ذلك اليوم، فمثلاً: ماذا قالوا عنكم وعن إيران؛ أي أن الإمام كان على إطلاع بما كان يحصل في النجف، وبالطبع كان يوجد أشخاصاً آخرين غيري.

أتذكر أنه سألني ذات يوم ماذا كانوا يقولون عني؟ قلت: يقولون أشياء كثيرة مثل؛ لماذا عمامة السيد صغيرة، ولحيته قصيرة؟

لقد كان الإمام يريد أن تخبره عن كل شيء، عندها تبسم الإمام وسأل: وماذا قلتم؟ قلت: كنا نهتم بجميع الأخبار فقط ولم نكن مستعدين للإجابة؛ فقال: قولوا لم يصبح مشركاً حتى الآن.

على كل حال، أقصد ما كان يتمتع به الإمام من وقار وسياسة وذكاء.

لقد لاحظنا وقوع الكثير من الأحداث حسب ما توقع الإمام بدقة. ففي الليلة التي ذهب فيها السيد محسن الحكيم من النجف إلى بغداد والتي لم يعد بعدها ـ للاعتراض على سياسة حزب البعث في العراق، كان الإمام يتابع الأمر باضطراب شديد، ويصر على عدم خروج السيد من النجف؛ لأنه كان يتوقع عدم عودته بعدها. وإني أتذكر أن السيد الحكيم عندما سافر إلى بغداد للاعتراض على الحكومة أخبر جميع العشائر بسفره، فاجتمعت العشائر بسلاحها وخرجت في مظاهرات حاشدة وسط بغداد، مما أجبر الحكومة على التراجع في البداية. ثم عادت الحكومة وأغلقت جميع طرق الدخول والخروج من بغداد ونزعت سلاح العشائر ثم أعدمت شيوخ العشائر واصطحبت السيد الحكيم تحت حراسة مشددة إلى أحد البيوت في بغداد. وبعدها دخلت العناصر الأمنية إلى غرفة السيد لتفتيشها بحجة أن ولده يعمل جاسوساً ضد الدولة. وكان هذا الأمر صعباً جداً على السيد.

فالإمام كان قلقاً جداً في تلك الليلة وسعي جاهداً من خلال رسائله إلى العديد من الشخصيات للحيلولة دون سفر السيد الحكيم إلى بغداد.

فكانت فراسة الإمام نعمة إلهية نفسرها من الناحية العرفانية، فنقول: (المؤمن ينظر بنور الله) (مؤيد من عند الله). وسواء فسرنا ذلك بكونه إمداداً غيباً أو بتفسير سياسي عادي فنقول: إن من يريد قيادة ثورة أو نهضة عظيمة عليه أن يتسلح بصفات وخصائص معينة).

س. عندما كان الإمام في طهران كان يحرص على متابعة أخبار قم.

ليس بالأمر البعيد؛ فمثلاً عندما كان في النجف الأشرف، كان يحضر لزيارته باستمرار عدد من الأشخاص الحقيقيين والحقوقيين، لكنه لم يلتق بشكل خاص مع أي مسؤول من الحكومة العراقية، وأتذكر أني ذهبت للقاء الإمام يوم الجمعة في كربلاء، فشاهدت عدد من السيارات الحكومية التي تحمل الأسلحة فوقها، كانت متوقفة أمام بيت الإمام، فعرفت أنهم جاءوا للقاء الإمام، فعندما دخلت البيت لم أر الإمام لكني رأيت الحاج الشيخ عبد العلي الأصفهاني. فلما راني قال: تفضل الإمام ينتظرك، فعندما دخلنا خرج الإمام فوراً لاستقبالنا حتى يحضر معه شخص واحد على الأقل، ليشهد على ما يقال في لقائه مع هؤلاء الأشخاص الثلاثة من حزب البعث.

كما حضر للقاء الإمام بعض أعضاء منظمة المنافقين ضمن وفد من اتحاد الجامعات في أمريكا وأوروبا، لكن الإمام كان يرفض اللقاءات الخاصة. وعندما دخل الإمام، بدأ الأفراد الثلاثة من حزب البعث بالتملق فقالوا الحمد لله كانت مراسم العزاء هذه السنة جيدة، وقد قامت الحكومة بتقديم التسهيلات اللازمة لها، وكانوا يتوقعون رد الإمام بأن يقول مثلاً حسناً فعلتم، لكن الإمام فضل السكوت ولم يرد عليهم. فقالوا: لقد سرت الرطوبة إلى السرداب في مرقد أبي الفضل العباس، فقامت الحكومة بصيانته، لكن الإمام بقي ساكناً أيضاً، فنظر رئيس الوفد إلي وقال ترجم له ما تقول. فأجبت: إنه يفهم كلامكم تماماً. فاستمروا بالكلام وقالوا: إن أحمد حسن البكر سمع بمرضكم، فقلق عليكم وأمر بإرسال هيئة طبية لمعالجتكم، فإذا تسمحون نتصل ببغداد الليلة لإرسال هذه الهيئة إليكم.

فأراد الإمام قطع كلامهم فقال: (لا ما يحتاج)، ونهض بعدها مباشرة وانصرف بدون أن يودعهم أو حتى ينظر إليهم، رغم أنه كان تحت سلطتهم. وبعد انصرافهم عاد إلينا وجلس معي لفترة يسألني عن أحوالي، ثم ودعني وانصرف.

إنّ البعثيين كانوا أشد قسوة حتى من عناصر نظام الشاه، وكان من الممكن أن يؤذوا الإمام لكن الله حفظه من شرهم، ورغم ذلك لم يعبأ الإمام يهم فلم يجبهم ولم ينظر إليهم.

لقد كان الإمام يتحلي بصفات مميزة جداً، فمثلاً عندما أقام الإمام مراسم الفاتحة على روح السيد الحكيم في مسجد الهندي في النجف الأشرف، إمتلأ المسجد والسوق والشوارع بالناس فجاء الخبر بوصول هيئة حكومية للمشاركة في هذه المراسم فهرع الناس من الخوف وقام جميع من كان في المسجد، لكن الإمام لم ينهض وبقي جالساً في مكانه مطئطاً رأسه إلى الأسفل.

فدخلت هذه الهيئة التي ضمت عدداً من الوزراء والمسؤولين ووقفت أمام الإمام لتقديم التعازي، لكن الإمام يقي في مكانه ولم يرفع رأسه. فهذا الموقف يحتاج إلى التأمل من الناحية السياسية وحتى العاطفية!!

مر الوفد أمام الإمام الخميني وجلسوا في المسجد وبعد أن نهضوا لمغادرة المسجد نهض الجميع وفتحوا الطريق لهم، لكن الإمام لم يرفع رأسه أيضاً؛ إذ لم يكن يريد أن يستغل البعثيون معارضته للشاء لتحقيق مآربهم الخاصة لأنهم كانوا على خلاف مع الشاء أيضاً.

القضية الأخرى: إن الحكومة العراقية سعت إلى التقليل من احترام السيد الحكيم، فأرسلت وفداً للقاء جميع المراجع في النجف ومنهم السيد الخوئي والسيد الشاهرودي والإمام الخميني، لكنهم لم يذهبوا للقاء السيد الحكيم، وقد التقي بهم الإمام لكنه لم يتحدث معهم شيئاً في اللقاء، وفي اليوم التالي نشرت الصحف أن الحكومة أرسلت وفداً للقاء المراجع في النجف الذين دعوا لسلامة احمد حسن البكر، وكان هذا الأمر متعارفاً في جميع الدول، حتى الشاه كان يفعل ذلك في إيران.

لكن الإمام ما أن سمع بالخبر حتى امتعض بشدة وأرسل شخصين لمحافظ النجف ليبلغوه باللهجة العراقية أنه إذا لم تكذب جميع الصحف هذا الخبر فإني سأكذب الخبر في الصحف العالمية. فاضطر البعثيون إلى تكذيب الخبر وكتبوا في الصحف، أن اللقاء مع السيد الخميني لم يتطرق إلى الحديث عن أحمد حسن البكر، وأما بقية المراجع فلم يكذبوا الخبر.

ما هي الوسائل التي كان الإمام يمتلكها لنشر مطالبه؟
لقد كان كافياً أن يتحدث الإمام أو يرسل بياناً أو إعلاناً إلى سوريا أو إيران؛ إذ لم يكن النظام يعارض ذلك لأنه كان مخالفاً لإيران، لكننا لم نكن تعلم ماذا سيحدث. فالإمام عندما كان في العراق لم يتصدى لمعارضة النظام الحاكم بل كان يقول: إن وظيفتي هنا تختلف عن بقية المراجع، فالمرجع الأعلى هنا هو السيد الحكيم، وأنا طالب ليس لدي أي مسؤولية، ولا يهمني إلا: معارضة النظام في إيران، وأظن أنهم يشعروا ببداية المعارضة والنضال ضد الشاه؛ لأن الشرطي في النجف كان يتمتع بسلطة تعادل سلطة الشاه، لكن مع ذلك كان الإمام يقف بوجوههم جميعاً. فالإمام كان يتميز بصفات خاصة جداً.

من هم الأفراد الذين كان الإمام ينقل عنهم أكثر من غيرهم؟
لا أتذكر أنه كان ينقل عن شخص معين في كلامه، لكن في درسه كان ينقل كثيراً عن المرحوم النائيني.

هل كان الإمام يشترك في جلسات خاصة مع العلماء الآخرين؟

كان الحاج مصطفي صديقاً لأبن السيد البجنوردي الذي كان إمام الجماعة في شارع (گرگان) وقد كان ذلك سبباً لأن يأتي السيد حسن البجنوردي أحياناً للقاء الإمام وأما في النجف فقد ابتعد الإمام عن المسائل العاطفية والأمور الشخصية.

 

 

المصدر: كتاب شذرات الإمام الخميني على لسان تلامذته (آية الله جوادي الآملي، آية الله عميد الزنجاني، المحقق الشيخ علي دواني

تحميل الكتاب

شذرات+الإمام+الخميني+على+لسان تلامذته

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky