خاص الاجتهاد: أكد رئيس معهد الفقه والقانون الإسلامي التابع لمركز الأنموذج الإيراني الإسلامي للتقدم، أنَّ طريق الاجتهاد وتفسير القرآن والروايات سيكون وعرًا ومليئًا بالمخاطر دون إتقان العلوم الأساسية للغة العربية، مثل النحو واللغة والهرمنيوطيقا.
ونوّه إلى أنَّ التغافل عن الأسس والمباني العلمية للغة العربية والتقليل من دورها لا يقتصر ضرره على إعاقة الفهم الصحيح للنصوص الدينية، بل يلحق أضرارًا جسيمة لا يمكن تداركها ببنية الاستنباط الفقهي والبحوث في العلوم الإسلامية.
وفي كلمته التي ألقاها في مدرسة “الأدب واللسانيات” بـ “دار العلم”، وتحت عنوان “التجربة الفقهية الأدبية المعاصرة”، أكد آية الله أبو القاسم عليدوست، على الأهمية البالغة للأدب في العلوم الإسلامية، مشيرا إلى أن مصطلح “الأدب” كان يُطلق منذ زمن بعيد على مجموعة واسعة من العلوم، حيث أُحصي ما يقارب 11 علمًا ضمن الأدبيات. وأوضح أن بعض هذه العلوم، كـ الإنشاء، والعروض، والشعر، والكتابة، قد لا تكون ذات صلة مباشرة بمسائلنا الفقهية الحالية، لكنه شدد على أن علومًا أخرى مثل النحو، والصرف، واللغة، والمعاني، والبيان، والبديع، بالإضافة إلى العلوم الكبرى كـ الهرمنيوطيقا، لها تطبيقات أساسية وضرورية في الفقه.
وأوضح عضو هيئة التدريس في معهد البحوث الثقافية والفكر الإسلامي أن بعض هذه العلوم الأدبية ضرورية، وبعضها الآخر أكثر حيوية. وذكر أن النقاش سيركز بشكل خاص على ثلاثة محاور رئيسية: النحو، واللغة، وعلم فهم النصوص (الهرمنيوطيقا). وأكد أن هذه العلوم لا غنى عنها لفهم الآيات والروايات، واستيعاب النصوص، واستنباط الأحكام منها.
علم الصرف ضروري لفهم معاني الأبواب المختلفة في الفقه
وأكد آية الله أبو القاسم عليدوست، عضو جمعية مدرسي حوزة قم العلمية، على الأهمية البالغة لعلم الصرف في فهم النصوص، مشيراً إلى أنه ليس مجرد معرفة بالصيغ، بل هو علم يوضح معاني الأبواب المختلفة.
وأضاف أن علم الإعراب ضروري لفهم النص، حيث أوضح أن علم النحو له وظيفتان أساسيتان: علم الإعراب وعلم المفردات. فـعلم الإعراب يعلم الإعراب، وكمثال على ذلك، يحتاج الباحث في علم الإعراب، لفهم معنى النص، إلى إدراك العلاقة بين الكلمات، ومعرفة ما إذا كانت هذه العلاقة صفة وموصوفاً، أو مضافاً ومضافاً إليه، وهل الكلمة مرفوعة أم منصوبة، وهل هي فاعل أم مفعول، وما إلى ذلك. وشدد على أن معنى الجملة والعبارة يتغير، والاستنباط يختلف، بناءً على هذه العلاقات الإعرابية.
فهم دلالات المفردات والحروف ضروري للاستنباط الفقهي
وأكد آية الله عليدوست أن علم المفردات، الذي يتناول المعاني المتعددة والمختلفة للمفردات والحروف، ضروري للغاية لفهم الروايات والآيات والنصوص الدينية. وشدد على أن الجهل بهذا العلم يعرقل عملية الاستنباط الفقهي.
وأوضح، على سبيل المثال، أن فهم آية “لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ…” يتطلب تحديد نوع حرف “الباء” فيها. فهل هي باء المباينة، أو باء السببية، أو غيرهما من المعاني؟ وأشار إلى أن حرف “الباء” وحده يحمل 14 معنى مختلفًا، منها السببية والمقابلة، وغيرها من الدلالات المتنوعة التي تؤثر بشكل مباشر على فهم النص واستنباط الأحكام منه.
وأوضح عضو هيئة التدريس في معهد البحوث الثقافية والفكر الإسلامي أن فهم دلالة حرف “الباء” في الآية الكريمة “لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ” أمر بالغ الأهمية لتحديد المعنى المراد.
وأشار إلى أنه يجب معرفة ما إذا كانت “الباء” هنا تفيد المقابلة أو المباينة. فإذا كانت تفيد المقابلة، فإن معنى الآية يكون: “لا تنفقوا أموالكم في مقابل الباطل”، أي لا تصرفوها في ما هو باطل.
أما إذا كانت “الباء” تفيد السببية، فإن الآية تتحدث عن أسباب المعاملات، ويكون المعنى: “لا تأكلوا أموالكم عن طريق السرقة، أو القمار، أو الغصب، وما إلى ذلك.”
وخلص إلى أن معنى الآية يتغير بشكل كبير جدًا باختلاف دلالة حرف “الباء”، مما يؤكد على أهمية التدقيق في معاني الحروف والمفردات في النصوص الدينية.
“نحو الكوفة” أضرّ بفهم النصوص ويُفقد القرآن لطائفه
وفي سياق حديثه عن علم المفردات، وهو جزء من علم النحو، حدد آية الله عليدوست مبدأين هامين في الأدب: “نحو الكوفة” و”نحو البصرة”، مشيرًا إلى أنهما يمثلان منهجين مختلفين تمامًا.
وأوضح أن نحو البصرة لا يضيف معاني للكلمات، بل يتصرف في المضمون التصديقي ومضمون الجملة، وهو ما يُعرف بـ “التضمين”.
أما نحو الكوفة، فقد اعتبره سببًا للضرر في فهم النصوص، مؤكدًا أنه لا يعتمد على التضمين، وبالتالي يُفقد القرآن الكثير من لطائفه ودقائقه. وأعرب عن أسفه لأن نحو الكوفة قد انتشر وسيطر على الأوساط العلمية من اليمن إلى مصر وحتى إيران، مما ألحق أضرارًا جسيمة بفهم النصوص.
وفي سياق حديثه عن العلوم الضرورية للمحققين في النصوص، أوصى عضو هيئة التدريس في معهد البحوث الثقافية والفكر الإسلامي بـ “الفلسفات المضافة”. وأكد على أن معرفة فلسفة النحو المضافة تُعد ضرورة للمحققين الذين يتعاملون مع النصوص.
علم اللغة
وفي جزء آخر من حديثه، تطرق آية الله عليدوست إلى المحور الثالث وهو “علم اللغة”. وأوضح أن علم اللغة يُطلع الباحثين على معاني الكلمات. لكنه أشار إلى أن اللغة ليست مجرد علم لتعليم المعاني، بل لها وظائف متعددة.
وأضاف أن بعض وظائف اللغة تتضمن الإحالة وإيجاد المعنى الأصلي (الأم) للكلمة. كما أن تحليل الكلمات يُعد وظيفة أخرى ذات أهمية بالغة لعلم اللغة
البحث والتقدم العلمي لا يتوقفان
وأكد آية الله عليدوست أن البحث العلمي والتقدم في العلوم لا يتوقفان أبدًا، وأن هناك دائمًا مجالًا للاكتشاف والابتكار.
وأوضح أنه على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت في العلوم المذكورة، والتحقيقات الواسعة التي قام بها السابقون، والإرث القيم من الكتب التي تركوها، إلا أنه لا تزال هناك العديد من المسائل التي تنتظر الباحثين لحلها والمساهمة في تطوير هذه العلوم.
وشدد على أن من الخطأ الفادح والسطحية أن يظن البعض أن جميع المسائل قد تم تناولها، وأنه لا يوجد مجال للحديث الجديد أو البحث والتحقيق. فالعلم متجدد، والآفاق مفتوحة دائمًا أمام العقول النيرة.
الهرمنيوطيقا الكلية ليست مسألة جديدة، والبحث فيها ضروري
في سياق حديثه عن الهرمنيوطيقا وتفسير النصوص ومعايير هذا التفسير، أكد آية الله عليدوست أن تفسير النص له معاييره الخاصة، وأن علم الهرمنيوطيقا، وإن كان اسمه جديدًا، إلا أن جوهره ومسائله الكلية ليست حديثة. وشدد على أن البحث في هذا المجال ضروري، ولا يزال هناك الكثير من المجالات للتحقيق والعمل فيه.
في ختام حديثه، أوصى هذا العالم الديني الطلاب والمهتمين بمباحث الهرمنيوطيقا بالرجوع إلى كتابه الأخير (روش شناسی اجتهاد)”منهجية الاجتهاد” للمطالعة والبحث.
تجدر الإشارة إلى أن مدرسة دار العلم
الصيفية التي تنظمها المؤسسة العلمية والثقافية للعتبة الرضوية المقدسة وحوزة خراسان العلمية، بدأت فعالياتها يوم السبت الموافق 28 تيرماه (18 يوليو) في مدرسة ميرزا جعفر بالحرم الطاهر للإمام الرضا (عليه السلام)، الواقعة في المبنى رقم واحد لجامعة العلوم الإسلامية الرضوية، وستستمر لمدة أسبوعين.