الاجتهاد: ان الشعائر الحسينية احتلت اهتماما متميزا في منظومة المعارف الدينية الإسلامية، وتُعد شعيرة زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) مشيا على الأقدام، أهم شعيرة في منظومة الشعائر الحسينية ؛ ومنبع أهميتها لكونها تجاوزت الحدود الجغرافية المرسومة لتشمل في شهرتها أغلب بلدان العالم،
حتى أنها أسهمت بزيادة اهتمام الباحثين والكُتاب المُستشرقين في فَهم أبعاد ودلالات النهضة الحسينية الخالدة ، وسر إحياءها من قبل المجتمع البشري في كل عام بشكل ملفت للنظر منذ بداية محرم حتى أواخر صفر.
وعلى الرغم من أن الشعائر الحسينية – كما نُعرفها – عبارة عن (جملة ممارسات قولية وفعلية مجعولة ومُستحدثة حث عليها الدين الإسلامي ؛ لآجل تحصيل أهداف النهضة الحسينية) إلا انه وقع الجدل في بعض مصاديق ذلك المفهوم ، من أن هذه الممارسة أو تلك هل تُعد من تطبيقات الشًّعائر الحسينية أو لا؟
فالمشكلة الرئيسية إذن تتمحور في تعيين مصاديق الشعائر الحسينية وليس في تحديد مفهوم الشعائر الحسينية، ولكي نتوخى الدقة العلمية في تحديد موضع النزاع الذي هو (تعيين مصاديق الشًّعائر الحسينية) لابد من التنبيه على أن مصاديق الشًّعائر الحسينية على نحوين :
النحو الأول : الشعائر المجعولة، ونعني بها الشعائر الحسينية التي جعلها الشارع المقدس ونص عليها بالخصوص، كما ورد في الروايات المنقولة عن المعصومين عليهم السلام ، كشعيرة البكاء على الحسين ، وزيارة الأربعين ، وجعل العشرة الأولى أيام حزن ، ، وإنشاد الشعر ، ونحوها مما ورد في روايات الأئمة عليهم السلام.
النحو الثاني : الشعائر المُستحدثة ، ونعني بها تلك الشعائر التي لم يرد في حقها دليل روائي خاص ، ولكنها داخلة تحت عموم ما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام (أحيوا أمرنا ، رحم الله من أحيا أمرنا) ومن المعلوم أن إقامة الشًّعائر الحسينية من مصاديق أحياء أمرهم عليهم السلام، ونظرا إلى عمومية دليل إحياء أمرهم عليهم السلام ، فإن الشعائر الحسينية المُستحدثة داخلة تحت هذا العموم ولكن بشرط ان ينطبق على تلك الشعائر المستحدثة عنوان الأحياء لأمرهم عليهم السلام ، وأن تنسجم مع ضوابط الشعائر الحسينية المشروعة كما سنبينها بعد قليل.
وبعد ذلك نقول : ان موضع النزاع لا يشمل القسم الأول من الشعائر ؛ لكونها مجعولة من الشارع ومنصوص عليها في روايات المعصومين عليهم السلام، وإنما يختص بالقسم الثاني من الشعائر التي اصطلحت عليها بالشعائر المستحدثة ، ومعه فمن هو المسؤول عن تعيين مصاديق الشعائر الحسينية المُستحدثة ؟
أقول : لما كان الموقف العلمي للمؤسسة الدينية الشيعية هو الاقتصار على تحديد المفاهيم دون الموضوعات وإتاحة ذلك إلى العُرف ، صار ذلك مُبررا لإدخال كثير من الممارسات تحت عنوان الشًّعائر الحسينية بنحو لو إتفق جماعة على أداء ممارسة وقاموا بتطبيقها لأصبحت بمرور الزمن (شعيرة حُسينية) خصوصا مع توفر منصات التواصل الاجتماعي التي تُوصل كل شيْ إلى أي فرد أينما كان ، وفي عصرنا الراهن شهدنا جملة من تلك الممارسات الخاطئة تحت عنوان الشًّعائر الحسينية مع شديد الأسف.
مما يستدعي ذلك طرح هذا التساؤل : هل بإلامكان تقديم المُعالجة إزاء الممارسات التي يُراد الحقاقها بالشعائر الحسينية ؟
وفي مقام الجواب نقول: نعم إن ذلك مُمكن؛ لكون الشًّعائر الحسينية من مسائل فروع الدين وليست أنها بدعة ودخيلة على الدين الإسلامي ، فإنها من المسائل المبحوثة في علم الفقه، هذا اولاً، وثانيا: إن الشعائر الحسينية اصبحت تُمثل مَعلماً أساسيا في مذهب آل البيت عليهم السلام .
وعلى أساس كون الشعائر من الدين وأنها تمثل معلماً لمذهب آل البيت عليهم السلام ، فليس من الصحيح – كما نعتقد – ترك تعيين المصاديق بيد عامة الناس ؛ لأن ذلك تَسبب في إحداث فوضى عارمة أتاحت لكل مجموعة مُعينة صناعة ممارسة جديدة وإلحاقها بالشعار الحسينية ، ثُم حصول هذه الممارسة أو تلك بمرور الزمن على صفة (القداسة) التي تَمنع الآخرين من المساس بها أو مجرد التفكير بإلغاءها.
ومثل ذلك الصنيع من قبل الأفراد والمجموعات تسبب في حدوث الإضرار بالدين والمذهب، ومن الثابت فقهياً انه (يَحرم هتك الدين والمذهب).
ولذا نحن نطرح ثلاثة معايير على أساسها نعتبر هذه الممارسة أو تلك من مصاديق الشعائر الحسينية :
المعيار الأول : أن تكون المُمارسة التي يُراد اعتبارها من الشًّعائر الحسينية غير مخالفة لتعاليم الدين والمذهب، وإلا فلا يمكن الحقاها بالشعائر؛ لأنه لا يمكن التقرب بالممنوع شرعاً، كالألحان الغنائية ولو بكلمات حقة في الإنشاد، أو الكذب على المعصومين عند كتابة الشعر الحسيني ولو بلسان الحال الذي يسبب الإساءة إليهم ، ونحو ذلك.
المعيار الثاني : أن تكون الممارسة غير معارضة لإهداف وغايات خروج الحسين عليه السلام، بمعنى أن كل مُمارسة يُراد الحقاها بالشًّعائر الحسينية لابد أن يُحفظ فيها الهدف الحسيني ، فهل الممارسة والمصداق الجديد للشعائر الحسينية يَحمل القيم والعِبر التي أرادها الإمام الحسين عليه السلام من نهضته المباركة أم أنها مجرد ممارسة ليس فيها أي هدف ومعنى ؟
وهل هذا المصداق الجديد يمتلك المؤهلات على إيصال تِلك القيم والعِبر للمجتمعات البشرية أم مجرد ممارسة شعبوية غير هادفة لشيء ؟
وهل هذا المصداق المُستحدث خال من العناوين السلبية التي قد تسيء إلى تِلك القيم والعِبر ام أنه يحمل دلالات مسيئة لرسالة الحسين عليه السلام ونهضته ؟
ولماذا كل ذلك؛ لأن الشًّعائر الحسينية إنما حث عليها الشارع المقدس، لأجل غاية وهدف وليست جزافا، فإن الحكمة الملموسة من تلك الشعائر هي التذكير برسالة الحسين وأهدافه وليست هي مجرد طقوس وعادات خالية من المقاصد والأهداف ، ولذا لابد أن لا تكون تلك الممارسات شعبوية بحيث أن كل من هب ودب يَسمح لنفسه استحداث شعيرة حسينية ، فعلى المكلف أن يكون حذرا إزاء ذلك ، وأن يتخذ جادة الاحتياط.
المعيار الثالث : مُراعاة الظرف الزماني والمكاني للشعيرة المُستحدثة بمعنى أن تكون متناسبة مع البيئة المجتمعية ومُحققة للهدف وهو تعظيم الإمام الحسين والتعريف بقيمه ورسالته ، فمثلا المجتمع المُسلم في أوربا لا يناسبه تطبيق شعيرة معينة ؛ لأنها قد تؤدي إلى الإساءة للقضية الحسينية ومِن ثمَّ إلى المذهب والدين.
ولذا نحن نعتقد انه كلما كانت الشًّعائر الحسينية متوافقة مع المعايير الثلاثة المتقدمة فلا مَحالة أنها سَتُسهم في رفع شأن الدين والمذهب وصيرورته أكثر تأثيرا وأقوى فاعلية في حياة المجتمعات وتنظيم حياتهم ، وكلما كانت ما يسمى بالشعائر الحسينية خالية من تلك المعايير فمن المؤكد – وواقع الحال يشهد – انها سَتضر بالدين والمذهب وتؤدي إلى تحجيم دوره وفاعليته في حياة المجتمعات.
ولذا نقترح :
ضرورة تشكيل هيئة علمية تعنى بالشًّعائر الحسينية تحت إشراف ونظر المؤسسة الدينية الرسمية ؛ لكون المسألة من ضِمن تخصصهم ، تعنى بمتابعة تلك الشعائر المُستحدثة وتقيمها على ضوء الضوابط السابقة ، وعدم فسح المجال لعامة الناس بتعيين مصاديق الشعائر الحسينية بنحو تكون المؤسسة الدينية هي المسئولة عن تعيين المصاديق المستحدثة لإلحقاها بالشعائر الحسينية ، ومنع الممارسات المُضرة برسالة الحسين عليه السلام وأهدافه عن طريق النصح والموعظة الحسنة.
الأستاذ في الحوزة العلمية / الشيخ سعد المياحي