التأصيل الفقهي

التأصيل الفقهي عند مدرسة بغداد الفقهية / الدكتور جبار كاظم الملا + pdf

الاجتهاد: إن مدرسة بغداد الفقهية إحدى كبريات مدارس الفقهي الإمامي التي تفرعت عن مدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، والتأصيل الفقهي – في إطاره النظري في مدون مستقل عن الفقه – فقهاؤها هم من شيدوا بنيانه والمنهج التكاملي الذي جمع بين العقل والنقل هم بناته ، ومن جاء من الأصوليين بعدهم سار على هذا المنهج منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا .

وعلى أيديهم تمت المحاولات الأولى لفصل الأبحاث الأصولية عن الأبحاث العقائدية – أصول الدين – والأبحاث الفقهية، وإن تثليث الأصول الاجتهادية: (الكتاب، السنة، والإجماع ) منهم صدر- لأن عصر النص لم يعهد سوى الكتاب والسنة؛ بوصفهما مصدرين للحكم الشرعي ، نعم تبنى الفقهاء بعض القواعد الأصولية المستقاة منهما وجرى التفريع عليها بعد إلقائها من أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين وندبهم للتفريع عليها ولكن في حدود بدائية بسيطة – وهو معتمد إلى يومنا هذا يمثل المرحلة الأولى من مراحل الاجتهاد التي تنتج الحكم الواقعي ، أما الأصل الاجتهادي الرابع العقل ، فهم تعرضوا إلى ذكره في الجانب التطبيقي الفقهي ، وصرحوا بالرجوع إليه عند تعذر الأصول الثلاثة المذكورة آنفا ، إلا أنهم أغفلوا ذكره في النظرية الأصولية عند حصر الأصول الاجتهادية عندهم .

المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وآلة وسلم وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحبه الأخيار الذين اقتفوا أثره واتبعوا سنته ولم يغيروا أو يبدلوا بعده .

إن الفقه الإسلامي بعد انتقال الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى جوار ربه جل جلاله سنة (11ه) تفرع إلى مدرستين كبيرتين ، هما: مدرسة الصحابة، ومدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين وقد تفرعت عن الأخيرة مدارس فقهية اقترنت بمكان وجودها وسميت به ، كـ : المدينة ، الكوفة ، الحلة ، بغداد ، وغيرها . والأخيرة هي مدار البحث .

أهمية البحث : ابراز دور علماء بغداد ، ولا سيما أقطاب مدرسة بغداد الفقهية – إحدى مدارس الفقه الإمامي – التي بزغ نجمها في نهاية القرن الرابع الهجري ، والنصف الأول من القرن الخامس الهجري ، في ميادين المعرفة بشكل عام ، وميدان الفقه بشكل خاص ، وتحديدا دائرة التأصيل الفقهي – أي : بيان الأصل الذي بني عليه الفقه ،

وبعبارة أخرى : تلمس الأصل الفقهي الذي يكون أصلا للحكم الشرعي ، وضبط مراحل التدرج والتكامل وكشف عن مراحل التحول من التطبيق الفقهي ، إلى النظرية الأصولية – موضوع له أهميته في كل مكان وزمان ؛ لأنه موضوع حيوي ؛ لذا اخترته ليكون عنوانا لبحثي هذا ، وقد سميته : ( التأصيل الفقهي عند مدرسة بغداد الفقهية ) .

أسباب اختياره : اخترت هذا الموضوع ؛ لأسباب ،

أحدها : لأن علماء بغداد هم الذين أصَّلوا الفقه الإمامي – فقه الإمامية الاثني عشرية – وبَيَّنوا أصوله الشرعية التي تُسْتَقَى منها الأحكام الفقهية في وقت تفرعت فيه من الشيعة الإمامية الثني عشرية فرق أخرى ، كـ : الزيدية ، والإسماعيلية والغلاة ؛ لأن القرون الثلاثة الهجرية الأولى مثلت عصر النص والممارسة الاجتهادية التي حصلت فيه كانت بدائية بسيطة ، والممارس للاجتهاد غير ملتفت إلى التأصيل الفقهي وأهميته في عملية الاجتهاد بهذا النحو الذي أصله علماء مدرسة بغداد (1) ،

والثانية : لأن العلماء الذين وقف البحث على بيان دورهم مثَّلوا حلقة متواصلة في الدرس الفقهي ، وفي نتاج على مستوى النظرية والتطبيق والمُدَوَّن للنظرية الأصولية والتطبيقات الفقهية ،

والثالثة: لأن تأصيلهم معتمد منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا وجل آرائهم نابضة بالحياة ، ومدوناتهم الفقهية مدار البحث والدراسة ،

والرابعة: بيان التجديد الذي طرأ على تلك الأصول من قبل فقهاء مدرسة بغداد أنفسهم ، وبيان موقفهم من الأصول التي هي حجة عند فقهاء مدرسة الصحابة ، وليس بحجة عندهم .

أهداف البحث : يهف البحث إلى :

أولاً : تَجْلِيَةُ دور علماء بغداد في تأصيل الفقه الإمامي ،

ثانياً : كشف التدرج في انتظام أصول فقه الإمامية في النظرية الأصولية ،

وثالثاً: بيان مدى تأثُّر أصوليي الفقه الإمامي بمنهج أصوليي الفقه السني من الناحية المنهجية ، في رصف أصول الفقه الإمامي ،

ورابعاً : ظهور بعض الأصول الفقهية في مجال التطبيق الفقهي ، قبل ظهورها في النظرية الأصولية عندهم ،

وخامساً : توثيق جهودهم ولا سيما في مجال أصول الفقه

وسادساً : بيان الأصل الفقهي في أحكامهم الفقهية

وسابعاً : تحديد أصول الفقه عند الإمامية – مفهوماً ومصداقاً – في نهاية القرن الرابع الهجري والقرن الخامس الهجري ،

وثامنا تشخيص المنهج الذي سار عليه فقهاء مدرسة بغداد الفقهية ،

وتاسعا : تحديد أقطاب مدرسة بغداد الفقهية لأن التأصيل مقترن بأسمائهم ،

وعاشرا : الاطلاع على التراث الأصولي الذي دونه أقطاب هذه المدرسة .

مشكلة البحث : يمكن للباحث أن يُلَخِّصَ مشكلة البحث في ثلاثة أمور ، هي :

الأمر الأول : إن أصول الفقه عند الإمامية هل ظهرت – إلى الوجود – دفعة واحدة أم أنها تدرجت في النظرية الأصولية ؟ وإن كان الجواب بالتدرج فكيف ؟ ، وعلى يد مَنْ ؟ من أصوليي الإمامية ، وإلى أية مدرسة – من مدارس الفقه الإمامي – ينتسب؟ .

والأمر الثاني : إن أصول الفقه التي ظهرت هل كانت متناولة في التطبيق الفقهي قبل ظهورها في النظرية الأصولية أم لا ؟ وإن كان الجواب بـ (نعم) فكيف ؟ ، وعلى يد مَنْ ؟ من أصوليي الإمامية ، وإلى أية مدرسة – من مدارس الفقه الإمامي – ينتسب ؟ .

والأمر الثالث : إن أصول الفقه عند الإمامية في رصفها في النظرية الأصولية هل تأثرت بأصول الفقه السني أم لا ؟ وإن كان الجواب بـ (نعم) فكيف ؟ .

فمجمل هذه الأمور الثلاثة يشكل مشكلة البحث ؛ لأنها ظواهر تحتاج إلى توضيح ، فتكفل الباحث الإجابة عنها ، وتحيداً ما يقع ضمن المدة الزمنية لـ (مدرسة بغداد الفقهية) – إحدى مدارس الفقه الإمامي – من الربع الأخير من القرن الرابع الهجري إلى بداية النصف الثاني من القرن الخامس الهجري .

خطة البحث : انتظم البحث على : مقدمة ، وتمهيد ، ومبحثين ،

أما المقدمة فقد تضمنت : أهمية البحث وأسباب اختياره ، وأهدافه ، ومشكلته ، وفرضيته ، وحدوده ، ومجال الإفادة منه ، ومصادره ومراجعه . وأما التمهيد فقد كان بعنوان : لمحة موجزة عن مدرسة بغداد الفقهية ،

وقد تضمن ثلاثة مطالب :

أما المطلب الأول فقد كان بعنوان : منهج المدرسة ،

وأما المطلب الثاني فقد كان بعنوان : فقهاء المدرسة ، وتضمن ثلاثة فروع تناول كل فرع منها قطبا من أقطابها ، وحسب السبق الزمني ،

وأما المطلب الثالث فقد كان بعنوان : الوضع السياسي ، وتضمن فرعين ، هما : العصر البويهي ، والعصر السلجوقي ، وأما المبحث الأول فقد كان بعنوان : تحديد الأصول الفقهية ، وقد تضمن ثلاثة مطالب ، أما المطلب الأول فقد تناول : المرحلة الأولى ، وأما المطلب الثاني فقد تناول المرحلة الثانية ، وأما المطلب الثالث فقد تناول : المرحلة الثالثة .

وأما المبحث الثاني فقد كان بعنوان : استقلال البحث الأصولي ، وقد تضمن مطلبين ، أما المطلب الأول فقد كان بعنوان : فصل أصول الفقه عن الفقه ، وقد تضمن ثلاثة أفرع ، تناول الفرع الأول : المرحلة الأولى ، وتناول الفرع الثاني : المرحلة الثانية ، وتناول الفرع الثالث : المرحلة الثالثة . وأما المطلب الثاني فقد كان بعنوان : فصل أصول الفقه عن أصول الدين ، وقد تضمن فرعين ، أما الفرع الأول فقد تناول : المرحلة الأولى ، وأما الفرع الثاني فقد تناول : المرحلة الثانية .

ثم ختم البحث بـ : الخاتمة ونتائج البحث فثبت المصادر والمراجع .
منهجية البحث : إن منهج البحث قام على الاستقراء ، ولم يغفل التحليل والمقارنة ، فيما دعت الحاجة إليه واعتمد الموازنة احياناً .

فرضية البحث : انطلق البحث من فرضية كبرى ، هي : إن أصول الفقه عند الإمامية – الأصول الاجتهادية لا الأصول العملية – قد استقرت في النظرية الأصولية على يد علماء بغداد أعني : الشيخ المفيد (ت/413ه) والشريف المرتضى (ت/436ه) ، والشيخ الطوسي (ت/460ه) ، أما ما ظهر – على يد من جاء بعدهم – من أصول الفقه الإمامي الاجتهادية في النظرية الأصولية ، فإن علماء بغداد – الأقطاب – قد تناولوه في التطبيق الفقهي ، وإن لم يدرجوه في النظرية الأصولية .

حدود البحث : إن حدود البحث مقتصرة على التأصيل الفقهي للفقه الإمامي ، أي : بيان أصول فقههم على يد علماء مدرسة بغداد الفقهية – الأقطاب منهم – الذين آلت إليهم الزعامة الفقهية آنذاك ، وهم : الشيخ المفيد والشريف المرتضى ، والشيخ الطوسي ، وهم المعبَّر عنهم بـ (أقطاب) الفقه الإمامي في القرن الخامس الهجري

مجال الإفادة منه : يمكن الإفادة من هذا البحث في مجالات متعددة ، منها : مجال تاريخ التشريع بشكل عام وتاريخ علم أصول الفقه بشكل خاص ، ومجال علم أصول الفقه الإمامي في وسط الفكر الإمامي ، ومصادر استنباطه ، وأدلته ، وحججه . ومجال المدارس الفقهية التي تفرعت عن مدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين . ومجال التأثير والتأثر بين المدارس الفقهية الإسلامية : الشيعية والسنية ، ومجال التطبيقات الفقهية .

الدراسات السابقة : لم أجد – في حدود تتبعي – دراسة مستقلة تناولت التأصيل الفقهي عند مدرسة بغداد الفقهية نعم ورد ذكر مدرسة بغداد الفقهية في مقدمات بعض الكتب ، وكتب تاريخ أصول الفقه ، والذكر لا يتعدى العرض التاريخي في وريقات محدودة .
مصادر البحث ومراجعه : رجع الباحث إلى ثلة من المصادر والمراجع ، وجمع بين القديم والحديث ، وأعطى مساحة واسعة للمصنفات الأصولية لعلماء بغداد ، ولا سيما الشيخ المفيد والشريف المرتضى ، والشيخ الطوسي لتوثيق آرائهم الأصولية . ولم يغفل الباحث الدراسات الحديثة التي تناولت تاريخ التشريع ، وتاريخ الفقه وتاريخ الاجتهاد في الفقه الإمامي في القرنيين الرابع والخامس الهجريين . وفي مجال بيان مدى التأثير والتأثر في الجوانب الفنية والنواحي المنهجية رجع الباحث إلى بعض المصادر الأصولية في الفقه السني ؛ لتوثيق ذلك .

خاتمة البحث ونتائجه : بعون الله جل جلاله تمكن الباحث من توضيح الظواهر التي شكلت مشكلة البحث وتحقيق نظرية البحث الكبرى التي انطلق منها ، وسجل جهود علماء مدرسة بغداد الفقهية – الأقطاب منهم – في تأصيل الفقه الإمامي ، أي : بيان أصوله التي يبنى عليها سواء على مستوى النظرية الأصولية أم على مستوى التطبيق ؟ . وكل ذلك تجده مزبوراً في خاتمة البحث ونتائجه .

المصدر: كلية الدراسات القرآنية جامعة بابل العراقية

 

لتحميل المقال أضغط هنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky