المرأة

آفات البحث الفقهي وإشكالياته في موضوع المرأة / الباحث الشيخ مهدي مهريزي

الاجتهاد: يمكن تقسيم مجالات الإشكاليات التي يعاني منها الفقه إلى قسمين: أولهما الآفات والإشكاليات العامة التي لا تختص بباب فقهي من دون غيره، وثانيهما الآفات الخاصة بأحد الأبواب الفقهية من دون غيره من الأبواب، کباب المعاملات والعقود، أو البحث الفقهي في موضوع المرأة، وهكذا.

وما نود البحث عنه ومعالجته، في هذه المقالة، هو القسم الأخير؛ حيث إن البحث في قضايا المرأة صار الشغل الشاغل لعدد كبير من الباحثين في العالم. ونتوقع أن يمثل البحث، في کلیات موضوع المرأة، مدخلاً مناسباً لتطوير البحث الفقهي في هذا المجال؛ وذلك لأن البحث في الموضوعات الجزئية والمسائل المتفرقة لا يحل المشكلة، بل يوقع الباحث في التناقض في كثير من الأحيان.

ووفق التصنيف السابق لآفات البحث الفقهي، سوف نذكر في هذه المقالة أهم هذه الآفات. وهي بحسب ما نود التعرض له خمس عشرة آفة، تسع منها آفات عامة تؤثر في فقه المرأة وغيرها من أبواب الفقه، وست خاصة بفقه المرأة.

1. البعد عن القرآن.
2. عدم الاهتمام بمجموعات من الروايات.
3. عدم الاهتمام بسِيَر المعصومين وأفعالهم.
4. الجمود في فهم النصوص.
5. عدم الفصل بين الأحكام الدائمة والمؤقتة.
6. المزج بين الشريعة والعادات والأعراف.
7. الاحتياط في غير محله.
8. الاستناد إلى أدلة شخصية.
9. الشعبوية.

( لقراءة تفاصيل كل من العناوين المذكورة أعلاه يمكنكم قراءة مقالة بعنوان” فقه المرأة: إشكالياته وتحدِّياته، دراسة نقدية ومحاولات تأسيس لمنهج جديد” للباحث الشيخ مهدي مهريزي في كتاب بعنوان “فقه المرأة دراسات نقدية ومنطلقات التجديد المنهجي” تأليف مجموعة مؤلفين )

10 – الفرضيّات المعرفيّة المسبقة عن هوية المرأة وقدراتها

لا شك في تأثير المعرفة المأخوذة عن كل من الرجل والمرأة في استنباط الأحكام المتعلقة بهما؛ حيث إنها تشكل مستنداً موجهاً مباشراً أو غير مباشر للاستنباط.

والمشكلة، في هذا المجال، أن بعض هذه التصورات لا تخضع لتنقيح وتأصيل قبل أن تقدم، وإلّا لو كانت مبنيَّة على بحث فلسفي مدروس، ومؤسَّسة على أدلة مقبولة لما كان هناك مجال للاعتراض.

وهناك بعض النماذج عن تأثير هذه التصوّرات غير المدروسة على استنباط بعض الفقهاء:

أ- بعض الفقهاء لا يشترطون العدالة في المرضعة المربية للطفل، ويسوّغون ذلك بأن الفسق هو الحالة الغالبة بين النساء وقلما تتوافر العدالة فيهن(1).

ب – ورد في بعض الكتب الفقهية: ” لو اجتمع جنب وحائض فالأقوی تقديم الحائض؛ لأنها تقضي حق الله وحق زوجها في إباحة الوطء. ويحتمل الجنب؛ لأنه أحق بالكمال.(2)

ج – يفتي الشافعي في مسألة من يتقدم الصلاة على الميت بأنه لو اجتمع رجل (سواء كان من أولياء الميت أم لا) أو امرأة يقدم الرجل على المرأة، حراً كان أم عبداً، بالغاً كان أم غير بالغ(3).

وفي الفقه الإمامي ما يقرب من هذا المضمون(4). يقول العلامة الحلي: لا يكفي جنس النساء لأن الرجال أكمل، وتوقع الإجابة في دعائهم أكثر؛ ولأن فيه استهانة الميت(5)

د. في مسألة الزواج المختلط دينياً يعلل الفقهاء المنع من ذلك بقولهم: لأن المرأة تأخذ من دین بعلها (6) أو : لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه (7) .

هـ– في كثير من الموارد يساوي الفقهاء بين النساء والبله، وهاك هذه العبارات: وأما النساء والصبيان والبله والمجانين فلا جزية عليهم بحال(8) ” فأما النساء والصبيان والمجانين فلا ….(9) النساء والصبيان ومن ليس بمكلف من البله والمجانين» (10). “

ويسقط عشرة نفر: النساء والصبيان والمجانين والشيخ الضعيف …(11) ” ولیس على النساء ولا المجانين عقل (12) ” ولا يجوز قتل المجانين ولا الصبيان ولا النساء منهم (13)” ” ولو تترسوا بالصبيان والمجانين أو النساء ولم يكن الفتح إلا بقتلهم جاز”(14). “

في أحكام العبيد والصبيان والمجانين والنساء في الحج” (15) ” فليس على النساء عقل، وعلى قياسهم الصبيان (16). “والحكم مختص بالرجال فلا يجزي النساء والخبائث ولا الصبيان (17). ” النساء والصبيان والمجانين والمرضى والمشايخ الفانین (18). ” فلا ولاية للنساء والصبي والمجنون، إذ لم تجر العادة على تصدي النساء لتلك الأمور وزعاماتها(19) .

11- عدم الاهتمام بروحية المرأة وعواطفها

يجد المتتبّع لبعض الآراء الفقهية قلة اهتمام في النظر إلى عواطف المرأة، نتيجة كون الباحث فيها ذكراً، وبعبارة أخرى: تنطلق بعض الآراء الفقهية من منظور ذكوري، وهذه بعض النماذج:

أ- لو زوَّج الأب أو الجد للأب الابن أو البنت بالولاية، فيفتي بعض الفقهاء بحق الصبي بالفسخ عند البلوغ، بخلاف البنت فلا حق لها بذلك؛ يقول أحد الفقهاء في تعليل ذلك: “خلافاً للمحكي عن الشيخ في النهاية وأبناء البراج وحمزة وإدريس من أن له الخيار بعد البلوغ، لتطرَّق الضرر إليه باعتبار إثبات المهر في ذمته والنفقة من غیر ضرورة، تقتضي ذلك حال الصبي بخلاف الصبية التي يثبت لها ذلك لا عليها (20)

ب – يربط كثير من الفقهاء حق الزوجة بالنفقة بالتمكين الجنسي له، يقول أحدهم: «إن التمكين لا يكفي حصوله بالفعل، بل لا بد من لفظ يدل عليه من قِبَل المرأة، بأن تقول: سلمت نفسي إليك حيث شئت، أو أي زمان شئت، ونحو ذلك، فلو استمرت ساكتة أو مکنته بالفعل لم يكف في وجوب النفقة(21)

ويقول آخر: “فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان أو في مكان دون مكان آخر يسوغ فيه الاستمتاع، لم يحصل له التمكين، ولم تجب عليه النفقة قطعاً لتحقق نشوزها حينئذ بذلك(22) .

12 – عدم الالتفات إلى احتياجات المرأة

يُعدّ الوعي بالحاجات الخاصة بالمرأة إحدى القواعد الأساسية للاجتهاد الصحيح في مجال أحكام المرأة، ولا شك في أن الاجتهاد غیر المبني على وعي كهذا سوف يواجه مشكلات كثيرة. وهذه نماذج في هذا المجال :

أ- يبحث الفقهاء، في كتاب النكاح، في تلبية الحاجات الجنسية للزوجين تحت عناوین مختلفة، منها “حق القسم”، فيفتون بالنسبة للزوج، بضرورة استجابة المرأة لحاجات الرجل الجنسية وتلبيتها لرغباته في كل وقت شاء ذلك. وأما بالنسبة للزوجة، فإنهم يفتون بضرورة مبيت الزوج عندها ليلة من أربعة، ويجب عليه مواقعتها في كل أربعة أشهر مرة(23). مع أننا إذا اعتمدنا الروايات والأحاديث الواردة في هذا المجال، فإننا تجد فيها حثاً شديداً للرجل على تلبية رغبات زوجته والاستجابة لها.

ومن ذلك ما ورد في كتاب الكافي : “يقول مسعدة بن صدقة: سمعت أحدهم يسال الإمام الصادق (ع) ما بال الزاني لا تسميه كافراً وتارك الصلاة قد سميته كافراً وما الحجة في ذلك ؟ فقال : لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافاً بها؛ وذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة وهو مستلذ لإتيانه إياها قاصداً إليها، وكل من ترك الصلاة قاصداً يكون قصده لتركها اللذة(24).

وفي حديث آخر : الحجة أن كل ما أدخلت أنت نفسك فيه لم يدعك إليه داع ولم يغلبك غالب شهوة مثل الزنا وشرب الخمر أنت دعوت نفسك إلى ترك الصلاة، وليس ثمة شهوة فهو الاستخفاف (25)وفي حديث عن الإمام الصادق (ع) يعلل رجم الشيخ والشيخة بأنهما قضيا زمان الشهوة.(26)

هذا إذا تجاوزنا الروايات الدالة على أن شهوة المرأة أقوى من شهوة الرجل كما ورد عن أمير المؤمنين (ع): “خلق الله عز وجل الشهوة عشرة أجزاء فجعل تسعة أجزاء في النساء وواحدة في الرجال، ولولا ما جعل الله عز وجل فيهن من الحياء على قدر أجزاء الشهوة، لكان لكل رجل تسع نسوة متعلقات به” (27). وفي بعض الروايات: «إن النساء أعطين بضع اثني عشر وصبر اثني عشر(28).
وفي رواية : فضلت المرأة على الرجل بتسع وتسعين من اللذة ولكن الله ألقي عليهن الحياء(29)

ب – في المرأة التي فقد زوجها يفتي بعض الفقهاء، بضرورة انتظار الزوجة له إذا كان ميسور الحال وله من المال ما تعتاش منه في حال غيبته ما دامت تحتمل بقاءه حياً.

” والمفقود زوجها، إن عرف خبره، أو أنفق على زوجته وليه من نفسه أو متبرع، أو كان له مال يمكن الإنفاق منه عليها، فلا خيار لها، وإن أرادت ما تريد النساء وطالت المدة، في حينئذ مبتلاة، فلتصبر بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، وللأصل والنصوص (30).

ج – في الستر يفتي أكثر الفقهاء : ” يجب على النساء التستر، كما يحرم على الرجال النظر. ولا يجب على الرجال التستر وإن كان يحرم على النساء النظر(31) . ويستثني بعض الفقهاء مما يحرم على المرأة النظر إليه الوجه واليدين إلى المعصم وأغلب الرجال يكشفون ما هو أزيد من هذا المقدار . فكيف للمرأة الالتزام بهذا التكليف؟

13 – الفهم الخاص للعائلة وموقع المراة فيها

أ. يقول بعض الفقهاء في تعريف عقدة النكاح : إذا تزوج الرجل امرأة بمهر معلوم، ملكت المهر عليه بالعقد، وملك هو البضع في الوقت الذي ملكت عليه المهر.(31)

ب . يشبه بعض الفقهاء الزواج بالإجارة، ويحددون وظائف كل من الزوجين بوحي من هذا التشبيه:

“… وشبه الفقهاء الزوج بالمكتري والزوجة بالمكري داراً، فما كان من تنظيف کالرش والكنس وتنقية الآبار والخلاء فعلى المكتري؛ لأنه يراد للتنظيف. وما كان من حفظ البنية كبناء الحائط وتغيير جذع انكسر فعلی المكري لها لأنه الأصل.

وكذلك الزوج ما يحتاج إليه للنظافة وترجيل الشعر فعليه، وإنما يختلفان في شيء واحد، وهو أن ما يحفظ البنية على الدوام هو الإطعام فعليه دونها، ففي هذا يفترقان وفي ما عداه يتقفان” (32).

ويبين صاحب الجواهر الفكرة نفسها بشكل آخر، فيقول : ” بل ربّما يشم من قوله تعالى: {الرّجال قوّامون على النساء)  ما يشبه معاوضة الاستمتاع بالإنفاق على نحو ما ورد من الإنفاق على الدابة عوض ما يستوفيه من منافع ظهرها.”(33)

ومن الطبيعي أن تكون الأحكام المستنبطة في ضوء هذه الرؤية منسجمة معها؛ ولذلك فإن هذه النظرة تولد اسئلة للبحث الفقهي من قبیل: هل تتعلق نفقة تعلُّم المرأة بالزوج؟ هل يجب عليه تكاليف العمليات الجراحية المكلفة الخطيرة؟ وأظن أن الفتوى بعدم جواز خروج المرأة من البيت وبقائها مستعدة لتلبية حاجات الزوج مستقاة من هذا المورد.

يقول أحد الباحثين في قضايا المرأة:
في الواقع إن الفتوى بجواز أو عدم جواز تولي المرأة القضاء، مبني على رؤية خاصة إلى المرأة أكثر مما هو مبني على الأدلة العقلية أو اللفظية المحكمة.

وهذه الرؤية هي الرؤية التي كانت سائدة حول المرأة و قابلياتها الاجتماعية ودورها في الأسرة والمجتمع، والتي ترتكز على كون المرأة ناقصة العقل، أو تلك الرؤية التي ترى أن الدور الأول والأساس للمرأة هو إشباع رغبات الزوج،،،”.

14 – البحث في مسائل المرأة بشكل جزئي ومشتّت

من المشكلات الأساسية التي يواجهها البحث في شؤون المرأة، التعرض لمسائلها بشكل مشتَّت من غير نظرة كلية جامعة ؛ أي إن الفقهاء لا يبحثون قضايا المرأة بشكل حلقات متصلة، وهذا هو سبب وجود فتاوی متناقضة أحياناً أو غير منسجمة على الأقل.

وعندما تبحث هذه المسائل في محل واحد من أجل تشکیل منظومة متكاملة فسوف يبدو بوضوح ما فيها من تهافت؛ فيعمل على رفعه .

وهذه نماذج تكشف عن عدم الانسجام الذي أشرنا إليه:

أ- في مجال الغريزة الجنسية للمرأة والرجل، نجد في الفقه ثلاث نظریات؛ فمن جهة، توحي بعض الآراء الفقهية بأن شهوة الرجل أقوى من شهوة المرأة، ويمكن استيحاء هذا الأمر من فتاوی الفقهاء في بحث التمكين وحق القسم، وذلك لأنهم يوجبون على المرأة التمكين الدائم للزوج، بينما يجب على الزوج مرة كل أربعة أشهر.(34)

ولكننا نجد، من جهة ثانية، في مجال تعريفهم للإحصان عدم وجود اختلاف بين الاثنين؛ فالإحصان عندهم هو القدرة على إشباع الغريزة الجنسية من الحلال، بتعبيرهم: (من كان له فرج يغدو عليه ويروح)، ولا يفرقون بين إحصان الرجل وإحصان المرأة.

ولذلك يرتبون حد الزنا على هذا العنوان، فمن كان محصناً وزنی حده الإعدام، ولم يكن محصناً حده الجلد من دون فرق بين الرجل والمرأة.

ومن جهة ثالثة، نجد مجموعة من الروايات تحدث عن قوة الشهوة عند المرأة، وقد أفضى الله عليها الحياء لتحارب به الشهوة.(35)

إذاً، في بحث حق القسم، نستوحي أن شهوة الرجل أقوى، وفي بحث الإحصان نلاحظ المساواة في الروايات عكس الحالة الأولى. والآن أي هذه النظريات تعتمد لتكون أساساً للبحث الفقهي؟

ب- في شأن آية “فاضربوهن” يقول بعض الفقهاء بالنسخ التمهيدي.(36)

وفي عيوب فسخ عقد الزواج لا يرى فرقاً بين الرجل والمرأة (37). ولكنه في القضاء لا يرى صلاحية المرأة لتولي القضاء(38).

ولا يمكن أن يقال بأننا مع الدليل وهو الحاكم على الفتاوى؛ فهذا الكلام غير مقبول، لأننا بهذه الطريقة سوف نكشف عن شريعة متناقضة، وهذا أمر مستبعد.

فإننا نعتقد بأن أحكام الشريعة منسجمة بل في غاية الانسجام، ومن السهل الوصول إلى أحكام منسجمة، خصوصاً في المسائل غير العبادية. ولا ينبغي أن يُظن أننا ندعو إلى تحكيم أدلة غير فقهية، بل كل ما ندعو إليه هو إنتاج رؤية شاملة جامعة منسجمة الأطراف.

15 – غياب المرأة عن ساحة البحث الفقهي

توجد مقولة رائجة بين الفقهاء، مفادها أن الفقيه لا يفهم بعض مسائل الحج حتى يحج. وعلى ضوء هذه المقولة، يفسر بعضهم صعوبة الإفتاء في مسائل الدماء الثلاثة (الحيض والاستحاضة والنفاس) . وبالرغم من تضييق دائرة المشكلة بهذه الحدود، إلا أنه يمكن توسيع دائرة التعقيد إلى مسائل المرأة جميعها.

ويمكننا الاستفادة من مثال غير فقهي لتقريب هذه الفكرة إلى الأذهان، وذلك أن كثيراً من الخطباء والمحاضرين في المساجد والمراكز الدينية يشتكون من الضجيج الذي يصدر من الجهة التي تجلس فيها النساء التي عادة ما تكون مفصولة عن جهة الرجال بستارة؛ولذلك نجد الخطباء يطالبون النساء بالهدوء، ولكن في كثير من الأحيان لا ينظر إلى هذه القضية بشكل جاد، ذلك أنَّ أسباب هذا الضجيج تعود إلى أمور مسوَّغة منطقياً، ومنها:

عادة يكون المكان المخصَّص للنساء أقل مساحة وأضيق،

– التجهيزات والسجاد أقل،

– النُّور والضوء أقل،

– عادة يكون الأطفال مع أمهاتهم، وفي مثل هذه الأماكن تصعب تهدئة الأطفال

– الواعظ والخطيب يُرى من قبل الرجال ولا تراه النساء .

إذا، كل الأسباب التي تؤدي إلى الإصغاء والسكوت موجودة عند الرجال وبالعكس تماماً ما هو في جهة النساء، ومع ذلك يعتقد كثير من الناس بأن النساء أكثر ثرثرة من الرجال.

ولكن لو عکس الأمر ألا تنعكس النتيجة؟ وعلى ضوء هذا المثال غير الفقهي أحسب أن حضور المرأة في ساحة الفقه والفقاهة، ولو بعنوان مستشار في المرحلة الأولى وبعنوان فقيه أو باحث فقهي في مرحلة متقدمة سوف يحل كثيراً من مشكلات البحث الفقهي في شؤون المرأة.

يقول أحد الباحثين في هذا المجال :

لا بد للففيه من إشراك المراة في البحث الفقهي، وفي عملية تفسير النصوص المتعلقة بالمرأة، وللعثور على ما بين السطور مما يتعلق بها، ومن دون هذه المشاركة لن يكون لها أي نصيب في التغلب على هذه التبعية للرجل وكونها نصف الرجل لا أكثر” (39)

ويقول أيضا في الكتاب عينه :

ويبدو لي أن الوضع لم يكن كذلك في صدر الإسلام، فكثيراً ما كانت المرأة تسأل رسول الله (ص) عن كثير من الأحكام المتعلقة بالطهارة وغيرها، بل إن نساء النبي كن في كثير من الأحيان نقلة وشرَّاحاً لكلمات النبي وما يوحى إليه(40).

وهاك مثالاً آخر، يكشف عن الفرق بين حضور المرأة و غيابها:

يفتي عدد من الفقهاء باشتراط الذكورة في مرجع التقليد ويستندون في هذه الفتوى إلى أن روح الشريعة والذوق الفقهي يقتضيان ضرورة التزامها بيتها وتحرُّزها من الاختلاط بالرجال (41).

ولكننا نجد إحدى النساء الفاضلات تحلل الموضوع بشكل مختلف:

يقولون: إن ذوق الشارع يقتضي تحرُّز المرأة من الاختلاط بالرجال؛ ولذلك لا يحق لها تسنّم منصب الإفتاء والمرجعية، وهذا الذوق المكتشف للشريعة هو الذي يقيد الأدلة المطلقة التي لا تميز بين الرجل والمرأة في جواز رجوع الجاهل إلى العالم.

ولكن السؤال هو: هل هذا مقيد؟ من الواضح أنه لا يصلح للتقييد والمنع من تقليد المرأة وأضرب مثالا لتوضيح هذا التصور : لو أن امرأة درست الطب وصارت من أكثر الناس خبرة فيه، فهل يحرم على الرجال الرجوع إليها لمعالجة أمراضهم ؟ من الواضح أنه لا يحرم، بل يجب عليهم الرجوع إليها.

ومن هنا أقول: لو صارت المرأة فقيهة فما المشكلة في تصديها للمرجعية؟

وما المشكلة في رجوع الناس إليها رجالاً ونساءً؟ وإذا كان المعوِّق هو الاختلاط، فإن وسائل الاتصال المعاصرة حلَّت هذه المشكلة، فمن الميسور جداً للمرأة أن تتصل بمن تشاء من دون أي اختلاط؛

ولذلك أقول: لو أن امرأة حازت على شرائط المرجعية يجوز تقليدها والرجوع إليها، على الأقل تقليد النساء لها، وقد نقل التاريخ لنا بعض النماذج في هذا المجال.

والغرض من طرح هذا الأمر، هو بيان أن المرأة قادرة على الوصول إلى أعلى المراتب العلمية ، وقد مهد الدين لها السبيل، ولكن ما يحول بينها وبين ذلك، هو مذاقنا وتصورنا الخاص عن المرأة والدين»(42).

الهوامش

(1) العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج2، ص 223
(2) الإمام الشافعي، الأم، ج1، ص275
(3) الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، المبسوط، ج1، ص184 .
(4) العلامة الحلي ، تذكرة الفقهاء، ج2، م46.
(5) سلسلة الينابيع الفقهية، ج 19، ص 268، اللمعة الدمشقية.
(6) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج2، ص 100 .
(7) الشيخ الطوسي، المبسوط، ج2 ص 38.
(8) المصدر نفسه، ج7، ص 27
(9) مصباح المتهجد، ص854
(10) الوسيلة، ص 119، جواهر الكلام، ص 73
(11) المهذب ج2، ص 506.
(12) شرائع الإسلام، ج 1، ص 273، قواعد الأحكام، ص 486؛إرشاد الأذهان، ج 1 ص 344، مسالك الأفهام. ج 3 ص 26؛ مجمع الفائدة والبرهان، ج 17، ص 453.
(13) المختصر النافع، ص112، كشف الرموز، ج1، ص 424 رياض المسائل، ج7، ص27
(14) مختلف الشیعة، ج4. ص33 .
(15) منتهی المطلب، ج2، ص468 .
(16) مسالك الأفهام، ج 1، ص15
(17) كشف الغطاء، ج2، ص 408 و414.
(18) التنقيح في شرح العروة الوثقی، کتاب الطهارة، ج8، م64.
(19) جواهر الكلام، ج29، ص 174.
(20) المصدر نفسه، ج 31، ص 307 نقلاً عن مسالك الأفهام.
(21) المصدر نفسه، 303
(22) المصدر نفسه،ص 303 و 304 و256 و261 .
(23) الكافي، ج2، ص384، ج 9.
(24) المصدر نفسه.
(25) المصدر نفسه، ج4، ص176، ج 3.
(26) المصدر نفسه، ج 5، ص 338
(27) وسائل الشيعة، ج20، ص 63، مؤسسة آل بیت
(28) المصدر نفسه
(29) جواهر الكلام، ج32، ص 288
(30) العروة الوثقي، مع تعليقات الإمام الخميني، ص 970. المسألة 51
(31) المبسوط، ج 4 ص 310
(32) المصدر نفسه
(33) جواهر الكلام ، ج31، ص 306 ،
(34) الدكتور حسن مهر بور، حقوق زن (حقوق المرأة)،ص356.
(35) جواهر الكلام ، ج31، ص 303 ، و 156.
(36) وسائل الشيعة، ج20، ص 63۔
(37) شبهات وردود حول القرآن الكريم، ص157 ، 158.
(38) مجلة دادرسی (مجلة القضاء) ، العدد 3، ص 5- 8.
(39) مجلة حكومت إسلامي (الحكومة الإسلامية)، العدد 4، ص 39 – 54
(40) عبد العزيز ساشادينا، السنين العقلائية في الإسلام، ص 200، “مقالة المرأة نصف الرجل”
(41) المصدر نفسه، ص 185
(42) التنقيح في شرح العروة الوثقى، ج 1، ص 226.
43- مجلة الحوزة (فارسي) العدد 41، ص 51.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky