هل كورونا مقدمة لظواهر عالمية وكونية قادمة؟ بقلم: بسام ناصر

الاجتهاد: مع اجتياح فيروس كورونا غالب دول العالم، وإحداثه اختلالات عميقة في نظام حياة ملايين البشر، وإخراجهم عما ألفوه واعتادوه في سابق أيامهم، تباينت الرؤى التفسيرية لهذه الجائحة التي أربكت العالم بأسره، بين من يقرأها في إطار نظريات المؤامرة المختلفة، وبين من يراها منتجا طبيعيا ، مع الحضور القوي للتفسيرات الدينية على اختلاف رؤاها وتوجهاتها.

وفي الوقت الذي تظل فيه تلك التفسيرات احتمالات ممكنة، يقوى بعضها ويضعف بعضها الآخر، فإن المقطوع به عالميا أن البشرية تتعرض لتهديدات غير مسبوقة، تنذر بأخطار جسيمة، تتهدد استقرارها واقتصاداتها وأمنها الاجتماعي، ما جعل الكثيرين ينظرون إلى تفشي كورونا باعتباره حدثا تاريخيا مفصليا، لن يكون حال العالم ما بعده كما كان ما قبله.

ووفقا لمراقبين فإن تفشي وباء كورونا فرض على البشرية تحديات وجودية لم تعهدها من قبل، وهو ما تجلى واضحا في خطابات وتصريحات زعماء وقادة العالم، إلى الحد الذي اعتبرته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل “أكبر تحدٍ بعد الحرب العالمية الثانية”.

ومن اللافت في غمرة انخراط دول العالم في مواجهة تفشي الوباء، باتخاذ التدابير العلاجية والوقائية الممكنة، تزايد الحديث عن زمن ما بعد كورونا، إذ تعددت التوقعات بشأن التغيرات التي سيحدثها على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية حول العالم، لكن السؤال عن اقتراب نهاية العالم، وما يجري بين يدي ذلك من أحداث وتحولات كان هو السؤال الأغرب الذي يجري تداوله بكثرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

فبحسب الكاتب الصحفي الأردني، حلمي الأسمر فإن “ما نشهده بشكل شبه يومي، من أحداث جسام وغير مألوفة في غير بقعة، يشي بأننا نعيش أياما حافلة بالانقلابات الكونية، صحيا وعلميا وسياسيا وحتى اقتصاديا، تدل على هذا كمية الأخبار غير المألوفة التي ينتجها البشر هذه الأيام، على نحو مرعب، وكلها أو جلها تحمل سوادا قائما عن كثرة الموت، وتنوع أساليب الإبادة والتفنن في إزهاق الأرواح”.

وأضاف في مقاله المعنون بـ”نهاية الزمان”: “ولم تكن كل هذه الفواجع لتحدث لو لم تسيطر على مقدّرات الكرة الأرضية عصابة من تجار الموت والمهووسين دينيا وعقائديا، إنجيليين كانوا أو هندوسا، أو حتى متأسلمين يسعون إلى إثبات ولائهم لحماتهم من أميركان وغيرهم..”.

من جهته رأى الأكاديمي والكاتب المصري، الدكتور حاتم الجوهري أن جائحة كورونا “ستجعل العالم في القرن الحادي والعشرين يتذكر كم هي المآسي التي ظنّ البعض أن التقنيات الحديثة جعلتها من الكلاسيكات أو الأحداث المنسية، كما ستجعل البشر الذين اعتادوا الرفاهية والقدرة على التحكم بالأشياء عن طريق المال يراجعون أنفسهم كثيرا”.

وأضاف “من المفترض والمتوقع إعادة توجيه الكثير من الموارد لما هو مشترك في المجالات الصحية الأساسية، بدلا من طب الرفاهية، والطب التجميلي الذي صنعوا له سوقا رائجة عن طريق وسائل الإعلام المدفوعة، وربما سيكون التأثير الاجتماعي هو الأبرز لجائحة كورونا، الذي سيعطي الكثير من الوزن النسبي لأفكار كانت تقبع في الهامش الأوروبي المعاصر، والتي تدور معظمها حول البحث عن نماذج حضارية أخرى” مستدركا “لكن الأمر سيستغرق وقتا قبل أن يتراجع الغرب عن سياساته المتعلقة بالهيمنة خاصة تجاه منطقة الشرق الأوسط”.

وطبقا للجوهري “فهناك من يؤيد احتمالية حدوث المزيد من الطفرات الطبيعية في مواجهة التراكم والمنجز الحضاري البشري، باعتباره ساهم في تغير المحيط البيئي (الإيكولوجي) الخاص بكوكب الأرض، ومن غير المستبعد أن يؤدي هذا النشاط لظهور طفرات طبيعية أخرى في مواجهة الآثار الجانبية للحضارة البشرية”.

وواصل حديثه: يمكننا الحديث عن توزيع العمران البشري وعشوائية توزيع كثافته وأثره على النشاط الزلزالي، وlربما تحدث المزيد من موجات تسونامي تأثرا بتغير نسب الغازات الصناعية المنبعثة في أجواء الكرة الأرضية، وربما انفلات أحد التجارب البشرية النوعية في الفيزياء أو الكيمياء”.

ولفت إلى أن “البعض قد يفسر ما يحدث في سياق ديني، باعتباره رسالة من السماء لسكان الأرض لضبط أنفسهم وسلوكياتهم بعض الشيء، ومن الوارد كذلك أن يتصور بعض الناس أن ما يحدث يأتي في سياق أحداث نهاية العالم، لكنها من قضايا الغيب، التي لا حكم لنا عليه”.

وكمثال كاشف عن بعض توجهات التفسير الديني لجائحة كورونا، يقول الصحفي الأردني المهتم بالفكر الإسلامي، حاتم الهرش تعليقا على تداعيات الجائحة بعد حديثه عما أحدثته على مستوى العالم “لكن الأهم، أن نستقرأ تحولات الأقدار، ومُرادات الله في كونه وخلقه، لأن ما لم يكن “معقولا”، أو “لا عقلانيا”، بات واقعا معيشا”.

وأضاف في منشوره عبر صفحته على الفيسبوك “وما أرى (كورونا) إلا افتتاحا لجُملة من الظواهر الكونية، خرقا لنمط ما من “المعقولية” التي عهدتها البشرية خلال قرن مضى أو يزيد.. بل وتدريبا للبشر على إلْفِ ما لم يكن معهودا، لاستقبال واردات القدر.. من (كورونا) إلى (أخرجنا لهم دابة من الأرض تُكلّمُهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يُوقنون)، على حد قوله.

بدوره قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأردنية، الدكتور أحمد برصان “إن جائحة كورونا ستحدث تحولات هامة في سياسات الدول الكبرى على المستوى الداخلي والخارجي، فمن المعلوم أن الدول الكبرى تخصص ميزانيات ضخمة للجانب العسكري، وتنفق على مشاريع التسليح مبالغ هائلة، لكن تفشي هذا الوباء نبّه العالم إلى أن الخطر لا يأتي دائما من الخارج، ما يعني حدوث تحولات كبيرة في الاهتمامات والنفقات.

وأضاف : “من المتوقع أن تراجع الدول الكبرى على الصعيد الدولي والإقليمي سياساتها الرامية إلى التوسع وبسط النفوذ خارج حدود بلادها، وأنها – على الأغلب – ستنكفئ على نفسها، لتنشغل بشكل أكبر بقضاياها الداخلية، خاصة ما يتعلق منها بالجانب الصحي وتحدياته الجديدة، بعد انكشاف الأنظمة الصحية العالمية أمام هذا الوباء المتفشي.

واستبعد برصان ما يقال من أن عالم ما بعد كورونا سيتمخض عن دفع الصين إلى صدارة المشهد السياسي العالمي، معللا ذلك بأن “الصين بحسب التجربة التاريخية ليس لديها سياسات توسعية خارجية، وهي لا تسعى لبسط نفوذها السياسي خارجيا، وإنما لديها طموحات اقتصادية، وهي بالفعل تسعى للتمدد الاقتصادي، لكن من غير أن تخوض صراعات خارجية على غرار ما فعلته أمريكا ودول أخرى”.

المصدر: عربي21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky